کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج7، ص: 175
عليها.
وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى نظرة الى الكون فيما حول الإنسان، كافية بأن تعطيه فكرة هامة هي: إن هذا الكون مخلوق، لأن كلّ شيء فيه مرتب ترتيبا دقيقا لهدف معين، فالأرض أعدت للسكن و الزراع و تخزين المعادن و المياه و غيرها، و الجبال لترسي الأرض و تصد الرياح و هكذا ..
و حسب حاجات الإنسان و الحيوان و الأرض و البيئة ينبت نبات الأرض، و هذا دليل على وجود حكمة بالغة تدبّر هذا الكون.
[54] كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى أولى النهى: أولو الفكر، و قد قال اللّه عنهم: يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ/ 147 رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ ، و أولي النهى- أي الذين ينهون الناس عن الانحراف.
[55] مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى هذه الأرض هي أمنا الحنون التي خلقنا منها و تحركنا عليها، ثمّ نعود الى بطنها ثمّ نخرج من بطنها مرة أخرى لكي نحاسب، هكذا قال موسى لفرعون.
و لعلّ مراد اللّه في هذه الآية تذكير الطغاة الذين يستعلون في الأرض بغير الحقّ، و يستعبدون الناس، تذكيرهم بانّ الناس جميعا من تراب، فلا تفاضل بينهم في المنشأ، و يعودون الى التراب، فلا تفاضل بينهم في المصير، و يقومون من التراب للجزاء، و هو الذي يجسّد التفاضل الحقيقي بينهم و ذلك بالعمل الصالح.
من هدى القرآن، ج7، ص: 176
[سورة طه (20): الآيات 56 الى 64]
/ 148
[اللغة]
58 [مكانا سوى]: منتصفا بيننا و بينك فلا يكون أقرب إليك و لا إلينا.
61 [فيسحتكم]: يستأصلكم، أو يهلككم فإنّ سحت أو أسحت بمعنى أهلك.
62 [و أسرّوا النجوى]: أخذ بعضهم يناجي الآخر سرا.
من هدى القرآن، ج7، ص: 177
63 [المثلى]: مؤنّث الأمثل، أي الأفضل و الأحسن.
من هدى القرآن، ج7، ص: 178
أساليب الطغاة في مواجهة الرسالة
هدى من الآيات:
على صاحب الرسالة أن لا يتصور الطاغوت حديدا لا يلين، إنّما هو بشر من لحم و دم، يملك فؤادا يتقلب بين الخوف و الرجاء، و الأمل و اليأس، و على الداعية أن يسعى من أجل تذكرة بشتى السبل الممكنة، و لكن لا يعني ذلك أن الطاغوت يستجيب له أبدا، فقد يؤمن و يهتز ضميره، و قد يبقى على ضلالته علوا و استكبارا.
و تؤكّد هذه الفكرة مقارنة بين هذه الآيات و آيات الدرس السابقة، ففيه نجد فرعون يتحدث/ 149 و كأن الأمور جميعا بيده، أما في هذا الدرس فقد تغير منطقه، فصار يتحدث باعتباره ندا لموسى (ع) حين قال فلنأتينك بسحر مثله، و قد جعل رأي الناس مقياسا.
و إنّما تغير أسلوب الحديث عند فرعون، بسبب الكلمات الصاعقة التي وجهها إليه موسى (ع).
من هدى القرآن، ج7، ص: 179
و هكذا قال فرعون لموسى (ع): هل لك أن تأتيني بآية؟ فأراه الآيتين: العصا و اليد البيضاء، و لكنه كذّب مبررا تكذيبه بالمعاذير التافهة- شأن كلّ إنسان يكذب بالحقيقية-، و الواقع إن هناك ثلاثة أساليب يتذرع بها الطغاة ضد أيّ تحرك يعارضهم:
أولا: تلفيق الاشاعات ضد المصلحين، و التي تتكرر بصور شتى، فمرة يقولون: إنّ هؤلاء مجانين كما قالوا للرسول، و مرة يقولون: إنّهم إرهابيون، و مرة يقولون: إنهم سحرة، و مرة يتهمونهم بالتطرف الديني.
ثانيا: محاولة احتواء الثورة، و طرح شعارات كاذبة و متشابهة لمواجهة مبادئ الرسالة، كالشاة المقبور حين رأى مدّا ثوريا حاول احتواءه بما سماه بالثورة البيضاء و التي لم تكن سوى شعارات فارغة، و بديلا زائفا للثورة الحقيقية.
و هكذا المستكبرون يغيّرون أنظمة الحكم في بلادنا كلما اهتزت عروشهم، و اهترأت أساليبهم، و يأتون بديلا عنها بأنظمة متناسبة و الظروف المتجددة، و يسرقون شعارات الثوار، و يفرغونها عن محتوياتها ليخدعوا بها السذج، حيث قال فرعون: فلنأتينك بسحر مثل سحرك، أي إذا كنت قد أتيت بعصا فسنأتيك بعصي و حبال مثلها.
ثالثا: طرح فكرة الصراع على الناس، حيث طلب فرعون إجراء استفتاء شعبي.
بينات من الآيات:
[56] وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَ أَبى العصا و اليد آيتان، و هناك آيات سبع أخريات ذكرها اللّه في سورة الأعراف
من هدى القرآن، ج7، ص: 180
هي: السنين، و النقص في الثمرات، و الطوفان، و الجراد، و القمل، و الضفادع، و الدم.
و أبلغ من هذه، تذكرة موسى (ع) فرعون باللّه و المعاد، و بأن أصله من تراب، و أن لا فضل له على الآخرين،/ 150 فكذّب و أبى إلّا الكفر.
[57] قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى تهمتان وجههما فرعون لموسى: اتهام موسى بأنه مخل بالأمن، و اتهامه بالسحر.
[58] فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ و لعل هذا القول يشبه مزايدات الانظمة في طرح الشعارات الوطنية و الثورية، و قد حاول فرعون إثارة حفيظة الجماهير ضد موسى، شأنه شأن كلّ الطغاة الذين يحاولون خداع الجماهير، فطلب من موسى تحديد موعد نهائي في مكان معين يجتمع فيه الناس فيتحدى السحرة آيات موسى.
فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَ بَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَ لا أَنْتَ مَكاناً سُوىً فبادر موسى (ع) و حدد ميعاد المواجهة حين قال:
[59] قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ يوم الزينة: يوم العيد، و لكن لما ذا يوم العيد بالذات؟
لأنه في يوم العيد يتفرغ الناس من أعمالهم.
وَ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى
من هدى القرآن، ج7، ص: 181
و حدد موسى (ع) وقت التحدي بالضحى، لان هذا الوقت يناسب الجميع فالنائم يكون قد استيقظ، و البعيد وصل، و الإنسان يكون في أفضل حالاته الفكرية.
[60] فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى / 151 و أخذ فرعون يعد عدّته، و يجمع كيده، و يلملم قواه.
[61] قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى لقد بادر موسى (ع) بإلقاء الحجة على السحرة قبل أن يتحداهم.
أولا: لأنه رسول إليهم أيضا، و أول واجبات الرسول هو إنقاذ الناس بالموعظة.
و ثانيا: هزّ ضمائرهم ليلحق بهم هزيمة نفسية، فكأنه قال لهم أيها السحرة! يا من تخدمون النظام بعلمكم، و تصبحون مرتزقة للظالمين من أجل لقمة خبز .. لا تفتروا على اللّه كذبا بادعائكم إني ساحر، أو بتأليهكم فرعون و تكذيبكم رسالتي فانكم إذا كنتم كذلك، سيسحتكم اللّه بعذاب بئيس، لان العلم نعمة من عند اللّه للإنسان يجب أن تشكر، فاذا لم تشكر أصبح نقمة، و السحت اقتلاع الشيء من جذوره، و إذا قلعت الشجرة من جذورها، يقال سحتّها.
[62] فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ بين مصدّق و مكذّب.