کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج13، ص: 425
في السلامة». «1»
، و لعل السبب في ذلك ان من يتبع عيوب الناس يستثير عدوانهم، أو لأنه يخلق المجتمع المفكك الذي لا يحلم في السلامة.
و قد جعلت بعض النصوص الدينية الغيبة أشد من الزنا، ربما لأن اثار الغيبة الخطيرة في تفرقة الناس و النيل من كرامتهم، و إشاعة الفاحشة أشد من اثار الزنا، لأن الحكمة المأثورة في حرمة الزنا هي اختلاط المياه و هدم الأسرة مما يسبب في تفكك المجتمع، و هذه حكمة حرمة الغيبة أيضا، و لكن يبدو أن الغيبة أفتك بوحدة الامة من أختها الزنية.
و قد أمر الإسلام بأن يستحل المغتاب من صاحبه حتى يغفر اللّه له، لان ذلك- فيما يبدو- يعيد العصمة المقطوعة بينهما و يسبب في إعادة اللحمة الى المجتمع، بالاضافة الى أن ذلك يكون رادعا/ 429 للمغتاب أن يعود الى مثل ذلك مرة أخرى.
قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الغيبة أشد من الزنا»، فقيل يا رسول اللّه و لم ذاك؟ قال «صاحب الزنا يتوب فيتوب اللّه عليه، و صاحب الغيبة يتوب فلا يتوب عليه حتى يكون صاحبه الذي يحله». «2»
و لأن الغيبة تفتح ثغرة في الحصن الاجتماعي فان على الناس أن يأخذوا على يد المغتاب حتى لا يهدم حصنهم، بأن يدافعوا عن أخيهم الغائب،
فقد جاء في الأثر عن ابن الدرداء عن أبيه أنه قال: نال رجل من عرض أخيه عند النبي، فردّ رجل من القوم عليه فقال النبي (صلّى اللّه عليه و آله) «من رد عن عرض أخيه كان له حجابا من النار». «3»
(1) المصدر
(2) المصدر/ ص 252
(3) المصدر
من هدى القرآن، ج13، ص: 426
و
في حديث آخر، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من رد عن عرض أخيه المسلم كتب له الجنة البتة». «1»
و
روي عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال: «من اغتيب عنده أخوة المؤمن فنصره و أعانه نصره اللّه في الدنيا و الآخرة، و من اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره و لم يدفع عنه و هو يقدر على نصرته و عونه خفضه اللّه في الدنيا و الآخرة» «2»
و لكي نحافظ على حصن ولاية اللّه المحيطة بنا، لا بد أن نذكر أخانا المؤمن بأحسن ما فيه حتى تزداد اللحمة الاجتماعية تماسكا، و القلوب المؤمنة صفاء و تحاببا.
/ 430
جاء في الحديث المروي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: «اذكروا أخاكم إذا غاب عنكم بأحسن ما تحبون أن تذكروا به إذا غبتم عنه». «3»
الغيبة: إشاعة الفاحشة
كيف تشيع الفاحشة في الأمة مع أن المغتاب حين يذكر صاحب الذنب يذمه بذنبه و يجعله أمثولة و عبرة لا مثلا صالحا و قدوة؟
السبب ان للذنوب هيبة في نفوس المؤمنين، و الجو العام في المجتمع المسلم يرفضها، فلذلك يضطر الذي قدم عليها الى التكتم، فاذا انتهكت عصمته أمام الملاء لم يعد يخفيها، كما ان الآخرين إذا عرفوا وجود من يرتكب الذنب لا يجدون حرجا من الاقتداء بهم، و هكذا تشيع الفاحشة في الأمة.
(1) المصدر
(2) المصدر ص 255
(3) المصدر/ ص 253
من هدى القرآن، ج13، ص: 427
من هنا يعتبر المذنب الكاتم لذنبه أقل إجراما ممن يتجاهر به، كما يعتبر الذي يذيع الفاحشة كمن يبتدأ بها.
جاء في الحديث عن الامام الصادق عليه السلام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من أذاع فاحشة كان كمبتديها، و من عيّر مؤمنا بشيء لا يموت حتى يركبه». «1»
و
جاء في حديث مأثور عن الامام الكاظم عليه السلام. قال (الراوي) قلت له (الامام): جعلت فداك، من إخواني يبلغني الشيء الذي/ 431 أكره له فأسأله عنه فينكر ذلك، و قد أخبرني عنه قوم ثقاة؟ فقال لي: يا محمد! كذب سمعك و بصرك عن أخيك، فان شهد عندك خمسون قسامة و قال لك قولا فصدقه و كذبهم، و لا تذيعن عليه شيئا تشينه، و تهدم به مروته، فتكون من الذين قال اللّه عز و جل: « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ». «2»
هؤلاء لا حرمة لهم
و قد أنهى الإسلام حرمة ثلاث طوائف:
الأولى: أئمة الجور الذين لا بد من توعية الناس بظلمهم و سوء إدارتهم حتى يتمكن المسلمون من إزاحتهم أو لا أقل من تجنب خطرهم، الثانية: أصحاب الضلالة كالأحزاب الكافرة و المنافقة و المبتدعين في الدين، الثالثة: الفسقة المتجاهرين.
فقد روي عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال: «ثلاثة ليست لهم حرمة:
(1) المصدر/ ص 255
(2) المصدر
من هدى القرآن، ج13، ص: 428
صاحب هوى مبتدع، و الامام الجائر، و الفاسق المعلن الفسق». «1»
و يبدو أن المظلوم أيضا يجوز له أن يغتاب من ظلمه لقوله سبحانه: «لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ».
/ 432 و
يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروته و ظهرت عدالته، و وجبت اخوته و حرمت غيبته». «2»
هكذا اشترط الرسول صلّى اللّه عليه و آله توافر هذه الصفات في المؤمن حتى تحرم غيبته.
كلمة جامعة في الغيبة
و
في نهاية المطاف نقرء معا كلمة جامعة في الغيبة منسوبة الى الامام الصادق عليه السلام أنه قال: «الغيبة حرام على كل مسلم، مأثوم صاحبها في كل حال، و صفة الغيبة أن تذكر أحدا بما ليس هو عند اللّه عيب، و تذم ما يحمده أهل العلم فيه، و أما الخوض في ذكر غائب بما هو عند اللّه مذموم و صاحبه فيه ملوم، فليس بغيبة و ان كره صاحبه إذا سمع به، و كنت أنت معافى عنه خاليا منه، تكون في ذلك مبينا للحق من الباطل ببيان اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و لكن على شرط أن لا يكون للقائل بذلك مرادا غير بيان الحق و الباطل في دين اللّه، و أما إذا أراد به نقص المذكور به بغير ذلك المعنى، مأخوذ بفساد مراده و إن كان صوابا، فان اغتبت فأبلغ المغتاب فلم يبق إلا أن تستحل منه، و إن لم يبلغه و لم يلحقه علم
(1) المصدر/ ص 253
(2) المصدر/ 252
من هدى القرآن، ج13، ص: 429
ذلك، فاستغفر اللّه له.
و الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أوحى اللّه تعالى عزّ و جلّ الى موسى بن عمران عليه السلام المغتاب إن تاب فهو آخر من/ 433 يدخل الجنة، و إن لم يتب فهو أول من يدخل النار، قال اللّه عزّ و جلّ: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (الآية)، و وجود الغيبة يقع بذكر عيب في الخلق و الخلق، و العقل و المعاملة و المذهب و الجيل و أشباهه، و أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع:
شفاء غيظ و مساعدة قوم، و تهمة، و تصديق خبر بلا كشفه، و سوء ظن، و حسد، و سخرية و تعجب، و تبرم، و تزين، فان أردت السلامة فاذكر الخالق لا المخلوق، فيصير لك مكان الغيبة عبرة و مكان الإثم ثوابا» «1» .
وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ و لعل هذه الخاتمة التي تفيض مغفرة و رحمة تدل الى أن الغيبة بلاء يعم الكثير من الناس و لا بد ألّا تصبح مقبولة، و يذهب قبحها، بل نتقي اللّه فيها، و من جهة أخرى لا يجوز أن يستبد اليأس بنا إذا وقعنا فيها بل نتوب الى اللّه ان اللّه تواب رحيم.
(1) بحار الأنوار/ 72/ ص 257 عن مصباح الشريعة ص 32
من هدى القرآن، ج13، ص: 430
[سورة الحجرات (49): الآيات 13 الى 18]
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18)
/ 434
من هدى القرآن، ج13، ص: 431
بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ
هدى من الآيات:
بعد أن يعطينا القرآن بصيرة الوحي في العلاقات بين أبناء آدم الرافضة لكل أشكال التمايز إلا بالتقوى، يذكرنا بأن الايمان درجة أعلى من الإسلام، و أن ادعاء الأعراب بلوغها خاطئ، بيد ان طاعة اللّه و الرسول لا تذهب سدى، (حتى و إن لم يبلغ المرء درجة الايمان).
و يبين الذكر مقياس الايمان الحق في الطهارة من الريب و الجهاد بالمال و النفس في سبيل اللّه. و يسفه أولئك الذين يدعون الايمان عن كذب أو لا يعلمون أن اللّه محيط علما بكل ما في السموات و الأرض فكيف لا يعلم مدى إيمانهم؟
/ 435 و تراهم يمنّون على الرسول إسلامهم (و قد يكون الإسلام من أجل متاع الدنيا).