کتابخانه روایات شیعه
إن يغضبوا صفحوا أو يوزنوا رجحوا
أو يوهبوا سمحوا أو يحكموا عدلوا
.
و بعد فاعلموا أيها الأنام أن الشهر المحرم الحرام عظيم الحرمة في الجاهلية و الإسلام و في العاشر منه كان مقتل الحسين ع و إنما تشأمت الفرقة الناجية بهلاله و أهملوا العبرات عند إقباله و تجددت لأهل البيت و شيعتهم الأحزان و أضرمت في قلوبهم النيران لفقود سيدهم و إمامهم عنهم فيه فلهذا كل منهم يتشأم به و لا يرتضيه فيجب على المؤمنين أن يقيموا سنن المصائب و الأحزان و يظهروا شعار الجزع و النوح بقدر الإمكان فقد تهدمت بقتله أركان الدين و تضعضعت جوانب الدين المبين شعر
أ لم تر أن الشمس أضحت مريضة
لقتل حسين ع و البلاد اقشعرت
و أن قتيل الطف من آل هاشم
أذل رقاب المسلمين فذلت
.
فلعمري لو بدلنا الدموع دما و صار العمر بأجمعه مأتما ما قمنا بعشر العشير مما يجب من حقوقهم علينا و أياديهم الحسنة الواصلة إلينا فلو كنت حاضرا يوم الطفوف لوقيته من الحتوف و طعن الرماح و ضرب السيوف و ما كنت لعمري أبخل عليه بعمري غير أن حجبني عن نصره الأقدار كما يشاء القادر المختار فلأعملن صوائب فكري في تعازيه بنظمي و نثري فيا أيها المؤمنون أجروا ماء عيون العيون و يا أيها الباكون سلوا لذيذ الرقاد من جفون الجفون أ ما تنظرون إلى هذا الخطب الفادح أ ما تبكون على هذا المصاب القادح فيا عجباه لمن يطيل النوح على الديار و يندب الربوع و الآثار و لا يبكي لمصاب السادة الأطهار الأبرار شعر
لِمُصَابِكُمْ تَتَزَلْزَلُ الْأَطْوَادُ
وَ لِقَتْلِكُمْ تَتَفَتَّتُ الْأَكْبَادُ
كل الرزايا بعد حين حلولها
تنسى و رزؤكم الجليل يعاد
.
فيا فؤادي أ بقريح من الكآبة لا تستريح و يا قلبي الواله الحيران دم في البكاء و الأحزان فيا حزناه عليهم و يا شوقاه إليهم
حنينا إلى الأرض التي تسكنونها
أقبل ترب الأرض في كل منزل
و حزنا على ما قد لقيتم من الظمإ
أغص بشرب الماء في كل منهل
.
أ ما يليق هذا الرزء العظيم أن تذهب عليه الأحلام أ ما يجب أن تشقق عليه القلوب فضلا عن الجيوب من عدة الآلام فأقيموا رحمكم الله المآتم و الأحزان و البسوا على هذا المصاب جلابيب النياحة و الامتحان و انظروا إلى الحواسر من النساء الأطاهر على أقتاب الجمال يتصفح وجوههن الرجال يساق بهم أسارى كأنهم بعض اليهود و النصارى
يا للرجال لعظم هول مصيبة
جلت مصيبتها و خطب هائل
الشمس كاسفة لفقد إمامنا
خير الخلائق و الإمام العادل
.
و اعلموا رحمكم الله أن نفثات الأحزان إذا صدرت عن زفير نيران الأشجان فرجت بعض الكروب عن الواله المكروب و الدموع الهتان إذا أسيلت عن مقرحات الأجفان نفس ذلك الدمع المصبوب بعض ما يجده المتيم المتعوب فيحسن عندكم النوح و البكاء على فقد الأليف و الخدين و لا يحسن النوح و البكاء على ابن أمير المؤمنين ع
ماء تدفق من جفوني
و هو عن نار بصدري
كالعود يوقد بعضه
و البعض منه الماء يجري
.
فلو علم الباكون أي أجر يحرزون أو درى النائحون أي ثواب يحصلون لتمنوا
دوام هذا الحال حتى المال أ تدرون بالله لمن تعزون و لأي شيء أنتم جالسون أنتم تعزون لخاتم النبيين ص و علي أمير المؤمنين ع و قد أشفيتم و الله ببكائكم صدور الأئمة المعصومين و فرجتم و الله هم البتول سيدة نساء العالمين فيا حبذا و الله لبكاء تجلى به الكربات و يا طوبى و الله لنوح تحصل بها السعادات فكيف تلتذون بالماء و إمامكم قتيل الظمإ و كيف تشبعون من الطعام و إمامكم و شيعته الكرام و أقرباؤه الأمناء الأعلام قد حكمت فيهم الطغام و سقوهم كأس الحمام شعر
لهم جسوم على الرمضاء ذائبة
و أنفس جاورت جنات باريها
كان قاصدها بالضر نافعها
أو أن قاتلها بالسيف محييها
.
و انظروا إلى الشهداء من الشيعة و الأقرباء لما علموا أنهم لا يصلون إلى خلع الله السنية إلا بخلع الحياة و لبس المنية و أنهم لا يصلون إلى مطلوبهم إلا ببذل النفوس في طاعة محبوبهم و علموا أنها المرتبة العالية و البغية الغالية تهافتوا على ذهاب النفوس يوم البئوس و بذل الأرواح يوم الكفاح و الأجساد يوم الجلاد و الأبدان يوم الطعان فلو شاهدت كل واحد منهم يوم الطفوف و هو يبادر إلى نقطة الرماح و شكل السيوف كعطشان أضر به الظماء إلى شرب ماء السماء
يلقى الرماح بنحره فكأنما
في ظنه عود من الريحان
و يرى السيوف و صوت وقع حدودها
عرسا تجليها عليه غواني
.
فيا لها من منقبة حصلوها و فضيلة أحرزوها فاقوا بها على الأولين و الآخرين في رضى ابن أمير المؤمنين
كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْصَى بِقَتْلِهِمْ
فَأَجْسَادُهُمْ فِي كُلِّ أَرْضٍ تُوَزَّعُ
.
فكم يومئذ من كبد مقروحة و عيون مسفوحة و لاطمة خدها و مستندبة جدها و من منشور شعرها و مهتوك سترها فأسعدوني أيها الناس بالبكاء و العويل و اندبوا لمن اهتز لفقده عرش الجليل و اسكبوا العبرات على الغريب القتيل
وَ جُرِّعَ كَأْسُ الْمَوْتِ بِالطَّفِّ أَنْفُساً
كِرَاماً وَ كَانُوا لِلرَّسُولِ وَدَائِعاً
و بدل سعد الشم من آل هاشم
بنحس و كانوا كالبدور طوالعا
.
قَالَتْ سَكِينَةُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع اعْتَنَقْتُهُ فَأُغْمِيَ عَلَيَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ
شِيعَتِي مَا إِنْ شَرِبْتُمْ رَيَّ عَذْبٍ فَاذْكُرُونِي
أَوْ سَمِعْتُمْ بِغَرِيبٍ أَوْ شَهِيدٍ فَانْدُبُونِي
.
فَقَامَتْ مَرْعُوبَةً قَدْ قُرِحَتْ مَآقِيهَا وَ هِيَ تَلْطِمُ عَلَى خَدَّيْهَا وَ إِذَا بِهَاتِفٍ يَقُولُ
بَكَتِ الْأَرْضُ وَ السَّمَاءُ عَلَيْهِ
بِدُمُوعٍ غَزِيرَةٍ وَ دِمَاءٍ
يَبْكِيَانِ الْمَقْتُولَ فِي كَرْبَلَاءَ
بَيْنَ غَوْغَاءِ أُمَّةٍ أَدْعِيَاءٍ
مُنِعَ الْمَاءَ وَ هُوَ عَنْهُ قَرِيبٌ
عَيْنٌ أَبْكَى الْمَمْنُوعَ شُرْبَ الْمَاءِ
.
إن أحسن نظم اللافظ و نثره و أبلغ وعظ الواعظ و زجره كلام من تطمئن القلوب بذكره قال الله تعالى و بقوله يهتدي المهتدون وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ .
الْخُطْبَةُ الْمُونِقَةُ لِعَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع
حَمِدْتُ مَنْ عَظُمَتْ مِنَّتُهُ وَ سَبَغَتْ نِعْمَتُهُ وَ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ وَ تَمَّتْ كَلِمَتُهُ وَ نَفَذَتْ مَشِيَّتُهُ وَ بَلَغَتْ حُجَّتُهُ وَ عَدَلَتْ قَضِيَّتُهُ حَمِدْتُ حَمْدَ مُقِرٍّ بِرُبُوبِيَّتِهِ مُتَخَضِّعٍ لِعُبُودِيَّتِهِ مُتَنَصِّلٍ مِنْ خَطِيئَتِهِ مُعْتَرِفٍ بِتَوْحِيدِهِ مُسْتَعِيذٍ مِنْ وَعِيدِهِ مُؤَمِّلٍ مِنْ رَبِّهِ مَغْفِرَةً تُنْجِيهِ يَوْمَ يَشْغَلُ عَنْ فَصِيلَتِهِ وَ بَنِيهِ وَ نَسْتَعِينُهُ وَ نَسْتَرْشِدُهُ وَ نُؤْمِنُ بِهِ وَ نَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَ شَهِدْتُ لَهُ بِضَمِيرٍ مُخْلِصٍ مُوقِنٍ وَ
فَرَّدْتُهُ تَفْرِيدَ مُؤْمِنٍ مُتْقِنٍ وَ وَحَّدْتُهُ تَوْحِيدَ عَبْدٍ مُذْعِنٍ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ فِي صُنْعِهِ جَلَّ عَنْ مُشِيرٍ وَ وَزِيرٍ وَ تَنَزَّهَ عَنْ مِثْلٍ [مَثِيلٍ] وَ نَظِيرٍ عَلِمَ فَسَتَرَ وَ بَطَنَ فَخَبَرَ وَ مَلَكَ فَقَهَرَ وَ عُصِيَ فَغَفَرَ وَ عُبِدَ فَشَكَرَ وَ حَكَمَ فَعَدَلَ وَ تَكَرَّمَ وَ تَفَضَّلَ لَمْ يَزَلْ وَ لَا يَزُولُ وَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ رَبٌّ مُتَفَرِّدٌ بِعِزَّتِهِ مُتَمَلِّكٌ بِقُوَّتِهِ مُتَقَدِّسٌ بِعُلُوِّهِ مُتَكَبِّرٌ بِسُمُوِّهِ لَيْسَ يُدْرِكُهُ بَصَرٌ وَ لَمْ يُحِطْ بِهِ نَظَرٌ قَوِيٌّ مَنِيعٌ بَصِيرٌ سَمِيعٌ عَلِيٌّ حَكِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ عَزِيزٌ عَلِيمٌ عَجَزَ فِي وَصْفِهِ مَنْ يَصِفُهُ وَ ضَلَّ فِي نَعْتِهِ مَنْ يَعْرِفُهُ قَرُبَ فَبَعُدَ وَ بَعُدَ فَقَرُبَ يُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ يَدْعُوهُ وَ يَرْزُقُ عَبْدَهُ وَ يَحْبُوهُ ذُو لُطْفٍ خَفِيٍّ وَ بَطْشٍ قَوِيٍّ وَ رَحْمَةٍ مُوَسَّعَةٍ وَ عُقُوبَةٍ مُوجِعَةٍ رَحْمَتُهُ جَنَّةٌ عَرِيضَةٌ مُونِقَةٌ وَ عُقُوبَتُهُ جَحِيمٌ مُؤْصَدَةٌ مُوبِقَةٌ وَ شَهِدْتُ بِبَعْثِ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَ رَسُولِهِ وَ صَفِيِّهِ وَ حَبِيبِهِ وَ خَلِيلِهِ بَعَثَهُ فِي خَيْرِ عَصْرِ وَ فِي حِينِ فَتْرَةٍ وَ كُفْرٍ رَحْمَةً لِعَبِيدِهِ وَ مِنَّةً لِمَزِيدِهِ خَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ وَ قَوَّى بِهِ حُجَّتَهُ فَوَعَظَ وَ نَصَحَ وَ بَلَّغَ وَ كَدَحَ رَءُوفٌ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ رَحِيمٌ وَلِيُّ سَخِيٌّ زَكِيٌّ رَضِيٌّ عَلَيْهِ رَحْمَةٌ وَ تَسْلِيمٌ وَ بَرَكَةٌ وَ تَعْظِيمٌ وَ تَكْرِيمٌ مِنْ رَبٍّ غَفُورٍ رَحِيمٍ قَرِيبٍ مُجِيبٍ وَصَّيْتُكُمْ مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَنِي بِتَقْوَى رَبِّكُمْ وَ ذَكَّرْتُكُمْ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِرَهْبَةٍ [بِرَحْمَةٍ] تُسْكِنُ قُلُوبَكُمْ وَ خَشْيَةٍ تُذْرِي دُمُوعَكُمْ وَ تَقِيَّةٍ تُنْجِيكُمْ يَوْمَ يُذْهِلُكُمْ وَ تُبْلِيكُمْ يَوْمَ يَفُوزُ فِيهِ مَنْ ثَقُلَ وَزْنُ حَسَنَتِهِ وَ خَفَّ وَزْنُ سَيِّئَتِهِ وَ لْتَكُنْ مَسْأَلَتُكُمْ مَسْأَلَةَ ذُلٍّ وَ خُضُوعٍ وَ شُكْرٍ وَ خُشُوعٍ وَ تَوْبَةٍ وَ نُزُوعٍ وَ نَدَمٍ وَ رُجُوعٍ وَ لِيَغْتَنِمْ كُلُّ مُغْتَنِمٍ مِنْكُمْ صِحَّتَهُ قَبْلَ سُقْمِهِ وَ شيبته [شَبِيبَتَهُ] قَبْلَ هَرَمِهِ وَ سَعَتَهُ قَبْلَ عَدَمِهِ وَ خَلْوَتَهُ قَبْلَ شُغْلِهِ وَ حَضَرَهُ
قَبْلَ سَفَرِهِ قَبْلَ هُوَ يَكْبُرَ وَ يَهْرَمَ وَ يَمْرَضَ وَ يَسْقَمَ وَ يَمَلَّهُ طَبِيبُهُ وَ يُعْرِضَ عَنْهُ حَبِيبُهُ وَ يَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ وَ يَنْقَطِعَ عُمُرُهُ ثُمَّ قِيلَ هُوَ مَوْعُوكٌ وَ جِسْمُهُ مَنْهُوكٌ قَدْ جَدَّ فِي نَزْعٍ شَدِيدٍ وَ حَضَرَهُ كُلُّ قَرِيبٍ وَ بَعِيدٍ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ وَ طَمَحَ بِنَظَرِهِ وَ رَشَحَ جَبِينُهُ وَ سَكَنَ حَنِينُهُ وَ جَذَبَتْ نَفْسُهُ وَ نُكِبْتَ عِرْسُهُ وَ حُفِرَ رَمْسُهُ وَ يُتِمَ مِنْهُ وُلْدُهُ وَ تَفَرَّقَ عَنْهُ عَدَدُهُ وَ قُسِمَ جَمْعُهُ وَ ذَهَبَ بَصَرُهُ وَ سَمْعُهُ وَ كُفِّنَ وَ مُدِّدَ وَ وُجِّهَ وَ جُرِّدَ وَ غُسِّلَ وَ عُرِّيَ وَ نُشِّفَ وَ سُجِّيَ وَ بُسِطَ لَهُ وَ هُيِّئَ وَ نُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ وَ شُدَّ مِنْهُ ذَقَنُهُ وَ قُمِّصَ وَ عُمِّمَ وَ لُفَّ وَ وُدِّعَ وَ سُلِّمَ وَ حُمِلَ فَوْقَ سَرِيرٍ وَ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِتَكْبِيرٍ وَ نُقِلَ مِنْ دُورٍ مُزَخْرَفَةٍ وَ قُصُورٍ مُشَيَّدَةٍ وَ حَجَرٍ مُنَضَدَّةٍ فَجُعِلَ فِي ضَرِيحٍ مَلْحُودٍ ضَيِّقٍ مَرْصُوصٍ بِلَبِنٍ مَنْضُودٍ مُسَقَّفٍ بِجُلْمُودٍ وَ هِيلَ عَلَيْهِ حَفْرُهُ وَ حُشِيَ عَلَيْهِ مَدَرَةٌ فَتَحَقَّقَ حَذَرُهُ وَ نُسِيَ خَبَرُهُ وَ رَجَعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَ نَدِيمُهُ وَ نَسِيبُهُ وَ حَمِيمُهُ وَ تَبَدَّلَ بِهِ قَرِينُهُ وَ حَبِيبُهُ وَ صَفِيُّهُ وَ نَدِيمُهُ فَهُوَ حَشْوُ قَبْرٍ وَ رَهِينُ قَفْرٍ يَسْعَى فِي جِسْمِهِ دُودُ قَبْرِهِ وَ يَسِيلُ صَدِيدُهُ مِنْ مَنْخِرِهِ وَ يُسْحَقُ ثَوْبُهُ وَ لَحْمُهُ وَ يَنْشُفُ دَمُهُ وَ يَرِقُّ عَظْمُهُ حَتَّى يَوْمَ حَشْرِهِ فَيُنْشَرُ مِنْ قَبْرِهِ وَ يُنْفَخُ فِي صُوْرٍ وَ يُدْعَى لِحَشْرٍ وَ نُشُورٍ فَثَمَّ بُعْثِرَتْ قُبُورٌ وَ حُصِّلَتْ صُدُورٌ وَ جِيءَ بِكُلِّ نَبِيٍّ وَ صِدِّيقٍ وَ شَهِيدٍ مِنْطِيقٍ وَ تَوَلَّى لِفَصْلِ حُكْمِهِ رَبٌّ قَدِيرٌ بِعَبِيدِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ فَكَمْ مِنْ زَفْرَةٍ تُضْنِيهِ وَ حَسْرَةٍ تُنْضِيهِ فِي مَوْقِفٍ مَهُولٍ عَظِيمٍ وَ مَشْهَدٍ جَلِيلٍ جَسِيمٍ بَيْنَ يَدَيْ مَلِيكٍ كَرِيمٍ بِكُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ عَلِيمٍ حِينَئِذٍ يُلْجِمُهُ عَرَقُهُ وَ يَحْفِزُهُ قَلَقُهُ عَبْرَتُهُ غَيْرُ مَرْحُومَةٍ وَ صَرْخَتُهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ وَ حُجَّتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَ تَئُولُ صَحِيفَتُهُ وَ تَبِينُ جَرِيرَتُهُ وَ نَطَقَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ
بِسُوءِ عَمَلِهِ فَشَهِدَتْ عَيْنُهُ بِنَظَرِهِ وَ يَدُهُ بِبَطْشِهِ وَ رِجْلُهُ بِخَطْوِهِ وَ جِلْدُهُ بِمَسِّهِ وَ فَرْجُهُ بِلَمْسِهِ وَ يُهَدِّدُهُ مُنْكَرٌ وَ نَكِيرٌ وَ كَشَفَ عَنْهُ بَصِيرٌ فَسُلْسِلَ جِيدُهُ وَ غَلَتْ يَدُهُ وَ سِيقَ يُسْحَبُ وَحْدَهُ فَوَرَدَ جَهَنَّمَ بِكَرْبٍ شَدِيدٍ وَ ظِلٍّ يُعَذَّبُ فِي جَحِيمٍ وَ يُسْقَى شَرْبَةً مِنْ حَمِيمٍ تُشْوِي وَجْهَهُ وَ تَسْلَخُ جِلْدَهُ يَضْرِبُهُ زَبِينَتُهُ بِمِقْمَعٍ مِنْ حَدِيدٍ يَعُودُ جِلْدُهُ بَعْدَ نُضْجِهِ بِجِلْدٍ جَدِيدٍ يَسْتَغِيثُ فَيَعْرِضُ عَنْهُ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ وَ يَسْتَصْرِخُ فَيَلْبَثُ حُقْبَهُ بِنَدَمٍ نَعُوذُ بِرَبٍّ قَدِيرٍ مِنْ شَرِّ كُلِّ مَصِيرٍ وَ نَسْأَلُهُ عَفْوَ مَنْ رَضِيَ عَنْهُ وَ مَغْفِرَةَ مَنْ قَبِلَ مِنْهُ فَهُوَ وَلِيُّ مَسْأَلَتِي وَ مُنْجِحٌ طَلِبَتِي فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ تَعْذِيبِ رَبِّهِ سَكَنَ فِي جَنَّتِهِ بِقُرْبِهِ وَ خُلِّدَ فِي قُصُورٍ مُشَيَّدَةٍ وَ مُكِّنَ مِنْ حُورٍ عِينٍ وَ حَفَدَةٍ وَ طِيفَ عَلَيْهِ بِكُئُوسٍ وَ سَكَنَ حَظِيرَةَ فِرْدَوْسٍ وَ تَقَلَّبَ فِي نَعِيمٍ وَ سُقِيَ مِنْ تَسْنِيمٍ وَ شَرِبَ مِنْ عَيْنٍ سَلْسَبِيلٍ مَمْزُوجَةٍ بِزَنْجَبِيلٍ مَخْتُومَةٍ بِمِسْكٍ وَ عَبِيرٍ مُسْتَدِيمٍ لِلْحُبُورِ مُسْتَشْعِرٍ لِلسُّرُورِ يَشْرَبُ مِنْ خُمُورٍ فِي رَوْضٍ مُشْرِقٍ مُغْدِقٍ لَيْسَ يَصْدَعُ مِنْ شُرْبِهِ وَ لَيْسَ يُنْزَفُ هَذِهِ مَنْزِلَةُ مَنْ خَشِيَ رَبَّهُ وَ حَذَّرَ نَفْسَهُ وَ تِلْكَ عُقُوبَةُ مَنْ عَصَى مُنْشِيَهُ وَ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةَ مُبْدِيهِ ذَلِكَ قَوْلٌ فَصْلٌ وَ حُكْمٌ عَدْلٌ خَيْرُ قِصَصٍ قُصَّ وَ وَعْظٍ بِهِ نُصَ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ نَزَلَ بِهِ رُوحُ قُدُسٍ مُبِينٍ عَلَى نَبِيٍّ مُهْتَدٍ مَكِينٍ صَلَّتْ عَلَيْهِ رُسُلٌ سَفَرَةٌ مُكْرَمُونَ بَرَرَةٌ عُذْتُ بِرَبٍّ رَحِيمٍ مِنْ شَرِّ كُلِّ رَجِيمٍ فَلْيَتَضَرَّعْ مُتَضَرِّعُكُمْ وَ لْيَبْتَهِلْ مُبْتَهِلُكُمْ فَسَنَسْتَغْفِرُ رَبَّ كُلِّ مَرْبُوبٍ لِي وَ لَكُمْ.
خطبة مجنسة للشيخ زين الدين علي بن يونس البياضي