کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج1، ص: 99
بيت الرجل الذي هم منه، حتى اختص عرفا بهذا المعنى .. بل لا يقال آل فلان الا إذا كان لهذا الفلان مكانة و شأن، بعكس الأهل، فإنها أعم من ذلك ..
و المراد بآل فرعون هنا أتباعه الذين كانوا يباشرون التنكيل بالاسرائيليين بأمر منه. و قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره الكبير البحر المحيط: «لم يكن لفرعون ابن و لا بنت و لا عم و لا خال و لا عصبة» .. و لا أعرف الدليل الذي اعتمده لقوله هذا.
و فرعون لقب لملك مصر في ذاك العهد، ككسرى الفرس، و قيصر الروم، و نجاشي الحبشة، و تبع اليمن، و خاقان الترك .. و قد أصبحت هذه الألقاب المالكة في خبر كان، و للّه الحمد، و معنى البلاء الاختيار و الامتحان بما ينفع أو يضر، قال تعالى: «وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ - الاعراف 167».
الاعراب:
فرعون ممنوع من الصرف للعلمية و العجمة، و سوء العذاب مفعول مطلق، لأن معنى يسومونكم يعذبونكم.
المعنى:
بعد أن ذكّر اللّه سبحانه بني إسرائيل بنعمه عليهم بنحو الإجمال ذكّرهم بها على سبيل التفصيل، و أولى هذه النعم التي أشار اليها هي نجاتهم من فرعون و أتباعه الذين أذاقوا اليهود أشد العذاب، و فسر اللّه سبحانه هذا العذاب بقوله:
(يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يقتلون الذكور من نسلكم، و يستبقون الإناث أحياء ليتخذوهن خدما «1» ..
(1) قال صاحب مجمع البيان: ان فرعون رأى في منامه ما أخافه و أزعجه، و ان السحرة فسروا له المنام بغلام من بني إسرائيل يقتله، و من أجل هذا فعل فرعون بالاسرائيليين ما فعل .. و هذا جائز في نفسه، و لكن لا دليل يعتمد عليه.
تفسير الكاشف، ج1، ص: 100
هذا، الى ان المصريين كانوا يسخّرون اليهود في قطع الأحجار و نقلها، و حفر الأقنية، و ما الى ذلك من الأعمال الشاقة.
و جاء الخطاب لليهود المعاصرين لمحمد (ص) لأنهم على دين أسلافهم، و راضون بعملهم، و من أحب عمل قوم شاركهم فيه.
(وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي ان اللّه سبحانه قد اختبركم- يا بني إسرائيل- في السراء و الضراء معا، لتعرفوا: هل تجاهدون و تصبرون في الجهاد صبر الكرام في الأولى، و تشكرون على الثانية، أو انكم تخضعون و تستسلمون في الشدة، و تكفرون و تطغون في الرخاء شأن كل جبان لئيم.
و تجدر الاشارة الى ان اللّه سبحانه لا يختبر عبده ليعلم ما هو عليه .. كلا، فانه يعلم بكل كائن قبل أن يكون .. و لكنّه يختبر العبد، لاقامة الحجة عليه، إذ لا دعوى لمن لا حجة له، حتى و لو كان المدعى به ثابتا في علم اللّه تعالى.
و أشار سبحانه الى النعمة الثانية على بني إسرائيل بقوله: (وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) أي فصلنا البحر و جعلناه اثني عشر طريقا على عدد الأسباط، و الباء من (بكم) للسببية أي بسببكم، و السبط هو ولد الولد، و الأسباط من بني إسرائيل عشائر من نسل يعقوب.
و الخلاصة لقد كان اليهود في غاية الضعف و المذلة، و كان خصمهم في غاية القوة و العزة، فعكس اللّه الآية على يد نبيه موسى (ع) فصاروا هم الأعزاء، و خصمهم الذليل، و عاينوا (وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ذل من بالغ في إذلالهم، و هلاك من حاول إهلاكهم، و بهذا لزمتهم الحجة، و وجب عليهم أن يتعظوا و يعتبروا و لا يعاملوا غيرهم بما كان يعاملهم الغير.
و ما أشبه معاملة اليهود اليوم لعرب فلسطين بمعاملة الفراعنة لليهود من قبل ..
و ستنعكس الآية، و تدور الدائرة على اليهود كما دارت على فرعون لا محالة، و عليهم في يد بختنصر و الرومان .. ان للباطل جولة، ثم يضمحل .. و أعجب ما في الإنسان انه يقع في الشدائد، فإذا أنجاه اللّه منها طغى و بغى، و نسي كل شيء.
و قال كثير من أهل التفسير: ان البحر المذكور هو بحر القلزم أي البحر الأحمر.
تفسير الكاشف، ج1، ص: 101
[سورة البقرة (2): الآيات 51 الى 53]
وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى الآية 51- 53:
اللغة:
مصدر واعدنا المواعدة، أي المفاعلة بين اثنين، كما لو تواعدا اللقاء في مكان معين، و وجه المفاعلة- هنا- ان اللّه سبحانه وعد موسى الوحي، و موسى (ع) وعد اللّه المجيء .. أما الوعد فهو مصدر وعد، و يكون من طرف واحد، و يصح استعمال واعدنا بمعنى وعدنا.
و لفظة موسى تطلق على آلة الفولاذ التي يحلق بها الشعر، و تذكّر و تؤنث، و الجمع مواس و مواسيات، و هي بهذا المعنى عربية لا أعجمية .. أما لفظة موسى التي يراد بها ابن عمران (ع) فهي أعجمية لا عربية، مركبة من كلمتين في اللغة القبطية، و هما (مو) اسم للماء و (سى) اسم للشجر .. و في اللغة العبرية (شى) .. و يكون معنى موسى ماء الشجر .. أما وجه تسمية موسى بماء الشجر فهو- على ما جاء في مجمع البيان- ان جواري آسية امرأة فرعون خرجن للاغتسال بماء الشجر فوجدن التابوت الذي فيه موسى عند ماء الشجر، فصحبنه معهن .. و الفرقان ما يفصل بين شيئين، و المراد به هنا الذي يفصل بين الحق و الباطل.
الاعراب:
الذي يتبادر الى الفهم للوهلة الأولى ان (أربعين) ظرف مفعول فيه .. و ليس كذلك .. لأن الاعراب يتبع صحة المعنى، و لو كان (أربعين) مفعولا به
تفسير الكاشف، ج1، ص: 102
للزم تعدد الوعد من اللّه لموسى بتعدد الليالي، لأن الوعد هو العامل بالليالي ..
و معلوم ان اللّه سبحانه لم يصدر منه لموسى الا وعد واحد موقت بانقضاء أربعين ليلة، و عليه تكون كلمة انقضاء المحذوفة مفعولا به ثانيا لواعدنا، و بعد حذفها أقيمت (أربعين) مقامها، و أعربت اعرابها، تماما كما تقول: اليوم ثلاثة من الشهر، أي تمام الثلاثة، لأن الواحد غير الثلاثة. و ليلة تمييز.
المعنى:
بعد ان أهلك اللّه فرعون و من معه تنفس الاسرائيليون الصعداء، و عادوا الى مصر آمنين، كما في المجمع، و لم تكن التوراة قد نزلت بعد على موسى، فسألوه ان يأتيهم بكتاب من ربهم، فوعده اللّه أن ينزل عليه التوراة، و ضرب له ميقاتا، فقال لهم موسى: ان ربي وعدني بكتاب، فيه بيان ما يجب عليكم أن تفعلوه، و تذروه، و ضرب لهم ميقاتا أربعين ليلة، و هذه الليالي- على ما قيل- هي ذو القعدة، و عشر ذي الحجة.
و ذهب موسى الى ربه ليأتي قومه بالكتاب، و استخلف عليهم أخاه هارون، و قبل أن يمضي الميقات الموعود على غيابه عبدوا العجل من دون اللّه، و ظلموا بذلك أنفسهم، و هذا هو المعنى الظاهر من قوله سبحانه: «وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ» .
و بعد ان رجع موسى الى قومه تابوا من شركهم، و رجعوا الى ربهم، فقبل اللّه توبتهم .. و هذه نعمة ثالثة من اللّه عليهم، و اليها أشارت الآية: «ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» .
أما النعمة الرابعة فهو كتاب اللّه: «وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» . و هذا الكتاب هو التوراة الجامعة لبيان الحق و الباطل، و الحلال و الحرام، أما عطف الفرقان على الكتاب فهو من باب عطف الصفة على الموصوف، كقوله سبحانه في الآية 48 من الأنبياء: «وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ» .
و اختصارا ان اللّه جل و عز ذكّر الاسرائيليين في الآيات المتقدمة بأربع نعم:
تفسير الكاشف، ج1، ص: 103
انجائهم من ذبح الأبناء و استحياء النساء، ثم هلاك فرعون، ثم العفو عنهم، ثم إيتاء موسى التوراة. و من أحسن ما قرأته في هذا الباب- و أنا أتتبع ال 17 تفسيرا التي لدي- هو قول أبي حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط:
«انظر الى حسن هذه الفصول التي انتظمت انتظام الدر في أسلاكها، و الزهر في أفلاكها، كل فصل منها- أي من النعم- قد ختم بمناسبة، و ارتقى في ذروة فصاحته أعلى مناصبه، واردا من اللّه على لسان محمد أمينه دون أن يتلو من قبل كتابا، و لا خطه بيمينه».
يشير أبو حيان بهذا الى ان تلك الصور المتلاحقة المنتظمة هي من معجزات محمد، لأنه أخبر بها من غير تعلّم .. رحم اللّه السلف و غفر لهم، و أجزل عليهم النعم و العطية، فإنهم ما رأوا ظاهرة يستشم منها تأييد هذا الدين و نبيه الأكرم الا مدوا اليها الأعناق بلهفة و اشتياق، و بادروا اليها شرحا و تفصيلا، و استخراجا و تدليلا، فأين أين نحن علماء هذا الزمان الذين نتكالب على الدنيا، و لا نرى هما الا همّ أنفسنا، و لا مشكلة الا مشكلة أولادنا .. أين نحن من أولئك الأعاظم الذين ضحوا بكل شيء من أجل إعزاز الإسلام و نبي الإسلام؟.
عفا اللّه عنهم و رفعهم و كل من خدم الدين الى أعلى الدرجات.
[سورة البقرة (2): الآيات 54 الى 57]
وَ إِذْ قالَ مُوسى الآية 54- 57:
تفسير الكاشف، ج1، ص: 104
اللغة:
البارئ هو الخالق، و المنّ مادة لزجة تشبه العسل، و السلوى السّمان طائر معروف، و الغمام اسم جنس مفرده غمامة، فالتاء للإفراد، لا للتأنيث، تماما كحمام و حمامة.
الاعراب:
يا قومي منادى مضاف الى ياء المتكلم، ثم حذفت الياء، و اجتزئ عنها بالكسرة، و جهرة قائم مقام المفعول المطلق، و كلوا فعل أمر، و الجملة محل نصب مفعول لفعل محذوف، تقديره قلنا كلوا.
المعنى:
(وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) .. كل معنى يسبق الى الفهم بمجرد سماع اللفظ لا يحتاج الى تفسير، بل تفسيره و شرحه ضرب من الفضول .. و هذه الآية من هذا الباب.
(فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) .. القتل ظاهر في إزهاق الروح، و لا سبب موجب لصرفه و تأويله بمخالفة الهوى، و تذليل النفس بالاعتراف بالذنب و الخطيئة، أو التشديد و المبالغة في طاعة اللّه- كما قيل- و المراد بالأنفس هنا بعضها، أي ليقتل بعضكم بعضا، فيتولى البريء منكم الذي لم يرتد عن دينه بعبادة العجل قتل من ارتد عن دينه، تماما كقوله تعالى: «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» .
أي فليسلّم بعضكم على بعض، و كقوله: «وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ» . أي لا يغتب بعضكم بعضا.
تفسير الكاشف، ج1، ص: 105
و قال الطبرسي في مجمعه- من الامامية- و الرازي في تفسيره الكبير- من السنة قالا: ان اللّه سبحانه جعل توبتهم بنفس القتل، بحيث لا تتم التوبة، و لا تحصل إلا بقتل النفس، لا انهم يتوبون أولا، ثم يقتلون أنفسهم بعد التوبة.
و لهذا الحكم نظائره في الشريعة الاسلامية، حيث اعتبرت القتل حدا و عقوبة على جريمة الارتداد ..
و تمضي الآيات في تعداد مساوئ الاسرائيليين: (وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) . حين جاءهم موسى بالتوراة قال له جماعة منهم: لا نصدقك في ان هذا الكتاب من عند اللّه، حتى نرى اللّه عيانا لا حجاب بيننا و بينه، و يخبرنا وجها لوجه انه أرسلك بهذا الكتاب.
و لست أدري ان كان الذين ينكرون وجود اللّه في هذا العصر، لا لشيء إلا لأنهم لم يشاهدوه جهرة، لست أدري: هل استند هؤلاء في انكارهم الى كفر أولئك الاسرائيليين و عنادهم؟.
قال اليهود لموسى: لن نؤمن حتى نرى اللّه جهرة .. و قال من قال في هذا العصر: لا وجود إلا لما نراه بالعين، و نلمسه باليد، و نشمه بالأنف، و نأكله بالفم .. و هكذا يكرر التاريخ صورة المكابرة و معاندة الحق في كل جيل.
(فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) . أي ان عذابا من السماء أحاط بالذين قالوا لموسى: لن نؤمن حتى نرى اللّه، و أهلكهم على مرأى من أصحابهم الذين لم يعاندوا، و يسألوا مثل ذلك.
(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . قال بعض المفسرين، و منهم الشيخ محمد عبده، كما في تفسير المنار، قالوا: ان اللّه سبحانه لم يرجعهم الى هذه الحياة ثانية بعد أن أخذتهم الصاعقة، و ان المراد ببعثهم كثرة النسل منهم.
و قال آخرون: كلا، ان الآية على ظاهر دلالتها، و ان الذين أعيدوا هم الذين أخذتهم الصاعقة بالذات .. و هذا هو الحق، حيث يجب الوقوف عند الظاهر إلا مع السبب الموجب للتأويل، و لا سبب ما دامت الاعادة ممكنة في نظر العقل، و قد وقع نظير ذلك لعزير، كما دلت الآية 259 من سورة البقرة: