کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج7، ص: 330
اللغة:
الجنة الوقاية. و يؤفكون يصرفون. لووا رؤوسهم أمالوها أو حركوها.
يصدون يعرضون.
الإعراب:
كسرت همزة إن بعد يعلم و يشهد لأن اللام دخلت على خبرها، و لولاها لكانت مفتوحة. و ما كانوا يعملون «ما» مصدرية و المصدر المنسبك فاعل ساء أي ساء عملهم. و دخلت اللام على «قولهم» لأن تسمع تتضمن معنى تصغي.
و جملة كأنهم مستأنفة أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم كأنهم. و عليهم متعلقة بمحذوف مفعولا ثانيا ليحسبون. و انّى موضعها النصب على الحال إذا كانت بمعنى كيف و على المفعول المطلق إذا كانت بمعنى أي و على الظرفية إذا كانت بمعنى أين.
و سواء مبتدأ و عليهم متعلق به لأن سواء بمعنى مستو، و استغفرت أصلها أ أستغفرت و الهمزة للتسوية لا للاستفهام و لذا صح وقوعها خبرا للمبتدإ. و قيل: سواء خبر مقدم و الفعل مؤول بمصدر مبتدأ مؤخر. و نحن لا نرى وجها لهذا التأويل حيث لا توجد أداة مصدرية، و المعنى يصح بدون تأويل.
المعنى:
أثنى القرآن على الصحابة و جهادهم في سبيل الإسلام، و نوّه بمنازلهم و أقدارهم، و أيضا تحدث في العديد من سوره عن المنافقين و تلوّنهم و إصرارهم على الكيد للإسلام و نبيه. و لا نهاية للحديث عن المنافقين لأن أكاذيبهم و أساليبهم الملتوية لا حد لها و لا نهاية .. فلا بدع أن يتكرر الحديث عنهم، و أن يخصهم اللّه سبحانه بسورة في كتابه، و قد وصفهم فيها بأقبح الصفات، منها:
أضمروا الكفر باللّه، و العداء لنبيه الكريم، و أظهروا الحب و الايمان به و برسالته
تفسير الكاشف، ج7، ص: 331
(وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) . المراد بشهادة اللّه علمه تعالى، و المعنى ان المنافقين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و اللّه يعلم ما يسرون و ما يعلنون، و هو لهم بالمرصاد، و أيضا النبي يعلم حقيقتهم، و لكنه مأمور أن يعاملهم بالظاهر لا بالواقع، قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على اللّه». و أبلغ ما قرأت في الفرق بين المؤمن و المنافق قول الإمام علي (ع): «لسان المؤمن من وراء قلبه، و قلب المنافق من وراء لسانه». أي ان لسان المؤمن تابع لقلبه، فلا يقول إلا ما يعتقد، أما المنافق فقلبه تابع للسانه، و لسانه يدور مع أهوائه و أغراضه .. و نتيجة ذلك ان المنافق لا قلب له إلا الهوى و الغرض.
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . كثيرا ما كانت تتكشف نوايا المنافقين و دسائسهم ضد الرسول (ص) و المسلمين، و كانوا كلما حدث شيء من ذلك اتخذوا من ايمانهم وقاية يتقون بها غضب النبي (ص)، و يسترون بها ما يكيدون لرسول اللّه، و ما يصدون عن الايمان به و برسالته (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من التلون و المكر و الغدر.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) . المراد بآمنوا انهم عرفوا بين الناس بالايمان .. و إلا فإن المنافقين لم يؤمنوا باللّه طرفة عين، و قوله تعالى، ثم كفروا أي ثم عرفهم الناس بأنهم كانوا يظهرون الايمان و يضمرون الكفر، أما قوله: فطبع على قلوبهم فمعناه انها لا تهتدي الى الرشد و الخير بعد أن أعماها الهوى و الضلال. و تقدم مثله في الآية 137 من سورة النساء» ج 2 ص 462.
(وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) . جمال في المنظر، و قبح في المخبر، و بتعبير الإمام علي (ع) قلوبهم دويّة- أي مريضة- و صفاحهم نقية (وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لأنهم يتحدثون بكلام المخلصين، و يقولون في الدنيا و أشيائها بقول الزاهدين (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) .. تمثال من خشب، و لكنه يأكل و يشرب، و كل من عمي عن الهدى فهو ميت الأحياء.
(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) . هنا تدب فيهم الروح
تفسير الكاشف، ج7، ص: 332
و لكن روح الجبن و الهلع من هتك الأستار و كشف الأسرار، فلا يسمعون صوتا إلا و يظنونه صيحة العذاب تأخذهم من حيث لا يشعرون .. و قد زادهم هذا الجبن و الهلع لؤما و حقدا عليكم أيها المخلصون فاحذروا من غيلتهم و غدرهم، و فوّتوا عليهم الفرصة بكل ما تستطيعون (قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) . هذا ذم بصيغة الدعاء و التعجب، و المعنى هم ملعونون لأنهم انصرفوا عن الحق و أعرضوا عنه تمردا و عنادا.
و كل ما جاء في وصف المنافقين في عهد الرسول (ص) فهو صورة طبق الأصل لعملاء اليوم الذين يتآمرون مع أعداء اللّه و الوطن على الكيد لأمتهم و الغدر بها .. و لا جريمة أعظم من خيانة الأمة، و لا شيء أفظع من غش الإنسان لأخيه الإنسان.
(وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) . إذا نصحهم ناصح و قال لهم: توبوا مما أنتم فيه يغفر اللّه لكم و رسوله أصروا على الباطل و أعرضوا عن الحق، و هزّوا رؤوسهم ساخرين متكبرين، لأنهم أجلّ و أعظم ممن يحتاج إلى الرسول و رضوانه كما يزعمون (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) . لا جدوى من استصلاحهم- إذن- فلا جدوى من طلب المغفرة لهم .. ان اللّه غفور رحيم، ما في ذلك ريب، و رحمة اللّه وسعت كل شيء إلا من يأباها و يتكبر عليها .. و ليس من الرحمة في شيء أن ترحم من لا يرى نفسه محتاجا إلى رحمتك (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ما داموا مصرّين على الفسق. و تقدم مثله في الآية 80 من سورة التوبة ج 4 ص 75.
[سورة المنافقون (63): الآيات 7 الى 11]
تفسير الكاشف، ج7، ص: 333
الإعراب:
الأعز فاعل ليخرجن، و الأذل مفعول، و نون يخرجن للتوكيد. و ربّ أي يا ربي. و لو لا هلا. و أصل فأصدّق فأتصدق و محلها النصب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب لو لا. و أكن أي ان أخرتني أكن.
المعنى:
(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) . ضمير «هم» يعود الى المنافقين، و المراد بمن عند رسول اللّه فقراء المهاجرين، و كان أغنياء الأنصار يعينون هؤلاء الفقراء، و ينفقون عليهم، فقال المنافقون للأغنياء:
لا تنفقوا أموالكم على أحد من المهاجرين، لعلهم يستيأسون من النبي فيتفرقوا عنه.
فردّ عليهم سبحانه بقوله: (وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) . أ تأمرون الناس بالبخل و عدم الإنفاق على من آمن باللّه و جاهد في سبيله، و اللّه خالق الخلق و مالكه و رازقه و وارثه، و هو القادر على ان يغني المؤمنين من فضله؟. و لكنكم لا تعقلون هذه الحقيقة أيها المنافقون.
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) . قال المفسرون:
لهذه الآية قصة تتصل برأس النفاق عبد اللّه بن أبي، و بغزوة بني المصطلق، و كانوا فرعا من خزاعة يسكنون على مقربة من مكة، و قد عز عليهم أن يكون للإسلام شأن في الجزيرة العربية، فتهيئوا لحرب النبي (ص) بقيادة زعيمهم الحارث
تفسير الكاشف، ج7، ص: 334
ابن أبي ضرار، و لما علم النبي بادر اليهم بجيشه قبل أن يزحفوا الى المدينة، و خرج ابن أبي مع جيش المسلمين رغبة في الغنيمة، فنصر اللّه نبيه على أعدائه، و غنم الكثير من أموالهم، و رأى أن يفضل في العطاء الفقراء المهاجرين لينشلهم من الفقر، و يقرب الفوارق بين الأغنياء و الفقراء، فامتلأ عبد اللّه بن أبي غيظا، و أخذ يحرض بعض الأنصار، و قال فيما قال: «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» . يريد بالأعز نفسه، و بالأذل النبي (ص) فنزلت هذه الآية، و تخاذل ابن أبي، و لم يجد ما يتعلل به .. و قال كثير من المفسرين: انه نطق بكلمة الكفر هذه لخلاف وقع بين أحد أتباعه و أجير لعمر بن الخطاب.
و كان لعبد اللّه بن أبي ولد صالح، اسمه عبد اللّه أيضا، و لما علم بأمر أبيه ذهب الى رسول اللّه (ص) و قال له: لقد كان من أمر أبي ما قد علمت، فإن كنت تريد قتله فمرني و أنا أقتله لأني أخشى أن تأمر غيري بقتله فلا تدعني نفسي أنظر الى قاتل أبي، فأقتل مؤمنا بكافر و ادخل النار، فأجابه الرسول:
بل نرفق بأبيك و نحسن صحبته ما بقي معنا.
(وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ) . هذا رد على ابن أبي الذي وصف نفسه بالأعز .. و عزة اللّه سبحانه بأنه القاهر فوق عباده، و عزة الرسول بإظهار دينه على جميع الأديان و خذلان أعدائه و محادّيه، أما عزة المؤمنين فبنصرة الحق و أهله (وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ان العز بالايمان و التقوى.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) . من تدبر هذه الآية و التي قبلها يرى أن المراد بذكر اللّه هنا الجهاد، لأن اللّه سبحانه ذكر أولا أن العزة له و لرسوله و للمؤمنين، ثم نهى المؤمنين و حذرهم من الغفلة و التشاغل عن ذكر اللّه بالدنيا و حطامها، و جعل نتيجة هذا التشاغل الخسران أي الخزي و المذلة دنيا و آخرة، و ليس من شك ان الخزي و المذلة نتيجة حتمية لحب الحياة و الخوف من الجهاد و الاستشهاد .. و لا شيء أصدق و أدل على هذه الحقيقة من حياة المسلمين و العرب في هذا العصر.
(وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) . المراد بإتيان الموت ظهور أماراته
تفسير الكاشف، ج7، ص: 335
و مقدماته، و المعنى بادروا الفرصة بالإنفاق مما أعطاكم اللّه من فضله، و من أهمل حتى يأتي يومه الأخير فإنه يعض يد الندامة، و يتضرع للّه أن يمهله بعض الوقت ..
و لكن هيهات أن يرجع ما فات. و تقدم مثله في الآية 44 من سورة ابراهيم ج 4 ص 456 (وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) . الأجل محتوم لا تقديم له و لا تأخير، و من أضاع الفرصة فلا شيء له إلا الحسرة و الكآبة.
و تقدم مثله في الآية 145 من سورة آل عمران ج 2 ص 171 فقرة «الأجل محتوم» و الآية 34 من سورة الأعراف.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 336
سورة التّغابن
18 آية مدنية. و قيل مكية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التغابن (64): الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللغة: