کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج7، ص: 511
[سورة النازعات (79): الآيات 34 الى 46]
اللغة:
الطامة الكبرى القيامة لأنها تطم على كل داهية. و المأوى المستقر. و مقام اللّه الجلال و العظمة. و العشية آخر النهار، و الضحى أوله.
الإعراب:
يوم يتذكر «يوم» مفعول لفعل محذوف اي اعني يوم يتذكر. فأما من طغى جواب إذا جاءت. و إيان خبر مقدم و معناها متى، و مرساها مبتدأ مؤخر. فيم خبر و أنت مبتدأ و من ذكراها متعلق بما تعلق به الخبر. و إلى ربك منتهاها مبتدأ و خبر على حذف مضاف اي منتهى علمها. و عشية على حذف مضاف ايضا اي عشية يوم، و ضمير ضحاها يعود إلى عشية لأن كلا من العشية و الضحى جزء من يوم واحد.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 512
المعنى:
(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) . إذا قامت القيامة دمرت الكون بأرضه و سمائه، و لم يبق من شيء إلا خالق كل شيء .. و هذه هي الطامة الكبرى، و اي شيء اكبر منها و أعظم، و من هنا قيل: ما من طامة إلا و فوقها طامة، و القيامة فوق كل طامة (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) . إذا انتقل من الفانية إلى الباقية يرى صحيفة أعماله مع الجزاء، إن خيرا فخير و إن شرا فشرّ، و عندئذ يتذكر سعيه في الحياة الدنيا و ما كسبت يداه (وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) لا يحجبه عن رؤيتها حاجب، و لا يحرسها منه حارس، و فوق ذلك: «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا» - 71 مريم.
(فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) . من انقاد إلى أهوائه أوردته المهالك، و من تغلب عليها أبصر الطريق، و بلغ من الخير غايته .. و الهوى علة العلل، و صدق من قال: من أطاع هواه اعطى عدوه مناه. و قال آخر: إن حقيقة الإنسان هي نفسه، فإذا تغلب عليها الهوى أصبح مخلوقا آخر لا يشبه الإنسان في قلبه و لا عقله. و مما قاله الإمام علي (ع) في وصف من قاس الحق بأهوائه: «لا يعرف باب الهدى فيتبعه، و لا باب العمى فيجتنبه، فذلك ميت الأحياء». و تجدر الاشارة إلى ان المراد بالهوى ما خالف الحق و العدل، و إلا فإن النفس تشتهي الحلال كما تشتهي الحرام.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) متى تقوم القيامة؟ (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) . يطلبون منك يا محمد أن تحدد لهم اليوم الذي تقوم فيه القيامة، و لا يدخل هذا في اختصاصك، و لا في شيء من وظيفتك، و المطلوب منك ان تخوف الناس من القيامة و أهوالها، أما متى تكون فعلم ذلك عند اللّه، و قد شاءت حكمته أن يخفيها عن عباده حتى الأنبياء و المقربين، و أن لا تأتيهم إلا بغتة. و تقدم مثله في الآية 187 من سورة الأعراف: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها»
تفسير الكاشف، ج7، ص: 513
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) . أنكروا القيامة حتى إذا رأوها أيقنوا انها الحق الذي لا ريب فيه، و انها دار القرار، و ان الدنيا طريق اليها و ممر، فإذا طوت أهلها بالموت أدركوا ان أعمارهم فيها كانت أشبه بطيف او بساعة من نهار .. و مثله الآية 45 من سورة يونس: «وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ» ج 4 ص 164.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 514
سورة عبس
42 آية مكية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة عبس (80): الآيات 1 الى 16]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16)
اللغة:
صحف كتب. و مكرمة من التكريم و التعظيم. و مرفوعة من رفعة القدر و علو الشأن. و مطهرة منزهة عن العبث و الضلال. و سفرة و سفراء جمع سفير و سافر و المراد بهم هنا الملائكة و الأنبياء. و البررة جمع بارّ.
الإعراب:
المصدر من ان جاءه مفعول من أجله لعبس. و ما يدريك مبتدأ و خبر. و من
تفسير الكاشف، ج7، ص: 515
استغنى مبتدأ و أنت مبتدأ ثان و جملة تصدى خبر الثاني و الجملة منه و من خبره خبر الأول و أصل تصدى تتصدى. و ما عليك «ما» نافية تعمل عمل ليس و اسمها محذوف. و عليك متعلق بمحذوف خبرا لما النافية، و المصدر من ان لا تزكى مجرور بفي المقدرة و المجرور متعلق باسم «ما» أي ما بأس كائن عليك في عدم تزكيته.
و ضمير انها لآيات القرآن. و ضمير ذكره للّه أو للقرآن. و في صحف صفة لتذكرة أي مثبتة في صحف مكرمة، و يجوز ان تكون في صحف خبرا لمبتدأ محذوف اي هي في صحف.
من هو العابس؟
اتفق المفسرون على ان الأعمى هو ابن ام مكتوم صاحب رسول اللّه (ص) و ابن خال خديجة زوجة الرسول، و اختلفوا في العابس. فقيل: انه مجهول، و لهذا القول وجه، لأن اللّه سبحانه ذكره بضمير الغائب، و لم يبين لنا من هو؟.
و مثله كثير في القرآن، و منه: «ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) القيامة- 33. و قيل:
هو رجل من بني أمية كان عند رسول اللّه (ص) فلما رأى الأعمى تقذر منه، و أعرض عنه. و المشهور بين المفسرين و غيرهم ان الذي عبس و تولى هو رسول اللّه (ص)، و ان السبب لذلك ان ابن مكتوم أتاه و هو في مكة، و كان عنده عتاة الشرك من ذوي الجاه و المال: عتبة و شيبة ابنا ربيعة و ابو جهل و الوليد بن المغيرة و غيرهم، و كان مقبلا عليهم، و مشغولا بهم دون الجالسين، يذكّرهم باللّه، و يحذرهم عاقبة الشرك و البغي، و يعدهم خير الدنيا و الآخرة ان أسلموا، و هو يرجو بذلك هدايتهم، و ان يكونوا قوة للإسلام، و ان يكفوا شرهم- على الأقل- و كان الإسلام ضعيفا آنذاك و في محنة و شدة من كيدهم و عدائهم.
فقطع الفقير الأعمى كلام الرسول مع القوم، و قال: علمني يا رسول اللّه شيئا أنتفع به مما علمك اللّه .. فمضى الرسول في كلامه مع القوم، و لما أعاد الأعمى و كرر كره الرسول منه ذلك، و ظهرت كراهيته في وجهه، فعاتب سبحانه نبيه الكريم بضمير الغائب «عبس و تولى» ثم بضمير المخاطب «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى» .
تفسير الكاشف، ج7، ص: 516
هذا ما ذهب اليه أكثر المفسرين، و له وجه أرجح و أقوى من الوجه الأول لمكان ضمير المخاطب «أنت» فان المراد به الرسول- بحسب الظاهر- و عليه يكون بيانا و تفسيرا للضمير الغائب في عبس و التفاتا من الغائب الى الحاضر .. و لكن قول المفسرين: ان اللّه عاتب النبي على ذلك لا وجه له على الإطلاق حيث لا موجب للعتاب في فعل الرسول (ص) لأنه أراد أن يغتنم الفرصة قبل فواتها مع أولئك العتاة، أن يغتنمها و يستغلها لمصلحة الإسلام و المسلمين لا لمصلحته و مصلحة أهله و ذويه، أما تعليم المسلم الأحكام و الفروع فليس له وقت محدود بل هو ممكن في كل وقت، و بتعبير الفقهاء ان اسلام الكافر مضيّق يفوت بفوات وقته، أما تعليم المسلم أحكام الدين فموسّع يمكن القيام به في أي حين، و المضيق أهم، و الموسع مهم و الأهم مقدم بحكم العقل .. اذن، عمل الرسول آنذاك كان خيرا و حكمة.
و تسأل: على هذا ينبغي أن يوجه اللوم و العتاب على الأعمى دون غيره مع ان اللّه سبحانه قد أثنى عليه، و دافع عنه؟
الجواب: لا لوم و لا عتاب على النبي و لا على الأعمى في هذه الآيات، و انما هي في واقعها تحقير و توبيخ للمشركين الذين أقبل عليهم النبي بقصد أن يستميلهم و يرغبهم في الإسلام لأن اللّه يقول لنبيه في هذه الآيات: لما ذا تتعجل النصر لدين اللّه، و تسلك اليه كل سبيل حتى بلغ الأمر ان ترجو الخير و تأمل هداية أشقى الخلق و أكثرهم فسادا و ضلالا .. دعهم في طغيانهم، و أغلظ لهم، فإنهم أحقر من أن ينتصر اللّه بهم لدينه، و أضعف من أن يقفوا في طريق الإسلام و تقدمه، فإن اللّه سيذل أعداءه مهما بلغوا من الجاه و المال، و يظهر دينه على الدين كله و لو كره المشركون .. فهذه الآيات قريبة في معناها من قوله تعالى: «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» - 8 فاطر. ثم انتقل سبحانه الى تقرير الحقيقة المطلقة، و هي «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» قررها بأسلوب آخر، و هو ان الذي يخشى و يزكى و تنفعه الذكرى هو الذي يستحق التكريم و التعظيم، أما من يعرض عن الحق و لا ينتفع بمواعظ اللّه فيجب نبذه و احتقاره، و ان كان أغنى الأغنياء و سيد الوجهاء.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 517
المعنى:
(عَبَسَ وَ تَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) و هو ابن ام مكتوم، قصد الرسول الأعظم (ص) ليسأله عن أحكام دينه، فأعرض عنه لاشتغاله بما هو أهم كما ذكرنا .. و كان هذا الأعمى من المهاجرين الأولين، و المؤذن الثاني لرسول اللّه (ص) و استخلفه على المدينة يصلي في الناس أكثر من مرة. و قيل: انه ولد أعمى و ان اسمه عبد اللّه، و وصفه سبحانه بالأعمى للاشارة الى عذره في الإلحاح بالمسألة (وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) . أي شيء جعلك داريا و عارفا بحقيقة هذا الأعمى؟. و لو استجبت لرغبته و ألقيت بعض أحكام الدين لانتفع و عمل بما تلقيه عليه.
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) . أعرضت عمن يشعر بالحاجة الى ما عندك من علم اللّه، و أقبلت على من يرى نفسه في غنى عن اللّه و عنك بما يملك من جاه و مال، ترجو هدايته و رجوعه عن الضلال. و هل ترجى الهداية ممن أعماه الهوى و الجهل: «فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ» - 43 يونس.
(وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) . لا شيء عليك و لا على الإسلام من كفر الكافر و ضلاله، و مثله: «وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً» - 42 المائدة.
(وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَ هُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) . تشاغلت بالمشركين طمعا بإسلامهم و هدايتهم، و تعافلت عن المؤمن الذي قصدك للاستفادة من عملك اتكالا على إيمانه، و ان في وقت التعليم سعة و فسحة .. فدع الطغاة للّه وحده فهو لهم بالمرصاد، و أقبل على من تفتح قلبه للهدى و الخير.