کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 358

و مهما يكن، فان المهم مراعاة صحة الطفل و مصلحته التي تختلف باختلاف الأجسام .. هذا، و قد كان لمثل هذه البحوث أهميتها فيما مضى، حيث لم تكن المواد الغذائية الصحية للأطفال و غير الأطفال متوافرة، أما اليوم و قد توافرت و أصبحت في متناول كل يد فلم يعد لهذه المسائل من موضوع.

(وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) . المولود له هو الأب، و اللفظ ظاهر في وجوب الإنفاق على من كانت في عصمة الزوج غير مطلقة كانت، أم في العدة الرجعية، و المراد بالرزق الطعام و الإدام، و عبّر عن النفقة التي من جملتها الإسكان، عبّر عنها بالرزق و الكسوة، لأنهما الأهم، و المراد بالمعروف مراعاة حال المرأة في النفقة، و مكانتها الاجتماعية.

أما مراعاة حال الرجل المادية فقد أشار اليها سبحانه بقوله: (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها) . و نجد التفسير الواضح لهذه الجملة في قوله تعالى: «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها - الطلاق 7».

كان للإمام جعفر الصادق (ع) أصحاب كثر، و ربما تأخروا عنده الى وقت الغداء، فيقدم اليهم الطعام، فحينا يأتيهم بالخبز و الخل، و حينا بأطيب المآكل، فسأله واحد منهم عن ذلك؟. فقال: ان وسع وسعنا، و ان ضيق ضيقنا.

(لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) . يجب الوقوف عند قوله تعالى: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ، لأن قضاة الشرع في هذا الزمان يستشهدون كثيرا بهذه الآية في أحكامهم، و يفسرونها بأنه ليس للأب الإضرار بالأم عن طريق وليدها، أما أهل التفسير فيكادون يجمعون على العكس، و ان المعنى لا تأبى الأم أن ترضع وليدها، و تضره لتغيظ أباه بذلك. قال صاحب مجمع البيان ما نصه بالحرف: «لا تضار والدة بولدها، أي لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيظا على أبيه». و أين هذا من استشهاد القضاة بالآية على ان الأب ليس له الإضرار بالأم بسبب الولد؟.

و نقول بعد توجيه الذهن الى الآية غير مثقل بأقوال الفقهاء و المفسرين: ان الشقاق و الخلاف كثيرا ما يقع بين المرء و زوجه، و يتعمد كل منهما أن يغيظ

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 359

الآخر متخذا الإضرار بالولد وسيلة لهذه الغاية، و بالنتيجة يذهب الطفل ضحية شقاقهما و نزاعهما .. و مثال تعمد الأم إيذاء الأب بسبب إيصال الضرر الى الولد أن تمتنع عن ارضاعه، مع حاجته الى الرضاعة، تمتنع لا لشي‏ء الا تعجيزا للأب .. و مثال تعمد الأب إيذاء الأم أن ينتزع الولد منها، و يعطيه الى أجنبية ترضعه، مع رغبة الأم في إمساكه و ارضاعه.

و قد نهى اللّه جل و عز عن الإضرار بشتى أنواعه، سواء توجه ابتداء الى الطفل، أم الى الوالد، أم الوالدة بسبب الطفل. هذا هو المتبادر من قوله تعالى: (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) . و لا يتنافى مع قول المفسرين، و يتنافى مع استشهاد القضاة، و ان كان قولهم صحيحا في ذاته، و لكن الخطأ في الاستشهاد.

و تسأل: ان لفظ تضار يفيد المشاركة، كالمكالمة، مع العلم بأن القصد هو الإضرار من طرف واحد، و بتعبير أخصر: لم قال تضار، و الفعل واحد؟

على حد تعبير الرازي.

الجواب: ان تعمد أحد الوالدين الإضرار بالآخر بسبب الولد هو في نفس الوقت تعمد للإضرار بنفسه، لأن ضرر الولد ضرر للوالدين، بل أشد و أعظم.

(وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) . اختلفوا في المراد من الوارث، هل هو وارث الأب، أو وارث الابن؟ و سياق الكلام يرجح انه وارث المولود له، و هو الأب، لأن الكلام فيه، و لكن المعنى لا يستقيم، لأن الطفل و الأم من جملة ورثة الأب، و لأن قوله تعالى: (مِثْلُ ذلِكَ) اشارة إلى أنه يجب على وارث الأب من النفقة مثل ما يجب على الأب، و بالنتيجة يكون المعنى ان نفقة الأم واجبة على الأم، و أيضا على رضيعها، و على بقية الورثة، ان كانوا هناك، مع العلم بأن الأم لا تجب نفقتها على أحد إذا كان لها ما تنفقه على نفسها، سواء اتصل اليها المال من ميراثها من زوجها، أو من سبيل آخر .. هذا، إلى أنه لا معنى لوجوب إنفاقها على نفسها من مالها.

و إذا فسرنا الوارث بوارث الابن نخالف الظاهر من جهة، و الواقع من جهة ثانية، لأن نفقة الأم لا تجب على من يرث ابنها .. أجل، يجب لأمه في ماله‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 360

اجرة الرضاعة ان كان له مال، و لكن الأجرة شي‏ء، و النفقة بمعناها الصحيح شي‏ء آخر.

و الحق ان هذه الآية من المشكلات، و لذا قال مالك: انها منسوخة، كما نقل أبو بكر المالكي في كتاب أحكام القرآن، و قد تخطاها بعض المفسرين، و بعضهم نقل الأقوال فيها من غير ترجيح، و وجه المشكلة ما بيناه ان الظاهر إذا بقي على ما هو لم يستقم المعنى، و نعني بالظاهر تفسير الوارث بوارث الأب، و تفسير (مثل ذلك) بنفقة الأم .. و ان فسرنا الوارث بوارث الابن، و فسرنا (مثل ذلك) باجرة الرضاعة يستقيم المعنى .. و لكن نخالف الظاهر باللفظين، و هما الوارث، و مثل ذلك .. و لكن لا سبيل غير مخالفة الظاهر و تأويله، و غير بعيد أن تكون الأحاديث الواردة في الرضاع و أجرته صالحة للدلالة على صحة هذا التأويل.

(فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) . الفصال هو الفطام، لأنه يفصل الولد عن أمه، و يفصلها عنه، و المعنى ان للوالدين أن يفطما الطفل قبل استيفاء الحولين، أو بعدهما إذا تم هذا بالاتفاق و التشاور بينهما في مصلحة الطفل، بل للأب أن يسلم طفله للمرضعة المأجورة، و الى هذا أشار سبحانه بقوله:

(وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) .

قوله: إذا سلمتم ما آتيتم خطاب للآباء، و المعنى يا أيها الآباء ان الأم أحق بارضاع ولدها من الأجنبية، و لها عليكم أجرة المثل، فإذا أنتم سلمتم لها بهذا الحق، و أيضا ضمنتم لها أجرة المثل عن الرضاعة، و أبت هي بعد ذلك أن ترضعه الا بزيادة عما تستحق، إذا كان كذلك فلا بأس عليكم حينئذ أن تسترضعوا لأولادكم المراضع الأجنبيات .. و قيل: إذا سلمتم و آتيتم، معناه إذا أديتم للمراضع الأجنبيات الأجور المعروفة و المعتادة بين الناس فلا جناح عليكم.

و مهما يكن، فان على الأب أن يؤدي لكل ذات حق حقها أما كانت أو ظئرا، أي المرضعة لولد غيرها.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 361

[سورة البقرة (2): الآيات 234 الى 235]

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)

اللغة:

أصل التوفي أخذ الشي‏ء كاملا وافيا، و من مات فقد استوفى عمره، و التربص الانتظار، و التعريض التلويح من غير تصريح، و الخطبة بكسر الخاء طلب الرجل المرأة للزواج، و الكتاب بمعنى المكتوب، و المراد به هنا المفروض.

الاعراب:

الذين مبتدأ، و يتربصن الجملة خبر، و حذف الظرف، و هو بعدهم لظهوره، و عشرا بالتأنيث تغليبا لليالي على الأيام، منكم متعلق بمحذوف حال، و كذا فيما عرضتم، و المصدر من ان تقولوا في موضع نصب على انه بدل من سرا.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 362

المعنى:

(وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً) .

اتفق الفقهاء كافة على ان عدة المتوفى عنها زوجها، و هي غير حامل، أربعة أشهر و عشرة أيام، كبيرة كانت أو صغيرة، آيسة أو غير آيسة، دخل بها الزوج أو لم يدخل، و استدلوا على ذلك بهذه الآية.

أما إذا كانت حاملا فقالت المذاهب الأربعة السنية: ان عدتها تنقضي بوضع الحمل، و لو بعد وفاة الزوج بلحظة، بحيث يحل لها أن تتزوج، و لو قبل الدفن، لقوله تعالى: «وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» .

و قال فقهاء الإمامية: ان عدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل، و الأربعة أشهر و عشرة أيام، فان مضت الأربعة و العشرة قبل الوضع اعتدت بالوضع، و ان وضعت قبل مضي الأربعة و العشرة اعتدت بالأربعة و العشرة، و استدلوا على ذلك بضرورة الجمع بين آية «يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» . و آية «أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» . فالآية الأولى جعلت العدة أربعة و عشرة، و هي تشمل الحامل و غير الحامل، و الآية الثانية جعلت عدة الحامل وضع الحمل، و هي تشمل المطلقة، و من توفي عنها الزوج، فيحصل التنافي بين ظاهر الآيتين في المرأة الحامل التي تضع قبل أربعة أشهر و عشرة أيام، فبموجب الآية الثانية تنتهي العدة، لأنها وضعت الحمل، و بموجب الآية الأولى لا تنتهي، لأن الأربعة و العشرة لم تنته.

و أيضا يحصل التنافي إذا مضت الأربعة و العشرة، و لم تضع الحمل، فبموجب الآية الأولى تنتهي العدة، لأن مدة الأربعة و العشرة مضت، و بموجب الآية الثانية لم تنته، لأنها لم تضع الحمل، و كلام القرآن واحد يجب أن يلائم بعضه بعضا، و إذا عطفنا احدى الآيتين على الأخرى، و جمعناهما في كلام واحد هكذا «وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» «وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» ، إذا جمعنا الآيتين في كلام واحد يكون المعنى ان عدة الوفاة أربعة أشهر و عشرة أيام لغير الحامل، و للحامل التي‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 363

تضع قبل مضي الأربعة و العشرة، و تكون عدة الوفاة للحامل التي تضع بعد مضي الأربعة و العشرة وضع الحمل.

و إذا قال قائل: كيف جعل الامامية عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين من وضع الحمل و الأربعة و العشرة مع ان آية: «وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» صريحة بأن الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل، إذا قال هذا قائل أجابه الامامية كيف قالت المذاهب السنية الأربعة: ان عدة الحامل المتوفى عنها زوجها سنتان إذا استمر الحمل طوال هذه المدة- على مذهبهم- مع ان آية «وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» صريحة بأن العدة أربعة و عشرة، و إذا قال قائل منهم: عملا بأولات الأحمال قال قائل من الإمامية: عملا بآية و الذين يتوفون .. اذن لا مجال للعمل بالآيتين إلا القول بأبعد الأجلين.

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي إذا انقضت عدة الوفاة فلا إثم عليكم أيها المسلمون أن تفعل المرأة ما كان محظورا عليها أيام العدة من التزيّن و التعرض للخطّاب على الوجه المعروف شرعا و عرفا، و انما خاطب اللّه المسلمين المصلحين لأن عليهم من باب النهي عن المنكر أن يمنعوا المرأة إذا تجاوزت الحدود الشرعية.

و اتفق الفقهاء قولا واحدا على ان المعتدة عدة وفاة يجب عليها أن تجتنب كل ما يحسنها، و يرغّب في النظر اليها، و يدعو الى اشتهائها، و تعيين ذلك يعود الى أهل العرف.

(وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) . حرم اللّه سبحانه الزواج أثناء العدة، أية عدة تكون، بل حرم على الرجل أن يخطب المرأة صراحة أيام عدتها، حتى و لو كانت عدة وفاة، أو عدة الطلاق البائن ..

و أباح سبحانه التلويح بالخطبة، دون التصريح في غير عدة الطلاق الرجعي، لأن المطلقة الرجعية لا تزال في عصمة المطلق.

(أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) . كل ما يخطر في البال، و يعزم عليه القلب لا جناح فيه عند اللّه سبحانه، لأنه غير مقدور، و انما المقدور هو الآثار و اللواحق، فإذا عزم الرجل على الزواج من المعتدة فهو غير آثم، و لكن إذا صرح بعزمه‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 364

هذا، فخطبها أو أبدى لها ما يكنّ صراحة فهو آثم، لأن العزم غير مقدور، و التصريح مقدور .. و قد جاء في الحديث: إذا حسدت فلا تبغ، فنهى عن البغي الذي هو أثر من آثار الحسد، و لم ينه عن الحسد بالذات، لأنه غير مقدور.

(عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) في أنفسكم، و لذا أباح لكم التلويح، و لو حرم عليكم التلويح و التصريح لشق ذلك عليكم. (وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) .

حتى التلويح بالزواج أثناء العدة الرجعية أو غيرها لا يجوز في الخلوة، لأن الخلوة بين الرجل و المرأة تجر الى ما لا يرضي اللّه، و في الحديث ما اختلى رجل و امرأة الا و كان الشيطان ثالثا لهما .. بخاصة إذا كانت مرغوبة لمن اختلى بها .. اللهم الا أن يكون الرجل على يقين بأن الخلوة لا تؤدي به الى الحرام في القول، و لا في الفعل، و عندها يجوز له أن يقول لها في السر ما لا يستنكر عند المهذبين في العلانية، و إلى هذا الاستثناء أشار سبحانه بقوله: (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً) .

(وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) عزما باتا قطعيا، أو لا تنشئوا عقد الزواج‏ (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) بانقضاء العدة.

الزواج في العدة:

و بعد أن اتفق المسلمون جميعا على ان العقد و الخطبة الصريحة أثناء العدة من المحرمات، و ان العقد باطل قطعا، و لا أثر له إطلاقا، بعد هذا الاتفاق اختلفوا فيما بينهم: هل تحرم المرأة حرمة مؤبدة على من كان قد عقد عليها أثناء العدة، أو يجوز له ان يستأنف العقد عليها و الزواج منها بعد انقضاء العدة؟.

قال الحنفية و الشافعية: لا مانع من تزويجه بها ثانية. (بداية المجتهد).

و قال الإمامية: إذا عقد عليها، مع علمه بالعدة و الحرمة حرمت عليه مؤبدا، سواء ادخل أم لم يدخل، و إذا عقد عليها جاهلا بالعدة و الحرمة فلا تحرم مؤبدا الا إذا دخل، و له استئناف العقد بعد العدة إذا لم يدخل.

صفحه بعد