کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج2، ص: 320
[سورة النساء (4): آية 36]
اللغة:
ذو القربى صاحب القرابة، كالأخ و العم، و من اليهما. و الجار ذو القربى هو الذي قرب جواره. و الجار الجنب الذي بعد جواره. و الصاحب بالجنب من كان رفيقا في السفر، أو جليسا في الحضر، أو شريكا في الدرس، أو في حرفة، و ما إلى ذلك. و ابن السبيل المسافر المنقطع عن أهله و ماله. و ملك اليمين الرق، لا وجود له اليوم.
الإعراب:
شيئا مفعول مطلق، لأن المراد به هنا شيء من الشرك. و إحسانا مفعول مطلق لفعل محذوف، أي أحسنوا بالوالدين إحسانا. و بذي القربى و ما بعده معطوفان على الوالدين.
المعنى:
(وَ اعْبُدُوا اللَّهَ) . و ما عبد اللّه بشيء أفضل من الجهاد و الاستشهاد من أجل الحق و الحرية و الانسانية، أما طلب العلم و العمل من أجل الحياة، و التعاون
تفسير الكاشف، ج2، ص: 321
على ما فيه الخير، و إصلاح ذات البين فأفضل من عامة الصلاة و الصيام، كما جاء في الحديث.
(و تشركوا به شيئا). انكار الألوهية من الأساس كفر و جحود. أما الشرك فهو على نوعين: شرك في الألوهية، كمن يؤمن بأن الخالق و الرازق أكثر من واحد. و من هذا الشرك الاعتقاد بأن للّه وزراء و أعوانا و مستشارين. و شرك في الطاعة، كمن يؤمن بأن الخالق و الرازق واحد لا شريك له و لا أعوان له و لا وزراء و لا مستشارين، و لكنه يعصي الخالق في طاعة المخلوق، و يؤثر مرضاته على مرضاة اللّه، و من هذا الشرك الرضا عن الحاكم الجائر، و عن الوزير أو النائب الخائن، و القاضي الجاهل الفاسق، و عن كل من تولى شأنا من الشؤون العامة، و ما هو له بكفؤ. و في الحديث من رضي بفعل قوم فهو شريك لهم.
(وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) . قرن اللّه سبحانه وجوب التعبد له بوجوب البرّ بالوالدين في العديد من الآيات، منها هذه الآية، و منها قوله تعالى: «وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً - 24 الاسراء».
و منها: «أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ - 14 لقمان».
و من دعاء الإمام زين العابدين لوالديه: «يا إلهي أين طول شغلهما بتربيتي؟
و أين شدة تعبهما في حراستي؟ و أين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ؟ هيهات ما يستوفيان مني حقهما، و لا أدرك ما يجب عليّ لهما، و لا أنا بقاض وظيفة خدمتهما».
(وَ بِذِي الْقُرْبى) . بعد الأمر بالإحسان للوالدين أمر بالإحسان للأقارب و الأرحام، ثم (الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ) و لو انهم أبعد مكانا من الجار، لأن اليتيم فقد الناصر و المعين، أعني الأب، و لأن المسكين لا ينتظم حال المجتمع الا بالعناية به، و المسكين الذي ينبغي العناية به هو الضعيف العاجز عن الكسب، أما اعانة القادر على العمل، و مع ذلك آثر البطالة و الكسل، فتشجيع على الرذيلة، و في الحديث: ان اللّه يحب العبد المحترف .. و يكره العبد البطال. و قال الحواريون لعيسى: من أفضل منا؟ قال: أفضل منكم من يعمل بيده، و يأكل من كسبه.
تفسير الكاشف، ج2، ص: 322
و ذكرنا في فقرة «اللغة» معنى (الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) . و لا ينحصر الإحسان بإعطاء المال، بل يشمل الرفق و التواضع و السعي في قضاء الحوائج، و النصح في المشورة، و كتمان السر، و غض الطرف عن العورات، و عدم اشاعة السيئات، و اعارة الأدوات، و ما إلى هذه .. و على أية حال، فان الأمر بالإحسان الى هؤلاء ندب لا فرض.
(إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً) . هذا تهديد و وعيد لمن يأنف من أقاربه الفقراء، و جيرانه الضعفاء.
[سورة النساء (4): الآيات 37 الى 39]
اللغة:
الرئاء المراءاة. و القرين الصاحب.
الإعراب:
الذين يبخلون يجوز أن يكون محل (الذين) النصب بدلا من (من) في
تفسير الكاشف، ج2، ص: 323
قوله تعالى: (لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا) . و يجوز الرفع على الابتداء، و الخبر محذوف تقديره مذمومون أو معذبون، و على هذا يكون الكلام مستأنفا. و الذين ينفقون عطف على الذين يبخلون. و رئاء مفعول من أجله لينفقون، و يجوز أن تكون في موضع الحال، أي مرائين، و له متعلق بكلمة قرين الأولى. و ساء فعل ماض، و الفاعل مستتر يعود على قرين. و كلمة قرين الثانية تمييز.
المعنى:
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) . بعد أن أمر سبحانه في الآية السابقة بالبذل و الإحسان هدد في هذه الآية من يبخل، و يأمر غيره بالبخل ..
و كل بخيل يأمر الناس بالبخل، بل كل مسيء يود أن يجد له أقرانا و أمثالا، لكي تتوزع المسئولية على الجميع: و يتقي ألسنة القدح و الذم .. و بديهة ان كثرة اللصوص لا تبرر اللصوصية، و تجعلها حلالا، بل تضاعف من جرمها و جريرتها.
و ما رأيت كلاما تستجيب له النفس كالأمر بالبخل و الإمساك، ذلك ان المال عزيز يعادل الروح، و لا تسخو بشيء منه- في الغالب- إلا بعد جهد جهيد، و الأمر بالإمساك يصادف هوى في النفس، فتستجيب له بيسر و سهولة ..
قال الشيخ محمد عبده عند تفسير هذه الآية: ان للآمرين بالبخل شبهة قوية، و قد أثرت في نفسي، فكنت أرد الدراهم الى جيبي بعد إخراجها، لأن المنفرين من الإنفاق كانوا يقولون لي: ان هذا غير مستحق، و إعطاؤه اضاعة، فإذا وضعت المال في مكان آخر يكون خيرا و أولى.
و الصحيح ما قلناه: ان الأمر بالبخل إنما يؤثر على المرء حين يجد هوى في نفسه، لا لقول المنفرين و شبهتهم، و مهما يكن، فان العظيم هو الذي يتغلب على هوى نفسه، و يرغمها على تقبل الشاق العسير، ان كان فيه خيرها و صلاحها.
قال الإمام علي (ع): أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه. و في الحديث:
أفضل الأعمال أحمزها، أي أشقها.
تفسير الكاشف، ج2، ص: 324
(وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) . و فضل اللّه سبحانه يشمل كل نعمة، و منها المال و العلم. و كتمان العلم محرم، و نشره واجب، و لكن بأسلوب يبشر و لا ينفر، و يقرب و لا يبعد، لأن العلم وسيلة، و العمل هو الغاية.
و قال بعض العلماء: ان الغني إذا كتم غناه، و تفاقر أمام الناس فقد فعل محرما، و استدل بهذه الآية، و بقوله تعالى: «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ - 11 الضحى». و في الحديث: إذا أنعم اللّه على عبد نعمة أحب ان يرى أثر نعمته عليه.
(وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) . سياق الآية يدل على ان المراد بالكافرين هنا الذين كتموا فضل اللّه و نعمته، و عن الإمام موسى بن جعفر الصادق (ع) انه قال: التحدث بنعم اللّه شكر، و ترك ذلك كفر. و في الآية 7 من سورة ابراهيم: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ» . و على هذا يحمل الكفر في الآية على كفران النعم، لا على الكفر بمعنى جحود الالوهية.
(وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) . سبقت هذه الآية مع تفسيرها في سورة البقرة، الآية 264. و يتلخص المعنى بأن الذي ينفق ماله رياء، و الذي يبخل به سواء عند اللّه، و ربما كان المرائي أسوأ حالا، لأنه أشبه بالكافر الذي لا يعمل للّه.
قرين الشيطان:
كل ما يزين فعل الغواية، و يغري بالفساد و الضلال فلك ان تسميه شيطانا، خاطرا كان، أو إنسانا، أو أي شيء؛ فلفظ الشيطان رمز لكل غوي مضل، يخفي حقيقته في أثواب الصالحين، و من أجل هذا نرى كثيرا من الناس يقولون و يفعلون بوحي من الشيطان و غوايته، و هم يحسبون انه وحي من اللّه و هدايته ..
و أقرب المقربين لدى الشيطان من وثق الناس بقداسته، و لم يعرفوا شيئا عن حقيقته، و هذا هو المقصود بقوله تعالى: (وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) .
و بقوله: (وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً - 120) النساء).
تفسير الكاشف، ج2، ص: 325
و كما ان الشيطان قرين له في الدنيا فهو قرين له في الآخرة أيضا، فقد جاء في الحديث: الإنسان مع من أحب. و قال الإمام علي (ع): «فكيف إذا كان بين طابقين من نار: ضجيع حجر، و قرين شيطان».
و الشيطان يقسّم أتباعه الى أقسام، و يوكل الى كل مهمة تناسبه، تماما كقائد الجيش، فمنهم من يغريه بإراقة الدماء، و التعدي على الشعوب الآمنة، كالدول التي أوجدت إسرائيل، و أمدتها بالمال و السلاح للاعتداء على العرب و بلاد العرب، لا لشيء الا لتخضعهم للاستعمار سياسيا و اقتصاديا. و قسم يغريهم بالفسق و الفجور و التهتك و التبرج. و قسم يأمرهم بالصلاة و الصيام، و ارتداء ثوب الصالحين و الزاهدين، ليصطاد بهم البسطاء و الأبرياء.
و إذا استعصى عليه المتقون، و أعيته فيهم الحيل رضي منهم و لو بكلمة حق يقولونها تلبية لطلبه، روي ان إبليس قال لعيسى ابن مريم (ع): قل: لا إله الا اللّه. قال له عيسى: أقولها، لا لقولك، بل لأنها حق. فرجع اللعين خاسئا .. و ترمز هذه الحكاية الى ان الإيمان لا يكون بالتهليل و التكبير، و لا بالصيام و الصلاة، فإن هذه قد تكون من مصائد الشيطان و مكائده، و انما الإيمان الحق يقاس بالعلم باللّه و أحكامه، و معرفة مداخل الشيطان التي تفسد على المؤمن إخلاصه و أعماله.
(وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ) . لقد ربط سبحانه بين الإيمان به و باليوم الآخر، و بين الإنفاق، لأنه نفى الإيمان عن البخيل الممسك، و معنى هذا ان الإنفاق دليل الإيمان، و الإمساك دليل الكفر، و الوجه في ذلك ان المؤمن المتوكل على اللّه حقا ينفق، و هو واثق بالخلف، و من أيقن بالخلف جاد بالعطية، كما قال الإمام علي أمير المؤمنين (ع)، أما ضعيف الإيمان فيستمع الى شيطانه الذي يأمره بالإمساك، و يوعده الفقر، ان هو أنفق. و مهما يكن، فإن المراد بالإيمان هنا ايمان الطاعة و العمل، لا ايمان العقيدة فقط، و المراد بالكفر كفر الطاعة و العمل، لا الجحود، و انكار الألوهية.
و من أقوال الإمام علي (ع) في البخيل: «عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، و يفوته الغنى الذي إياه طلب، يعيش في الدنيا عيش الفقراء،
تفسير الكاشف، ج2، ص: 326
و يحاسب في الآخرة حساب الأغنياء». و معنى قوله: الغني يستعجل الفقر، انه أسوأ حالا من الفقير، لأن الغني ما يزال خائفا من زوال غناه، أما الفقير فلا يزال راجيا لزوال فقره.
[سورة النساء (4): الآيات 40 الى 42]
اللغة:
المثقال أصله المقدار الذي له ثقل، و ان قلّ. و الذرة ما يوجد من الأجسام، و هي هنا تمثيل للقليل، و في آية ثانية تمثيل للقليل بحبة الخردل.
الإعراب: