کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 132

و قال صاحب مجمع البيان: «في هذه الآية دلالة على عظم الذنب في تحريف الشرع، و هو عام في اظهار البدع في الفتيا و القضايا، و جميع أمور الدين».

و نزيد على قول صاحب المجمع أن في هذه الآية دلالة أيضا على ان من اتّبع الضلال لا يسي‏ء الى نفسه فقط، بل يمتد أثر إساءته الى الأجيال، و يتحمل وزر عمله، و عمل من اتبعه على الغواية و الضلالة، كما جاء في الحديث الشريف.

[سورة البقرة (2): الآيات 76 الى 77]

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (76) أَ وَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ (77)

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا الآية 76- 77:

اللغة:

الفتح في الأصل يستعمل للشي‏ء المغلق، و المراد به هنا الحكم، يقال: اللهم افتح بيني و بين فلان، أي احكم بيني و بينه.

الإعراب:

ليحاجوكم مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام.

المعنى:

كان بعض يهود المدينة ينافقون و يكذبون على المسلمين، و يقولون لهم: نحن مؤمنون بالذي آمنتم به، و نشهد ان محمدا صادق في قوله، فلقد وجدناه في التوراة بنعته و صفته، و إذا خلا هؤلاء المنافقون برؤسائهم أخذ الرؤساء في لومهم و توبيخهم، و قالوا لهم فيما قالوا: كيف تحدثون المسلمين بما حكم اللّه به عليكم‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 133

من أتباع محمد؟ .. ألا تفقهون بأن هذا اقرار منكم على أنفسكم بأنكم المبطلون، و هم المحقون؟.

(أَ وَ لا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ) . أي مهما حرص المنافقون على إخفاء نفاقهم، و الرؤساء الضالون على توجيه أتباعهم فان اللّه سبحانه لا تخفى عليه خافية .. فأنتم أيها اليهود تكتمون في دسائسكم و مؤامراتكم، و اللّه سبحانه يعلم بها رسوله الأعظم (ص)، و يذهب كيدكم هباء.

[سورة البقرة (2): الآيات 78 الى 79]

وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)

وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ‏ الآية 78- 79:

اللغة:

الأميّون واحده أمي، و معناه معروف، و هو الذي لا يقرأ و لا يكتب، أما وجه النسبة الى الأم فلأنه في الجهل كما ولدته امه، و الأماني واحدها امنية، و من معانيها تمني القلب، و هو أظهرها و أكثرها استعمالا، و تستعمل في التلاوة أيضا، و المراد بها هنا التخرص بلا دليل، و الذي يؤيد هذا المعنى و يقويه قوله تعالى: «إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» و الويل معناه الفضيحة و الحسرة، و الخزي و الهوان، و مثله ويح و ويس و ويب. و الأيدي جمع، واحدها يد، و الأيادي جمع الجمع، و يكثر استعمالها في النعم.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 134

الإعراب:

ويل مبتدأ، و خبره للذين، و يجوز نصبه على تقدير جعل اللّه الويل للذين، لأن ويلا لا فعل له، قال هذا صاحب تفسير البحر المحيط، و قال أيضا:

إذا أضفت ويلا مثل ويل زيد فالنصب أرجح من الرفع، و إذا أفردته مثل ويل لزيد فالرفع أرجح.

المعنى:

(وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) . أي ان من اليهود جماعة أميين لا يعرفون شيئا من دين اللّه، و ان قصارى أمرهم التخرص و الظن دون أن يعتمدوا على علم.

و بديهة ان هذا الوصف و ان ورد في حق أولئك اليهود، و لكن الذم عام يشمل كل جاهل يتسم بسمة أهل العلم، و يتصدى الى ما ليس له بأهل، لأن المورد لا يخصص الوارد، كما قيل.

للتفسير اصول و قواعد:

و في هذه الآية دلالة واضحة على أن تفسير الكتاب و السنة لا يجوز بالتخرص و الظن، بل لا بد قبل كل شي‏ء من العلم بقواعد التفسير و أصوله، و مراعاة هذه القواعد في بيان مراد اللّه و رسوله حذرا من الكذب عليهما، و النسبة اليهما دون مبرر شرعي.

و أول الشروط لصحة التفسير القراءة و الكتابة، ثم العلوم العربية بشتى أقسامها من معرفة مفردات اللغة، و الصرف و النحو، و علم البيان، و الفقه و أصوله، و علم الكلام، و الإلمام ببعض العلوم الأخرى التي يتصل بها تفسير بعض الآيات، على ان هذه يمكن للمفسر أن يرجع في معرفتها لأهل الاختصاص.

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) . هدد اللّه سبحانه بهذه الآية كل من ينسب اليه ما ليس من عنده، لا لشي‏ء إلا ليقبض‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 135

الثمن من الشيطان، و ليس من الضروري أن يكون الثمن مالا فقط، فقد يكون جاها، أو غيره من الشهوات و الملذات الدنيوية «1» .

و كرر اللّه سبحانه الويل للمزوّرين ثلاث مرات في آية واحدة، للتأكيد على ان الافتراء عليه، و على نبيه من أعظم المعاصي و أشدها عقابا و عذابا: «وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً، فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ، وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى‏ - طه 61».

العالم لا يحكم بالواقع:

و نشير بهذه المناسبة الى ان العالم مهما بلغت مكانته من العلم فعليه أن لا ينسب أي شي‏ء الى اللّه و رسوله على انه هو الواقع المسطور في اللوح المحفوظ، فإذا أفتى بالتحليل أو التحريم، أو حكم بشي‏ء على انه حق، أو فسر آية أو رواية، فعليه إذا فعل شيئا من ذلك أن يفعله بتحفظ ملتفتا الى أن حكمه، أو فتواه، أو تفسيره ما هو إلا مجرد رأي و نظر يخطئ و يصيب، لا صورة طبق الأصل عن الواقع، و بهذا وحده يعذر عند اللّه إذا اجتهد و أفرغ الوسع، أما إذا قصر في الاجتهاد و البحث، أو بحث و نقب و لم يقصر و لكنه جزم بأن قوله هو قول اللّه و رسوله بالذات دون سواه، أما هذا فشأنه شأن الذين يفترون على اللّه الكذب، حتى و لو كان أعلم العلماء، لأن العالم لا يفتي و لا يحكم بالحق واقعا، بل بما يعتقد انه الحق، و هذا يحتمه مبدأ عدم العصمة.

[سورة البقرة (2): الآيات 80 الى 82]

وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80) بَلى‏ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82)

وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآية 80- 82:

(1) أثبت أهل الاختصاص بتاريخ اللغات و العادات ان التوراة الحالية التي يعتقد اليهود انها نزلت من اللّه على موسى، أثبتوا انها الفت في عصور لاحقة لعصر موسى بأمد غير قصير، و استخرج الباحثون هذه الحقيقة من ملاحظة اللغات و الأساليب و من الأحكام و الموضوعات، و البيئات الاجتماعية و السياسية التي تنعكس في التوراة، و لا تمت إلى عصر موسى بسبب، و سنحاول العودة ثانية إلى هذا الموضوع بصورة أوسع ان شاء اللّه.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 136

اللغة:

المس و اللمس و الجس اللفظ متعدد، و المعنى واحد، و يستعمل اللمس كثيرا فيما يكون معه احساس بالحرارة و البرودة و ما اليها.

الإعراب:

بلى حرف جواب لاثبات ما بعد النفي، يقال: ما فعلت كذا؟ فتجيب:

بلى، أي فعلت. و نعم جواب الإيجاب، يقال: فعلت كذا؟ فتجيب: نعم، أي فعلت.

المعنى:

(وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) . يزعم اليهود انهم أبناء اللّه، و شعبه المختار، و ان الناس، كل الناس- غيرهم- أبناء الشيطان، و شعبه المنبوذ، فاللّه لا يخلد اليهود في النار، و لا يقسو عليهم، بل يعذبهم عذابا خفيفا، و وقتا قصيرا، ثم يرضى عنهم، اي انه سبحانه يدللهم، تماما كما يدلل اليوم الاستعمار عصابة الصهاينة التي احتلت أرض فلسطين.

(قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً) . أي قل لهم يا محمد: ان زعمكم هذا جرأة و افتئات على اللّه بغير علم .. و الا فأين العهد و الوعد الذي أخذتموه من اللّه سبحانه على ذلك؟ و ان دل زعمهم هذا على شي‏ء فإنما يدل على استهتارهم و استخفافهم‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 137

بالذنوب و ارتكاب القبائح، قال الرسول الأعظم (ص): ان المؤمن ليرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه، و ان الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب مرّ على أنفه .. و قال علي أمير المؤمنين (ع): أشد الذنوب ما استهان به صاحبه، و قول الرسول الأعظم (ص): «كأن الذنب ذبابة تمر على أنف المذنب» ينطبق كل الانطباق على اليهود الذين يزعمون انهم أبناء اللّه المدللون .. و عسى ان يتعظ بهذا من يستهين بذنوبه اتكالا على شرف الأنساب.

و من يثق بنفسه، و لا يتحسس خطاياها، و لا يقبل النصح من غيره محال أن يهتدي الى خير. ان العاقل لا ينظر الى نفسه من خلال غرورها و أوهامها، بل يقف منها دائما موقف الناقد لعيوبها و انحرافها، و يميز بين ما هي عليه، و بين ما ينبغي أن تكون عليه، و يحررها من الأفكار الصبيانية، و النزوات الشيطانية، و بهذا وحده ينطبق عليه اسم الإنسان بمعناه الواقعي الصحيح .. و في الحديث الشريف من رأى انه مسي‏ء فهو محسن.

(بَلى‏ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) .

السيئة تعم الشرك و غيره من الذنوب، و لكن المراد منها هنا خصوص الشرك، بقرينة قوله تعالى: «فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» . قال صاحب مجمع البيان: ان ارادة الشرك من السيئة يوافق مذهبنا- أي مذهب الامامية- لأن غيره لا يوجب الخلود في النار، و التوضيح في فقرة «مرتكب الكبيرة».

(وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) .

و تدل هذه الآية الكريمة على ان النجاء من عذاب اللّه غدا منوط بالايمان الصحيح، و العمل الصالح معا، و قد جاء في الحديث الشريف: ان سفيان الثقفي قال:

يا رسول اللّه قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. فقال: قل:

آمنت باللّه، ثم استقم.

يشير الرسول الأعظم (ص) بقوله هذا الى الآية 30 حم السجدة: «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» . و المراد بالاستقامة في الحديث الشريف و الآية الكريمة، العمل بكتاب اللّه، و سنة رسول اللّه (ص).

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 138

المسلم و المؤمن:

ينقسم المسلم بالنظر الى معاملته، و ترتب الآثار على إسلامه الى قسمين:

الأول: أن يقر للّه بالوحدانية، و لمحمد بالرسالة بغضّ النظر عن اعتقاده و أعماله .. أجل، يشترط فيه أن لا ينكر ما ثبت بضرورة الدين، كوجوب الصلاة، و تحريم الزنا و الخمر، و هذا المقر المعترف له عند المسلمين ما لهم، و عليه ما عليهم، من حيث الإرث و الزواج و الطهارة و واجبات الميت، كتغسيله، و تحنيطه، و تكفينه و الصلاة عليه، و دفنه في مقابر المسلمين، لأن هذه الآثار تلحق نفس الإقرار بالشهادتين، و تترتب على مجرد اظهار الإسلام، سواء أوافق الواقع، أو لم يوافقه.

الثاني: أن يؤمن و يلتزم بالإسلام أصولا و فروعا، فلا يجحد أصلا من أصول العقيدة الاسلامية، و لا يعصي حكما من أحكام شريعتها، و هذا هو المسلم حقا و واقعا عند اللّه و الناس، بل هو المسلم العادل الذي تترتب عليه جميع آثار العدالة الاسلامية في الدنيا و الآخرة، و من الآثار الدنيوية قبول شهادته، و جواز الائتمام به في الصلاة، و نفوذ حكمه، و تقليد الجاهل له في الأحكام الشرعية، ان كان مجتهدا، أما الآثار الاخروية فعلو المنزلة و الثواب.

أما المؤمن فهو من أقر بلسانه و صدق بجنانه الشهادتين، و لا يكفي مجرد الإقرار باللسان، و لا مجرد التصديق بالجنان، بل لا بد منهما معا، و عليه يكون كل مؤمن مسلما، و لا عكس.

و بهذا يتبين معنا ان العمل الصالح خارج عن مسمى الايمان و مفهومه بدليل ان اللّه سبحانه عطف الذين عملوا الصالحات على الذين آمنوا، و العطف يستدعي التعدد و التغاير .. أجل، ان العمل الصالح يدخل في مفهوم العدالة كما أشرنا، و يأتي الكلام عنها حين تستدعي المناسبة.

صفحه بعد