کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج6، ص: 190
و يأتي التفصيل في سورة المجادلة. و ادعياء جمع دعيّ و هو الذي يتبناه الإنسان.
و المراد بالسبيل هنا طريق الحق. و اقسط أعدل.
الإعراب:
اللائي صفة لأزواجكم، و هي جمع التي. ذلكم أي دعاءكم. و ما تعمدت عطف على فيما أخطأتم أي و لكن فيما تعمدت.
قلب واحد و ايمان واحد:
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ . و المرأة أيضا مثل الرجل، و خص سبحانه الرجل بالذكر لأنه أمر نبيه الكريم بتقوى اللّه، فناسب ان يعقب بعد هذا الأمر بأن الرجل لا يملك قلبين يتقي اللّه بأحدهما، و الناس بالآخر، و الغرض من ذلك أن يبين سبحانه ان الإنسان لا يستطيع أن يؤمن في وقت واحد بشيئين متناقضين، فيؤمن- مثلا- بدين يحرم الظلم و العدوان كالاسلام و المسيحية، و في نفس الوقت يستحل الظلم و العدوان إلا إذا كان له قلبان و وجهان و لسانان كأبناء الولايات المتحدة الأمريكية التي ينص قانونها الجديد على أن للأمريكي من رعاياها أن يتجنس بالجنسية الاسرائيلية، و يقاتل العرب باسم إسرائيل، و هو يحتفظ بجنسيته الأمريكية .. اللهم الا ان تكون إسرائيل قاعدة استعمارية عدوانية للولايات المتحدة، و ان الجنسية الاسرائيلية اسم بلا مسمى حتى الجنسية التي يحملها الحاكمون في إسرائيل، لأنهم مجندون كمرتزقة لحماية الاستعمار و الاحتكار. قال رجل للإمام علي (ع):
اني أحبك و أحب معاوية. فقال له الإمام: أنت أعور، فإما أن تعمى، و إما أن تشفى من العور.
و تسأل: ما رأيك فيمن يقول: أنا من الوجهة الدينية ألتزم بعقيدة الإسلام أو المسيحية، و من الوجهة السياسية ألتزم بسياسة الكتلة الشرقية أو الغربية، فهل يمكن الجمع بين هذين الالتزامين؟
الجواب: ان أي انسان يؤمن بالحق عن صدق و اخلاص يجوز له بل يجب
تفسير الكاشف، ج6، ص: 191
عليه أن يؤيد كل من يقف موقفا يناصر فيه الحق و العدالة، سواء أ كان شرقيا أم غربيا، و لا يجوز له بحال أن يؤيد أحدا- كائنا من كان- تأييدا مطلقا و من غير قيد حتى و لو كان مبطلا، لأن الجمع بين الايمان بالحق و تأييد الباطل و أهله جمع بين المتناقضين، و هو محال بطبعه، و عليه فلا يمكن الجمع بين الالتزام بعقيدة الإسلام و بين الالتزام بأية سياسة أو أي مبدأ التزاما مطلقا و على كل حال.
هذا فيما يعود إلى الإسلام، أما فيما يعود إلى العقيدة المسيحية فندع الكلام للقساوسة الأحرار الذين عبروا عن غضبهم لرفض البابا الاجتماع بهم و اجتماعه في الوقت نفسه برواد الفضاء الأمريكيين، فقد قالوا في احتجاجهم: ان اجتماع البابا بهؤلاء الرواد هو دليل واضح على الصلة الوثيقة الموجودة بين الكنيسة كمؤسسة دينية، و بين السلطة السياسية و الاقتصادية التي تقوم بعمليات الاضطهاد و الظلم ضد الأغلبية من البشر، و هي الصلة التي أعلن هؤلاء القساوسة انهم يكافحون من أجل القضاء عليها» «1» .
وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ . كان الرجل في الجاهلية يطلّق امرأته بقوله: أنت عليّ كظهر أمي. فنهى الإسلام عن ذلك لأن الزوجة لا تصير أما بهذا القول، و أوجب الكفارة على قائله إذا توافرت الشروط التي يأتي بيانها في سورة المجادلة.
وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ . كان الرجل في الجاهلية يتبنى المولود من غيره، و يلحقه بنسبه، و يجري عليه أحكام الابن الحقيقي في كل شيء، و كان الناس يدعون هذا المولود باسم الذي تبناه دون اسم أبيه، فحرم اللّه التبني بهذه الآية ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ و القول لا يغير الواقع وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . و القول الحق و السبيل القويم ان المتبنى لا يصير ابنا بالتبني، و لا الزوجة أما بالمظاهرة ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الذين ولدوهم لا للذين تبنوهم هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ . ضمير «هو» يعود الى المصدر المتصيد من أدعوهم أي دعاؤكم إياهم لآبائهم أعدل عند اللّه.
فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ . يطلق المولى على المنعم
(1). جريدة «الجمهورية» المصرية تاريخ 17- 10- 1969.
تفسير الكاشف، ج6، ص: 192
و المنعم عليه، و على القريب نسبا أو مودة، و المعنى ان جهلتم أبا المتبنى فقولوا:
هذا أخي في الدين أو مولاي إشارة الى المودة، أو مولى فلان ان كان رقا و أعتقه. و قال المفسرون و أهل السير: ان زيد بن حارثة سبي صغيرا، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، و لما تزوجها رسول اللّه (ص) و هبته له، و بعد نزول الوحي على النبي (ص) دعاه إلى الإسلام فأسلم، و آخى بينه و بين عمه حمزة بن عبد المطلب. و جاء حارثة أبو زيد الى رسول اللّه (ص) و قال له: إما ان تبيع ابني زيدا، و اما ان تعتقه، فأعتقه الرسول، و قال له: اذهب حيث شئت، فأبى أن يفارق رسول اللّه، و كان الناس يدعونه ابن محمد (ص) إلى أن نزل القرآن بإبطال التبني.
وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً . من دعا إنسانا إلى غير أبيه، و هو يرى انه أبوه فلا بأس عليه، و إنما الإثم على من علم و تعمد. قال رسول اللّه (ص): «رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطروا عليه» شريطة أن لا يقع ذلك عن تقصير و إهمال.
[سورة الأحزاب (33): الآيات 6 الى 8]
تفسير الكاشف، ج6، ص: 193
الإعراب:
أمهاتهم على حذف مضاف، أي مثل أمهاتهم. و أولو الأرحام مبتدأ و بعضهم مبتدأ ثان و أولى خبره و الجملة خبر المبتدأ الأول. و المصدر من أن تفعلوا مبتدأ و خبره محذوف و الجملة في محل نصب على الاستثناء المنقطع، و التقدير و لكن فعلكم الى أوليائكم معروفا جائز.
هل النبي حاكم بأمره؟
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ . للولاية معان تختلف باختلاف من تنسب اليه، فولاية اللّه سبحانه معناها السلطة و القوة التي لا تغلب، و معنى ولاية النبي الطاعة من غير اعتراض، و هذا المعنى هو المراد من قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
و تسأل: أليس معنى هذا ان النبي حاكم بأمره، و لا حرية معه لفرد أو جماعة؟ و كيف تجمع بين هذا و بين مبدأ الحرية التي هي حق طبيعي لكل انسان؟
الجواب: نجمع بينهما كما نجمع بين حرية الإنسان و طاعته للّه .. ان النبي لسان اللّه و بيانه: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى - 4 النجم.
و صحّ الحديث عن رسول اللّه (ص): «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به». فالتبعية و الطاعة لما جاء به من عند اللّه لا من عند نفسه .. هذا إلى أن الحر هو الذي يلتزم الطريق القويم، و يعمل بالحق و يتحمل مسؤوليته بإرادته، و يدافع عنه حسب طاقته، أما من يندفع وراء الرغبات غير مكترث بحسيب و رقيب فهو عبد الأهواء و الشهوات. قال فيلسوف شهير: «الحرية ليست فضيلة داخلية تسمح بأن نفصل أنفسنا عن المواقف الملحة، و انما هي القدرة على بناء مستقبل أفضل».
وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ . ان لأزواج النبي (ص) من الاحترام و حرمة الزواج بهن من بعده تماما ما للأمهات، و ما عدا ذلك فهن و الأجنبيات سواء وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ . تقدم في
تفسير الكاشف، ج6، ص: 194
الآية 75 من سورة الأنفال ج 3 ص 516 إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً .
المراد بالمعروف هنا الوصية، و بالأولياء الأصدقاء و المعتقون و الأقارب غير الوارثين.
و المعنى ان الميراث هو لأقرب الناس إلى الميت، أما الوصية فهي للموصى له قريبا كان أم بعيدا كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً أي ان هذا الحكم ثابت عند اللّه و من عصاه فهو من الهالكين.
وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . الخطاب في «منك» لمحمد (ص)، و المراد بالميثاق تبليغ رسالة اللّه على أكملها، و الصبر على ما يصيبهم في سبيلها .. و خص سبحانه بالذكر نوحا و ابراهيم و موسى و عيسى و محمدا بعد أن ذكر النبيين على وجه العموم، ذكرهم بالخصوص لأنهم أفضل الأنبياء، و قدم محمدا لأنه أفضل الخمسة، و في الآية 35 من سورة الأحقاف اشارة الى انهم من اولي العزم، و سبب هذه التسمية كما في بعض الروايات ان كل نبي بعد نوح كان تابعا لشريعته، ثم نسخت شريعة نوح بشريعة ابراهيم، و نسخت هذه بشريعة موسى، و شريعته بشريعة عيسى، ثم نسختها شريعة محمد (ص) التي لا تنسخ الى يوم القيامة حيث لا نبي بعده.
وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً . هذا الميثاق هو الأول بالذات، و أعاده سبحانه ليصفه بالمتانة و القوة، و قد وصف الميثاق بالغليظ في مواضع ثلاثة من كتابه العزيز:
الأول ميثاق الزواج: وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً - 21 النساء. الثاني الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل: وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً - 154 النساء.
الثالث الميثاق الذي أخذه على النبيين. و قد ذهل الشيخ محمود شلتوت عن ذلك حيث قال: «ان وصف الميثاق بالغليظ لم يرد في موضع من مواضعه- أي مواضع القرآن- إلا في عقد الزواج». و العصمة للّه.
لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ . أرسل سبحانه الأنبياء و أخذ عليهم ميثاق التبليغ كي يسأل الصادقين: ما ذا أرادوا بالصدق؟ هل أرادوا به وجه اللّه، أو ليقول الناس: انهم صادقون و ما إلى ذلك من الأغراض الشخصية؟ قال الإمام جعفر الصادق (ع): «إذا سأل اللّه الإنسان عن صدقه على أي وجه قاله، فيجازى بحسبه، فكيف حال الكاذب؟». وَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً .
تفسير الكاشف، ج6، ص: 195
لما ذكر سبحانه الرسل قال: من كفر به فله عذاب أليم، و بالمقابل من آمن و عمل صالحا فله جنات النعيم.
[سورة الأحزاب (33): الآيات 9 الى 15]
اللغة:
زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر كناية عن شدة الخوف. و ابتلي المؤمنون اختبروا و امتحنوا. و زلزلوا اضطربوا من الفزع. و المراد بالذين في قلوبهم مرض
تفسير الكاشف، ج6، ص: 196
ضعفاء العقل و الايمان الذين ينعقون مع كل ناعق. و يثرب من أسماء المدينة المنورة و من أسمائها أيضا طيبة. و بيوتنا عورة أي منكشفة للعدو و السارق.
الإعراب:
قال أبو البقاء: كتبت الظنونا بالألف في المصاحف لتناسب الآيات، و مثله الرسولا و السبيلا. و هنالك للبعيد، و هنا للقريب، و هناك للمتوسط. و يثرب لا تنصرف للعلمية و وزن الفعل. و يسيرا صفة لظرف زمان محذوف أي الا زمنا يسيرا. و لا يولون جواب عاهدوا لأنه بمعنى أقسموا.
ملخص قصة الأحزاب:
هذه الآيات و ما بعدها إلى الآية 27 نزلت في غزوة الأحزاب، و تسمى أيضا وقعة الخندق، و خلاصتها ان نفرا من زعماء اليهود استحثوا قريشا و غيرها من قبائل العرب على حرب رسول اللّه (ص)، و رصدوا لذلك كثيرا من المال، و استطاعوا أن يحزبوا الأحزاب، و يؤلفوا جيشا ضخما لا عهد للجزيرة العربية بمثله من قبل، و زحف الجيش الهائل على المدينة بقيادة أبي سفيان.
و لما علم الرسول الأعظم (ص) بقصدهم أمر بحفر الخندق بإشارة من سلمان الفارسي، و عمل الرسول فيه بيده، و عمل معه المسلمون المخلصون، و كان سلمان يلهبهم حماسا بحديثه عما أعد اللّه للعاملين و المجاهدين، و لكن المنافقين كانوا يثبطون عزم رسول اللّه و يتسللون بغير علمه.