کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 323

لذاته، و لا ليتسع ملكهم، و يمتد سلطانهم، و يعيشوا على حساب غيرهم من الشعوب، و انما فرضه عليهم لنصرة الحق، و الدفاع عنه، فان الحق من حيث هو ليس إلا مجرد فكرة و نظرية. أما تطبيقها و الالتزام بها فيحتاج الى العمل الجاد، و هو أولا الدعوة بالحكمة، و الطرق المألوفة، فإن لم تجد وجب تنفيذ الحق بالقوة .. و أية نظرية لا تعتمد على القوة التنفيذية فوجودها و عدمها سواء، و من أجل هذا فرض اللّه على المسلمين في هذه الآية و غيرها جهاد كل معتد على الحق، حيث لا يجدي معه الأمر بالمعروف و الموعظة الحسنة .. و لو لا السلطة التنفيذية لكانت السلطة التشريعية مجرد كلام ملفوظ أو مكتوب.

(وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى‏ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . قال المفسرون: ان أصحاب الرسول كرهوا القتال، لأن الإنسان بطبعه يشق عليه أن يعرض نفسه للهلاك، و لكنهم في الوقت نفسه يستجيبون لأمر اللّه تعالى طلبا لمرضاته، تماما كالمريض يشرب الدواء بغية الشفاء. و ان اللّه سبحانه قد نبههم بقوله: (وَ عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) الى أن ثمرة القتال و الجهاد تعود اليهم، لا اليه .. هذا ملخص ما قاله أهل التفاسير، و ظاهر اللفظ يتحمله و لا يأباه.

و لكن إذا نظرنا الى سيرة الأصحاب الخلص و بطولاتهم في الجهاد و الفداء من أجل الدين، و سيطرته على مشاعرهم، و كيف استهانوا بالحياة طلبا للاستشهاد، حتى ان من كان ينجو من القتل، و يرجع من الجهاد سالما يرى نفسه شقيا سي‏ء الحظ- إذا نظرنا الى هذه الحقيقة، و أدخلناها في حسابنا، و نحن نفسر هذه الآية نجد ان ما قاله المفسرون من كراهية الأصحاب للقتال غير وجيه، و انه لا بد من تفسير الآية بمعنى آخر يساعد عليه الاعتبار، و يتحمله اللفظ، و يتلخص هذا المعنى في أن الأصحاب كانوا يرون أنفسهم دون المشركين عدة و عددا، فخافوا إذا قاوموهم بالقوة أن يهلكوا عن آخرهم، و لا يبقى للإسلام من ناصر، و تذهب الدعوة الاسلامية سدى .. فكراهيتهم للقتال جاءت من الخوف على الإسلام، لا على أنفسهم. فبين اللّه لهم ان القتال الذي دعيتم اليه، و كرهتموه هو خير لكم و للإسلام، و ان القعود عنه يؤدي الى ذهابكم و ذهاب الإسلام .. و أنتم تجهلون هذه الحقيقة، و لكن اللّه بها عليم، لأنه لا تخفى‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 324

عليه خافية، فالآية أشبه بقوله جل جلاله: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ‏ - الأنفال 65».

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) . مر تفسير الآية في الآية 192 و ما بعدها.

(وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ) . كان العرب يحرمون القتال في الأشهر الحرم، و هي ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب، و أقر النبي هذه العادة، لأن فيها تقليلا للشر و سفك الدماء، و قد أقر الإسلام بوجه عام كل عادة مستحسنة أو غير قبيحة كانوا عليها في الجاهلية، و لكن العرب الذين كانوا يقدسون هذه الأشهر قد انتهكوا حرمتها، و أعلنوا فيها الحرب على الرسول سنة ست من الهجرة، و صدوه مع أصحابه عن زيارة بيت اللّه الحرام، و فتنوا من أسلم عن دينه، و عذبوه بشتى أنواع العذاب طوال ثلاثة عشر عاما، كما فعلوا ببلال و صهيب و خباب و عمار بن ياسر و أبيه و امه، حتى إذا أراد المسلمون أن يدافعوا عن أنفسهم، أو يقتصوا من المشركين في الأشهر الحرم رفع هؤلاء عقيرتهم بالدعاية المضللة، و أظهروا المسلمين بمظهر المعتدي على المقدسات.

فبيّن اللّه سبحانه ان الجرائم التي ارتكبها المشركون في حق المسلمين هي أكبر و أعظم عند اللّه من القتال في الشهر الحرام، و من أجل هذا أباح للمسلمين قتال المشركين في أي مكان و زمان يجدونهم فيه عملا بمبدإ القصاص، و المعاملة بالمثل.

(وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) . أي فتنة المسلمين عن دينهم بالتعذيب تارة، و محاولة إلقاء الشبهات في قلوبهم تارة أخرى، هذه الفتنة أشد جرما من القتال في الشهر الحرام.

(وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) . فالهدف للمشركين ان لا يبقى للإسلام عين و لا أثر على الكرة الأرضية، و من أجل هذا وحده يقاتلون المسلمين، و يداومون على قتالهم، فإذا كره المسلمون قتال المشركين تحقق الهدف الذي يبتغيه أعداء الدين.

و لا زالت هذه الروح الكافرة العدائية لكل ما فيه رائحة الإسلام، لا زالت‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 325

حية الى اليوم في نفوس الكثيرين من الشرقيين و الغربيين، لأن الإسلام بانسانيته و عدالته، و مقاومته للبغي و الفساد هو السبب الأول للعداء، و لهذا وحده يضمرون لأهله كل شر، و يحاربونهم بشتى الوسائل، و يتفننون فيها حسب ما تقتضيه الظروف و التطورات .. و علينا أن نتنبه لهؤلاء الأعداء، و نقاتلهم بنفس السلاح الذي يقاتلوننا به.

(وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) . هذا تحذير و تهديد من اللّه سبحانه لمن يستجيب لأعداء الدين، و يرتد عن دينه فانه بذلك يخسر الدنيا و الآخرة، و مآله جهنم و بئس المصير .. و قوله تعالى: (فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ) يدل بصراحة على ان المرتد إذا تاب قبل الموت يقبل اللّه منه، و يسقط العقوبة عنه، و العقل حاكم بذلك .. و لكن فقهاء الشيعة الإمامية قالوا: إذا كان المرتد رجلا، و كان ارتداده عن فطرة «1» ثم تاب يسقط عنه العذاب الاخروي، أما العقوبة الدنيوية، و هي القتل، فلا تسقط بحال، اما إذا تاب المرتد عن ملة فيسقط القتل عنه مستندين في هذا التفصيل الى روايات عن أهل البيت (ع). و معنى حبط الأعمال في الدنيا انه يعامل معاملة الكافر، بالاضافة الى استحقاق القتل، أما الحبط في الآخرة فالعذاب و العقاب.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . بعد ان ذكر اللّه جل جلاله حال المشركين و المرتدين و عقابهم ناسب أن يذكر المؤمنين و ثوابهم، و الذين هاجروا هم الذين هاجروا من مكة الى المدينة مع رسول اللّه (ص)، و المجاهدون هم الذين بذلوا جهدهم في نصرة الإسلام، و مقاومة أعدائه.

عبادة التائب بعد ارتداده:

إذا تاب المرتد، و عاد الى الإسلام قبل موته يقبل اللّه توبته بحكم العقل،

(1) المرتد عن فطرة أن يكون أبواه أو أحدهما مسلما، و المرتد عن ملة أن يكون أبواه كافرين، ثم يسلم، ثم يرتد.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 326

و بظاهر قوله تعالى: «فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ» حيث قيد إحباط العمل بالموت على الكفر، و يتفرع على ذلك مسألتان:

الأولى: هل تصح العبادة، كالصلاة و الحج و الصوم و الزكاة، من المرتد بعد عودته الى الإسلام أو لا؟.

و قد اتفق فقهاء السنة على انها تصح و تقبل منه.

و اتفق فقهاء الشيعة على انها تقبل من المرتد عن ملة بعد إسلامه، و اختلفوا في صحتها من المرتد عن فطرة بعد عودته الى الإسلام، فذهب أكثرهم الى انها لا تصح منه بحال، و ان إسلامه بعد الارتداد لا يجديه شيئا في الدنيا أبدا، بل يعامل معاملة الكافر، و انما ينفعه إسلامه بعد الارتداد في الآخرة فقط، حيث يسقط عنه العذاب .. و قال المحققون منهم، و نحن معهم: بل تصح عبادته، و ينفعه إسلامه، و يعامل معاملة المسلم دنيا و آخرة.

المسألة الثانية: هل يجب على المرتد أن يقضي بعد عودته الى الإسلام ما كان قد أتاه من العبادة قبل أن يرتد، فلو كان قد صلى و حج، و هو مسلم، ثم ارتد، ثم تاب، فهل عليه أن يعيد الصلاة و الحج بعد العودة الى الإسلام؟.

قال الحنفية و المالكية: يلزمه القضاء. و قال الشافعية: لا يلزمه.

أما فقهاء الشيعة الذين قالوا بصحة عبادة من تاب بعد أن ارتد فإنهم ذهبوا إلى أنه لا يقضي شيئا مما كان قد أتى به من العبادة حال الإسلام، و قبل الارتداد، و انما يقضي خصوص ما فاته أثناء الارتداد فقط.

الإحباط:

قال جمهور المعتزلة، ان المؤمن المطيع يسقط ثوابه المتقدم بكامله إذا صدرت منه معصية متأخرة، حتى ان من عبد اللّه طول عمره، ثم شرب جرعة من خمر فهو كمن لم يعبد اللّه قطّ .. و كذا الطاعة المتأخرة تسقط الذنوب المتقدمة، و هذا هو معنى الإحباط.

و اتفق الامامية و الاشاعرة على بطلان الإحباط، و قالوا: لكل عمل حسابه الخاص، و لا ترتبط الطاعات بالمعاصي، و لا المعاصي بالطاعات .. بل من‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 327

يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره .. فمن أساء و أحسن، و هو مؤمن باللّه يوازن بين حسناته و سيئاته، فان كانت الاساءة أكثر كان كمن لم يحسن، و ان كان الإحسان أكثر كان كمن لم يسئ، إذ الأكثر ينفي الأقل، و ان تساويا كان كمن لم يصدر عنه شي‏ء.

و الإحباط بعيد عن هذا المعنى كل البعد، و معناه الصحيح ان من مات على الكفر بعد الإسلام يكشف كفره هذا عن ان أعماله التي أتى بها حين إسلامه لم تكن على الوجه المطلوب شرعا، و لا يستحق عليها شيئا منذ البداية، لا انه استحق الثواب، ثم ارتفع و نسخ بعد ثبوته، بل هو من باب الدفع، لا من باب الرفع.

[سورة البقرة (2): الآيات 219 الى 220]

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى‏ قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)

اللغة:

الخمر منقول من مصدر خمر الشي‏ء بمعنى ستره و غطاه، و خمرت الجارية ألبستها الخمار، و الوجه في النقل ان هذا الشراب يستر العقل و يغطيه، و المراد

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 328

بها هنا كل مسكر، و الميسر القمار مأخوذ من اليسر، و هو السهولة، لأنه كسب بلا مشقة، و العفو الزيادة، و العنت المشقة، و الاعنات الحمل على المشقة.

الإعراب:

العفو مفعول لمحذوف، أي أنفقوا العفو، و إصلاح لهم مبتدأ، و خير خبر، و فإخوانكم خبر مبتدأ محذوف، أي هم إخوانكم.

المعنى:

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ) . سأل بعض المسلمين عن حكم الخمر و القمار، و كان السؤال في المدينة، أي بعد أكثر من ثلاث عشرة سنة من تاريخ الدعوة الاسلامية .. و يدل هذا على ان حكمهما كان مسكوتا عنه أمدا طويلا، كما سكت عن حكم بعض المحرمات الى وقت البيان حسبما تقتضيه المصلحة، و قد تستدعي الحكمة الرفق و التدريج في بيان الحكم، و قيل: ان بيان حكم الخمر كان من هذا الباب، لأن المسلمين كانوا قد ألفوها في الجاهلية، فلو منعوا عنها دفعة واحدة لشق ذلك عليهم .. بل ان اللّه سبحانه قد ذكّر الناس بأن من جملة نعمه عليهم انهم يتخذون من النخيل و الأعناب سكرا و رزقا، حيث قال عز من قائل في الآية 67 من سورة النحل: «وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً» .

سأل بعض المسلمين عن حكم الخمر و القمار، فأمر اللّه نبيه الأكرم أن يجيبهم بأن‏ (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) . و هذا الجواب بمفرده لا يدل على تحريم الخمر صراحة، لأنه لم يقل: الخمر حرام .. و لكنه يدل عليه بالالتزام، لقاعدة: درء المفسدة اولى من جلب المصلح لأهم مقدم على المهم، غير انه إذا لحظنا الآية 32 من الأعراف: «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ» ، و عطفنا هذه الآية على الآية التي نحن بصددها، و جمعناهما في كلام واحد تكون الدلالة على التحريم‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 329

صريحة و قطعية أيضا، حيث تأتي النتيجة هكذا: الخمر إثم، و كل إثم حرام، فالخمر حرام.

هذا، بالاضافة الى الآية 90 و 91 من سورة المائدة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ‏ «1» وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» . فقوله: فاجتنبوه أمر بالاجتناب، و الأمر يدل على الوجوب، و قوله: فهل أنتم منتهون، ظاهر في النهي، لأن معناه انتهوا، و النهي يدل على التحريم، و لذا قال المسلمون بعد سماع هذه الآية: انتهينا. أما الآية 43 من النساء: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‏» . أما هذه الآية فقد نزلت قبل آية المائدة التي هي أشد و أغلظ، و أشرنا ان الحكمة ربما تستدعي التدريج في بيان التحريم. على ان لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى لا دلالة فيها على حليّة الخمر في غير الصلاة، و يأتي الكلام عنها مفصلا ان شاء اللّه حين نصل اليها.

هذا، الى أن المسلمين منذ الصدر الأول الى اليوم قد أجمعوا كلمة واحدة على ان الخمر من الكبائر، و ان من استحلها فليس بمسلم، و من ارتكبها متهاونا فهو فاسق، و يحد بثمانين جلدة، و قد تواتر عن الرسول الأعظم (ص) انه لعن غارسها، و عاصرها، و بائعها و شاريها و ساقيها و شاربها. و في بعض الأخبار أو الآثار: ان ما من شريعة سماوية إلا و نهت عن الخمر. و قد بحثنا هذا الموضوع مفصلا في الجزء الرابع من فقه الإمام جعفر الصادق، باب الأطعمة و الأشربة.

(وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) و المراد بالإثم هنا الضرر، و يظهر ضرر الخمر في الجسم و العقل و المال، و في الصد عن ذكر اللّه، و في الخصومات و المشاحنات، و في ارتكاب المحرمات، فلقد روى أهل السير ان بعض السكارى نزا على بنته ..

و كان العباس بن مرداس رئيسا في قومه في الجاهلية، و قد حرم الخمر على نفسه بفطرته، و لما قيل له في ذلك قال: ما أنا بآخذ جهلي بيدي فادخله جوفي، و لا أرضى أن أصبح سيد القوم، و امسي سفيههم. و قال طبيب ألماني شهير:

صفحه بعد