کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج7، ص: 181
فهو فحش كالزنا و اللواط، و ذنب كبير أيضا، أما اللمم فهي صغار الذنوب التي لا يكاد يخلو منها إنسان إلا من عصم اللّه كالنظرة و مجرد الجلوس الى مائدة الخمر. و تكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 31 من سورة النساء ج 2 ص 306. و معنى الآية ان من أقلع عن الكبائر فإن اللّه سبحانه يشمله بعفوه و إحسانه، و ان اقترف بعض الصغائر .. و ليس معنى هذا ان للإنسان أن يقترف الصغائر .. كلا، و إلا كانت من المباحات، و انما المراد ان من اجتنب الكبائر فله أن يأمل العفو و الصفح من ربه و ان ارتكب بعض الهنات، و إلا كانت الجنة وقفا على أهل العصمة دون غيرهم. و في نهج البلاغة: أشد الذنوب ما استهان به صاحبه .. و ان يستعظم الإنسان من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، و يستكثر من طاعته ما يحقر من طاعة غيره.
(هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) . أجل، ان اللّه أعلم بالإنسان من نفسه بالغا ما بلغ من العلم .. و مستحيل أن يعلم من نفسه ما يعلمه اللّه منه، لأنه تعالى هو الذي أوجده و أحياه، و يميته و ينشره، و هو معه بعلمه منذ تكوينه في بطن أمه الى النفس الأخير .. يضاف الى ذلك ان جميع جوارح الإنسان حتى قلبه هي شهود عليه عند خالقه. و أصدق شاهد ينطق بتزكية الإنسان و إخلاصه هو عمله الصالح. و تقدم مثله في الآية 49 من سورة النساء ج 2 ص 346 و الآية 21 من سورة النور ج 5 ص 409.
[سورة النجم (53): الآيات 33 الى 41]
تفسير الكاشف، ج7، ص: 182
اللغة:
أكدى قطع و أمسك. و صحف موسى التوراة. و وفّى تمم و أكمل. و الوزر الإثم.
الإعراب:
قليلا صفة لمحذوف أي عطاء قليلا. و ابراهيم على حذف مضاف أي و بما في صحف ابراهيم. أن لا تزر: «ان» مخففة و اسمها محذوف أي انه، و المصدر المنسبك عطف على «بِما فِي صُحُفِ مُوسى» . و ان ليس «ان» مخففة أيضا و المصدر عطف أن لا تزر. و كذا و انّ سعيه.
المعنى:
(أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَ أَعْطى قَلِيلًا وَ أَكْدى) أي منع، و المعنى أخبرني يا محمد عن الرجل الذي أعرض عن ذكر اللّه، و كان قد بذل شيئا يسيرا من ماله أو نفسه في سبيل الخير، ثم منع و أمسك عن البذل! .. هذا ما دل عليه ظاهر كلامه تعالى .. و يأتي السؤال: هل أراد سبحانه رجلا خاصا يعرفه النبي (ص) أو أراد مثلا عاما لكل من يصدق عليه هذا الوصف؟ قال بعض المفسرين: نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة. و قال آخر: انها نزلت في عثمان بن عفان .. و كل من القولين يفتقر الى الدليل .. اذن، فالآية على دلالتها من الشمول و الإطلاق.
(أَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) ؟ هل علم هذا المعرض الممسك انه في أمان من عذاب يوم القيامة حتى أعرض و أمسك؟ و انّى له هذا العلم مع ان اللّه سبحانه قد أنزل في كتبه ما يكذّب زعمه ان ادّعى ذلك (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) . ألم يسمع هذا المعرض الممسك بما أنزل اللّه في التوراة و في صحف ابراهيم الذي وفى بعهد اللّه و ميثاقه على أكمل وجه، ألم يسمع أو يخبره مخبر بأن اللّه قد أنزل في هذين الكتابين (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ان
تفسير الكاشف، ج7، ص: 183
كل انسان يؤخذ بذنبه، و لا أحد يحمل عنه أوزاره و أثقاله. و تكررت هذه الآية في سورة الأنعام 164، و في سورة الاسراء الآية 95، و في سورة فاطر الآية 18، و في سورة الزمر الآية 7.
(وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) . المراد بالسعي هنا العمل و الحركة في هذه الحياة. و تدل الآية على ان الإسلام هو دين الحياة لأنها تنص بصراحة على أن اللّه ينظر الى عباده من خلال أعمالهم في الحياة الدنيا، و يعاملهم بموجبها، و معنى هذا ان الإنسان كلما عاش الحياة بأبعادها و في أعماقها، و عمل لخيرها و حل مشاكلها- فقد اقترب من اللّه و دين اللّه، و استحق منه الرحمة و الكرامة، و انه كلما تهرب من الحياة و ابتعد عن همومها و مشاكلها مكتفيا بالتكبير و التهليل و الصوم و الصلاة- فقد ابتعد عن اللّه و دينه و رحمته.
(وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) أي سوف يحاسبه اللّه على عمله يوم القيامة، فالمراد بالرؤيا هنا الحساب و إلا فإن اللّه سبحانه يعلم كل شيء حتى خطرات الوساوس (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) . واضح لا يحتاج الى تفسير تماما كقوله تعالى:
«أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى» - 195 آل عمران.
[سورة النجم (53): الآيات 42 الى 62]
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَ اعْبُدُوا (62)
تفسير الكاشف، ج7، ص: 184
اللغة:
تمنى تراق في فرج الأنثى. و النشأة الأخرى البعث. و المراد بأغنى هنا انه تعالى كفى عبده و أغناه عن سؤال الناس. و المراد بأقنى انه أعطاه أيضا ما يقتني من المال و يدخر بعد الكفاية، و في تفسير الرازي ان الإقناء فوق الإغناء. و الشعرى نجم مضيء، و في تفسير الطبري: كان بعض أهل الجاهلية يعبدونه من دون اللّه. و المراد بالمؤتفكة قرى قوم لوط. و أهوى أسقطها في الأرض أي خسف بها الأرض. و غشاها غطاها العذاب. و آلاء اللّه نعمه. تتمارى تشكّ. و أزفت دنت. و المراد بالآزفة الساعة. و كاشفة من الكشف، و يأتي بمعنى الاظهار مثل كشف أمره أي أظهره، و أيضا يأتي بمعنى الازالة مثل كشف اللّه غمك أي أزاله. و سامدون لاهون.
الإعراب:
و ان الى ربك المنتهى و ما بعده عطف على ما تقدم و هو ان ليس للإنسان إلا ما سعى.
و ثمود و قوم نوح عطف على عاد. و المؤتفكة مفعول أهوى. فغشاها ما غشى فاعل غشاها ضمير مستتر يعود الى العذاب و «ما» مفعول.
المعنى:
(وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) . هذه الآية و ما بعدها هي من جملة الآيات التي
تفسير الكاشف، ج7، ص: 185
ذكر سبحانه انه أنزلها في صحف موسى و ابراهيم، و المراد بالمنتهى موقف الإنسان بين يدي اللّه لنقاش الحساب الذي لا منجى منه (وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى) .
الضحك اشارة الى فرح أهل الجنة، و البكاء الى ترح أهل النار، و من الجائز أن يكونا إشارة الى ما أودعه اللّه في الإنسان من غريزة اللذة و الألم و الحزن و الفرح، و قد ذهب جماعة من الفلاسفة الى أن الإنسان لا يتحرك إلا بتأثير من جذب اللذة كالجنس أو من خوف الألم كالجوع.
المادة و الحياة:
(وَ أَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَ أَحْيا) . هو سبحانه يهب الحياة و يأخذها، أما قول من قال: ان المادة أصل الحياة و سببها فهو مجرد ادعاء تكذبه بديهة العقل لأن المادة لا تتحرك بطبيعتها بل بعلة مغايرة لها، و أي عاقل يقبل القول بأن المادة الصماء أنشأت بنفسها لنفسها أبصارا و أسماعا و أفئدة، و إذا كانت الحياة صفة تلازم المادة فلما ذا ظهر النمو و الحركة و الحس و التفكير في بعضها دون بعض؟. و ان قال قائل: ان لبعض أفراد المادة استعدادا للحياة دون بعض قلنا في جوابه: من أين جاءت هذه التفرقة؟ هل جاءت من داخل المادة أو خارجها. فإن كانت من الداخل وجب أن تكون كل مادة صالحة لاستقبال الحياة، و إلا لزم أن يكون الشيء الواحد سببا لوجود الشيء و عدمه في آن واحد، و ان جاءت بسبب خارج عن المادة فهو الذي نقول.
(وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) . يريق الذكر منيه في رحم الأنثى فيتم التلقيح، و يتكون الجنين ذكرا أو أنثى، فمن الذي أوجد الاستعداد في الجسم لهذه النطفة؟ و من الذي أوجد فيها ملايين الخلايا الحية؟ و هل يستطيع العلماء أن يصنعوا خلية واحدة يتكون منها ذكر أو أنثى؟ بل هل يستطيعون أن يميزوا بين الخلية التي يتكون منها الذكر و التي تتكون منها الأنثى؟ و إذا استندت النطفة الى أسباب طبيعية فإن هذه الأسباب تنتهي الى السبب الأول الذي أوجد الطبيعة (وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) . ضمير عليه يعود الى اللّه تعالى، و المعنى ان البعث حتم لا بد منه (وَ أَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَ أَقْنى) . انه سبحانه كفى بعض عباده
تفسير الكاشف، ج7، ص: 186
و أغناه عن الحاجة الى غيره، و أعطى البعض الآخر ما يقتني و يدخر زيادة على ما يكفيه أي هيأ له أسباب الغنى و القنية. و قال أحد العارفين: من ذاق طعم الغنى عن الناس فقد حصل على نصيب وافر من الغنى، و ان في ذلك لشرفا عظيما.
(وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) بكسر الشين و تشديدها، و هي نجم مضيء، و خصها سبحانه بالذكر لأن بعض أهل الجاهلية كانوا يعبدونها، و قيل: انها أضخم من الشمس بعشرين مرة، و انها تبعد عن الشمس مقدار مليون ضعف بعد الشمس عنا (وَ أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) و هم قوم هود، و تقدم الكلام عنهم مرات، و وصفهم سبحانه بالأولى بالنسبة الى من تأخر عنهم من الأمم، و قال صاحب مجمع البيان: بل لأن ثم عادا أخرى (وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى) منهم أحدا، و هم قوم صالح، و أيضا سبق الكلام عنهم و عن قوم نوح الذين أشار اليهم سبحانه بقوله: (وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى) من عاد و ثمود (وَ الْمُؤْتَفِكَةَ) قرى قوم لوط (أَهْوى) بها الى بطن الأرض (فَغَشَّاها ما غَشَّى) من العذاب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) . الخطاب لكل انسان، و الآلاء النعم، و تتمارى تشك و تجادل.
(هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) . قال أكثر المفسرين: ان «هذا» اشارة الى القرآن أو محمد (ص). و ليس من شك ان كلا من القرآن و الرسول الأعظم هما من النذر الأولى من نوعها و صفاتها. و مع هذا فإن الذي نفهمه ان اللّه سبحانه أشار ب «هذا» الى ما ذكره من الدلائل و العظات التي تضمنت أمورا هامة جديرة بالتأمل و الدراسة كمسألة ان كل انسان هو وحده المسئول عن جرمه و جريرته، و ان اللّه ينظر اليه من خلال عمله، و انه لا مصدر للحياة إلا اللّه، و ان مصير الطغاة الى الهلاك، و هذه و ما اليها من أهم موضوعات العلوم الكونية و الانسانية، و إذا ذكرها سبحانه ليستدل الإنسان على وجود اللّه و عظمته فإن ذكرها بالذات يومئ الى ان معانيها و أهدافها انما تتجلى للعلماء و انهم أحق الناس بمعرفة اللّه و الايمان به و الخوف منه: «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» - 28 فاطر.
(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) . أزفت دنت، و الآزفة الدانية، و المراد بها الساعة، و انما وصفها سبحانه بالدانية لأنها آتية، و كل آت قريب .. و كل ما أدبر كأنه ما كان (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ) ضمير «لها» يعود الى الآزفة أي الساعة، و لك أن تفسر الكشف بالعلم كقوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ» - 186 الأعراف.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 187
و أيضا لك ان تفسرها بقوله: «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ»* - 43 الروم. (أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَ تَضْحَكُونَ) ؟ هذا الحديث إشارة الى قيام الساعة. و قيل الى القرآن. و كل منهما صحيح لأن الكافرين قد عجبوا من البعث: «فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ» - 3 ق. و أيضا عجبوا من القرآن: «أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ»* - 63 الأعراف.
(وَ لا تَبْكُونَ وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ) أي لاهون، و كان الأولى أن تبكوا على أنفسكم التي ظلمتموها بالكفر و البغي: «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» - 82 التوبة.