کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 451

المعنى:

(وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) . ابراهيم و إسماعيل هما اللذان بنيا البيت في مكة المكرمة: «وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ‏ - 127 البقرة». و دعا ابراهيم ربه ان يجعل الناس آمنين في مكة على أنفسهم، و استجاب دعوته، و كان الاعداء و ما زالوا يتلاقون فيها، و لا يخاف بعضهم بعضا، و الى هذا أشار سبحانه بقوله: «أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏ - 67 العنكبوت».

(وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) . و محال ان يعبد ابراهيم الأصنام، و كيف و قد حطمها بيده، و قال لقومه: «أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَ لا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ - 67 الأنبياء». و لكن رسل اللّه و أنبياءه- على عصمتهم- يخافون المعصية. و هذا الخوف من أعظم الطاعات، و من رأى نفسه تقيا نقيا فقد فتح النوافذ فيها للشيطان.

الأنبياء و استجابة الدعاء:

و تسأل: ان ابراهيم طلب من اللّه ان يجعل أبناءه مؤمنين، لا يشرك واحد منهم باللّه، و ابراهيم نبي مرسل مستجاب الدعوة، مع العلم بأن الكثير من ذريته قد أشركوا و عبدوا الأصنام، و منهم كفار قريش الذين هم من نسله و سلالته؟.

و نقل الرازي عن المفسرين خمسة أجوبة، و لكن السؤال ما زال قائما يطلب الجواب عنه .. و الذي نراه ان حقيقة الدعاء ما هي إلا طلب و رجاء، سواء أ كان من نبي أم غير نبي، و قد تستدعي حكمته تعالى الاستجابة فيستجيب، أو الرفض فيرفض، و ليس معنى عدم الاستجابة ان الداعي لا وزن له عند اللّه كي يضر ذلك بمقام النبوة، و عصمة الأنبياء على فرض عدم الاستجابة لدعائهم ..

كلا، فإن رفض السؤال بمجرده لا ينبئ عن غضب المسئول على السائل، بل قد يدل على حبه له، و حرصه على مصلحته، فلقد طلب نوح (ع) من اللّه نجاة ولده من الغرق، فأجابه المولى بقوله: «فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏ - 46 هود».

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 452

و بكلام آخر ان دعاء النبي لا يعبر إلا عن حبه و رغبته، و ليس من شك ان الأنبياء يحبون و يرغبون في ايمان الناس جميعا و هدايتهم الى الحق، و مع ذلك قال اللّه لسيد المرسلين الأعظم: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏ - 56 القصص». و لو تحقق كل ما يرغب فيه الأنبياء لما وجد على ظهرها كافر و لا مجرم، و لما قاسى رسل اللّه من الكفار و الفجار ما قاسوه، و بالخصوص سيدهم و خاتمهم الذي قال: ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت.

(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) . ضمير انهن يعود الى الأصنام، و المعنى ان كثيرا من الناس ضلوا بسبب عبادة الأصنام، تماما كما تقول: المال أطغى فلانا أي انه طغى بسببه‏ (فَمَنْ تَبِعَنِي) من ذريتي‏ (فَإِنَّهُ مِنِّي) نسبا و دينا (وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . من عصى ابراهيم (ع) فهو بري‏ء منه، حتى و لو كان أقرب الناس اليه، لأن من عصاه فقد عصى اللّه، و لكن ابراهيم حليم اوّاه كما وصفه الذي اختاره خليلا و اصطفاه. و من أجل ذلك لم يطلب العذاب للعصاة من ذريته و غير ذريته، بل ترك أمرهم للّه و مغفرته و رحمته ..

و من الواضح ان العقل لا يمنع من العفو عن المشركين، لأن العذاب على الشرك حق للّه، ان شاء عذب، و ان شاء عفا، و لا ضرر بالعفو على أحد. أما قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ»* فهو دليل سمعي، و نحن نتكلم عن حكم العقل. أنظر تفسيرنا لهذه الآية في ج 7 ص 342.

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) . قال ابراهيم (ع) هذا حين ترك إسماعيل و أمه هاجر بمكة، و هي واد مقفر لا ماء فيه و لا كلأ، و لا شي‏ء الا بيت اللّه تقام فيه الصلوات، و تردد التلبيات، و لهذه الغاية أسكن ابراهيم بعض أهله و ذريته في هذا المكان المقفر المجدب .. و لكن الإنسان لا يحيا بالصلاة وحدها، بل لا بد له من الخبز أيضا، و لذا قال ابراهيم: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) . و إذا لم يكن عند بيت اللّه زرع و لا ضرع فلتتوافد الناس عليه للعبادة أو التجارة، و معهم الخبز و الفاكهة، و عندها تأكل ذرية ابراهيم و يصلّون و يشكرون. قال موسى (ع): «رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 453

- 24 القصص». قال الإمام علي (ع): «و اللّه ما سأله الا خبزا يأكله».

و قال شاعر فقيه:

الفضل للخبز الذي لولاه‏

ما كان يوما يعبد الإله‏

(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَ ما نُعْلِنُ وَ ما يَخْفى‏ عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ) . بعد أن سأل ابراهيم اللّه أن يتوافد الناس الى بيته يحملون لأهله الخبز و الفاكهة ليعبدوا اللّه حق عبادته بقوة و نشاط، بعد هذا قال للّه: ما سؤالي و طلبي الا تضرعا لك و خشوعا، و الا اعترافا بأنك الخالق الرازق، أما حاجتنا و مصالحنا فأنت أعلم بها منا، سألناها منك، أو لم نسأل .. فقول ابراهيم: ما نعلن معناه ما نسأل و نطلب، و معنى ما نخفي ما لم نسأل و نطلب.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) .

هذا الحمد من ابراهيم يتضمن طلب العون من اللّه لولديه إسماعيل و اسحق، لأن ابراهيم قد تقدمت به السن و دنا أجله، فأوكل أمر أهله الى رعاية اللّه و عنايته، و لم يبن لهم الدور، و يكنز مال اللّه، و يحرمه عيال اللّه حرصا على رفاهية ذويه و أبنائه.

(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ) . الصلاة التي عناها ابراهيم ليست من نوع هذه الصلاة التي نصلّيها نحن، بل من نوع التي عناها اللّه بقوله: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ - 45 العنكبوت».

و من هنا قسّم الفقهاء الصلاة الى قسمين: صلاة يؤدى بها الواجب فقط، و صاحبها غير مأجور. و صلاة يؤدى بها الواجب، و صاحبها مأجور عند اللّه، و هي التي تثمر الإخلاص في العمل، و الصدق في معاملة الناس.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) . عند تفسير الآية 74 من سورة الأنعام ج 3 ص 212 ذكرنا اختلاف السنة و الشيعة في ايمان أبي ابراهيم الخليل (ع)، و مما قلناه: ان هذا النزاع في هذه القضية و أمثالها نزاع عقيم، و ان المطلوب من المسلم هو الاعتقاد بعصمة الأنبياء، أما الايمان بأن آباءهم كانوا مؤمنين فليس من عقيدة الإسلام في شي‏ء، و لو قال قائل: أنا أومن باللّه و وحدانيته‏

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 454

و بالأنبياء و عصمتهم، و بالبعث و الحساب، و لا أثبت و لا أنفي الايمان عن آباء الأنبياء، لو قال هذا أي قائل نقول له: أنت مسلم لك ما للمسلمين و عليك ما عليهم.

[سورة إبراهيم (14): الآيات 42 الى 45]

وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَ أَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَ وَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45)

اللغة:

شخص الشي‏ء أي ارتفع، و تشخص الأبصار تحد النظر، و لا تغمض لهول ما ترى. و هطع أقبل مسرعا خائفا، و مهطعين مسرعين الى الداعي. و مقنعي رؤوسهم جمع مقنع بضم الميم و كسر النون، و هو الذي يرفع رأسه كثيرا من الهول.

و لا يرتد اليهم طرفهم أي لا يطرفون بعيونهم من الخوف و الحذر. و الهواء في قوله: و افئدتهم هواء، كناية عن ان أفئدتهم ليست بشي‏ء. و الزوال الانتقال.

الإعراب:

ليوم على حذف مضاف أي يؤخرهم لجزاء يوم أو عذاب يوم. و مهطعين‏

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 455

حال من ضمير يؤخرهم، و مثله مقنعي رؤوسهم، و كذا جملة لا يرتد. و الناس مفعول أول لأنذر و يوم مفعول ثان على حذف مضاف أي عذاب يوم، و لا يجوز ان يكون يوم هنا ظرفا لأن الانذار لا يكون في يوم القيامة. و نجب مجزوم بجواب الطلب، و هو أخرنا. و فاعل تبين محذوف أي تبين حالهم لكم. و كيف مفعول فعلنا بهم. و قال النحاة: ان كيف لا تكون إلا مفعولا أو حالا أو خبرا.

المعنى:

(وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) . الظلم أنواع: فالكفر و الشرك باللّه ظلم، و الاعتداء على حق من حقوق الناس ظلم، سواء أ كان الحق ماديا أم أدبيا، أيا كان المعتدى عليه بخاصة إذا كان ضعيفا، لأن ظلم الضعيف أفحش الظلم، و من أعان ظالما أو رضي بفعله أو سكت عنه، مع القدرة عليه أو على التشهير به فهو شريك له، و من أجل هذا لا يغفل سبحانه عما يعمل الظالمون.

و تكلمنا عن الظلم عند تفسير الآية 148 من سورة النساء ج 2 ص 479، و نعطف على ما قلناه هناك: ان اللّه سبحانه ما أرسل الرسل، و لا أنزل الكتب إلا لمحاربة الظلم و الظالمين .. و قد وصف اللّه نفسه في كتابه العزيز بأنه ذو انتقام و لولا الظلم لما كان لهذا الوصف عين و لا أثر، و مهما امتد أمد الظالم فان اللّه سينتقم منه بأشد و أعظم، قال الإمام (ع): «سينتقم اللّه ممن ظلم مأكلا بمأكل و مشربا بمشرب» فمن ظلم إنسانا بكلمة واحدة كان جزاؤه مقامع من حديد، فكيف بمن حول الأرض إلى جحيم، و أقام في كل جزء منها قاعدة للموت، و مخزنا لأسلحة الفناء و الدمار؟.

(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) . أبصارهم شاخصة لا تغمض و لا تطرف من الدهشة و الذهول .. و يسرعون في مشيهم و لا يلوون على شي‏ء تلبية لدعوة الداعي، رافعين رؤوسهم إلى السماء لا يرى واحدهم موطئ قدمه من الدهشة و الذهول، أما قلوبهم فهواء و خواء، قد اذهب الرعب كل ما فيها من شعور و ادراك .. و هكذا تجزى كل نفس بما كسبت.

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 456

(وَ أَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ) . أرسل اللّه أنبياءه و رسله الى عباده مبشرين بثواب اللّه، و منذرين من عقابه، و كان المجال أمامهم فسيحا و عريضا حين التبشير و الانذار، و لكن أبى أكثر الناس الا نفورا، و قالوا لرسلهم: أموت ثم بعث ثم نشر؟. ان هذا الا أساطير الأولين .. حتى إذا وقفوا بين يدي اللّه و انكشف لهم الغطاء قالوا: ربنا أمهلنا بعض الوقت، فنسمع و نطيع لك و لرسلك ..

قالوا هذا حين فات الأوان.

و قد أمر اللّه نبيه محمدا (ص) ان ينذر المكذبين، و يحذرهم من هذا اليوم الذي لا اقالة فيه و لا رجعة قبل ان يصلوا اليه، و ان يخبرهم بمآلهم لو أصروا على العناد، و انهم سيقولون للّه: أخّرنا قليلا لنستجيب لدعوة الرسل، و قد أدى النبي رسالة ربه، فأخبر و حذر، و لكن غلبت عليهم المطامع و المنافع، فكانوا من القوم الخاسرين.

(أَ وَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) . هذا الكلام بكامله يخاطب اللّه به غدا المكذبين الذين يقولون للّه: أعدنا ثانية الى الدنيا لنتبع الرسل، و محصل ما يجيبهم به، عظمت كلمته، انه يسألهم سؤال توبيخ و تقريع: ألم تقسموا و أنتم في الحياة الدنيا انه لا انتقال من دار الدنيا الى دار الآخرة، و انه لا جنة و لا نار .. يشير بهذا سبحانه الى ما حكاه عنهم في الآية 38 من النحل:

«وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ» . و بعد هذا السؤال أو التوبيخ يقول سبحانه للمكذبين أيضا: لقد علمتم حال من كان قبلكم، كيف أهلكناهم لما عتوا، و أسكنّاكم مساكنهم، و حذرناكم أن تفعلوا فعلهم، و ضربنا لكم بهم الأمثال، فلم تتعظوا، و تعتبروا .. و الآن حيث لا رجعة و لا تأير تقولون: أخرنا قليلا! .. فأي منطق هذا؟ .. و هل أرسل اللّه إليكم من قبل رسل لعب و هزل، حتى يعيدكم ثانية، و يرسل إليكم رسل حق وجد؟ ..

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 457

[سورة إبراهيم (14): الآيات 46 الى 52]

وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَ عِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَ تَغْشى‏ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)

لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)

اللغة:

برزوا ظهروا. و مقرنين مشدودين. و الأصفاد جمع صفد، و هو القيد.

و سرابيل جمع سربال، و هو القميص. و القطران نوع من الدهن تدهن به الإبل إذا جربت، و للنار فيه اشتعال شديد. و تغشى وجوههم النار تعلوها و تغطيها، و البلاغ الكفاية، و منه البلاغة، و هي البيان الكافي.

الإعراب:

صفحه بعد