کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 346

(وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) .

أمسك سبحانه الكواكب بنظام الجاذبية، كما أمسك الطير في الجو بجناحيه، و أسند الإمساك اليه تعالى لأنه خالق الكون، و مسبب الأسباب، و في بعض الآيات عبّر عن هذه الأسباب بأيدي اللّه، قال تعالى: «أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً» - 71 يس. و قال: «ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» - 75 ص.

و على أية حال فان الغاية من قوله تعالى: (وَ يُمْسِكُ السَّماءَ) الخ هي الاشارة الى ان على الإنسان أن يطيل الفكر في خلق الكون، و كيف أتقنه تعالى بقدرته، و دبره بلطفه و حكمته، و لو لا هذا اللطف و التدبير لاختل نظام الكون، و أصبح بجميع كواكبه هباء منبثا.

(وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) . تقدم في الآية 28 من سورة البقرة ج 1 ص 86 فقرة «موتتان و حياتان» أما وصف الإنسان بالكفور و الظلوم و الفخور و نحوه فليس تحديدا لحقيقته و هويته، بل هو تفسير لسلوكه في بعض مواقفه. أنظر تفسير الآية 9 من سورة هود ج 4 ص 212 و ما بعدها.

(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) . المراد بكل أمة أهل الأديان، و المنسك يطلق على ما يذبح لوجه اللّه من الانعام كما في الآية 34 من هذه السورة و أيضا يطلق على مكان العبادة، و على الشريعة و المنهج، و هذا المعنى هو المراد هنا لقوله تعالى بلا فاصل: (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) أي ما دام لكل أهل ملة شريعة و منهاج فعلى أهل الأديان و الملل ان لا ينازعوك يا محمد في الإسلام و شريعته، فقد كانت شريعة التوراة و الإنجيل للماضين، أما شريعة القرآن فهي لأهل العصر الذي نزل فيه، و لكل عصر الى يوم يبعثون‏ (وَ ادْعُ إِلى‏ رَبِّكَ) و لا تهتم باعراض من أعرض، و نزاع من نازع‏ (إِنَّكَ لَعَلى‏ هُدىً مُسْتَقِيمٍ) و من اتبع هداك فلا يضل و لا يشقى.

(وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) . أمر اللّه نبيه الكريم أن يمضي في دعوته، و إذا نازعوه عتوا و عنادا أن يعرض عنهم و يقول لهم: اللّه أعلم بعملنا و عملكم، و بالمهتدين منا و منكم، و هو الحكم في يوم الفصل، و فيه تعرفون المحق من المبطل.

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 347

(أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) . الخطاب لرسول اللّه (ص) و المراد تهديد الكافرين بأن ما قالوه و فعلوه و أضمروه من الكفر و الكيد لنبي اللّه فهو مسجل و محفوظ عنده تعالى، و سيحاسبهم عليه، و يجازيهم بما يستحقون‏ (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) .

[سورة الحج (22): الآيات 71 الى 76]

وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)

اللغة:

السلطان الحجة و البرهان. و المنكر هنا الكراهة التي هي أثر الإنكار. و يسطون يبطشون. و يصطفي يختار.

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 348

الإعراب:

سلطانا تمييز لأنه بمعنى من سلطان، و في الآية 71 من سورة الأعراف‏ «ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» . و من نصير (من) زائدة اعرابا و نصير مبتدأ، و للظالمين خبر مقدم. و بينات حال من آياتنا. و النار مبتدأ و جملة وعدها خبر.

و حق قدره مفعول مطلق لقدروا لأنه مضاف الى مصدر الفعل، و هو قدره.

المعنى:

(وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) . ان العلم بالشي‏ء، أي شي‏ء، لا يخلو اما أن يكون علما بديهيا، و هو الذي يحصل للإنسان بمجرد أن يتصور الشي‏ء مثل ان المثلث غير المربع، و المربع غير المستدير، و اما أن يكون نظريا مثل ان الأرض تدور حول الشمس، و المراد بالسلطان في الآية الادلة النظرية، و بالعلم الفطرة و البداهة، و المعنى ان المشركين عبدوا الأصنام و ما اليها دون أن يستندوا الى النظر و الاستنباط، أو الى الفطرة و البداهة، و قد ظلموا اللّه بعبادة الأصنام حيث جعلوا له شريكا، و ظلموا أنفسهم لأنهم عرضوها لغضب اللّه و عذابه‏ (وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) في يوم الحساب و الجزاء.

(وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) . ضمير عليهم يعود الى الذين يعبدون من دون اللّه .. و كانوا إذا سمعوا من النبي أو المؤمنين آيات القرآن و غيرها من الحجج على التوحيد و نبوة محمد (ص)- انعكست على وجوههم علامات الغيظ و الحقد، و هموا ان يبطشوا بمن سمعوا منه الدلائل و البينات‏ (قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ) . أمر سبحانه نبيه الكريم أن يقول لهؤلاء الحانقين: إذا صعب عليكم الاستماع الى الحق فان نار جهنم عليكم أشد و أعظم.

صفحات الوجه و نظرات العينين:

لا شي‏ء أثقل على المبطل من كلمة الحق، و انتصار أهله على الباطل، و بالخصوص‏

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 349

إذا عجز المبطل عن المقاومة و الدفاع .. انه يسكت مرغما، و هو يذوب كمدا، و يحاول ان يتماسك و يتمالك و يظهر بمظهر اللامبالاة، و لكن تفضحه الدلائل التي تنعكس على صفحات وجهه، و نظرات عينيه .. و الإنسان قد يكذب و يخادع الناس في أقواله و أفعاله، لأنه يتحكم بلسانه و يحركه كيف يشاء، و أيضا يتحكم بيديه و رجليه و يحركها كما يريد، و ان كانت حركة اللسان أخف عليه و أيسر .. شي‏ء واحد لا يمكن التحكم فيه و الاملاء عليه، و هو القلب سليما كان أو سقيما، فإن أحب أو كره ظهرت الآثار على الوجه و العين جلية واضحة لا يخفيها الابتسام المصطنع و لا الكلام المعسول، و من أجل هذا كانت المقياس الصحيح لما في داخل الإنسان دون الأقوال و كثير من الأفعال.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) . بعد ان ذكر سبحانه ان المشركين أثبتوا لأصنامهم صفة الألوهية من غير دليل- ذكر في هذه الآية دليلا حسيا على نفي هذه الصفة، يدركه الجهال و الأطفال، و هو ان الذباب أحقر و أضعف مخلوق، و مع هذا لو أخذت ذبابة واحدة شيئا من الأصنام، ثم اجتمعت الأصنام بكاملها و أعلنت الحرب على الذبابة لتسترد ما أخذته منها، لو حصل ذلك لكانت الذبابة هي الغالبة، و الأصنام كلها مغلوبة، و بالأولى ان لا تخلق ذبابة أو جناحها (ضَعُفَ الطَّالِبُ) و هو الأصنام‏ (وَ الْمَطْلُوبُ) و هو الذبابة .. اذن، فكيف تكون الأصنام آلهة؟

و تسأل: ان الأصنام تحمل معها الدليل على انها ليست بآلهة، فلما ذا اهتم القرآن بإيراد الأدلة على ذلك؟

الجواب: ان نفي الألوهية عن الأصنام من البديهيات في منطق العقل، و الذين عبدوها و اتخذوها آلهة لم يعبدوها بدافع من العقل، بل بدوافع أخرى كالتقليد و التربية و المصلحة، و ما إلى ذلك من الدوافع التي لا تبالي بالنقد مهما يكن صائبا.

حول عقيدة التوحيد:

شعرت، و أنا أفسر آي الذكر الحكيم اني كلما تقدمت في التفسير فتح اللّه‏

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 350

عليّ أبوابا من المعرفة بأسرار القرآن و عجائبه التي لا تقف عند حد، فكثير من الآيات تكررت في كتاب اللّه بلفظها أو بمعناها، فأشرح في المرة الأولى المعنى بما أفهمه من اللفظ و السياق و غيره من القرائن. و في المرة الثانية أعطف الآية المكرورة على ما تقدم مع الاشارة الى اسم السورة و رقم الآية السابقة، أو أفسرها بأسلوب ثان، و قد اتنبه في المرة الثانية أو الثالثة الى جهة في الآية كانت قد خفيت عليّ من قبل و على جميع المفسرين، و بالأصح على أصحاب التفاسير التي لدي.

و أكثر الآيات تكرارا في كتاب اللّه هي الآيات الدالة على وحدانية الخالق، و التنديد بالشرك و أهله، فقد ذكرها سبحانه بكل أسلوب و بشتى الصور، و تكلمت عن التوحيد و نفي الشرك في المجلد الثاني ص 344 بعنوان «دليل التوحيد و الأقانيم الثلاثة»، ثم عدت الى الموضوع بأسلوب آخر في المجلد الرابع ص 391 بعنوان «عقول الناس لا تغنيهم عن دين اللّه»، و أيضا أوردته بأسلوب ثالث في تفسير الآية 31 من هذه السورة، و بأسلوب رابع و خامس حسب المناسبات، و أعود اليه الآن بالبيان التالي:

ان الهدف الرئيسي للإسلام هو أن يربط الإنسان بخالقه يستلهم منه الهداية فيما يعتقد و يفكر، و فيما يقول و يفعل، و يتجه اليه في ذلك كله، و من أجل هذا حارب الإسلام الشرك، و اعتبره كبيرة الكبائر، و جريمة لا تغتفر، كما اعتبر الرياء و العمل لغير وجه اللّه في حكم الشرك، و أخذ المشركين بأقسى العقوبات و أشدها، و ليس من شك ان ايمان الناس، كل الناس بإله واحد، و انهم يتحركون بارادة واحدة يقتضي بطبيعة الحال أن يكونوا جميعا على دين واحد و شريعة واحدة لا أحقاد دينية، و لا نعرات طائفية، و لا اتجار باسم الدين و المذهب .. أما الإيمان بتعدد الآلهة، و ان البشرية تتحرك بارادات كثيرة فان هذا يستدعي بطبيعته الشقاق و التناحر بين بني الإنسان .. فالإسلام- اذن- بدعوته الى عقيدة التوحيد يهدي الانسانية الى الأساس الذي يبتني عليه الحب و الإخاء، و الأمن و الهناء .. هذا، الى ان الإله الواحد الذي يدعو الإسلام الى عبادته و العمل بشريعته هو الإله العالم الحكيم و العادل الرحيم يحب الخير لجميع الناس على السواء، و يكره الشر بشتى صوره و مظاهره، و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى، و الذين أساءوا بما كانوا يعملون.

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 351

(ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) لأنهم عبدوا غيره، و عصوا أمره‏ (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) ينتقم منهم و لا يجدون من دونه وليا و لا نصيرا (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا) كجبريل ينزل بالوحي على النبيين‏ (وَ مِنَ النَّاسِ) و أيضا اصطفى اللّه رسلا من الناس يدعون الى مرضاته‏ (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) يسمع أقوالهم، و يعلم ما يضمرون و ما يفعلون‏ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ) . هذا كناية عن انه تعالى لا تخفى عليه خافية، و هو شرح و تفسير لقوله: ان اللّه سميع بصير (وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) . منه البداية، و اليه النهاية. و بتعبير ثان انا للّه و انا اليه راجعون.

[سورة الحج (22): الآيات 77 الى 78]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ (78)

اللغة:

اجتباكم اختاركم. و الحرج الضيق. و الملة الدين. و اعتصموا باللّه تمسكوا بدينه.

الإعراب:

حق جهاده مفعول مطلق لجاهدوا لأنه مضاف الى الجهاد. و من حرج (من) زائدة اعرابا و حرج مفعول لجعل. و ملة مفعول لفعل محذوف أي اتبعوا ملة ابراهيم.

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 352

المعنى:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ) . خاطب سبحانه في هذه الآية الذين صدّقوا به و بنبيه، خاطبهم بأن مجرد التصديق لا يجديكم نفعا إلا إذا جمعتم بين أوصاف أربعة: الأول أن تحافظوا على اقامة الصلاة للّه وحده، و هذا هو المراد بقوله:

اركعوا و اسجدوا. الثاني أن تجتنبوا محارم اللّه، كالنفاق و الخيانة و اثارة الفتن و الافتراء على الأبرياء و تدبير المؤامرات للتخريب و الفساد، و هذا المعنى هو المقصود بقوله: و اعبدوا ربكم. الثالث أن تفعلوا الخير، كاغاثة الملهوف و إصلاح ذات البين و التعاون على الصالح العام، و هو المعني بقوله: و افعلوا الخير. الرابع أن تجاهدوا بأنفسكم و أموالكم أعداء اللّه و الانسانية. و متى اجتمع في الإنسان هذه الخصال فهو من أهل الفلاح و الصلاح، و تقدم أكثر من مرة ان كلمة لعل من اللّه تفيد الحتم و الوجوب، و من غيره تفيد الاحتمال و الرجاء.

(هُوَ اجْتَباكُمْ) ضمير هو للّه، و الخطاب في اجتباكم للمسلمين، و وجه الاجتباء و الاختيار انه تعالى خصهم بسيد الرسل و خاتم النبيين و شريعته الخالدة بشمولها و يسرها (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . هذا أصل من أصول الشريعة الاسلامية تتجلى فيه سعتها و لينها و مرونتها. و في الحديث: «ان دين اللّه يسر» لا عسر فيه و لا مشقة، و هذا هو دين الفطرة، و قد فرع الفقهاء على هذا الأصل العديد من الفتاوى و الأحكام في جميع أبواب الفقه، و اشتهر على ألسنتهم و في كتبهم: الضرورات تبيح المحظورات .. الضرورة تقدر بقدرها .. الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف .. يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام .. و من أجلى مظاهر اليسر في الإسلام انه لم يقم بين الإنسان و خالقه أية واسطة، كما هو شأن الأديان الأخرى.

صفحه بعد