کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 248

يضاعف خبر ان المصدقين. و الذين آمنوا مبتدأ و أولئك مبتدأ ثان و «هم» ضمير فصل و الصديقون خبر المبتدأ الثاني و الجملة خبر الأول. و الشهداء مبتدأ و جملة لهم أجرهم خبر.

المعنى:

(أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) . عطف ما نزل من الحق على ذكر اللّه من باب عطف التفسير إذ لا تغاير بين المعطوف و المعطوف عليه إلا باللفظ و العنوان، و المراد بالذين آمنوا في الآية فئة منهم، و قبل بيانها نقدم بأن الايمان يختلف قوة و ضعفا، فمن ايمان من وجبت له العصمة و لا تجوز عليه المعصية كالأنبياء الى ايمان صفوة الصفوة كبعض الصحابة الى من هو دونهم بدرجة .. الى أدنى درجات الايمان.

و المراد بالذين آمنوا هنا من اكتفى من الدين و الايمان بالقشور دون اللباب، و بالظاهر دون الواقع، و لا يعنيه شي‏ء من أمور الناس و الصالح العام. و قد نبه سبحانه هذه الفئة من المؤمنين الى ما أنزله في كتابه من آيات الجهاد، و الحث على اقامة العدل، و نصرة الحق و أهله، و الإصلاح بين الناس، نبههم الى حقيقة الدين و الايمان بهذا الأسلوب الودود الرحيم: «أَ لَمْ يَأْنِ» لعلهم يسمعون و يعقلون.

(وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) .

أهل الكتاب هم اليهود و النصارى، و قست قلوبهم كناية عن إعراضهم عما أنزل اللّه في التوراة و الإنجيل، و المعنى: ان اليهود انقلبوا على أعقابهم بعد موسى، و كذلك النصارى بعد عيسى فلا تنقلبوا أنتم أيها المسلمون بعد محمد (ص) كما انقلب أهل الكتاب من قبل، و مثله قوله تعالى: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ» - 144 آل عمران.

(وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) . المراد بهؤلاء الكثير رؤساء اليهود و النصارى الذين حرفوا التوراة و الإنجيل حرصا على مناصبهم و مكاسبهم.

(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) . قال كثير من المفسرين: ان‏

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 249

هذا تشبيه للقلوب القاسية بالأرض الميتة، و انه تعالى كما يحيي هذه بالمطر كذلك يهدي القلوب القاسية بالموعظة .. و في رأينا انه تهديد للذين ينقلبون على أعقابهم بعد محمد (ص) و انه تعالى سيحييهم تماما كما يحيي الأرض، و يجزيهم على ارتدادهم بعد نبيهم، و يؤيد ارادة هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل: (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . انكم مسؤولون يوم القيامة عما أحدثتم بعد رسول اللّه (ص).

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) . المراد بالمصدقين و المصدقات المتصدقون و المتصدقات، و بالقرض الحسن الصدقة لوجه اللّه تعالى، و عليه فلا تكرار، و المراد بالأجر الكريم أن يسعى نورهم بين أيديهم يوم القيامة بالاضافة الى الحور و القصور و ما أشبه. و تقدم مثله في الآية 11 من هذه السورة و 245 من سورة البقرة ج 1 ص 374 (وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ) و عملوا بموجب ايمانهم‏ (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) أي الذين داوموا على الصدق في ايمانهم قولا و عملا، و الصدق سبيل النجاة من كل هلكة.

(وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ) . الشهداء هم الذين يقتلون في سبيل اللّه، أما أجرهم عند ربهم فقد بينه سبحانه بقولهم: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ» - 111 التوبة. أما نورهم فقد أشار اليه سبحانه بقوله: «يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» - 12 الحديد. و قال الرسول الأعظم (ص): «ما من أحد يدخل الجنة، ثم يحب أن يخرج منها الى الدنيا و لو كانت له الأرض بما فيها إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع الى الدنيا، فيقتل عشر مرات لما رآه من الكرامة عند اللّه». (وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) . هذا على عادة القرآن الحكيم، يقابل المتقين بالمجرمين، و ثوابهم بعقابهم بقصد الترغيب و الترهيب.

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 250

[سورة الحديد (57): الآيات 20 الى 24]

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (20) سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)

اللغة:

الكفار جمع كافر، و يطلق على من كفر باللّه، و على الحارث لأنه يكفّر الحب بالتراب أي يستره به و يغطيه. و يهيج يجف. و الحطام الهشيم. و لا تأسوا لا تحزنوا. و مختال من الخيلاء و هو العجب و التكبر. و فخور أي امتدح نفسه بحميد الصفات و باهى بها.

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 251

الإعراب:

كمثل الكاف زائدة اعرابا و مثل صفة للدنيا أو خبر بعد خبر. و في كتاب متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف أي الا هي كائنة أو مكتوبة في كتاب لكيلا تأسوا كي ناصبة للفعل و اللام جارة و المجرور بها متعلق بما تعلق به في كتاب، الذين يبخلون بدل من كل مختال فخور.

المعنى:

(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ) .

تقدم مثله في العديد من الآيات، منها الآية 32 من سورة الانعام .. و الدنيا المذمومة في كتاب اللّه و على لسان أنبيائه هي التي تطلب للشهوات و الملذات، و للزهو و اللهو، و للكبرياء و الخيلاء، أما الدنيا التي تقضى بها حوائج المحتاجين، و تدفع بها ظلامة المظلومين، و ينتفع بها عباد اللّه و عياله فهي من الآخرة لا من الدنيا المذمومة، و من تتبع آي الذكر الحكيم يجد أن ثواب اللّه وقف على من آمن و عمل صالحا في هذه الحياة، و أدى الحقوق و الواجبات، و انه لا وسيلة الى السعادة الأخرى إلا العمل النافع في الحياة الدنيا.

(كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) .

هذا الوصف يصلح للدنيا لأنها لا تدوم على حال .. انها تخضر و تصفر، و تقسو و تلين، و تعطي و تمنع .. و لو أعطت الإنسان كل ما أحب و أراد فإنها عما قليل تسلبه كل شي‏ء حتى نفسه و أهله .. و أيضا يصلح هذا الوصف للإنسان في الحياة الدنيا .. انه يشب و يقوى عظمه و يشتد لحمه، و ينضر لونه .. ثم يدب فيه الوهن فيذوب منه اللحم، و يدق العظم، و يصفر اللون، و ينتقل في كل يوم من سي‏ء الى أسوأ حتى يتحطم و يضمحل .. و إذا كان هذا شأن الدنيا، و شأن الإنسان فيها فأولى له ثم أولى ان يعمل لحياة دائمة لا يفنى نعيمها و لا يهرم مقيمها.

(وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ) . بعد أن ذكر سبحانه ان الدنيا لا يدوم لها رخاء و لا عناء ذكر ان الآخرة ثابتة على وتيرة واحدة. نعيمها

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 252

دائم، و جحيمها دائم، لأن سبب النعيم رضوان اللّه، و سبب الجحيم غضبه تعالى، و كل منهما قائم بقيام سببه‏ (وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) . نقل الرازي عن الصحابي الجليل سعيد بن جبير انه قال عند تفسير هذه الآية:

«الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة، أما إذا دعتك الى طلب رضوان اللّه و طلب الآخرة فنعم المتاع و نعم الوسيلة». و هذا الصحابي من تلامذة الرسول (ص) المقربين.

(سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ) . المراد بالمغفرة هنا سببها كالتوبة و العمل الصالح.

و قال بعض المفسرين: إذا كان عرضها كذلك فما ظنك بطولها؟. و قال آخر:

ان المراصد الحديثة كشفت ان أبعاد الكون لا حدود لها، و عليه فالمراد العرض حقيقة لا مجازا! .. و بالرغم من هذا الكشف فنحن لا نفهم من العرض هنا إلا التعبير عن عظمة الجنة وسعتها لا تقدير مساحتها حقيقة. و تقدم مثله في الآية 33 من سورة آل عمران ج 2 ص 156 (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) على الناس، و لكن أكثر الناس لا يشكرون، و ليس من شك ان الطاعة سبب للمزيد من فضله، بل هي السبب لفضله و رضوانه في يوم الفصل.

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . ضمير نبرأها يعود إلى أنفسكم، و المعنى الظاهر من هذه الآية ان المصائب بكاملها هي من اللّه سواء أ كانت من نوع الكوارث الطبيعية كالزلازل و الفيضانات، أم كانت اجتماعية كالحروب و الفقر و العدوان ..

و هذا غير مراد قطعا بحكم الوحي و العقل، و فيما يلي التوضيح:

المصائب و صاحب الظلال:

قال صاحب الظلال عند تفسير هذه الآية: «اللفظ على إطلاقه اللغوي لا يختص بخير أو بشر فكل مصيبة تقع في الأرض كلها و في النفس البشرية أو المخاطبين هي في ذلك الكتاب الأزلي من قبل ظهور الأرض و ظهور الأنفس».

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 253

و تسأل: صاحب الظلال: إذا كنت تعتمد حقا على ظاهر اللفظ و إطلاقه اللغوي فلما ذا لم تعتمد على ظاهر اللفظ و إطلاقه، و أنت تفسر هذه الآية: «وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» - 30 الشورى؟ و هل نسيت انك قلت في تفسيرها ما نصه بالحرف الواحد: «فكل مصيبة تصيب الإنسان لها سبب مما كسبت يداه- المجلد السابع الجزء الخامس و العشرون من القرآن الكريم ص 38 و هل تعتمد على الظاهر من كل آية و إطلاقها اللغوي الحقيقي حتى و لو كان بين الآيتين تناقض بحسب الظاهر و الإطلاق اللغوي؟ و أيضا هل تعتمد على هذا الظاهر إذا اصطدم مع حكم العقل و الواقع و دل على ان للّه يدا و وجها و سمعا و بصرا؟.

و هل الصهيونية و الاستعمار اللذين هما مصدر المصائب و الأدواء في هذا العصر، هل هما من اللّه لا من الصهاينة و المستعمرين؟.

ان التناقض بين الآيات حقيقة و واقعا و تصادم إحداها مع حكم العقل- مستحيل على القرآن و في القرآن .. كيف و هو من لدن حكيم عليم؟ فإذا تصادم ظاهر آية مع آية أخرى أو مع حكم العقل علمنا ان هذا الظاهر على إطلاقه غير مراد للّه تعالى، و انه انما أطلق اللفظ اتكالا على ما عرف من عادته في التعبير كتعبيره عن اليهود و النصارى بأهل الكتاب، أو على ما هو معروف بحكم العقل كالتعبير عن قدرته تعالى باليد أو على آية أخرى من كلامه كآية الشورى التي تقول:

«وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» و الآية 117 من سورة آل عمران:

«وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» و الآية 41 من سورة الروم: «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» . فإن هذه الآية و ما في معناها قرينة قاطعة على ان الإطلاق اللغوي في آية سورة الحديد غير مراد، و ان اللّه سبحانه قد اطلق في سورة الحديد اتكالا على ما قاله في سورة الشورى و سورة آل عمران و سورة الروم، و عليه فالمراد بمصيبة الأرض في سورة الحديد الكوارث الطبيعية كالزلازل و بمصيبة النفس بعض الأمراض التي لا تجدي معها وقاية و لا حذر، و نحو ذلك، أما آيات الشورى و آل عمران و الروم فالمراد بها المصائب التي هي من صنع الإنسان لا من صنع الرحمن كالظلم و الحرب و الجوع.

(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) . قال الإمام علي (ع):

تفسير الكاشف، ج‏7، ص: 254

الزهد كله بين كلمتين من القرآن، ثم تلا هذه الآية و قال: «و من لم يأس على الماضي و لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه». و ما من أحد إلا و يحزن و يفرح حتى الأنبياء، و القصد من النهي أن لا يدخله الفرح في باطل، و لا يخرجه الحزن عن الحق، فقد ثبت عن الرسول الأعظم (ص) انه قال عند موت ولده ابراهيم: «تدمع العين و يحزن القلب و لا نقول إلا ما يرضي ربنا، و إنا بك يا ابراهيم لمحزونون».

(وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) . و لا شي‏ء أدل على الجهل من الكبرياء و المباهاة. و في نهج البلاغة: ما لابن آدم و الفخر؟ أوله نطفة، و آخره جيفة، لا يرزق نفسه، و لا يدفع حتفه! (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) . البخيل جبان و لئيم، أما من بخل و أمر الناس بالبخل فهو من المعنيين بقوله تعالى:

«مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ» - 13 القلم. العتل الجاف و الزنيم الدعي. قال الرازيّ هذه صفة اليهود. (ملاحظة توفي الرازي سنة 606 ه).

و تقدم مثله في الآية 37 (النساء) ج 2 ص 323 (وَ مَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) .

لا يضر البخيل إلا نفسه، و اللّه سبحانه لا تضره معصية من عصى، و لا تنفعه طاعة من أطاع. و تقدم مثله في الآية 38 من سورة محمد.

[سورة الحديد (57): الآيات 25 الى 29]

صفحه بعد