کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 494

و بعد هذا التمهيد الذي لا بد منه لمعرفة موضوعنا نعود الى السؤال: هل كل الأنبياء شرقيون؟ و نجيب: كلا، و إذا لم تصل إلينا أخبار المرسلين لأمم الغرب، و بعض أمم الشرق فليس معنى هذا ان اللّه لم يرسل اليهم أحدا منهم ..

و أيضا ليس من الضروري لالقاء الحجة على أهل الغرب أن يكون الرسول منهم و فيهم، بل قد يكون شرقيا، و مع ذلك تعم رسالته الشرق و الغرب، و يكون التبليغ بواسطة خلفائه و المندوبين عنه أو عنهم، كما هو الشأن في محمد (ص) الذي خاطبه اللّه بقوله: «وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ - 28 سبأ». و بقوله: «وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ‏ - 107 الأنبياء» و قد أشارت بعض الكتب الدينية الموغلة في القدم الى ان رسالة محمد (ص) عامة و انها رحمة للعالمين، و فوق ذلك ذكرت اسم أبي لهب بالحرف و نصبه العداء لرسول اللّه (ص)، قال عبد الحق فديارتي في كتاب محمد في الأسفار الدينية العالمية:

«ان اسم الرسول العربي مكتوب بلفظه العربي احمد في «السامافيدا» من كتب البراهمة. و قد ورد في الفقرة السادسة و الفقرة الثامنة من الجزء الثاني، و نصها ان أحمد تلقى الشريعة من ربه، و هي مملوءة بالحكمة .. و ان وصف الكعبة ثابت في كتاب «الآثار فافيدا» و انه قد جاء في كتاب «زندافستا» الذي اشتهر باسم الكتاب المقدس في المجوسية، جاء الإخبار عن نبي يوصف بأنه رحمة للعالمين يدعو الى إله واحد لم يكن له كفؤا أحد، و يتصدى له عدو يسمى أبو لهب» «1» .

و محال أن يصدر هذا الإخبار من غير الخالق .. انه وحي من اللّه الى نبي من أنبيائه، ما في ذلك ريب .. و إلا فمن الذي يتنبأ و يصدق في نبوته انه بعد آلاف السنين أو مئاتها يوجد رجل يسمى أحمد، و يدعو الى عبادة الواحد الأحد،

(1) كتاب محمد في الاسفار العالمية مطبوع باللغة الانكليزية، و نقل عنه العقاد في كتاب العبقريات الإسلامية تحت عنوان الطوالع و النبوات، و نقلنا نحن عن العقاد.

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 495

و يتصدى له عدو، اسمه أبو لهب؟ ... ان في هذا الاخبار دلالة واضحة صادقة على أمرين: الأول صدق محمد في نبوته، و عموم رسالته. الثاني ان اللّه سبحانه قد أرسل في القديم البعيد أنبياء لم نسمع بهم و لا بقصصهم. ثم ما يدرينا ان الذين نقرأ أو نسمع عنهم باسم الحكماء كانوا من الأنبياء، و ان تعاليمهم كلها أو جلها قد درست أو حرفت؟.

و بعد، فان بعثة الأنبياء للشرق و الغرب موضوع هام، و يتسع لكتاب مستقل، أما هذه المناسبة، و هي تفسير قوله تعالى: «وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» فإنها لا تتسع لأكثر مما ذكرنا، و ربما تجاوزنا، و نرجو اللّه سبحانه أن يتيح لهذا الموضوع العلمي النافع من يتمتع بالعلم و الصبر على البحث و التنقيب.

(وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً) . لم يذكر اللّه سبحانه موسى مع من ذكر من الأنبياء في الآية، و أفرد له هذه الجملة، لأنه تعالى قد خصه بالتكليم من دونهم، مع العلم ان الجميع قد تلقوا كلامه جل و علا، و لكن لتلقي لهذا الكلام صورا ذكرها جلت كلمته في الآية 51 من الشورى: «وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا» .. اذن تكلم موسى كان من وراء حجاب .. و لكن لا يعلم أحد طبيعة هذا الحجاب، و كيف تم، و قد سكت اللّه عن ذلك، فنسكت نحن عما سكت اللّه عنه، و على أية حال فان تخصيص موسى بالتكليم لا ينقص من مكانة سائر الأنبياء، و لا يدل على انه أفضل و أكمل، كلا، فان إرسال الروح الأمين الى خاتم النبيين هو أعلى المراتب و أكملها.

(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) .

ان قاعدة لا عقاب بلا بيان كما يعبر الفقهاء، أو لا عقوبة بلا نص كما يقول أهل الشرائع الوضعية، ان هذه واضحة بذاتها لا تحتاج الى دليل، بل هي دليل على غيرها .. و حيث ان اللّه سبحانه لم يترك الإنسان سدى، بل أمره و نهاه، و لا بد من إبلاغه الأمر و النهي، حتى تقوم عليه الحجة لو خالف، و الا كانت الحجة له فيما لا يعرف إلا بالوحي، و حيث ان الرسل وسطاء بين اللّه و خلقه في تبليغ أحكامه و وعده و وعيده، لذلك أرسل اللّه مبشرين و منذرين‏

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 496

لئلا يدع مجالا لاعتذارات و تعللات: «وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ‏ - أي من قبل البيان- لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى‏ - 134 طه». و تكلمنا عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ج 1 ص 247.

(لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً) . الشهادة تكون بالأقوال، و تكون بالأفعال، كشهادة الكون بوجود المكون و قدرته، و شهادة البذل بكرم الباذل وجوده، و شهادة الاقدام بشجاعة المقدم و بأسه، و هذه الشهادة أدل و أقوى من شهادة الأقوال التي يتطرق اليها الشك و الريب.

و من الشهادة بالأفعال شهادة اللّه لمحمد (ص)، حيث زوده بالدلائل و المعجزات على صدقه، و منها القرآن الكريم الذي أنزله اللّه عليه بعلمه، و معنى (بعلمه) ان القرآن من علم اللّه، لا من علم المخلوقين الذي هو عرضة للأخطاء و الأهواء، أما شهادة الملائكة فإنها تبع لشهادة اللّه التي تغني عن كل شهادة، و لذا قال تعالى: «وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً» .

و بعد، فما من أحد الا و يود لو صدّقه الناس فيما يقول، و لكن العاقل لا يهتم إطلاقا ان كذّب و ردّت عليه أقواله، ما دام على يقين من صدقه ..

و هذا ما تهدف اليه الآية، فكأن اللّه سبحانه يقول لنبيه: لا يهمك تكذيب من كذّب بنبوتك، و اعراض من أعرض عن دعوتك، ما دمت عندي صادقا مصدقا .. فهذه الآية تهدف الى ما تهدف اليه الآية 8 من فاطر: «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ» .

[سورة النساء (4): الآيات 167 الى 170]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170)

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 497

الاعراب:

لم يكن اللّه ليغفر لهم خبر كان محذوف أي لم يكن مريدا ليغفر لهم، و الا طريق جهنم نصب على الاستثناء المتصل من الطريق التي وقعت نكرة في سياق النفي. خالدين حال. و خيرا خبر كان المحذوفة مع اسمها، أي يكن الإيمان خيرا، و قيل مفعول لفعل محذوف، أي و آتوا خيرا.

المعنى:

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً) . قال الرازي و غيره من المفسرين: هذه الأوصاف تنطبق على اليهود، لأنهم كفروا بالإسلام، و صدوا غيرهم عنه بإلقاء الشبهات في قلوب البسطاء.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) . يرى بعض المفسرين ان الآية الأولى مختصة باليهود، و هذه بالمشركين، و ان اليهود قد صدوا عن الإسلام بإلقاء الشبهات، و ان المشركين صدوا عنه بالظلم، حيث أعلنوا الحرب على محمد (ص)، و دارت بينه و بينهم المعارك أكثر من مرة، و لا يغفر اللّه لهم و لا لغيرهم ما داموا على الضلال، و لا يرشدهم في الآخرة الا الى طريق جهنم، لأنهم في الدنيا سلكوا طريق الضلالة، و انحرفوا عن طريق الهداية رغم الإنذار و الإخطار. و قوله أبدا دليل على خلودهم في النار، و عدم انقطاع العذاب عنهم، و لولا لفظ التأبيد لكان لفظ الخلود محتملا للدوام و الاستمرار، و لطول أمد المكث في جهنم.

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 498

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) .

المراد بالرسول محمد (ص)، و النداء عام لكل انسان في كل زمان و مكان، لأن الإيمان برسالة محمد و دعوته ايمان بالحق، و وجوب الايمان بالحق لا يختص بفرد، دون فرد، و لا بوقت دون وقت، و قوله تعالى: (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) يشعر بأن الإسلام لا يقر أي سلطان الا سلطان الحق، فمن أعطاه الطاعة فهو عند اللّه من المقربين، و من عصى‏ (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) . لا تخفى عليه طاعة من أطاع، و لا معصية من عصى، و قضت حكمته ان يجازي كلا بما يستحقه من الثواب و العقاب.

[سورة النساء (4): الآيات 171 الى 173]

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً (173)

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 499

اللغة:

الغلو مجاوزة الحد. و الاستنكاف الامتناع عن الشي‏ء أنفة و كبرا. و الاستكبار أن يجعل الإنسان نفسه كبيرة فوق ما هي عليه.

الإعراب:

المسيح مبتدأ. و عيسى عطف بيان. و رسول اللّه خبر. و كلمته عطف على الرسول. و جملة ألقاها حال. و ثلاثة خبر لمبتدأ محذوف، أي آلهتنا ثلاثة.

و خيرا مفعول لفعل محذوف، أي و قولوا خيرا. و المصدر المنسبك من أن يكون مجرور بمن محذوفه، و المجرور متعلق بسبحانه، و جميعا حال من ضمير فسيحشرهم.

المعنى:

لا نعرف دينا أكّد و تشدد في عقيدة التوحيد كالإسلام، فلا شبيه و لا ند للّه، و لا حلول و لا اتحاد «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ» هذا هو الأساس الذي ترتكز عليه عقيدة الإسلام، و من الطريف قول من قال: «إذا كان اللّه قادرا على كل شي‏ء فينبغي أن يكون قادرا على أن يخلق إلها مثله؟ .. و وجه الطرافة أو الغرابة في هذا القول انه يجمع بين صفة الخالق و المخلوق، و العابد و المعبود في ذات واحدة، و بديهة ان المخلوق لا يكون إلها خالقا .. اللهم الا عند من قال:

ان في المسيح طبيعتين: لاهوتية و ناسوتية. و تكلمنا عما قيل في السيد المسيح عند تفسير الآية 58 من سورة آل عمران، و عن التوحيد و نفي الشريك و الأقانيم الثلاثة عند تفسير الآية 50 من سورة النساء التي ما زلنا معها في التفسير، و تكلمنا عن الغلو عند تفسير الآية 128 من سورة آل عمران، و نعود ثانية الى هذا الموضوع لقوله تعالى:

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) . قال كل من اليهود و النصارى قولا تجاوزوا فيه الحق .. فاليهود أنزلوه الى الحضيض،

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 500

و النصارى رفعوه الى الالوهية، و قال المسلمون فيه ما قاله القرآن، و هو قول وسط بين القولين، و كان الخطاب في الآيات السابقة موجها الى اليهود، و هو في هذه الآيات موجه الى النصارى بدليل قوله تعالى: (وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) و هذا هو الغلو في الدين، و القول على اللّه بالباطل، لأنه تعالى منزه عن الشريك و الشبيه، و الحلول و الاتحاد، و الولد و الصاحبة.

القرآن و المبشرون بالتثليث:

(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ) .

هذه هي حقيقة عيسى، و بها قال المسلمون .. رسول اللّه، و كفى تماما كإبراهيم و موسى و محمد و سائر الأنبياء .. و وقفنا مع المبشرين بالمسيحية في مكان سابق من هذا التفسير، و نقف معهم الآن عند تفسير هذه الآية، لأن لهم قصة معها، ستعرفها مما يلي، و نبدأ الحديث بالسؤال، كعادتنا في ارادة الإيضاح، ليمضي القارئ معنا الى النهاية من غير سأم أو ملل.

سؤال: كيف يكون عيسى كغيره من الأنبياء، و قد ولدوا جميعا من آبائهم، و ولد هو من غير أب خارقا لما هو مألوف و معروف؟.

و تولى سبحانه بنفسه الاجابة عن هذا السؤال، و أوجزه بهذا الإيجاز الرائع:

(وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ) . و معناه بضرب من الشرح و التفصيل ان قول النصارى: ولد عيسى من غير أب قول صحيح، و صحيح أيضا قولهم: ان هذا يخالف المألوف .. و لكن الخطأ الجسيم في قولهم: ان هذه المخالفة دليل على ربوبية عيسى .. و وجه الخطأ انه لا ملازمة بين عدم الابوة، و بين وجود الربوبية، و إلا فانه يلزم ان يكون آدم ربا، بل هو أولى بالربوبية من عيسى- على منطقهم- لأنه خلق من غير أب و أم، و عيسى تولد من امه مريم .. هذا، الى ان خرق العادات ليس بعزيز، فقد كانت النار بردا و سلاما على ابراهيم، فينبغي أن يكون ربا، لأن ما حصل مخالف للمألوف.

صفحه بعد