کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج7، ص: 371
الجزء التّاسع و العشرون
تفسير الكاشف، ج7، ص: 373
سورة الملك
30 آية مكية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الملك (67): الآيات 1 الى 11]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تفسير الكاشف، ج7، ص: 374
اللغة:
تبارك تعالى عما لا يليق. بيده الملك له التصرف المطلق. ليبلوكم: ليظهر أعمالكم بالامتحان. و طباقا أي يشبه بعضها بعضا في الإتقان كما تقول: هذا مطابق لذاك.
و التفاوت الاختلاف أي لا ترى اختلافا في إتقان الصنع. و المراد بالفطور هنا الخلل و النقص. و كرّتين مرتين و المراد بهما هنا أكثر من مرة و مرة بعد مرة. و ينقلب يرجع. و خاسئا ذليلا. و حسير كليل. و الرجم الرمي. و تميز تتفرق و تتقطع من حنقها. و سحقا. بعدا و هلاكا.
الإعراب:
تبارك فعل ماض، و قالوا لم ينطق له بمضارع. و المصدر من ليبلوكم متعلق بخلق. و أيكم مبتدأ و أحسن خبر و عملا تمييز. و طباقا صفة لسماوات و هي مصدر بمعنى اسم الفاعل أي مطابقة. و كرّتين قائم مقام المفعول المطلق أي رجعتين مثل ضربته مرتين. و خاسئا حال من البصر. و الذين كفروا خبر مقدم و عذاب جهنم مبتدأ مؤخر. و سحقا مصدر مؤكد أي سحقهم اللّه سحقا.
المعنى:
(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . علا سبحانه بحوله على كل شيء و هيمن على كل شيء، و لا يعجزه شيء .. و من آثار هذه العظمة انه (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) . من اين جاءت الحياة؟ و كيف ذهبت؟ لا تفسير لذلك إلا بوجود الحي الذي لا يموت. أنظر ج 3 ص 231 فقرة «من اين جاءت الحياة»؟. أما الحكمة من الحياة في الدنيا ثم الموت ثم البعث فهي ان تظهر أفعال الإنسان في دنياه، و يثاب عليها أو يعاقب في آخرته. و في الحديث ان رسول اللّه (ص) حين تلا هذه الآية فسرها بقوله: «أيكم أحسن عقلا، و أورع عن محارم اللّه، و أسرع الى طاعته».
تفسير الكاشف، ج7، ص: 375
و أيضا من آثار عظمته تعالى انه (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ) و ذكر السموات السبع لا يفيد الحصر.
انظر آخر سورة الطلاق فقرة «سبع سماوات و من الأرض مثلهن». و طباقا أي يطابق بعضها بعضا في دقة الصنع، و المعنى حقّق و تفحص و تأمل جيدا، و عاود النظر مرات و مرات في خلق الكائنات فإنك لا ترى و لن ترى إلا الحكمة و الدقة و الا النظام و الانسجام و التناسب و التناسق في كل شيء .. أبدا لا تفاوت في إتقان الصنع، و لا خلل و لا نقص في شيء من أصغر صغير الى أكبر كبير ..
سل العقول مجتمعة: من الذي أعطى كل شيء خلقه فقدره تقديرا؟. هل الصدفة أتت بكل هذه الأسرار و العجائب؟ و هل هي قاعدة تطرد في كل شيء و مبدأ لا ينقضه شيء؟ و متى بهرت الصدفة الألباب و حيرت؟ و لا جواب عند العقول العليمة السليمة إلا بالرجوع الى قوة تكمن وراء الطبيعة و الاعتراف بالعجز عن ادراك حقيقتها و كنه عظمتها.
و هنا يكمن السر لتاريخ الايمان باللّه الذي وجد بوجود الإنسان بل بوجود كل كائن يحس و يشعر، و نحن على علم اليقين بأن الجاحد لو فكر و تدبر خلق السموات و الأرض لآمن باللّه من حيث يريد أو لا يريد. قال «لورد كيلفن» أحد علماء الطبيعة البارزين: «إذا فكرت تفكيرا عميقا فإن العلوم سوف تضطرك الى الاعتقاد بوجود اللّه. و هذا ما أعلنه القرآن بقوله: «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» 28 فاطر.
(وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) . الدنيا هنا تأنيث الأدنى، و هي صفة للسماء أي انه تعالى زيّن بالمصابيح السماء التي هي أقرب إلينا من سائر السموات، و المراد بالمصابيح النجوم، أما الرجم فقد يكون بالشهب التي تحترق- غالبا- في الفضاء قبل أن تصل الى الأرض، و قد يكون بالحجارة المتساقطة من النجوم- النيازك- و كل عات متمرد فهو شيطان قال تعالى: «وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ» - 14 البقرة و اعتدنا أي أعددنا. و تقدم مثله مع التفسير في الآية 6 من سورة الصافات ج 6 ص 330 و الآية 12 من سورة فصلت ص 480 من المجلد المذكور.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 376
و قال البعض في تفسير هذه الآية: ان الدجالين يوهمون انهم يعلمون الغيب من النظر الى النجوم، و ان اللّه سبحانه سوف يرجمهم يوم القيامة بشرر من نار جهنم لأنهم كانوا يقولون رجما بالغيب! .. و هذا التفسير أيضا رجم بالغيب.
(وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) . قال صاحب الظلال: قد يظن ان هذا تعبير مجازي .. و لكن جهنم مخلوقة حية تكظم غيظها، و تنطوي على بغض و كره! .. و أكثر المفسرين على ان المراد ان لجهنم لجبا و كلبا عظيمين، يكاد من يراها يحسبها غضبى على الكافرين بحيث توشك أن تتقطع أوصالها من الحنق عليهم.
و هذا التفسير أقرب الى الافهام و التصديق من تفسير صاحب الظلال الذي يشبه تفسير أهل الظاهر.
(كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) . المراد بخزنة جهنم الموكلون بها، و القصد من سؤال الخزنة هو توبيخ المجرمين و إيلامهم تماما كقولك لمن أخذ بجريمته: هذا ما جنته يداك.