کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج5، ص: 297
اللغة:
الأمة القوم الذين تجمعهم لغة واحدة و تاريخ واحد، ثم كثر استعمالها في الدين و الملة، و هذا المعنى هو المراد هنا. و تقطعوا فرقوا دينهم و صاروا شيعا. و الكفران جحود الإحسان أي ضد الشكر. و الحدب المرتفع من الأرض. و ينسلون يسرعون.
و المراد بالحصب هنا الوقود، و بالزفير شدة تنفسهم في النار.
الإعراب:
هذه اسم ان، و أمتكم خبر، و أمة حال، و واحدة صفة لأمة. و حرام مبتدأ، و المصدر من أنهم لا يرجعون خبر. و الحق صفة للوعد. فإذا للمفاجأة، و «هي» ضمير القصة مبتدأ، و ابصار الذين كفروا مبتدأ ثان، و شاخصة خبر المبتدأ الثاني، و الجملة خبر المبتدأ الأول. و ما تعبدون معطوف على اسم ان.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 298
المعنى:
(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) . هذه اشارة الى عقيدة الأنبياء، و هي التوحيد مع الانقياد اليه تعالى قولا و عملا، و الخطاب في أمتكم لجميع الناس بلا استثناء، و المعنى عليكم أيها الناس أن تدينوا جميعا بدين التوحيد الذي كان عليه الأنبياء، و أن تعبدوا الواحد الأحد، و تخلصوا له في الأقوال و الأفعال (وَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أمرهم سبحانه أن يكونوا جميعا على عقيدة التوحيد، فتفرقوا شيعا و طوائف، منهم الجاحدون، و منهم المشركون، حتى أتباع الأنبياء يلعن بعضهم بعضا، و يتبرأ بعضهم من بعض، بل و أتباع النبي الواحد كذلك (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) . هذا تهديد و وعيد على تفرقهم و شتاتهم و انحرافهم عن الحق.
الايمان مع العمل الصالح طريق الى الجنة، و الايمان بلا عمل لا يجدي شيئا لقوله تعالى: «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً» - 158 الانعام. أما العمل بلا ايمان فينفع صاحبه في الدنيا بنحو من الانحاء، و قد ينفعه في الآخرة بتخفيف العذاب. و تكلمنا عن ذلك مفصلا بعنوان الكافر و عمل الخير عند تفسير الآية 178 من سورة آل عمران ج 2 ص 221، و تقدم نظير هذه الآية في سورة النحل الآية 97 ج 4 ص 550.
(وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) . هذه الآية سؤال عن جواب مقدر، و هو: هل المشركون من أهل القرى الذين أهلكهم اللّه بكفرهم يحييهم اللّه ثانية بعد الموت، و يعذبهم في الآخرة كما عذبهم في الدنيا؟.
فأجابه سبحانه بأن كل الناس يرجعون غدا الى اللّه من غير استثناء حتى الذين أهلكهم في الدنيا بذنوبهم، و حرام عليهم عدم الرجوع الى اللّه بعد الموت، بل لا بد من نشرهم و حشرهم لا محالة.
سؤال ثان: هل يعاقبهم اللّه في الآخرة على كفرهم بعد ان عاقبهم عليه في الدنيا؟ و هل يجوز الجمع بين عقوبتين على جريمة واحدة؟
تفسير الكاشف، ج5، ص: 299
الجواب: كان إهلاكهم في الدنيا عقابا على تكذيبهم الرسل الذين جاءوهم بالمعجزات كما دل قوله تعالى: «وَ قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ» - 37 الفرقان. و قوله: «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ أَصْحابُ الرَّسِّ وَ ثَمُودُ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ وَ إِخْوانُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ» - 14 ق و غير ذلك من الآيات، أما عذاب الآخرة فهو على الكفر من حيث هو، و على سائر الذنوب كالكذب و الظلم و نحوه، فالعقاب متعدد و لكن بتعدد الذنوب، لا على ذنب واحد.
(حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) . عند تفسير الآية 94 من سورة الكهف نقلنا عن بعض المفسرين أن يأجوج هم التتر، و مأجوج هم المغول، و أيضا قلنا عند تفسير الآية 98 من السورة المذكورة:
إن سد يأجوج و مأجوج قد ذهب مع الأيام لأنه لو كان اليوم لبان، و على هذا يكون المراد بفتحت يأجوج و مأجوج انتشارهم في القارات .. و مهما يكن فإنّا لم نقرأ عن يأجوج و مأجوج ما تركن اليه النفس لا في التفاسير و لا في غيرها، و لا مجال للفكر في مثل هذه الموضوعات، لذلك نقف عند ظاهر النص القرآني، و نترك التفاصيل لغيرنا.
(وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) . المراد بالوعد الحق قيام الساعة، و عندها تذهل عقول الكفرة الطغاة، و تجحظ منهم الأعين، و ترتفع الجفون من شدة الهول .. و تقدم مثله في الآية 42 من سورة ابراهيم ج 4 ص 455 (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) . الجملة مفعول لقول محذوف أي يقولون: يا ويلنا الخ. و تقدم نظيره في الآية 14 و 46 من هذه السورة، و الآية 5 من سورة الأعراف ج 3 ص 302.
(إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) . الخطاب لمشركي مكة، و المراد بما يعبدون أصنامهم، و حصب جهنم وقودها، مأخوذ من الرمي بالحصباء حيث يرمى بالمجرم في نار جهنم، و المعنى انكم أيها المشركون أنتم و أصنامكم مقرونان غدا في جهنم .. و في الحديث المرء مع من أحب.
و تسأل: و أية جدوى من إدخال الأصنام الى النار، و هي أحجار، لا ادراك فيها و لا شعور؟
تفسير الكاشف، ج5، ص: 300
و أجاب المفسرون بأن الغرض من ذلك أن يزداد عبدتها حسرة و غما كلما رأوها الى جانبهم. و هذا مجرد حدس و استحسان، و الأولى أن ندع الجواب للآية 24 من سورة البقرة: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» .
و في بعض الروايات: «ان ابن الزبعري- و هو أحد مشركي قريش و شعرائهم- اعترض على هذه الآية بأن اليهود يعبدون عزيرا، و النصارى يعبدون المسيح، و هما من أهل الجنة باعتراف محمد، فكيف يقول كل معبود حصب جهنم؟ فقال له رسول اللّه (ص): ما أجهلك بلغة قومك! أ ليست (ما) لما لا يعقل؟».
هذا، الى ان الخطاب لمشركي قريش بالخصوص، كما قلنا، و هم يعبدون الأصنام.
(لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَ كُلٌّ فِيها خالِدُونَ) . هؤلاء اشارة الى الأصنام، و ضمير وردوها يعود الى النار، و معنى الآية واضح، و هو لو كانت الأصنام آلهة ما دخلت النار، و مثل هذا النقض ان تقول: لو كنت أمينا لما خنت، و لكنك قد خنت، فما أنت بأمين .. و في المنطق يسمى هذا النوع من الاستدلال بالقياس الاستثنائي (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) . ضمير لهم يعود الى كل مجرم مسلما كان أم كافرا، و ضمير فيها الى جهنم، و المعنى لكل مجرم في جهنم أنين و عنين، و لا يسمع من أحد كلمة عطف و حنان، بل من يراه يوبخه و يعنفه: «وَ قِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ» - 24 الزمر.
[سورة الأنبياء (21): الآيات 101 الى 107]
تفسير الكاشف، ج5، ص: 301
اللغة:
المراد بالحسنى هنا كلمة البشارة بالجنة. و الحسيس الصوت الذي يحس. و السجل الصحيفة. و الزبور الكتاب.
الإعراب:
أولئك مبتدأ و مبعدون خبر، و الجملة خبر ان. و هذا يومكم مبتدأ و خبر، و الذي عطف بيان ليومكم، و الجملة مفعول لقول محذوف. و يوم منصوب بفعل محذوف أي يوم نطوي. و كطي السجل الكاف في محل نصب صفة لمفعول مطلق محذوف أي طيا مثل طي السجل. و كما بدأنا (ما) مصدر و المصدر المنسبك مجرور بالكاف. و أول مفعول بدأنا. و وعدا منصوب على المصدرية أي وعدنا وعدا.
و رحمة مفعول من أجله لأرسلناك.
المعنى:
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) . وعد اللّه المتقين ان يعاملهم بالحسنى، و من ذلك النجاة من النار (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) هذا تأكيد لبعدهم عنها و نجاتهم منها (وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) . آمنون من عذاب اللّه منعمون في جنانه (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) . و بالأولى الأصغر،
تفسير الكاشف، ج5، ص: 302
فان للفزع مراتب: من سكرات الموت الى وحشة القبر ثم الخروج منه الى الحساب و اطباق جهنم على أهلها (وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) .
تستقبل ملائكة التشريفات المتقين بالحفاوة و التكريم، و تقول لهم: لقد جمعكم اللّه في هذا اليوم الذي وعدكم فيه بالملك الدائم و النعيم القائم. و تتلخص هذه الآيات الثلاث بكلمة: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» - 60 الرحمن. أو كلمة:
«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى» - 26 يونس.
(يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) . السجل الصحيفة، و المراد بالكتب هنا ما يكتب في الصحيفة من كلمات، و المعنى ان اللّه سبحانه يطوي الكواكب يوم القيامة، على ضخامتها و كثرتها، كما تطوي الصحيفة ما كتب فيها بحيث يصير كل كوكب أشبه بالكلمة أو الحرف في الصحيفة (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) . شبه سبحانه النشأة الثانية بالنشأة الأولى، و انه كما تحققت هذه فستحقق تلك لا محاله وفاء لوعده تعالى، و ما ذاك على اللّه بعزيز، فان من خلق الكون قادر على أن يعيده بعد تلاشيه و تفرق أجزائه:
«وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» - 27 الروم.
أيضا المهدي المنتظر:
الزبور هو كتاب داود، و الذكر ما تقدمه من الكتب السماوية كصحائف ابراهيم و توراة موسى، و المعنى ان الحكم و السلطان في الأرض، و ان كان الآن بأيدي الطغاة الفجرة فان اللّه سينقله من أيديهم الى الطيبين الأخيار لا محالة، و عندها يعم الأمن و العدل الكرة الأرضية، و ينعم بخيراتها و بركاتها الناس كل الناس، و في هذا المعنى أحاديث كثيرة و صحيحة، منها ما رواه أبو داود في كتاب السنن و هو أحد الصحاح الستة- «قال رسول اللّه: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، و اسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» «1» .
(1). تكلمنا عن المهدي المنتظر في ج 1 ص 206 و عند تفسير الآية 58 من سورة الاسراء.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 303
و قانون الحياة لا يأبى ذلك بل يقره و يؤكده، و إذا كانت القوة الآن بأيدي الوحوش الضارية المتسلطة على الأمم المتحدة و مجلس الأمن و غيره فانه لا شيء يمنع أن تتحول القوة في يوم من الأيام من أيدي أهل البغي و الضلال الى أيدي أهل الحق و العدالة، بل ان غريزة حب البقاء و التحرر من الظلم، و المبدأ القائل:
كل ما على الأرض يتحرك تماما كالأرض، و ان دوام الحال من المحال، كل ذلك و ما اليه يحتم ان القوة في النهاية تكون للأصلح الأكفأ.
(إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) . هذا اشارة الى أن الأرض يرثها العباد الصالحون، و لو بعد حين، و المراد بالعابدين هنا الذين يتعظون بالعبر، و ينتفعون بالنذر.
(وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) . الخطاب لمحمد (ص)، و رسالته رحمة للأولين و الآخرين، و فيما تقدم ذكرنا الكثير من مبادئها و تعاليمها، و حسبنا منها قول صاحبها: «ما آمن باللّه من لا تأمن الناس بوائقه .. إذا ساءتك سيئة، و سرتك حسنة فأنت مؤمن». و على هذا الاحساس و الشعور يقوم العدل، و ينشر الأمن، و تهنأ الحياة .. و تكلمنا عن عموم رسالة محمد (ص) الى جميع الناس في كل زمان و مكان تكلمنا عن ذلك عند تفسير الآية 92 من سورة الأنعام ج 3 ص 225.
[سورة الأنبياء (21): الآيات 108 الى 112]