کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج4، ص: 327
الجزء الثّالث عشر
تفسير الكاشف، ج4، ص: 329
[سورة يوسف (12): الآيات 54 الى 57]
اللغة:
أستخلصه أجعله خالصا لنفسي. و المكين من التمكين أي انت عندنا ذو مكانة و منزلة. و يتبوأ منها يتخذ منها منزلا.
الإعراب:
فاعل كلّمه ضمير مستتر يجوز أن يكون للملك و ليوسف أيضا لأن المعنى يصح على التقديرين. و ضمير قال انك الخ. مستتر يعود الى الملك. و ضمير قال اجعلني الخ. يعود الى يوسف. و مفعول مكنا محذوف أي مكنا الأمر ليوسف، و يجوز أن يكون يوسف هو المفعول و اللام زائدة. و جملة يتبوأ حال من يوسف.
و حيث ظرف منصوب بيتبوأ.
المعنى:
تفسير الكاشف، ج4، ص: 330
أَمِينٌ) . بعد أن شهدت امرأة العزيز و النسوة على أنفسهن، و عرف الناس جميعا ان يوسف منزّه عن الاغراض و العيوب، بعد هذا رضي يوسف بالخروج من السجن، و طلبه الملك ليكون زعيما في مملكته و عونا له على تدبيرها و ادارتها.
و لما اجتمع به، و سمع منه وقع حبه و احترامه في قلبه، و قال له فيما قال: أنت محترم عندنا و مؤتمن على كل شيء في الدولة، و ما قال الملك هذا إلا حين أيقن بمقدرته و علمه و حكمته. و قيل ان يوسف كان عمره آنذاك 30 سنة، و في «مجمع البيان» ان يوسف سلم على الملك بالعربية، و لما سأله من أين لك هذا اللسان؟
قال: هو لسان عمي إسماعيل، و في تفسير المنار ان ملك مصر كان في عهد يوسف من ملوك العرب المعروفين بالرعاة «الهكسوس» «1» و قال الطبري ان هذا الملك كان اسمه الوليد بن الريان.
(قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) . بعد أن فوض الملك الأمر ليوسف في كل ما يريد و يختار من المناصب اختار الولاية على خزانة الدولة و اقتصادها «2» ، اختار هذه الولاية بعد أن خيّر، و لم يطلبها ابتداء كي يقال:
كيف طلب الولاية .. و على افتراض انه طلبها ابتداء فلم يطلبها لمصلحته الخاصة، بل للصالح العام، و ليحفظ للمستضعفين حقوقهم و بالخصوص في سني القحط و المجاعة .. لقد علم يوسف ان البلاد مقبلة على بلاء و شدة، فإذا لم يكن صاحب الخزانة حفيظا عليها عليما بشئونها ضاعت حقوق الناس بخاصة الفقراء و المساكين ..
هذا الى أن المال عصب الأمة و حياتها، فإذا لم يكن زمامه بيد الأكفاء علما و خلقا كان مصير الأمة الى الهلاك و الدمار، حتى في سني الخصب و الرخاء.
أما إذا كانت مقادير الأمة بيد الأكفاء و الأمناء فإنهم يقودونها الى خيرها و صلاحها دنيا و آخرة، و قد نقل كثيرون ان يوسف حين تولى أمر الخزانة، و رأى الناس من عدله و حسن تدبيره ما صان لكل ذي حق حقه آمنوا برسالته،
(1). قرأت في جريدة «اخبار اليوم» المصرية تاريخ 25- 1- 1969 ان بعثة جامعة فيينا المكونة من 6 من علماء الآثار أعلنت ان الهكسوس كانوا عربا.
(2). في مصر يسمون وزير المالية بوزير الخزانة: و غير بعيد ان يكون مصدر التسمية قول يوسف:
«اجعلني على خزائن الأرض».
تفسير الكاشف، ج4، ص: 331
حتى الملك آمن و شهد ان لا إله الا اللّه و ان يوسف رسول اللّه، قال إسماعيل حقي في «روح البيان»:
«قال مجاهد: أسلم الملك على يد يوسف، و جمع كثير من الناس»، و عقّب صاحب «تفسير البيان» على قول مجاهد بهذه الكلمة: «إذا كان الإحسان الى يوسف و الإكرام له سببا للايمان و العرفان فما ظنك بمن آسى رسول اللّه (ص) و ذب عنه ما دام حيا و هو عمه أبو طالب، فالأصح انه ممن أحياه اللّه للايمان، كما سبق في المجلد الأول». و سبق الكلام عن اسلام أبي طالب عند تفسير الآية 113 من سورة التوبة.
(إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) . أحفظ المال من الإسراف و الضياع، و أعلم المستحقين له من غيرهم، و أضع كل شيء في موضعه. و عن الإمام جعفر الصادق انه قال: يجوز للرجل أن يزكي نفسه إذا اضطر الى ذلك، فلقد قال يوسف:
«اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم».
و في بعض التفاسير: «لم يقل يوسف للملك: عشت يا مولاي، أنا عبدك الخاضع، كما يقول المتملقون للطواغيت، و انما طالب بما يعتقد انه قادر على النهوض به من أعباء الأزمة، و صيانة الأرواح من الموت، و البلاد من الخراب ..
فيا ليت المتملقين للطغاة يقرءون القرآن ليعرفوا ان الكرامة و الاباء و الاعتزاز يدر من الربح أضعاف ما يدر التمرغ و التزلف و الانحناء». قال الرازي: روي ان الملك قال ليوسف: «أحب ان أشركك في كل شيء الا في أهلي و الأكل معي. فقال له يوسف: لا آكل معك و أنا يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم الخليل».
(وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) . صبر يوسف على إلقائه في البئر، و على بيعه في سوق العبيد، و خدمته في بيت العزيز، و على التهمة بالخيانة، و السجن، و الأسر، صبر على ذلك و أكثر من ذلك، صبر و احتسب و توكل على اللّه .. فما ذا كانت النتيجة؟. لقد خرج من السجن خروج الأبطال من معارك النصر .. خرج ليحكم في الأرض مطلق اليد مسموع الكلمة، نافذ السلطان .. و هكذا يوفّى الصابرون
تفسير الكاشف، ج4، ص: 332
أجرهم في الدنيا (وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ) . و أجر الآخرة الجنة التي «لا ينقطع نعيمها، و لا يظعن مقيمها، و لا يهرم خالدها، و لا يبأس ساكنها» كما قال الإمام علي (ع) .. و أين من هذا النعيم الدائم الذي لا يشوبه بؤس و لا هرم ذلك الملك الزائل المشوب بالأتعاب و الآلام؟. و في بعض الروايات ان امرأة العزيز أتت يوسف في السنين العجاف تطلب منه قوتا، و قد مات زوجها و رماها الدهر بالخطوب، و نال منها ما نال، و ان يوسف لما رآها قال لها:
ما الذي أوصلك الى ما أرى؟. فقالت له: سبحان من جعل الملوك بمعصيته عبيدا، و جعل العبيد بطاعته ملوكا.
[سورة يوسف (12): الآيات 58 الى 62]
اللغة: