کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 518

المعنى:

(وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) .

ضمير انه للقرآن، و المراد بالروح الأمين جبريل (ع)، و الخطاب في قلبك لمحمد (ص) .. بعد أن ذكر سبحانه قصص من تقدم من الأنبياء ذكر محمدا و القرآن، و ان جبريل نزل به على الرسول الأعظم ليجاهد الكافرين و المعاندين بآياته و بيناته .. و سمي جبريل بالروح لأنه نزل بالقرآن، و هو هدى و شفاء للأرواح: «قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ» - 44 فصلت، و سمي أيضا بالأمين لأنه مطيع للّه، حريص على تأدية رسالاته كما هي الى أنبيائه تعالى، و هو أيضا عليم بها و بمقاصدها (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . أنظر تفسير الآية 2 من سورة يوسف ج 4 ص 286. و بينا هناك السبب لنزول القرآن باللغة العربية.

(وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أي ان بعض الكتب السابقة على محمد (ص) بشرت به و بالقرآن .. و فيما تقدم أثبتنا بالأدلة العقلية و النقلية ان القرآن وحي من عند اللّه، فمن الأدلة العقلية ان القرآن تحدى الجاحدين أن يأتوا بسورة من مثله، فحاولوا و عجزوا، و انه أخبر عن المغيبات، فجاءت كما هي، و انه يتحمل الكثير من وجوه التفسير، و لا سر لهذا إلا لأنه ممن أحاط بكل شي‏ء علما ..

أنظر تفسير الآية 23 من سورة البقرة ج 1 ص 65 و ما بعدها، و تفسير الآية 53 من سورة النساء ج 2 ص 350 و ما بعدها، و تفسير الآية 82 من سورة النساء ج 2 ص 389، و تفسير الآية 55 من سورة النور، فقرة «وجه آخر لاعجاز القرآن».

أما الأدلة النقلية فمنها ان التوراة و الإنجيل الأصليين قد بشرا بمحمد (ص) كما صرحت الآية 157 من سورة الأعراف، و أيضا بشرت به بعض الكتب الدينية الموغلة بالقدم- غير التوراة و الإنجيل- أنظر تفسير الآية 46 من سورة البقرة ج 1 ص 233، و فقرة «هل الأنبياء كلهم شرقيون» ج 2 ص 492.

(أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) . كان علماء اليهود قبل البعثة يبشرون بمحمد (ص)، و يحدثون العرب عنه، و يذكرونه بصفاته لقريش و غيرهم‏

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 519

من العرب، و لما بعث أسلم البعض من اليهود الذين كانوا يتحدثون عنه كعبد اللّه ابن سلام و أصحابه، و أسلم أيضا جماعة من العرب، و تنكر له سائر اليهود و عتاة قريش .. و هذه الآية تقول للذين كذبوا بمحمد (ص) بعد أن سمعوا حديث اليهود عنه، تقول لهم: كيف كذبتم به، و قد سمعتم علماء اليهود من قبل يبشرون به، و يعترفون بأنه مذكور بصفاته في التوراة؟ أليس في شهادتهم هذه دليل قاطع على صدق محمد (ص)؟ و ليس من شك ان هذا دليل كاف واف لمن طلب الحق لوجه الحق، و لكن العتاة الذين أنكروا نبوة محمد (ص) أنكروها خوفا على مصالحهم، و حرصا على مكانتهم، و لم ينكروها لضعف الدليل و قصور الحجة: «وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ» - 101 يونس.

(وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) . انهم لا يؤمنون بالحق و بيناته، سواء أجاءهم بها عربي أم أعجمي، لأن الحق و العلم عندهم هو المصلحة، و ما عداها ليس بشي‏ء .. و قد كررنا ذلك فيما تقدم على الرغم من وضوحه و بداهته.

(كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي ان المجرمين إذا سمعوا الحق أو القرآن جحدوه و كذبوا به، و بكلام أوضح ان البذر الصالح إنما يحيا و ينمو و يأتي ثمره إذا صادف أرضا طيبة صالحة، أما إذا صادف أرضا سبخة خبيثة فإن صلاحه لا يجدي نفعا: «وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً» - 58 الاعراف. و كذلك الحق يأتي بأطيب الثمار و الآثار إذا صادف نفسا زكية نقية، و لا يثمر شيئا إذا كانت النفس خبيثة مجرمة، و على هذا فمعنى‏ (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) ان القرآن لا أثر له في نفوسهم إلا الجحود و التكذيب.

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ) . ضمير لا يؤمنون يعود الى المجرمين، و ضمير به الى القرآن، و المعنى ان المجرمين لا يؤمنون بالحق مهما كانت دلائله إلا إذا رأوا العذاب فجأة، أما إذا أنذروا به من قبل فيعرضون و يسخرون .. و بداهة ان الخضوع بين يدي العذاب نفاق لا ايمان، و إكراه لا اختيار (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) ؟. استعجلوا العذاب قبل أن‏

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 520

يروه، و قالوا لنبيهم ساخرين: فأتنا به ان كنت من الصادقين، و لما رأوه عيانا ندموا، و تمنوا لو أمهلهم اللّه قليلا كي يؤمنوا و يطيعوا .. و هكذا المضيع يتمنى الرجعة أو الامهال بعد فوات الأوان.

(أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) . هذا من كلامه تعالى يرد به على الذين قالوا لنبيهم:

فائتنا بما تعدنا .. فأسقط علينا كسفا من السماء. و معناه كيف تستعجلون العذاب، و إذا نزل لا تستطيعون له صرفا، و لا منه مفرا (أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) . تمنى المجرمون الامهال حين رأوا العذاب، فأجاب سبحانه بأن الامهال و الاملاء و ان طال أمده فانه لا يجدي نفعا عند نزول العذاب، بل كلما طال أمد المجرمين في الدنيا، و ازدادوا من نعيمها ازدادوا إثما و جرما، و تضاعف عقابهم و عذابهم.

(وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) هذا بمعنى قوله تعالى: «وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» - 15 الاسراء (ذِكْرى‏ وَ ما كُنَّا ظالِمِينَ) في إهلاك القرى، حيث أرسلنا الى أهلها رسلا منذرين بالعذاب، مذكرين بطاعة اللّه، و مزودين بالأدلة و البراهين، فكذبوا الرسل فحق عقاب اللّه.

(وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ وَ ما يَسْتَطِيعُونَ) . كان أهل الجاهلية يعتقدون بالكهانة، و ان لكل كاهن شيطانا يأتيه بأخبار الغيب، و لما نزل القرآن قالوا هذا من وحي الشيطان الى الكهنة، و هؤلاء بدورهم يوحون به الى محمد (ص) أو هو كاهن تنزل عليه الشياطين، فرد سبحانه هذا الزعم بأن القرآن هدى و نور، و بينات قاطعة ساطعة، و أين الشياطين و الكهنة من الهدى و البينات؟ ..

انهم أضعف و أحقر .. هذا، الى‏ (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) ممنوعون من سماع القرآن حين يوحي اللّه به الى جبريل لينقله الى محمد (ص). و إذا عجز الشياطين عن إنشاء آية من مثله، و عن سماع كلمة واحدة منه فكيف ينقلونه الى الكهنة، و يخبرونهم به؟.

[سورة الشعراء (26): الآيات 213 الى 220]

فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)

الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 521

المعنى:

(فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) . ظاهر السياق يدل ان الخطاب لرسول اللّه (ص)، و لكن القصد منه الإخبار بأن كل من يدعو مع اللّه إلها آخر فهو من المعذبين كائنا من كان.

(وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) . النبي (ص) مأمور بإنذار الناس أجمعين:

«يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ» . و في الآية 2 من سورة يونس: «أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا» . و خص سبحانه عشيرة الرسول بالذكر لأن المؤدب يبدأ بنفسه ثم بأهله و عشيرته، ثم بالآخرين، و لأن عشيرته إذا صدقوه و آمنوا به كانوا عونا له على بث الدعوة و انتشارها.

و قد كثر كلام المسلمين حول هذه الآية، فقال جماعة من السنة: انه حين نزلت قال رسول اللّه (ص): يا فاطمة ابنة محمد. يا صفية ابنة عبد المطلب.

يا بني عبد اللّه اعملوا فإني لا أملك لكم من اللّه شيئا.

و قال الشيعة و جماعة آخرون من السنة، منهم الإمام أحمد بن حنبل و النسائي و السيوطي و أبو نعيم و البغوي و الثعلبي و صاحب السيرة الحلبية و صاحب كنز العمال قالوا و غيرهم: ان النبي (ص) عند ما نزلت هذه الآية دعا بني عبد المطلب، و هم يومئذ أربعون رجلا، فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب، و كان قد أو لم لهم، و بعد ان أكلوا و شربوا قال: يا بني عبد المطلب اني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة، و قد أمرني اللّه أن أدعوكم اليه، فأيكم يؤازرني على‏

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 522

هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم؟ فأحجم القوم جميعا إلا عليا قال: أنا يا نبي اللّه. فأخذ النبي (ص) برقبته، و قال: ان هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا «1» و ذكر هذا الحديث محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد (ص)» في الطبعة الأولى، و حذفه في الطبعة الثانية.

و قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: «و روي في ذلك أحاديث عن رسول اللّه (ص)». يشير بذلك الى الأحاديث التي جاء فيها ذكر الإمام علي (ع)، و الأحاديث التي لم يذكر فيها اسمه .. و لا تنافر و تعارض بين هذه الأحاديث، فان الجمع بينها ممكن و قريب جدا .. أو لم الرسول (ص) للأربعين من عشيرته، و قال لهم: أيكم يؤازرني على هذا الأمر الخ، ثم قال لهم بمناسبة ثانية: اني لا أملك لكم من اللّه شيئا.

(وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) . تقدم في الآية 88 من سورة الحجر ج 4 ص 490 (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) . الخطاب لرسول اللّه (ص) و الواو في عصوك لعشيرته الذين أنذرهم. و القريب من اللّه و رسوله من قرّبته التقوى، و البعيد عنهما من أبعدته المعصية كائنا من كان‏ (وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) دعهم و شأنهم ان عصوك، و لا تذهب نفسك عليهم حسرات، و توجه الى اللّه وحده في جميع أمورك.

(الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) الى التهجد في جوف الليل: «وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» - 18 الذاريات‏ (وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) . قال الشيعة الإمامية:

ان جميع آباء النبي موحدون، و من أدلتهم هذه الآية، حيث فسروها بأن النبي تقلب في أصلاب الموحدين، و اللفظ يتحمل هذا المعنى، و يتحمل أيضا تفسير من قال: ان اللّه يراك يا محمد مع المصلين، و ظاهر السياق يدل على هذا التفسير دون ذاك‏ (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع الأقوال، و يعلم السرائر و الأفعال، و يجزي عليها ان خيرا فخير، و ان شرا فشرّ.

(1). انظر أعيان الشيعة للأمين ج 3 ص 110 طبعة 1960 و دلائل الصدق للمظفر ج 2 ص 232 طبعة 1953.

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 523

[سورة الشعراء (26): الآيات 221 الى 227]

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى‏ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى‏ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)

وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)

اللغة:

أنبئكم أخبركم. أفاك كذاب. و أثيم فاعل الإثم.

الإعراب:

جملة يلقون السمع صفة لكل أفاك. و أي منقلب (أي) صفة لمفعول مطلق محذوف أي انقلابا أيّ انقلاب.

المعنى:

القرآن حرب على المبطلين، و لكنه يحاربهم أولا و قبل كل شي‏ء بمنطق العقل السليم، و يجادلهم بالتي هي أحسن، و يدعوهم بالحكمة و الموعظة الحسنة الى الايمان بالحق، و يوضحه لهم بكل أسلوب، و يسألهم برفق و لين أن يدلوا بما لديهم من حجة و سلطان: «لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ» - 15 الكهف. و إذا تذرعوا بحجة واهية أبطلها القرآن و بيّن ما فيها من ضعف و خلل .. و قال المشركون‏

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 524

و أصحاب المصالح الكثير عن رسول اللّه (ص) و القرآن .. من ذلك زعمهم بأن القرآن من وحي الشيطان، و زعمهم أيضا بأن محمدا (ص) شاعر .. ورد سبحانه ذلك بما يلي:

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى‏ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى‏ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) . هذا رد لقولهم: ان القرآن من وحي الشياطين، و وجه الرد ان الشياطين توسوس و توحي بالأباطيل الى الكذاب الأثيم من أمثالهم: «شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ» - 112 الانعام. و لا سبيل للشياطين على أهل الأمانة و الصدق كالأنبياء و الصلحاء .. هذا الى ان القرآن حق و خير، و وحي الشياطين شر و زور، فكيف يكون من وحيهم؟ (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) .

المراد بإلقاء السمع هنا الإصغاء و الاستماع، و ضمير يلقون يعود الى الكافرين، و المعنى ان الذين يستمعون الى الشياطين، و يتلقون منهم الأكاذيب و الأباطيل هم الكافرون، و أكثر الكافرين يكذبون في أحاديثهم و أقوالهم .. و محمد (ص) صادق في جميع أقواله و أفعاله، فكيف يقال: استمع و تلقى من الشياطين؟

(وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) . هذا رد لقول المشركين: ان محمدا شاعر .. و بيان الرد ان بين محمد و الشعراء فرقا كبيرا من وجوه:

أولا: ان الذين اتبعوا محمدا (ص) انما اتبعوه ثقة به و بعظمته، و ايمانا باللّه و نبوة نبيه يرجون تجارة لن تبور في مودته، و لذا فدوه بالأرواح و قاتلوا من من أجله الآباء و الأبناء، أما الشعراء، و بالخصوص القدامى منهم فإنهم كانوا يعيشون في الأحلام و الأوهام .. و قديما قيل: «أحلام شاعر». و قيل: أعذبه أكذبه أي الشعر، و لا يتبع هؤلاء الشعراء إلا من كان على شاكلتهم.

ثانيا: ان أكثر الشعراء كانوا في القديم يناصرون الطغاة، و يدعمون ظلمهم و طغيانهم، فكان الشاعر يعصر عبقريته و مواهبه لينظم قصيدة أو أبياتا يتغنى فيها بعظمة الجبابرة و القياصرة، و أين هذا من رسالة محمد (ص) التي هي ثورة على الظلم و الفساد؟.

صفحه بعد