کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج7، ص: 502
[سورة النبإ (78): الآيات 31 الى 40]
اللغة:
مفازا أي موضع الفوز و هو الجنة. و كواعب جمع كاعب و هي الجارية التي استدار ثديها و برز. و أترابا على سن واحدة. و دهاقا مترعة طافحة. و اللغو ما لا فائدة فيه و لا يعتدّ به. و حسابا أي كافيا وافيا.
الإعراب:
حدائق و أعنابا بدل بعض من مفاز. و جزاء نصب على المصدرية أي نجازيهم جزاء، و مثله عطاء، و حسابا صفة لعطاء لأنه بمعنى كاف. و رب السموات بدل من ربك. و الرحمن صفة للرب. و يوم يقوم .. نصب بلا يملكون. و صفّا في مقام الحال أي مصطفين. و ذلك مبتدأ و اليوم خبر و الحق صفة له. و يوم ينظر متعلق بمحذوف صفة لعذاب. و يا ليتني «يا» للتنبيه.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 503
المعنى:
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) بثواب اللّه و مرضاته، و منجاة من عذابه و غضبه (حَدائِقَ وَ أَعْناباً) . خص سبحانه الأعناب بالذكر لأهميتها عند المخاطبين (وَ كَواعِبَ أَتْراباً) حورا في سن واحدة و لم تتدل أثداؤهن (وَ كَأْساً دِهاقاً) طافحة بما لذ و طاب (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً) . لا يقولون و لا يسمعون كلاما لا يعتد به و لا أساس له من الحق و الواقع، و فيه إيماء الى ان أهل الجنة و إن كانوا بلا عمل فإنهم لا يخوضون بما يخوض فيه أهل البطالة في الحياة الدنيا (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) . كلمة جزاء تشير الى ان الثواب على العمل الصالح حق لا بد منه، و كلمة عطاء تومئ الى ان اللّه يزيدهم من فضله زيادة كافية وافية بما يحبّون و يشتهون. و تقدم مثله في عشرات الآيات، منها الآية 6 و ما بعدها من سورة مريم.
(رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) . ضمير لا يملكون يعود الى الخلائق الذين يومئ اليهم ذكر السموات و الأرض لأن اللّه ربهما و رب من فيهما، و المعنى ان تلك الحدائق و غيرها مما أنعم اللّه بها على المتقين، هي من الرحمن الرحيم و مالك الملك الذي لا أحد يملك ان يخاطبه يوم القيامة في شأن الثواب و العقاب، فهو وحده يتصرف (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً) . قيل: المراد بالروح هنا جبريل لأن اللّه سبحانه أسماه بالروح الأمين في الآية 193 من سورة الشعراء: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ» . و قال الشيخ عبده: «الروح من مخلوقات اللّه المغيبة عنا التي لم نكلف بالبحث عن حقائقها». و المعنى ان الملائكة يصطفون في يوم القيامة، و يملئون الجو هيبة و رهبة، و هم على طاعتهم و قربهم من اللّه لا يتحركون بأية حركة، و لا ينطقون بأية كلمة إلا بإذن منه تعالى، و هو لا يأذن بالكلام لهم و لغيرهم إلا من كانت حياته كلها صوابا و صدقا، و عدلا و حقا، و أيضا لا يقول المأذون له إلا ما شاء اللّه و أراد.
(ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) . يوم القيامة حق لا ريب فيه، و الناس يومذاك فريقان: فريق الى النار و البعد عن اللّه و رحمته، و فريق الى القرب من اللّه و جنته، و الطريق اليها واضح و ممهد. و هو العمل الصالح مع
تفسير الكاشف، ج7، ص: 504
صدق السريرة، و ما على الإنسان إلا أن يشاء، و يعمل مخلصا بموجب مشيئته و رغبته في دخول الجنة (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) و هو عذاب القيامة لأن كل آت قريب، و لأن من مات فقد قامت قيامته، و هل من شيء أقرب الى الإنسان من الموت؟ (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) في الحياة الدنيا خيرا كان أو شرا، و مثله: «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ» - 30 آل عمران ج 2 ص 44 (وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) .
في يوم الحق يتمنى المجرم أن يكون ترابا تدوسه الأقدام لشدة ما هو فيه و يأسه من الخلاص .. و هكذا كل مضيع تذهب نفسه مع الحسرات و العبرات.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 505
سورة النّازعات
46 آية مكية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النازعات (79): الآيات 1 الى 14]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللغة:
النازعات قيل: هي الكواكب. و الناشطات تنقلب من برج إلى برج.
و السابحات تتحرك في الهواء. و السابقات تتمم دورتها. و المدبرات كناية عن آثارها كالضياء و ما اليه. و الراجفة الأرض. و الرادفة السماء. واجفة خافقة. خاشعة ذليلة. و الحافرة الحالة الأولى. و الساهرة وجه الأرض أو الأرض البيضاء.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 506
الإعراب:
غرقا مفعول مطلق للنازعات لأن الغرق هنا نوع من النزع. و أمرا مفعول به للمدبرات. و يوم متعلق بجواب القسم المقدر و هو لتبعثن.
المعنى:
(وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً) . لقد تعددت أقوال المفسرين في النازعات و ما بعدها، و نلخص منها قول الشيخ محمد عبده بشيء من التصرف الذي يتفق مع غرضه ..
من تتبع آي الذكر الحكيم يجد ان اللّه تعالى أقسم بالأزمنة و الأمكنة و أشياء أخر ..
و من تأمل في جميع ما أقسم به وجده شيئا قد أنكر الناس وجوده، أو احتقروه، أو لم ينتبهوا الى ما فيه من الدلائل على قدرة اللّه و عظمته، فيقسم تعالى بما أنكروا لتقرير وجوده، أو بما احتقروا لتعظيم شأنه، أو تنبيها إلى ما فيه من الدلائل على قدرته، جلت عظمته، و أقسم هنا ببعض مخلوقاته إظهارا لاتقان صنعها و غزارة فوائدها ليعلم المكذبون بالبعث ان من قدر على ذلك فهو على إحياء الموتى أقوى و أقدر.
و المراد بالنازعات الكواكب لأنها ترمي بالشهب، يقال: نزع عن القوس أي رمى عنها، و أيضا يقال: أغرق في الرمي إذا بالغ فيه (وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً) .
تقول العرب: نشط فلان نشطا من المكان إذا خرج من بلد الى بلد، و عليه يكون المعنى ان الكواكب تتقلب من برج الى برج (وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً) أي ان الكواكب تتحرك في الفضاء (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) . تتمم دورتها بسرعة حول ما تدور عليه، و معلوم ان سرعة كل شيء بحسبه من حيث الضخامة و عدمها (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) أي ان الكواكب يظهر أثرها الى الخارج بما ينفع الناس كمعرفة الأوقات و الأقطار، و اختلاف الفصول، و ما الى ذلك من أسباب الحياة.
هذا تلخيص لحوالى ثلاث صفحات من جزء عمّ للشيخ محمد عبده، سطرها في معنى هذه الكلمات، و نحن لا نجزم بقوله و لا بقول من قال: ان النازعات هي الملائكة أو غيرها و غير الكواكب، لا نجزم بشيء من هذه الأقوال لأنها لا
تفسير الكاشف، ج7، ص: 507
تستند الى دليل، و الراسخون في العلم يعترفون بالجهل و العجز عن معرفة الغيب، و لا يقولون ما لا يعلمون.
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) أي الأرض لقوله تعالى: «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ» - 14 المزمل و المعنى ان الأرض تضطرب يوم القيامة بمن فيها، و يعتريها الخراب و الدمار (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) و هي السماء و ما فيها تردف الأرض أي تتبعها خرابا و دمارا، قال تعالى: «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ» - 2 الانفطار. (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أَبْصارُها خاشِعَةٌ) . المراد بالقلوب هنا قلوب المجرمين حيث تدرك يوم القيامة ما يحل بها و بأصحابها من أليم العذاب، فتنخلع خوفا و رعبا، و يظهر أثر ذلك واضحا في عيون المجرمين أرباب القلوب الخافقة في ذلك اليوم و قد كانت من قبل كقلوب الانعام السائمة في غباوتها و الصخور في قساوتها.
(يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) . الحافرة في اللغة الرجوع الى الحالة الأولى بعد الخروج منها، و المعنى كيف نعود الى الحياة بعد أن ننتقل منها الى الموت؟ عجبا (أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) بالية لمبعوثون خلقا جديدا! (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) أنكروا البعث، فهددهم سبحانه بعذاب الجحيم، فقالوا ساخرين:
اذن، نحن أخسر الناس صفقة في يوم القيامة!. ثم ما ذا؟ و أية غرابة في ذلك؟
ألستم أنصار الباطل و الضلال؟ «وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ» - 27 الجاثية. (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) . هذا من كلامه سبحانه يرد به على المكذبين الساخرين، و معناه ان إحياء الموتى على اللّه سهل يسير «إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ» - 53 يس. (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) فما ان تنطلق الصيحة حتى يحشر اللّه الخلق على أرض بيضاء. قال الشيخ محمد عبده: سميت بذلك لأن السراب يجري فيها، من قولهم: عين ساهرة أي جارية الماء لا ينقطع جريانه منها.
تفسير الكاشف، ج7، ص: 508
[سورة النازعات (79): الآيات 15 الى 33]
اللغة:
الوادي سفح الجبل و مجرى الماء. و طوى اسم لذلك الوادي. تزكى تتطهر من الشرك. فحشر فجمع. و النكال العذاب. و المراد بسمكها هنا كواكبها.
فسواها وضع كل كوكب في مكانه الطبيعي. و أغطش أظلم. و دحاها مهدها.
و أرساها أثبتها.
الإعراب: