کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج5، ص: 132
محذوف أي هو كائن كماء، و يجوز ان تجعل اضرب بمعنى صيّر و عليه يكون كماء مفعولا ثانيا.
المعنى:
(وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) . الدنيا حلوة خضرة في منظرها، و غرّارة ضرارة في مخبرها، لا خير في شيء من أزوادها إلا التقوى، كما قال الإمام علي (ع)، و هذا هو معنى الآية، حيث شبه سبحانه الدنيا في نضرتها بمطر نزل على الأرض، فأخصبت و أنبتت من كل زوج بهيج، و لكن ما أسرع أن ذوى و جف يابسا و هشيما تنثره الرياح، و هكذا زينة الحياة الخاصة: منظر جميل، و مخبر عليل (وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) . يقدر على إزالة الكون و إفنائه، تماما كما قدر على خلقه و إيجاده .. قال ابن عربي في الفتوحات المكية: «ان اللّه قادر من حيث الأمر، و مقتدر من حيث الخلق يريد ان اللّه يتصف بالقدرة من حيث انه يقول للشيء «كن فيكون» سواء أقال له ذلك، أم لم يقل، و يتصف بالاقتدار من حيث انه قال بالفعل و وجد الشيء كذلك.
المال و البنون زينة الحياة
(الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) . زينة الحياة على نوعين، عامة و خاصة، و العامة كتيسير المواصلات و بناء السدود، و ما اليه من مشاريع الري، و كإنشاء الجامعات للعلوم، و الروضات للأطفال، و المصانع لسد الحاجات، و نحوها مما ينفع الناس بجهة من الجهات. أما الزينة الخاصة فهي كالدار و السيارة الفارهة، و الولد الناجح المطيع، و المكانة الاجتماعية و ما الى ذلك من المنافع الشخصية، و هذه الزينة ليست محرمة، كيف و هو القائل جلت حكمته: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» - 32 الأعراف ج 3 ص 320.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 133
و لكن الزينة الخاصة لا تستأهل أن يعتز بها الإنسان و يفخر، لأن عظمته لا تقاس بها، و انما تقاس بالزينة العامة، بما ينفع الناس، و يبقى جيلا بعد جيل، و هذه هي التي عناها اللّه بقوله: (وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا) لأن فاعلها ينال في الآخرة ما يأمل، الى جانب الاحترام و خلود الذكر في هذه الحياة.
و الخلاصة ان المال وسيلة، لا غاية، فيوزن و يقدر بنتائجه و آثاره، ان خيرا فخير، و ان شرا فشر، فإذا صرف في وجوه الشر و الفساد كسباق التسلح فهو شر، و ان صرف في سد الحاجات فهو خير، و الخير على نوعين: فإن دفع عن صاحبه ضرا أو جلب له نفعا و كفى فهو خير خاص يزول بزوال وقته، و ان عاد بالنفع على الجميع فهو خير عام، و من الباقيات الصالحات.
[سورة الكهف (18): الآيات 47 الى 49]
اللغة:
غادر الشيء تركه. و المراد بالكتاب هنا صحيفة العمل التي تعطى للإنسان غدا بيمينه أو بشماله. و مشفقين خائفين. و الويل الهلاك.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 134
الإعراب:
يوم منصوب بفعل محذوف أي و اذكر يوم نسير الجبال. و بارزة حال من الأرض لأنّ ترى هنا بصرية. و صفّا حال أي و حشرناهم مصفوفين. و كما خلقناكم الكاف بمعنى مثل صفة لمصدر محذوف، و ما مصدرية أي جئتمونا مجيئا مثل مجيء أول مرة، و أول ظرف منصوب بخلقناكم. و بل للانتقال من شيء الى شيء، و ليست لإبطال ما قبلها. و ان لن نجعل (ان) مخففة من الثقيلة و اسمها محذوف أي انه و ما بعدها خبر. و مشفقين حال من المجرمين لأن ترى هنا بصرية. و ويلتنا منادى أي يا هلاكنا احضر. و ما لهذا الكتاب (ما) استفهامية في محل رفع بالابتداء، و لهذا الكتاب خبر.
المعنى:
(وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) . لهذه الأرض التي نعيش عليها يوم، ذكره اللّه سبحانه في العديد من الآيات؛ منها هذه الآية، و قد وصفه تعالى فيها بوصفين: الأول ان اللّه يقتلع الجبال من أماكنها، و يسيرها في الجو كما يسير السحاب. الوصف الثاني: ان جميع أطراف الأرض و أجزائها تكون ظاهرة بارزة لا يحجبها شيء، و عندئذ يكون المحشر الذي أشار اليه بقوله:
(وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) يجمع اللّه سبحانه في ذلك الأولين و الآخرين لنقاش الحساب و جزاء الأعمال.
(وَ عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) . ذكرنا فيما سبق ان البعث و الحساب و الجزاء حق لا ريب فيه، و أثبتنا ذلك بالأدلة القاطعة، و بأساليب شتى عند تفسير الآيات التي تعرضت الى اليوم الآخر، و منها الآية 4 من سورة يونس، فقرة الحساب و الجزاء حتم ج 4 ص 132. و تقول الآية التي نحن بصددها: ان الخلائق يعرضون غدا على اللّه صفا، و المراد بالعرض الوقوف بين يدي اللّه للحساب، أما المراد بالصف فقد اختلف المفسرون فيه على أقوال، فبعضهم أبقى الظاهر على دلالته، و بعضهم تصرف و حمّل اللفظ ما لا يحتمل.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 135
و الذي نراه نحن ان الصف هنا كناية عن الترتيب و النظام، و ان الخلائق يعرضون على خالقهم بوضع محكم و دقيق.
(لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) بهذا يبدأ اللّه سبحانه محاكمة الذين ينكرون البعث: لقد أخرجناكم من بطون أمهاتكم عراة حفاة عزلا من كل شيء، و كذلك أخرجناكم من قبوركم، و لا فرق إلا في انكم خرجتم أولا غير مسؤولين عن شيء، و ثانية لتسألوا عما كنتم تعملون و تعتقدون و تقولون .. و من ذلك قولكم: البعث خرافة و أساطير .. فما ترون الآن؟.
(وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) . بعد أن قال اللّه لمنكري البعث: «فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» أعطى كل واحد منهم صحيفة أعماله، و قال له: «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» - 14 الاسراء. اقرأ صحيفة أعمالك، و حاسب نفسك بنفسك .. فيقرأها، و هو يرتجف من الخوف الذي لا رجاء معه و لا أمل بالنجاة، و لو خاف عذاب الحريق من قبل، و ابتعد عن طريقه لكان اليوم في أمن و أمان، و لكنه أمن هناك فخاف هنا.
و من قبل هذا قالوا: لا كتاب و لا حساب، و لم يستجيبوا لعقل و لا دين (وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) من غير زيادة أو نقصان، كيف (وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) لا في ثواب و لا في عقاب بل يضاعف الثواب لمن أحسن، و قد يعفو عمن أساء.
[سورة الكهف (18): الآيات 50 الى 53]
تفسير الكاشف، ج5، ص: 136
اللغة:
الفسق الخروج. و العضد ما بين المرفق الى الكتف، و المراد به هنا النصير و المعين، كما يراد ذلك من اليد كثيرا. و الوبق الهلاك و الموبق المهلك و الموبقة المهلكة. و مواقعوها أي واقعون فيها أو داخلوها. و مصرفا محولا، و مكانا ينصرفون اليه.
الإعراب:
كان من الجن الخبر محذوف أي كان أصله من الجن. بئس للظالمين بدلا فاعل بئس ضمير مستتر و بدلا تمييز أي بئس البدل بدلا، و المخصوص بالذم محذوف، و هو إبليس و ذريته. و يوم منصوب بفعل محذوف أي و اذكر يوم يقول.
المعنى:
(وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) تقدم في الآية 34 من سورة البقرة و 11 من سورة الأعراف و 61 من سورة الاسراء (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي خرج عن طاعة اللّه، و قلنا أكثر من مرة:
اننا نؤمن بوجود الجن لأن الوحي يثبته، و العقل لا ينفيه، و اننا ندع التفاصيل
تفسير الكاشف، ج5، ص: 137
لعلام الغيوب (أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) . القرآن ينطق بعضه ببعض، و يشهد بعضه على بعض: و قد عبّر عن الذين يلبسون الحق بالباطل بأنهم جنود إبليس و أولياؤه في العديد من الآيات. و قال هنا عز من قائل: (أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) فجاز لنا- و هذه هي الحال- ان نفسر ذرية إبليس بجنوده و أعوانه، و ان ذرية إبليس و جنوده و أولياءه هم الذين يلتمسون الباطل بالكذب و الافتراء على الحق .. و ليس ببعيد أن يكون التعبير عن هؤلاء بذرية إبليس للاشارة الى قوة الشبه بين أعمالهم و أعماله.
و من الطريف قول من قال: ان لإبليس ذكرا في فخذه الأيمن، و فرجا في فخذه الأيسر، فيدخل ذاك بهذا فيأتي النسل و الذرية.
(قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) . و كل من يموه عليك، و يغريك بالباطل، أو يثني عليك بما ليس فيك فهو عدو لك، شعر بذلك أم لم يشعر، أما من يبتدع الأساطير حول إبليس و غيره فهو عدو اللّه و رسوله و الانسانية (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) . و الظالمون هم الذين يستبدلون طاعة الشيطان بطاعة الرحمن، و منهم الذين يختارون المفسدين لمنصب من المناصب، و يفضلونهم على الصالحين.
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) . ضمير أشهدتهم راجع الى إبليس و ذريته. و ما أشهدتهم أي ما أحضرتهم حين خلقت الكون و خلقتهم، و العضد النصير و المعين، و المقصود بالكلام العاصون الذين فسقوا عن أمر اللّه، و المعنى ان اللّه سبحانه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، لا يستشير أحدا، و لا يستعين بأحد لأنه غني عن العالمين، و حين خلق الكائنات لم يحضر واحدا منها، حتى و لو كان أتقى الأتقياء، فكيف إذا كان ضالا مضلا كإبليس و جنوده، و ما دام الأمر كذلك فكيف يعصى خالق السموات و الأرض، و يطاع من لا يملك لنفسه نفعا، و لا يدفع عنها ضرا؟.
(وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) أي مهلكا، و المعنى ان اللّه يقول غدا لمن يشرك في طاعته: أين الذي أطعته و زعمت انه يجديك نفعا في هذا اليوم العصيب؟. ادعه و انظر هل يستجيب لك؟. كلا، انه في شغل شاغل عنك و عن غيرك .. انه في عذاب
تفسير الكاشف، ج5، ص: 138
الحريق .. و قوله تعالى: نادوا شركائي .. فدعوهم فلم يستجيبوا هو كناية عن يأس المجرمين و انقطاع آمالهم ممن كانوا يرجون و يأملون (وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) . المراد بالظن هنا العلم و اليقين، و بالمصرف المكان الذي ينصرفون و يهربون اليه من النار .. و الهروب غدا من عذاب اللّه تماما كالهروب من الموت في هذه الحياة.
[سورة الكهف (18): الآيات 54 الى 56]
اللغة:
المراد بصرّفنا هنا ترديد المعنى و توضيحه بأساليب مختلفة. و المراد بالجدل هنا الخصومة بالباطل بدليل قوله تعالى في الآية التالية: «وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ» .
و قبلا بضم القاف و الباء المواجهة و المعاينة. و المراد بالدحض الزلق.
الإعراب: