کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 424

يعلم النفقة بأي دافع تكون، و يجازي عليها ان خيرا فخير، و ان شرا فشر.

(وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) . المراد جميع الظالمين، دون استثناء، و منهم الذين لا ينفقون إطلاقا، أو ينفقون الردي‏ء، أو رياء، أو يتبعون النفقة بالمنّ و الأذى، أو يضعونها في غير موضعها .. و منهم أيضا الذين ينكثون العهد، و لا يفون بالنذر، كل هؤلاء، و من اليهم لا أعوان و لا شفعاء لهم يدفعون عنهم بأس اللّه و عقابه.

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) . أي لا كراهية في اظهار الصدقة، ما دام القصد منها وجه اللّه سبحانه .. سئل الإمام أبو جعفر الصادق (ع) عن الرجل يعمل الشي‏ء من الخير، فيراه انسان، فيسره ذلك؟. قال: لا بأس، ما من أحد الا و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يصنع ذلك لذلك.

(وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) . ليس من شك ان إخفاء الصدقة أفضل من ابدائها، لبعدها عن شبهة الرياء، و اظهار حاجة الفقير أمام الناس، و قد يكون في الإبداء مصلحة، كما لو كان مدعاة للاسوة و الاقتداء، و عندها يكون الإبداء أفضل .. و قيل: ان إخفاء صدقة التطوع أفضل من ابدائها، و بالعكس الصدقة المفروضة، و لا نعرف حجة لهذا التفصيل، و حديث: «صدقة السر تطفئ غضب الرب» يشمل الواجبة و المستحبة، كما ان لفظ الفقراء في الآية يشمل الفقير المسلم، و غير المسلم، و قد أفتى الفقهاء بإعطاء الصدقة المستحبة لغير المسلم إذا كان محتاجا، لقول الرسول الأعظم (ص): «لكل كبد حرى أجر».

(وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) . من هنا للتبعيض، أي بعض سيئاتكم، و جي‏ء بها، لأن الصدقة لا تمحو جميع الذنوب، و انما تمحو بعضها.

(وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) . و ما دام اللّه سبحانه يعلم السر، تماما كما يعلم الجهر، فالأفضل السر، لأنه أبعد عن الرياء الا إذا كان في العلانية مصلحة، كالاسوة و الاقتداء، و ان كثيرا من المخلصين يبالغون في إخفاء صدقاتهم، فيتبرعون للمشاريع الخيرية باسم بعض المحسنين.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 425

[سورة البقرة (2): الآيات 272 الى 274]

لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَ ما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)

اللغة:

الحصر المنع و الحبس، و الضرب في الأرض السير فيها، و التعفف اظهار العفة، و السيما العلامة التي يعرف بها الشي‏ء، و الالحاف الإلحاح.

الاعراب:

لأنفسكم خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو لأنفسكم، و أيضا للفقراء خبر لمبتدأ محذوف تقديره صدقاتكم للفقراء، و إلحافا قائم مقام المفعول المطلق، أي لا يسألون الناس سؤالا ملحفا، و يجوز أن يكون منصوبا على المصدر، أي يلحفون إلحافا، و سرا قائم مقام المفعول المطلق، أي إنفاقا سرا، مثل قمت طويلا، أي قياما طويلا، و علانية عطف على سرا، و يجوز نصبهما على الحال، أي مسرين و معلنين.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 426

المعنى:

(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) . سبق في الآية 26 من هذه السورة ان الهدى يطلق على معان: منها الهدى بالبيان و الإرشاد، و هذا وظيفة النبي، و منها التوفيق من اللّه الى عمل الخير بتمهيد السبيل اليه، و منها الاهتداء، أي تقبّل النصيحة و العمل بها، و هذا يسند الى العبد، و منها الثواب، و منها الحكم على العبد بالهداية ..

و معنى الهدى في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) الاهتداء و قبول النصح أي ليس عليك أن يعملوا بالحق، و انما عليك إبلاغ الحق، و كفى: «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ‏ - الرعد 40». و معنى الهدى في قوله: (وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) التوفيق الى طريق الخير.

و قيل في سبب نزول قوله: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) : ان المسلمين كانوا لا يتصدقون إلا على أهل دينهم، فخاطب اللّه نبيه بهذه الآية، و أراد بها جميع المسلمين مبينا لهم ان الكافر لا يعاقب على كفره في هذه الحياة بمنع الرزق عنه، و التضييق عليه كي يضطر الى الايمان .. و ليس لأحد أن يعامله بذلك، حتى و لو كان رسولا من عند اللّه: «أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏ - يونس 99».

و تدل الآية ان الصدقة على غير المسلم جائزة، فرضا كانت أو ندبا، و لكن قول النبي (ص): «أمرت ان آخذ الصدقة من أغنيائكم، و أردها على فقرائكم».

ان هذا الحديث يخصص الآية بصدقة الندب، دون الفرض.

(وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) . ربما توهم متوهم ان في الإنفاق خسارة له، و حرمانا لأهله و عياله، فدفع اللّه هذا الوهم بأنه يعود على المنفق بالخير و النفع دنيا و آخرة، أما في الآخرة فالأجر و الثواب، و أما في الدنيا فقال الشيخ محمد عبده: «ان الإنفاق يكف شر الفقراء عن الأغنياء، لأن الفقراء إذا ضاق بهم الأمر يندفعون على أهل الثروة بالسرقة و الإيذاء و النهب، ثم يسري شرهم الى غيرهم، و ربما صار فسادا عاما يذهب بالأمن و الراحة».

و لا أدري هل استوحى الشيخ محمد عبده قوله هذا من النقابات العمالية التي‏

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 427

خلقت المعضلات و المشكلات لأرباب العمل، و أرغمتهم على الاعتراف بالكثير من حقوق العمال؟ ..

(وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ) . أي ما دمتم تقصدون بالنفقة وجه اللّه الكريم فهو يقبلها منكم، سواء أعطيتموها لمسلم أو غير مسلم، شريطة أن تكون من المال الجيد دون الردي‏ء، و ان لا تكون مع المن و الأذى .. و قيل:

ان هذا نهي بصيغة الإخبار، أي لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه اللّه.

(وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) . حتى و لو كان الإنفاق على غير المسلم، فإنكم لا تنقصون من الجزاء شيئا إذا كان الذي أنفقتم عليه محتاجا.

أهل الصّفة:

هاجر جماعة بدينهم الى مدينة الرسول (ص) في عهده تاركين بلادهم و أموالهم و أهليهم، و لم يكن لهم في المدينة مسكن و لا عشيرة، و لم يجدوا فيها وسيلة للعيش، و لا يستطيعون السفر طلبا للرزق، و يبلغ عددهم 300 و قيل 400 فلازموا المسجد يتعبدون فيه، و يحرسون بيوت الرسول، و يتعلمون القرآن، و كان حفظه و تعلمه من أفضل الطاعات، لأنه حفظ للدين، و في الوقت نفسه كانوا يخرجون مع الرسول في كل غزوة .. و كانوا يقيمون في صفّة المسجد، و هي موضع مظلل منه، و من هنا جاءت التسمية بأهل الصفة.

و كان النبي (ص) يطيّب قلوبهم، و يقول لهم: «ابشروا يا أصحاب الصفة، فمن لقيني من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فانه من رفاقي».

و هم أولى الناس بالصدقة، لهذه الآية التي نزلت بهم، و هي:

(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) . و قد وصفت هذه الآية أهل الصفّة بصفات خمس:

1- التفرغ للجهاد و طلب العلم، و هذا معنى قوله: (أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . لأن البطال لا يصدق عليه انه حبس نفسه في سبيل اللّه.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 428

2- العجز عن الكسب، و هو المقصود بقوله: (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) .

3- التعفف: (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) .

4- ظهور علامة الفقر من وضعهم و حالهم، لا من الحاحهم في السؤال، و هذا ما عناه سبحانه بقوله: (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) .

5- عدم السؤال مما في أيدي الناس سؤال إلحاح، و اليه أشار سبحانه:

(لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) .

و ذكرنا في تفسير الآية 177 من هذه السورة ان السؤال محرم لغير ضرورة.

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ) . ذكر سبحانه 14 آية متوالية في أحكام الإنفاق آخرها هذه الآية، و هي خلاصة ما تقدم، و تأكيد لفضيلة الإنفاق في جميع الأوقات ليلا و نهارا، و في سائر الأحوال سرا و جهرا .. و ذكر الرازي في سبب نزول هذه الآية أقوالا، منها ما روي عن ابن عباس ان علي بن أبي طالب (ع) كان يملك أربعة دراهم فقط، فتصدق بدرهم ليلا، و بدرهم نهارا، و بدرهم سرا، و بدرهم علانية، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

الزكاة:

الزكاة غير صدقة التطوع، لأن هذه الصدقة يدفعها المسلم، و هو مخير بين فعلها و تركها، و لا تخضع لشرط النصاب، و لا لغيره سوى قصد التقرب بها الى اللّه وحده، و يبدأ أجرها من عشرة أضعافها الى سبعمائة ضعف، الى ما لا نهاية حسب دوافعها و أهدافها.

أما الزكاة فهي فرض عين، و حق لازم و معلوم في أموال المقتدر يدفعها لمستحقها، و هي ثالث أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، و الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج.

و يرى بعض الغيورين على الإسلام ان الزكاة نظام اقتصادي، أو من النظام الاقتصادي للإسلام، و اعتبرها آخرون ضريبة في أموال الأغنياء.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 429

و الصحيح ان الزكاة أبعد ما تكون عن الضريبة و النظام الاقتصادي، لأن الشرط الأساسي لصحة الزكاة و قبولها هي نية التقرب بها الى اللّه، و بدونها لا تقبل إطلاقا .. و لا شي‏ء من الضرائب و الأنظمة الاقتصادية يعتبر فيه هذا الشرط.

هذا، الى ان النظام الاقتصادي بمعناه الحديث ينظر أول ما ينظر الى وسائل الانتاج، كالأرض و المعدن و المصنع و يعتبرها ملكا شخصيا للأفراد يسيطرون عليها، و يتحكمون بها، كما هي الحال في النظام الرأسمالي، أو يعتبرها ملكا للجماعة تديرها و تتحكم بها الدولة، كالنظام الاشتراكي، و الزكاة لا تنظر الى هذه الجهة إطلاقا ..

ثم ان الضريبة تتولى السلطة الحاكمة أمر تحصيلها و إنفاقها، و لا تجيز بحال أن يمتنع المالك عن اعطائها للسلطة: و يتولى هو بنفسه صرفها في مواردها.

و قد أجمع فقهاء المسلمين كافة على ان للمالك أن ينفق الزكاة بنفسه دون اذن الحاكم، و انه يصدّق بلا بينة و يمين إذا قال: أنفقتها في وجهها، و أين هذا من الضريبة؟!. بل أجاز الفقهاء للجابي أن يصرف الزكاة الى الفقراء بنفسه، و لا يردها الى بيت المال .. قال الإمام علي (ع) لأحد عماله: اصرف ما عندك من المال الى من قبلك من ذوي العيال و المجاعة مصيبا به مواضع الفاقة و الخلات.

و بديهة ان هذا التصرف محظور على جابي الضرائب.

و قد يقول قائل: ان فريضة الزكاة معناها الاعتراف بأن الفقر محتوم لا مفر منه، و ان الإسلام يعالجه بالصدقات و التبرعات، و انه يقيم الحياة على البذل و العطاء، و بالنتيجة يقسم الناس الى طبقات على أساس الغنى و الفقر.

الجواب أولا: ان مصرف الزكاة لا ينحصر بالفقراء و المساكين فقط، فان من جملة مصرفها المصالح العامة التي عبّر اللّه عنها بسبيل اللّه في العديد من الآيات، فإذا لم يوجد الفقير صرفت الزكاة في هذا السبيل .. اذن، فريضة الزكاة لا تحتم وجود الفقر على كل حال، كي يقال: انها اعتراف و اقرار بأن الفقر ضربة لازم لا مفر منها.

ثانيا: ان الضمان الاجتماعي يكفل للمعوزين ما يصونهم عن التسول و التشرد، و هذا الضمان موجود في البلاد الاشتراكية التي لا تعترف بالفوارق المادية و الطبقات.

تفسير الكاشف، ج‏1، ص: 430

ثالثا: ما ذا نصنع بالمريض الذي لا يملك ثمن الدواء، و بالجائع الذي لا يجد وسيلة للغذاء في مجتمع يسوده فساد الأوضاع: هل نتركهما، حتى تصلح الأوضاع، و يمحى من الوجود أثر الفاقة و البؤس: أو نشرّع قانونا يضمن لهما الحياة و سد الخلة؟ ثم هل يمكن تغيير الأوضاع، و محو الفقر بجرة قلم، و دون أن يمر المجتمع بأكثر من مرحلة؟.

ان الإسلام حرب على الضعف بشتى مظاهره، بخاصة الفقر، و قد تعوذ النبي (ص) منه، و عنه في بعض الروايات: «كاد الفقر يكون كفرا ..

المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف».

ان رسالة السماء تستهدف كرامة الإنسان و سعادته، و الفقر منقصة و مذلة، و شقاء و بلاء .. فمحال ان يقره الإسلام .. ان الإسلام لا يأبى ان يكون في المجتمع غني و أغنى، و قوي و أقوى، و لكنه يأبى أن يكون فيه فقير و ضعيف.

ان الإسلام لم يشرع الزكاة من أجل الفقراء فقط- كما يظن- و انما شرعها حلا للعديد من المشاكل، منها مشكلة الفقر، حيث يوجد، و منها مشكلة الرق، حيث تفك رقاب العبيد بأموال الزكاة، و منها مشكلة الإنفاق على الجند المجاهد، و ما الى ذلك من المصالح العامة، كإنشاء المدارس و المصحات و دور الأيتام، و شق الطرق و الري .. و يأتي الكلام ان شاء اللّه عن مصرف الزكاة في الآية 60 من سورة التوبة. و لو افترض ان مر على الانسانية زمان لا فقير فيه، و جميع المصالح العامة متحققة متوافرة بحيث لا يوجد إطلاقا مصرف للزكاة فإنها تلغى من غير شك، و هذا الزمان آت لا محالة، فقد جاء في الجزء التاسع من صحيح البخاري، باب الفتن، عن النبي (ص) انه قال: «تصدقوا، فسيأتي على الناس زمان، يمشي الرجل بصدقته، فلا يجد من يقبلها».

هذا، إلى أن الإسلام أوجب على صاحب الزكاة حين يؤديها الى المحتاج أن لا يؤذي كرامته، و لا يخدش شعوره، و ان يعتقد انه يؤدي واجبا عليه، و دينا لا بد من وفائه، و ليؤكد القرآن هذا المعنى قال: «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ‏ - المعارج 24- 25» .. و تقدم تفسير الآية 262- 263:

صفحه بعد