کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج5، ص: 231
[سورة طه (20): الآيات 77 الى 82]
وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82)
اللغة:
السرى و الاسراء بمعنى واحد، و هو السير ليلا. و يبسا يابسا لا ماء فيه.
و الدرك اللحوق أي لا تخف أن يدركك فرعون. و غشي غطى، و المراد ان الماء غمرهم. و أضل قومه صرفهم عن طريق الرشد و الهداية. و ذكر الطور الأيمن في الآية 52 من سورة مريم. و المن و السلوى في الآية 57 من سورة البقرة.
الإعراب:
طريقا مفعول اضرب و يبسا صفة له لأنه بمعنى يابسا. فيحل منصوب بإضمار أن في جواب النهي.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 232
المعنى:
(وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى) . أصر فرعون على عناده، و أبى إلا الكبرياء و الجبروت، و الا ان ينعت موسى بالخارجي، و معجزاته بالسحر، و وجد من يظاهره على ذلك و يناصره: «وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» - 127 الأعراف. و صمم فرعون على قتل موسى، فأوحى اللّه اليه أن يخرج ببني إسرائيل من مصر ليلا، و أن يضرب البحر بعصاه، فينشق الى قطع بينها طرق و شعاب، يسلكها الاسرائيليون الى الجانب الآخر، و هم آمنون على أنفسهم من الغرق و من فرعون و شره: «فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَ أَنْجَيْنا مُوسى، وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ» - 64 الشعراء.
(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) . اتبعهم و تبعهم بمعنى واحد، و غشيهم ما غشيهم فيه تعظيم للأمر .. و في الكلام حذف كثير، و لكنه مألوف في القرآن لأن السياق يدل عليه، و التقدير خرج موسى ليلا بقومه، و لما وصل الى البحر ضربه بعصاه، فانشق الى طرق لا ماء فيها، فسلكها الاسرائيليون، و لحق بهم فرعون و جنوده، و سلك في أثرهم، و لما وصل آخر اسرائيلي الى الجانب الثاني من البحر، و دخل آخر جندي في البحر من جنود فرعون انطبق البحر عليهم فغرقوا جميعا، كما سلم الاسرائيليون جميعا (وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى) .
أضلهم عن الحق، و أضلهم في البحر أيضا، و كان من قبل يقول لهم: «وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ» - 29 غافر.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون الذي كان يسومكم سوء العذاب يذبح أبناءكم، و يستحيي نساءكم (وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) .
يشير سبحانه الى الوعد الذي وعده موسى بعد أن أغرق فرعون، و هو أن يأتي موسى الى جانب الطور فينزل اللّه عليه التوراة، فيها بيان الشرائع و الأحكام (وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) تقدم بنصه الحرفي في الآية 57 من سورة البقرة ج 1 ص 106.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 233
(وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) .
ضمير فيه يعود الى الرزق المفهوم من الكلام، و الطغيان فيه ان يؤخذ، أو ينفق في غير طريقه المشروع، و المعنى ان من كسب المال من غير حل، أو أنفقه في غير حل فجزاؤه عند اللّه الهلاك و عذاب الحريق، تماما كجزاء فرعون و غيره من العصاة الطغاة.
(وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) . يغفر اللّه الذنوب بشروط أربعة: الأول التوبة، و هي الندم على ما كان من المعاصي مع طلب الصفح عنها. الشرط الثاني الايمان بالحق أينما كان و يكون، سواء أوافق الأهواء و الأغراض، أم خالفها. الشرط الثالث العمل بالحق، لأن الايمان بلا عمل كاللفظ بلا معنى. الشرط الرابع الاهتداء، و المراد به هنا الاستمرار على اتّباع الحق حتى الموت. و بهذا نجد الجواب عن سؤال من سأل: ان المهتدي هو الذي آمن و عمل صالحا، فما هو الوجه في عطف الأول على الثاني بثم.
[سورة طه (20): الآيات 83 الى 89]
تفسير الكاشف، ج5، ص: 234
اللغة:
إذا قلت: جاء في أثره فمعناه جاء بعده في الحال أو الاستقبال، أما إذا قلت:
جاء على أثره فمعناه جاء بعده في الحال و من غير تأخير. و فتنا اختبرنا. و أضلهم أوقعهم في الضلال، و انحرف بهم عن الهدى و الحق. و الأسف الحزن. و موعدي أي ما وعدتموني به من الثبات على الايمان. و بملكنا باختيارنا من ملك الأمر.
و الأوزار الأثقال. و الخوار صوت البقر.
الإعراب:
ما استفهام مبتدأ، و جملة أعجلك خبر. و هم مبتدأ و أولاء اسم اشارة خبر.
و على أثري متعلق بمحذوف خبرا بعد خبر أو حالا و العامل فيه معنى الاشارة.
و غضبان حال و أسفا حال ثانية. فكذلك الكاف بمعنى مثل و محلها النصب صفة لمفعول مطلق محذوف أي ألقى السامري إلقاء مثل القائنا. و جسدا صفة للعجل أي مجسدا، و قال صاحب مجمع البيان: بدل، و ان لا يرجع (ان) مخففة من الثقيلة، و اسمها ضمير الشأن محذوف، و جملة يرجع خبر أي انه لا يرجع اليهم مثل الآية 148 من سورة الأعراف: «أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ» .
المعنى:
بعد ان هلك فرعون وعد سبحانه موسى ان ينزل عليه التوراة، و ضرب له ميقاتا، فذهب الى ربه ليأتي بالتوراة بعد ان استخلف أخاه هرون على بني إسرائيل،
تفسير الكاشف، ج5، ص: 235
فاغتنموا غياب نبيهم موسى، و عبدوا العجل، و حققوا ما كانوا يحلمون به من قبل، حيث رأوا قوما «يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» - 138 الاعراف. و سبقت الاشارة الى ذلك في الآية 51 من سورة البقرة و 148 من سورة الاعراف .. و الآيات التي نحن بصددها، و التي بعدها الى الآية 98 كلها تتحدث عن هذا الموضوع و ما يتصل به، و تعود بنا اليه.
(وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) . بهذا السؤال تبدأ حكاية العجل ..
يذهب موسى الى ربه ليتلقى الوحي، فيسأله سبحانه عن تعجله، و هو أعلم بالسبب، كي يخبره عما أحدث قومه من عبادة العجل (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) . يدل ظاهر الكلام على انه كان المفروض ان يأتي موسى الى الطور، و معه جماعة من قومه، فأتى وحده، فاتجه السؤال، و جاء الجواب انهم لاحقون بي بلا تأخير، و سبقتهم اليك يا إلهي حرصا على مرضاتك .. قال هذا، و هو لا يعلم ما ذا أحدثوا بعده.
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) . المراد بالفتنة هنا التمحيص و الاختبار ليظهر الاسرائيليون على حقيقتهم، يقال: فتنت الذهب بالنار إذا اختبرته، و وجه الاختبار هنا ان اللّه سبحانه نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل بلسان هرون، و أمرهم الشيطان بعبادته بلسان السامري، فعصوا الرحمن، و أطاعوا الشيطان، و ظهروا بذلك على حقيقتهم من ضعف الايمان، و الاستعداد التام للكفر و الجحود، تماما كما يجترح المجرم المحرمات حين يجد السبيل اليها، و يفتضح على رؤوس الاشهاد.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) . تقدم في سورة الأعراف الآية 150 (قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) . يشير بهذا الى ان اللّه قد وعد بإنزال التوراة على نبيهم، و فيها تفصيل كل ما يحتاجون اليه من معرفة الحلال و الحرام، و انه عز و جل سيملّكهم دار الفاسقين كما في الآية 145 من سورة الاعراف: «وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ» .
تفسير الكاشف، ج5، ص: 236
(أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) . يعني بالعهد مدة غياب موسى عن قومه. تقول:
عهدي به قريب أي لقائي (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) . أم بمعنى بل، و أردتم أي أقدمتم على ما يوجب غضب اللّه، و المعنى اني لم أغب عنكم طويلا .. فلما ذا أشركتم باللّه؟ فهل تريدون أن يحل بكم نكاله و عذابه؟ و في هذا إيماء الى انهم يؤمنون ما دام موسى قائما على رؤوسهم، فان غاب انقلبوا على أعقابهم و حرفوا الدين على أهوائهم كما حدث بالفعل.
(فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) . انقلبتم عن دين اللّه بعد أن وعدتموني بالثبات عليه (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) . هذا اعتراف صريح منهم بأنهم قد كفروا و ارتدّوا و نكثوا بالوعد، و عذرهم الوحيد انهم كالمسيرين لا يملكون أنفسهم عن الكفر و الغدر و الخيانة، حتى كأنهم مطبوعون على ذلك .. و هكذا تظهر حقيقة بني إسرائيل في أقوالهم و فلتات ألسنتهم بالاضافة الى أعمالهم.
(وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) . المراد بالأوزار هنا الأحمال، و زينة القوم هي حلي النساء الفرعونيات. قال كثير من المفسرين: لما علم بنو إسرائيل انهم سيجتازون البحر، و ان اللّه سبحانه مغرق فرعون و جنوده احتالوا على الفرعونيات، و استعاروا حليهن للعرس أو لغيره من الأسباب، و حملوها معهم ..
و ليس هذا ببعيد على طبيعة الاسرائيليين و احتيالهم لكسب المال و جمعه بكل وسيلة (فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ) . قال الطبري في تفسيره: ألقى بنو إسرائيل ما معهم من الحلي في حفرة، و ألقى السامري أيضا ما معه، و صاغ الجميع على هيئة العجل (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ) . تقدم في الآية 148 من سورة الأعراف ج 3 ص 395.
(فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) . ضمير قالوا يعود الى السامري و أصحابه، و ضمير نسي الى موسى، و المعنى ان بني إسرائيل قالوا: هذا العجل هو الإله الحقيقي لنا و لموسى و للعالم أجمع، و قد ذهل عنه موسى، و ذهب يطلبه و يبحث عنه في الطور، و ما درى انه ضيفنا و في ديارنا .. و تجدر الاشارة الى أن من قال: ان اللّه جسم فانه يلتقي مع عبدة العجل و الأوثان من حيث يريد أو لا يريد.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 237
(أَ فَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَ لا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً) . كيف يكون العجل ربا لهم، و هو من صنع أيديهم، لا يسمع كلامهم و لا يرد جوابهم، و لا يجلب لهم و لا لنفسه نفعا، و لا يدفع عنه و لا عنهم ضرا؟ قال بعض المفسرين: «و فوق ذلك هو لا ينطح، و لا يرفس، و لا يدير طاحونة و لا ساقية». و في تفسير الرازي ان يهوديا قال للإمام علي (ع): ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم. فقال الإمام: انما اختلفنا عنه، و ما اختلفنا فيه. و أنتم ما جفّت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لنبيكم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.