کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 187

فخير، و ان شرا فشر .. و العاقل يستعد لهذا اليوم، و لا يلهو بالباطل، و قول:

لو كان .. و لو لا يكون.

[سورة آل‏عمران (3): الآيات 159 الى 160]

فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)

اللغة:

اللين في المعاملة الرفق. و الفظ الخشن الشرس، و أصله فظظ. و القلب الغليظ القاسي الذي لا يتأثر بشي‏ء. و انفض القوم تفرقوا.

الإعراب:

قال صاحب مجمع البيان: أجمع المفسرون على ان (ما) زائدة في قوله (فبما رحمة) أي فبرحمة، و مثله قوله‏ (عَمَّا قَلِيلٍ) أي عن قليل. و من بعده، أي من بعد خذلانه، فحذف المضاف لدلالة (وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ) عليه.

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 188

المعنى:

(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) . خاطب اللّه سبحانه صحابة النبي (ص) فيما سبق من الآيات، ثم اتجه بهذه الآية الى نبيه الكريم (ص). و سبق البيان ان المسلمين خالفوا أمر الرسول (ص) يوم أحد، و كان من نتيجة مخالفتهم و عصيانهم لنبيهم ان انقلبوا على أعقابهم منهزمين، و تركوا النبي (ص) عند الشدة، حيث كانت الحرب قائمة على قدم و ساق، حتى أثخنه الأعداء بالجراح، فكسرت رباعيته، و شج وجهه، و نزفت جراحه، و هو صامد مع نفر قليل، يدعو الفارين، و لا يستجيبون له.

و بعد ان انتهت المعركة رجع المسلمون الى النبي (ص) فلم يعنفهم، و يخاطبهم بالملامة، و هم مستحقون لأكثر منها .. بل تجاهل كل شي‏ء، و رحب بهم، و كلمهم برفق و لين، و ما هذا الرفق و اللين الا رحمة من اللّه بنبيه و عون له على رباطة الجأش و ضبط الأعصاب.

و إذا مدح اللّه نبيه بكظم الغيظ و الرفق بأصحابه على إساءتهم له فبالأولى أن يعفو اللّه و يصفح عن عباده المسيئين .. قال الإمام علي (ع) في وصف الباري جل و عز: «لا يشغله غضب عن رحمته». و في الدعاء المأثور: يا من سبقت رحمته غضبه.

ثم بيّن سبحانه الحكمة من لين جانب نبيه الكريم (ص)، بخطابه له:

(وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) . و شمت العدو بك، و طمع فيك، و لم يتم أمرك و تنتشر رسالتك .. ان المقصود من بعثة الرسول هداية الخلق الى الحق، و هم لا يستمعون إلا لمن تميل قلوبهم اليه، و تسكن نفوسهم لديه، و النفوس لا تسكن و لا تركن إلا الى قلب رحيم كبير، كقلب محمد (ص) الذي وسع الناس، كل الناس، و ما ضاق بجهل جاهل، أو ضعف ضعيف، بل كان يأمر بالرحمة بالحيوان و يقول: إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ليحد أحدكم شفرته، ليريح ذبيحته. و قال: لكل كبد أجر. ان اللّه غفر لمومس لأنها أنقذت كلبا من الموت عطشا.

(فَاعْفُ عَنْهُمْ) . فيما يتعلق بحقك الخاص، حيث تركوه في ساعة الشدة،

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 189

حتى أثخن بالجراح. (وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) . فيما يختص بحقوق اللّه تعالى، حيث عصوه بالهزيمة و ترك القتال .. و قوله تعالى لنبيه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) يدل بالفحوى على ان اللّه سبحانه قد عفا عنهم، و غفر لهم، و إلا لم يأمر نبيه بذلك.

(وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) . قال الرازي: ذهب كثير من العلماء الى ان الألف و اللام في لفظ الأمر ليسا للاستغراق، بل للعهد، و المعهود في هذه الآية الحرب و لقاء العدو، فيكون قوله تعالى: (وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) مختصا بالحرب فقط ..

و قال آخرون: انه يشمل جميع الأمور الدنيوية دون غيرها .. ثم نقل الرازي عن الشافعي ان شاورهم هنا للندب لا للوجوب .. و الحكمة في المشورة أن تطيب قلوبهم، و ترتاح نفوسهم .. و هذا القول أقرب الى الاعتبار، لأن المعصوم لا يسترشد برأي غير المعصوم.

و مهما يكن، فان الدين بعقيدته و شريعته هو من وحي السماء، و ليس لأحد فيه رأي، حتى الرسول (ص) فانه مبلغ لا مشرّع، و قد خاطبه اللّه بقوله:

ليس لك من الأمر شي‏ء .. انما أنت منذر.

(فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) . أي إذا عقدت الرأي على فعل شي‏ء بسبب المشورة أو غيرها فامض في التنفيذ، على أن تأخذ الاهبة، و تستكمل العدة معتمدا على إعانة اللّه وحده في النجاح و الظفر.

(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) . و نصره تعالى انما يكون مع مراعاة الأسباب التي جعلها اللّه موصلة الى النصر، و هي بالاضافة الى التوكل على اللّه استكمال العدة التي أشار اليها بقوله: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ - 60 الأنفال».

(وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) . ان اللّه يخذل المتخاذلين الذين لا تجتمع كلمتهم على خير، قال تعالى، «وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ‏ - 46 الأنفال».

و الخلاصة ان استكمال العدة من غير الإخلاص لا يجدي شيئا، كما جرى للمسلمين يوم حنين: «وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ‏ - 26 التوبة». كما ان‏

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 190

الإخلاص من غير عدة ليس بشي‏ء .. «اعقلها و توكل». و من استوفى الأمرين معا فلا غالب له، لأن اللّه معه.

محمد و سر عظمته:

خرج أبوه عبد اللّه في تجارة الى الشام، و أمه حامل به، و في عودة أبيه من الشام مر بأخواله بني النجار في المدينة، فمرض هناك، و مات فقيرا لم يترك لولده شيئا سوى خمسة من الإبل، و قطيع من الغنم، و جارية هي بركة الحبشية، تكنى أم أيمن، كانت دايته، و من جملة حواضنه.

ولد الرسول (ص) بمكة عام الفيل في شهر ربيع الأول الموافق شهر آب سنة 570 ميلادية كما قيل.

مرضعته و كافله:

أرضعته أياما ثوبية مولاة عمه أبي لهب، ثم أرضعته حليمة السعدية ..

و عاش 63 عاما، منها 53 قضاها بمكة، و 10 بالمدينة، ماتت امه و هو ابن 6، و مات جده و هو ابن 8، فكفله عمه أبو طالب، و دافع عنه، حتى النفس الأخير، و عاش معه 42 سنة.

أوصافه:

ليس بالطويل و لا بالقصير، كبير الرأس، بوجهه استدارة، عريض الجبين، يوشك حاجباه أن يلتقيا، بينهما عرق إذا غضب انتفخ و احمر، أسود العينين، طويل رموش العين، في أنفه تقوس، حسن الثغر، كبير الفم، عظيم اللحية، متموج شعر الرأس، طويل العنق، عريض الصدر، طويل الذراعين، دقيق الساقين، أبيض اللون، مشرب بحمرة، مشدود العضلات، ليس في جسده استرخاء و لا ترهل.

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 191

كان إذا غضب احمر وجهه، و إذا حزن أكثر من لمس لحيته، و إذا تكلم أشار بكفه كلها، و إذا تعجب قلبها، و إذا استغرق في الحديث ضرب راحة يده اليمنى ببطن إبهامه اليسرى، و إذا رأى ما يكره أشاح بوجهه، و إذا عطس غطى وجهه، و كان يضحك، حتى تبدو نواجذه، و كان أكثر الناس تبسما.

و كان في طعامه لا يرد موجودا، و لا يتكلف مفقودا، و إذا لم يجد الطعام صبر، حتى انه ليربط الحجر على بطنه من الجوع، و كان يمر عليه الشهر لا يجد ما يخبزه، و بعث يشتري من يهودي على ان يؤجل الدفع، فرفض، و قال: ما لمحمد زرع و لا ضرع، فمن يسدد؟.

و لم يملك قميصين معا، و لا رداءين، و لا إزارين، و لا نعلين .. و كانت له حصير ينام عليها في الليل، و يبسطها في النهار، فيجلس عليها، و نام عليها، حتى أثرت في جنبه، و له مخدة من جلد، حشوها ليف، و كان إذا نام يضع يده تحت خده، و ينام على جنبه الأيمن، و كان يخصف النعل، و يرقع القميص، و يركب الحمار، هذا و ثروة الجزيرة العربية طوع أوامره .. و لكنه كان يعطي كل ما يصل منها اليه عطاء من لا يخشى الفقر، كما وصفه اعرابي.

النبي و الفقر:

و ليس معنى هذا انه كان يحب الفقر، و يرضى به .. كلا، بل كان يستعيذ منه، و يقول: اللهم اني أعوذ بك من الفقر و القلة و الذلة .. و أعوذ بك من العجز و الكسل .. و أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم .. لم يكن النبي يحب الفقر، و يرضى به .. و لكن ما دام يعيش في مجتمع فيه فقراء فخير الأنظمة، و الحال هذه، هو النظام الذي يجعل الحاكم في جانب الفقراء، و يساوي بينه و بينهم في المأكل و الملبس و المسكن .. و لا شي‏ء أعظم ظلما و جريمة من أن يشبع الحاكم، و في رعيته جائع واحد .. قال أمير المؤمنين علي: ان اللّه فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقر فقره، أي لا يهيج به‏

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 192

ألم الفقر فيهلكه. و قال: أاقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين، و لا أشاركهم في مكاره الدهر.

مراتب دعوته:

أنذر النبي أول من أنذر عشيرته الأقربين، و ذلك حين نزلت الآية 215 من سورة الشعراء: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» فأولم لهم و دعاهم، و قال لهم فيما قال: «فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم». فأحجموا جميعا إلا علي بن أبي طالب قال: أنا يا نبي اللّه. فأخذ برقبته، و قال: هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا. فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع‏ «1» .

ثم دعا النبي (ص) قومه العرب، ثم كل من بلغه الدعوة من الأولين و الآخرين:

«وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ‏ - 28 سبأ». أما غيره من الأنبياء فقد أرسل الى قومه، أو أهل زمانه .. و من ثم كان نوح و ابراهيم و هود و صالح و موسى و غيرهم يخاطبون الذين يدعونهم الى الايمان ب (يا قوم). أما محمد (ص) فقد خاطب جميع الناس على اختلاف أنواعهم و لغاتهم في كل مصر و عصر:

«قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً - 158 الاعراف». و لقد كتب الرسول الأعظم (ص) الى ملوك الأرض، و في طليعتهم كسرى و قيصر، و أرسل اليهم رسله يدعوهم الى الإيمان برسالته.

سر عظمته:

كان محمد (ص) بشرا، و من وصفه بشي‏ء من صفات الخالق الرازق فقد كفر باللّه و به، و لكن البشر، كل البشر من آدم الى آخر أبنائه ليسوا كمحمد ..

(1) رواه الطبري في تاريخه و تفسيره، كما في الطبعة القديمة، و أيضا رواه الثعلبي في تفسيره، و النسائي في الخصائص، و ذكره محمد حسين هيكل في الطبعة الأولى لكتاب حياة محمد، ثم حذفه في الطبعة الثانية ..

(أعيان الشيعة، ص 98، طبعة 1950).

تفسير الكاشف، ج‏2، ص: 193

و العظيم منهم من اعترف له محمد بالعظمة و الفضيلة .. اعترف له بالنص و تعيين الاسم بالذات، أو بالوصف العام الشامل، كقوله: «خير الناس أنفع الناس للناس».

أما السر لعظمة محمد (ص) فيكمن في أنه كان يحمل هموم الناس جميعا، و لا يكلف قريبا أو بعيدا بشي‏ء من همومه .. كان يمشي مع الأرملة و المسكين، فيقضي حاجتهما، و لا يحول دون مقابلته حاجب، و ما من أحد صديقا كان أو عدوا إلا و يجد عنده الاهتمام به، و العطف عليه، و الرعاية له.

و ليس قولي هذا من وحي العاطفة، و لا من وحي البيئة و التربية .. كلا، انه من وحي اللّه: «وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ‏ - 107 الأنبياء». و معنى هذا ان عطفه و اهتمامه ليس وقفا على عشيرته الأقربين، و لا أتباعه الموالين ..

بل هي مشاع للناس أجمعين أعداء و أولياء .. انها تماما كالماء و الهواء .. كسر قومه رباعيته، و شجوا وجهه، فقال: اللهم اهد قومي انهم لا يعلمون ..

فلم يكتف ان سأل اللّه لهم الهداية، حتى اعتذر عنهم بالجهل و عدم العلم.

و لا غرابة إذا لم بغضب محمد (ص) لنفسه، و لم يحتجز لها شيئا من أعراض الدنيا، و انما الغريب أن يغضب لها و يحتجز .. ان هذا الخلق هو حتم و فرض لمن بعث ليتمم مكارم الأخلاق، و دعا الناس، كل الناس، لتصديقه و الإيمان برسالته، و لا معنى لتصديقه إلا تصديق العدل و الإحسان، و لا للإيمان به إلا الإيمان بالحق و الانسانية، لا بشخصه و ذاته.

ناداه رجل: يا سيدنا و ابن سيدنا، و خيرنا و ابن خيرنا .. فقال: لا يستهوينكم الشيطان .. أنا محمد عبد اللّه و رسوله .. و اللّه ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي ..

و كان أصحابه إذا رأوه قادما لم يقوموا له، و و هو أحب الناس اليهم، لأنهم يعرفون كراهيته لقيامهم .. و كان يكره أن يمشي أصحابه وراءه، و يأخذ بيد من يفعل ذلك، فيدفعه إلى السير بجانبه.

صفحه بعد