کتابخانه تفاسیر
تفسير الكاشف
الجزء الأول
سورة البقرة
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
الجزء السادس
الجزء السابع
تفسير الكاشف، ج5، ص: 276
المنافع و المصالح الشخصية، و نشأ و ترعرع على تقاليد البيئة و الآباء و الأجداد، سواء أ كانت تلك التقاليد عبادة حجر، أم تعصبا لرأي من غير علم و لا هدى، و سواء أ كان الغرض مالا أم جاها أم أي شيء غير الحق و العدل.
[سورة الأنبياء (21): الآيات 37 الى 44]
اللغة
الفرق بين العجلة و السرعة ان العجلة تقديم الشيء قبل أوانه، أما السرعة فهي
تفسير الكاشف، ج5، ص: 277
الإتيان بالشيء في أول أوقاته، و السرعة الى الخير محمودة. قال تعالى: و يسارعون في الخيرات، و العجلة مذمومة. و اشتهر: العجلة من الشيطان. لا يكفون أي لا يدفعون، تقول كففته عني أي دفعته و منعته. و تبهتهم تحيّرهم. و ينظرون يؤخّرون. و حاق نزل. و يكلؤكم يحرسكم. و يصحبون يجارون، تقول العرب:
أنا صاحب لك من فلان أي مجير لك منه.
الإعراب:
حين مفعول به ليعلم أي يعلم الوقت. و جواب لو محذوف أي لو يعلم الكافرون ..
لانتهوا. و بغتة مصدر في موضع الحال من مفعول تأتيهم أي تأتيهم مبغوتين.
و ام لهم (ام) منقطعة بمعنى بل، و جملة تمنعهم صفة للآلهة، و جملة لا يستطيعون مستأنفة لا محل لها من الإعراب. و المصدر من أنّا نأتي مفعول يرون أي أفلا يرون إتياننا الأرض.
المعنى:
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) . حذر النبي (ص) الكافرين من عاقبة الكفر، و أنذرهم بعذاب اللّه ان أصروا و تمردوا، فازدادوا عتوا و طغيانا، و استعجلوا العذاب ساخرين مستهزئين، فقال لهم سبحانه: مهلا سترون صدق رسولي فيما وعدكم و أنذركم، فلا تستعجلوا ما هو كائن، فكم من مستعجل أمرا لو أتاه لضاق به، و تمنى انه لم يأت .. و قال المفسرون، و هم يشرحون هذه الآية: ان الإنسان عجول بطبعه و تكوينه، تماما كما هو من لحم و دم .. و يلاحظ بأنه لو صح هذا ما وجد على ظهرها ذو روية و أناة، بل و كان كل انسان عجولا في جميع أقواله و أفعاله بلا استثناء، و الصحيح ان نعت الإنسان بالعجول و الكفور و اليئوس و نحوه هو تفسير لسلوكه في بعض مواقفه، و ليس تحديدا لطبيعته و هويته. و قد بسطنا الكلام في ذلك عند تفسير الآية 9 من سورة هود ج 4 ص 213 و تفسير الآية 34 من سورة ابراهيم ص 449 من المجلد المذكور.
تفسير الكاشف، ج5، ص: 278
(وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) تقدم في الآيتين 70 و 107 من سورة الأعراف و الآية 32 من سورة هود. (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ) . يستعجل الذين كفروا نار العذاب، و هم أحقر و أضعف من أن يستطيعوا لها ردا أو يجدوا منها مهربا أو لهم ناصرا، كيف و هي تغشاهم من فوقهم و من تحتهم و من أمامهم و خلفهم؟
(بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ) . الضمير المستتر في تأتيهم يعود الى الساعة، و لا ريب في إتيانها فجأة من غير إنذار لقوله تعالى: «يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ» - 63 الأحزاب» و متى جاءت على هذه الحال وقعوا في الحيرة و الدهشة، فلا هم يملكون لها ردا، و لا هي تمهلهم ليتدبروا أمرهم و يتوبوا الى ربهم.
(وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) . تقدم بنصه الحرفي مع التفسير في الآية 10 من الأنعام ج 3 ص 165.
(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) . مهما احتاط الإنسان، و بالغ في التحفظ من المخبآت و المفاجئات فلا ينجو منها إلا بعناية اللّه و توفيقه، فكيف يحترس و يسلم من قضائه و قدره؟ (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) . استهزأوا برسل اللّه، و أمنوا مكر اللّه، و أعرضوا عن ذكر اللّه .. و لم؟ لأنهم مترفون، و الترف في حسبانهم حصن حصين من كل نازلة و غائلة.
(أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) فتدفع عنهم بأسنا و عذابنا ان أردنا هلاكهم و استئصالهم (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَ لا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) . ضمير يستطيعون و ما بعده يعودان الى الآلهة، و المعنى ان المشركين يستجيرون بالأصنام، و هي لا تملك لنفسها نفعا و لا ضرا فكيف تملك النصر و الاستجارة لغيرها. و في تفسير الطبري ان أهل التأويل اختلفوا في معنى يصحبون، و بعد أن نقل الأقوال اختار ان معنى يصحبون يجارون لأن العرب تقول: أنا لك جار من فلان و صاحب أي أجيرك و أمنعك منه. و هذا المعنى يتفق مع قوله تعالى: «وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ» - 88 المؤمنون.
(بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) . أمهلهم اللّه، و أمد في
تفسير الكاشف، ج5، ص: 279
حياتهم فاغتروا بالامهال، و طغوا و بغوا، و ما دروا ان اللّه لهم بالمرصاد، و انه يستدرجهم من حيث لا يعلمون (أَ فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ) . تقدم مع التفسير في الآية 42 من سورة الرعد ج 4 ص 416.
[سورة الأنبياء (21): الآيات 45 الى 50]
وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
اللغة:
الصم جمع أصم، و هو الأطرش. و المراد بالنفحة هنا الشيء الضئيل. و القسط العدل. و حاسبين محصين. و الفرقان ما يفرق بين الحق و الباطل.
الإعراب:
إذا ما (ما) زائدة إعرابا. و القسط صفة للموازين على حذف مضاف أي
تفسير الكاشف، ج5، ص: 280
ذوات القسط. و شيئا مفعول مطلق لتظلم لأنه بمعنى ظلما. و الباء في بنا زائدة و ضمير (نا) فاعل، و حاسبين تمييز لأنه بمعنى من حاسبين، و يجوز أن يكون حالا. و الذين يخشون بدل من المتقين.
المعنى:
(قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَ لا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) . هذا مثل قوله تعالى: «وَ قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ» - 89 الحجر .. أمر نبيه الكريم ان يقول للمشركين: أ تسخرون من قيام الساعة و أهوالها؟ انها من وحي اللّه لا من وحي الخيال، و اني أحذركم بأمر اللّه، لا بأمري، و لكن كيف تسمعون التحذير و الانذار، و في آذانكم وقر و صمم؟ و كل من لا يستجيب لنصيحة اللّه فهو أعمى و أصم، و ان كان له عينان و أذنان.
(وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) . كانوا من قبل يسخرون و يهزءون إذا ما أنذروا بالعذاب، حتى إذا مسهم أخفه و أدناه ذلوا و خضعوا و قالوا: «يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) . و تقدم مثله في الآية 14 من هذه السورة.
الميزان يوم القيامة و صاحب الأسفار:
(وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ) . المراد بالموازين هنا احكام اللّه و شريعته و المعنى ان اللّه سبحانه يقيس أعمال العباد بأمره و نهيه، فمن جاءت أفعاله على وفق أمر اللّه و تروكه على وفق نهيه تعالى فهو ممن ثقلت موازينهم، و الا فهو من الذين خفت موازينهم، سئل الإمام جعفر الصادق (ع) عن الموازين القسط؟
فقال: هم أنبياء اللّه و أولياؤه أي احكام اللّه الذي يبلغها الأنبياء و الأولياء لعباده.
و على هذا الأساس يكون الجزاء، فلا ينقص من ثواب المحسن مقدار حبة من خردل، و قد يزاد له، و لا يزاد في عقاب المسيء حبة كذلك، و قد ينقص
تفسير الكاشف، ج5، ص: 281
منه (وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ) لا نشتبه بشيء و لا يفوتنا شيء مهما بلغ العدد، قال الملّا صدرا في كتاب الأسفار: «في قدرة اللّه ان يكشف للخلائق جميع أعمالهم، و ميزان حسناتهم و سيئاتهم و ثوابها و عقابها في لحظة واحدة، و هو أسرع الحاسبين».
و لو تنبه لهذه الآية من يحاول تطبيق القرآن على العلم الحديث لقال: ان المصدر الأول لفكرة العقل الالكتروني هو القرآن .. انظر القرآن و العلم الحديث في أول سورة البقرة.
و تكلم صاحب الاسفار عن معنى الميزان يوم القيامة و أطال الكلام، و بالنظر الى مكانة المؤلف في فلسفة العقيدة و غيرها نقتطف من عباراته ما يلي مع ضرب من التصرف في التعبير بقصد الإيضاح:
«ان ميزان الآخرة هو ما يعرف به صحة العلم و الايمان باللّه و صفاته و أفعاله، و بملائكته و كتبه و رسله و باليوم الآخر، و هذا الميزان هو القرآن الذي أنزله المعلم الأول، و هو اللّه على المعلم الثالث و هو الرسول (ص) بواسطة المعلم الثاني و هو جبريل، فبأحكام القرآن يقاس علم الإنسان و عقله و جميع أقواله و أفعاله، و تعرف حسناته من سيئاته، فإن كان الرجحان للحسنات فصاحبها من أهل السعادة، و ان كان للسيئات فصاحبها من أهل الشقاوة، و مع تساوي الحسنات و السيئات فصاحبهما موقوف حتى يحكم اللّه فيه بالعذاب أو العفو، و لكن جانب الرحمة أرجح لأن اللّه عفوّ رحيم. ثم قال صاحب الاسفار- في مكان آخر- لكل شيء ميزان الا قول: لا إله إلا اللّه لأن كلمة التوحيد لا يقابلها إلا الشرك، و ليس للشرك ميزان- و قال في مقام ثالث- ان القرآن بمنزلة مائدة فيها أنواع الأطعمة من لباب الأغذية الى التبن و القشور، فاللباب هي الحكمة و البراهين، و تختص بأولي الألباب و البصائر، أما التبن و القشور فللعوام الذين هم كالأنعام، كما قال تعالى: مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ»* .
و قد يظن للوهلة الأولى ان التعبير بالتبن و القشور جرأة على كتاب اللّه و قداسته.
و لكن صاحب الاسفار فوق الظنون و الشبهات، و من تأمل كلامه يعلم ان مراده بالتبن و القشور هم أهل التبن و القشور كالظاهرية الذين يقفون عند الظاهر، و لا ينظرون الى أبعد من أنوفهم بدليل ما قاله في فصل تحقيق قول النبي (ص): ان
تفسير الكاشف، ج5، ص: 282
للقرآن ظهرا و بطنا، فقد شرح هذا الحديث بكلام طويل، جاء فيه: «ان للقرآن درجات و منازل كالإنسان الذي منه قشري و لبّي، و الإنسان القشري كالظاهرية الذين لا يدركون إلا القشور، أما روح القرآن و سره فلا يدركه إلا أهل العقول و البصائر». فالتقسيم- اذن- لفهم الناس للقرآن، لا للقرآن نفسه.
(وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) . المراد بالفرقان هنا التوراة كما أنزلها اللّه على موسى، و كل كتاب سماوي هو فرقان لأنه يفرق بين الهدى و الضلال، و هو ضياء يبدد ظلام الجهل و الكفر، و هو ذكر لمن طلب التقوى لأنه يذكر باللّه و يبين حلاله و حرامه (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) . هذا تحديد للمتقين بأنهم الذين يخافون اللّه في السر و الغيب عن أعين الناس كما يخافونه في العلانية لأنهم يؤمنون بيوم القيامة و الحساب و الجزاء، و يخافون منه، و يعملون له.
(وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) . هذا اشارة الى القرآن، و هو ذكر لمن يتذكر، و عظة لمن يتعظ، و خير و بركة على من ائتمر بأمره، و انتهى بنهيه (أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) و قد وضحت محجته، و قامت دلائله؟.
[سورة الأنبياء (21): الآيات 51 الى 60]