کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 326

المعنى:

(ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) . للتعظيم مظاهر شتى، تتفاوت على قدر المعظّم، و ما يليق به من التعظيم و الاحترام، و لا شي‏ء لدى المخلوق يليق بتعظيم خالقه إلا الطاعة و الانقياد له في كل شي‏ء، فمن أطاع اللّه و امتثل أوامره و نواهيه فقد عظمه و عظّم حرماته و شعائره، و هذا التعظيم أو هذه الطاعة ترفع من شأن المطيع عند خالقه، لا من شأن الخالق المطاع لأن اللّه غني عن العالمين، و لذا قال تعالى: (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي تعظيم أحكام اللّه باطاعتها خير للمطيع عند خالقه و بارئه.

(وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ) . حرم اللّه على الحاج الصيد أيام إحرامه، و ربما توهم هذا الحاج المحرم انه إذا حرم عليه الصيد فقد حرم عليه أيضا الأكل من لحوم الانعام، فبين سبحانه عدم التلازم بين التحريمين، و ان المحرم من الأنعام ما نص عليه القرآن كالميتة و ما ذبح على النصب. انظر تفسير الآية 3 من سورة المائدة ج 3 ص 10 (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) .

ابتعدوا عنها و عن عبادتها كما تبتعدون عن الأوساخ و الاقذار، و الأوثان كلها رجس، و لذا قال علماء العربية: ان من هنا للتبيين لا للتبعيض، مثلها مثل (من) في قولك: خاتم من حديد (وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) . و قول الزور يشمل كل محرم كذبا كان أو غيبة أو شتما أو فحشا، و أشد أنواع الزور الشهادة الكاذبة لأن فيها هدرا لحقوق اللّه و الناس، قال رسول اللّه (ص): عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه. ثم تلا هذه الآية.

(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) . الحنفاء هم المستقيمون على دين الحق المائلون عن الأديان الباطلة، و غير مشركين تأكيد للحنفاء. و تكلمنا عن الحنفاء عند تفسير الآية 107 من سورة الإسراء (وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) . هذا كناية عن ان اثم الشرك لا يعادله اثم، و ان عذاب المشرك ليس وراءه عذاب .. و من تتبع الآيات القرآنية و السنة النبوية يلاحظ ان المشرك أكبر إثما من الملحد عند اللّه، و قد يكون السر في ذلك ان الملحد لا يثبت النقص «للخالق» لأنه لا يعترف بوجوده من‏

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 327

الأساس، و هذا اثم عظيم ما في ذلك ريب .. و لكن اثم المشرك أعظم لأن الاشراك انكار للخالق الواحد من جهة، و اثبات النقص للموجود من جهة ثانية.

(ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) . شعائر اللّه و حرماته بمعنى واحد، و تكلمنا عنها في تفسير الآية السابقة، و ليس من شك انه لا يطيع احكام اللّه الا المتقون المخلصون، و من تعظيم شعائر اللّه و اطاعة أحكامه ان تذبح السمين السليم من الانعام أيام الحج، قال رسول اللّه (ص): لا تضح بالعرجاء و لا العجفاء، و لا الخرقاء، و لا الجذاء، و لا العضباء. و العجفاء الهزيلة، و الخرقاء هي التي لا اذن لها. أو مخرومة الاذن، و الجذاء مقطوعتها، و العضباء مكسورة القرن.

(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى) . ضمير فيها يعود الى ذبائح الحج، و الى أجل مسمى أي وقت نحرها أو ذبحها، و المعنى ان للحاج ان ينتفع بلبن أضحيته و ظهرها الى حين النحر و الذبح. و في تفسير الرازي ان رسول اللّه مر برجل يسوق بدنة، و هو في جهد، فقال له: اركبها. قال الرجل: انها هدي يا رسول اللّه، فقال له: اركبها ويلك، ثم قال الرازي: و أبو حنيفة لا يجيز ذلك، و احتج بأنه لا يجوز أن يؤجرها، فإذن، لا يجوز أن يركبها، ورد الرازي على أبي حنيفة بأن هذا ضعيف لأن أم الولد من الإماء لا تباع، و مع ذلك يجوز الانتفاع بها. (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) اي ان مكان ذبح الانعام هو بيت اللّه الحرام، و المراد به الحرم كله، و منه منى، و في الحديث منى كلها منحر.

(وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) . المراد بالمنسك هنا النسك بذبح الأنعام بدليل قوله تعالى بلا فاصل: (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى‏ ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) .

و المعنى لا بدع في الأضحية فلقد كانت مشروعة في الأديان السابقة (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فلا تذكروا اسم غيره على ذبائحكم‏ (فَلَهُ أَسْلِمُوا) انقادوا لأمره و أخلصوا له في القول و الفعل.

(وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ الصَّابِرِينَ عَلى‏ ما أَصابَهُمْ وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) . بشّر يا محمد بالجنة من تواضع للّه،

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 328

و خاف منه، و ثبت على دينه في السراء و الضراء، و تعبّد له من غير نفاق و رياء، و أنفق ماله في طاعة اللّه و مرضاته. و ليس من شك ان هذه الصفات إذا اجتمعت في انسان سمت به الى أعلى الدرجات عند اللّه و الناس.

[سورة الحج (22): الآيات 36 الى 37]

وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)

اللغة:

البدن بضم الباء جمع بدنة، و هي الناقة السمينة من بدن بدنا إذا كثر لحمه.

و صوافّ أي ان البدن قائمات قد صففن أيديهن و أرجلهن. و وجبت جنوبها سقطت جنوبها على الأرض و هو كناية عن خروج أرواحها بالنحر. و القانع الراضي بما يعطى له من غير مسألة. و المعتر الذي يتعرض لك لتعطيه.

الإعراب:

البدن مفعول لفعل محذوف أي و جعلنا البدن، و لكم متعلق بجعلناها، و من شعائر اللّه متعلق بمحذوف مفعولا ثانيا لجعلناها و صوافّ حال من البدن.

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 329

المعنى:

(وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) . البدن هي الإبل خاصة كما في كثير من التفاسير، منها تفسير الرازي و البيضاوي، و ياحق بها البقر في الحكم، لا في الاسم .. و على أية حال فان الإنسان نتيجة لعوامل كثيرة، منها البيئة التي يعيش فيها، و قد عاش العرب و غيرهم في الجاهلية و بعدها بقرون، عاشوا مع الإبل، و كانت جزءا من حياتهم، يأكلون من لحومها، و يشربون من ألبانها، و يلبسون من أوبارها، و تحمل أثقالهم من بلد الى بلد .. أنظر تفسير الآية 6 من سورة النحل ج 4 ص 497. و من أجل هذا ذكرها اللّه سبحانه في العديد من آياته بلفظ عام كالانعام، أو بلفظ خاص كما في الآية 17 من سورة الغاشية و الآية التي نحن بصددها، فلقد امتن سبحانه فيها على عباده بالبدن، و جعل لها منافع كثيرة، منها أن يتقرب العبد الى اللّه بنحرها في بيته الحرام، و التعبير عن هذا النحر بشعائر اللّه يشعر بأنه من أفضل الطاعات و العبادات.

(فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ) . من شروط الذبح و النحر التسمية و الاتجاه بالمذبوح و المنحور الى القبلة و النحر للإبل، و الذبح لغيرها، و لا تحل الإبل بالذبح، كما لا يحل غيرها بالنحر، و الذبح معلوم، أما النحر فهو ان يدخل الذابح سكينا أو ما إليها من الآلات الحادة في لبة البعير، و هو قائم أو بارك أو مضطجع على جنبه شريطة أن يكون متجها بنحره و جميع مقاديم بدنه الى القبلة، و أفضل صور النحر ما جاء في بعض الروايات، و هو ان يقام البعير واقفا اتجاه القبلة، و ان تعقل احدى يديه، و يقف الناحر متجها الى القبلة أيضا، ثم يضرب في لبته، و هذه الرواية تصلح تفسيرا لكلمة صواف.

(فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) سقطت على الأرض و خرجت الروح منها (فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ) . القانع الراضي بما تعطيه من غير سؤال، و المعتر من يتعرض لك بالعطية (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سخرها لنا سبحانه في كل ما نريده منها حتى الذبح، فوجب له الشكر على هذا التسخير (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها) لأن اللّه غني عن العالمين فضلا عن لحوم الاضاحي و دمائها، بل لا غنى لشي‏ء إلا به و منه سبحانه و تعالى، و قيل: ان هذا رد

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 330

على المشركين الذين كانوا يلطخون أصنامهم بدم الأضاحي، و يلوثون به حيطان الكعبة.

(وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ) . و تسأل: ان معنى التقوى ان تتقي اللّه فيما حرمه عليك، و هذا يعود ثوابه و نفعه عليك وحدك، أما اللّه سبحانه فلا تنفعه طاعة من أطاع، و لا تضره معصية من عصى، اذن، فما معنى قوله تعالى:

(وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ) ؟

الجواب: المراد بالتقوى هنا رضا اللّه لأن تقوى العبد، و رضا اللّه عن المتقي متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، و عليه يكون المعنى ان الذي يصل الى اللّه من أضاحيكم هو ان يرضى عنكم و لا يغضب عليكم .. فهو أشبه بقولك لولدك: ان نجاحك في الدراسة يجعلني راضيا عنك محبا لك، و هذا كل ما أناله من دراستك و نجاحك.

(كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَداكُمْ) . سخر اللّه البدن لعباده و هداهم الى التقرب بنحرها اليه تعالى ليسبحوا بحمده، و يعظموه في علمه و قدرته و يخافوا من عقابه، و يطمعوا في ثوابه‏ (وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) كل المحسنين، سواء أ أحسنوا في التقرب الى اللّه بالأضاحي أم بغيرها، فان أنواع الإحسان لا يبلغها الإحصاء، و أفضلها جهاد أهل البغي و الضلال، و لو بكلمة الحق و العدل.

[سورة الحج (22): الآيات 38 الى 41]

إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 331

اللغة:

صوامع جمع صومعة بفتح الصاد. و بيع جمع بيعة بكسر الباء. و في مجمع البيان الصوامع في أيام شريعة عيسى، و البيع في أيام شريعة موسى، و المساجد في أيام شريعة محمد، و قال الخوري الشرتوني في «أقرب الموارد»: البيعة متعبّد النصارى، و قال الخوري معلوف في «المنجد»: البيعة معبد النصارى و اليهود.

الإعراب:

أذن، المأذون به محذوف أي اذن بالقتال، و يدل عليه يقاتلون. و ان اللّه على نصرهم جملة حال من واو يقاتلون. و إلا أن يقولوا استثناء منقطع، أي و لكن قولهم ربنا اللّه. و دفع مبتدأ و الخبر محذوف أي و لو لا دفع اللّه حاصل. و صلوات على حذف مضاف أي مكان الصلوات. الذين أخرجوا بدل من للذين يقاتلون.

لا يخلو المؤمن من ناصر:

(إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) . تدل هذه الآية ان اللّه سبحانه يمنع في هذه الحياة الكفرة و الطغاة عن المؤمنين باللّه و اليوم الآخر، و أوضح منها في الدلالة قوله تعالى: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» - 51 غافر. مع ان اللّه سبحانه قد نص في العديد من آياته ان اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق،

تفسير الكاشف، ج‏5، ص: 332

منها الآية 21 و 112 و 181 من سورة آل عمران، و الآية 154 من سورة النساء، بالاضافة الى ان تاريخ البشرية القديم و الحديث مفعم بالمظالم و الاعتداءات على المتقين و المخلصين .. فما هو وجه الجمع بين الآيات الدالة على ان اللّه ينصر أهل الحق و الآيات التي أخبرت عن قتل الأنبياء؟

الجواب أولا: ان آيات النصر تدل بسياقها على انها خاصة ببعض الأنبياء دون بعض، كنوح و هود و صالح و لوط و محمد، و يومئ الى ذلك قوله تعالى:

«وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ» - 13 آل عمران، و الآيات التي نحن بصددها تدل على ان محمدا (ص) و الصحابة هم المقصودون بقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا» لأنهم هم الذين أخرجوا من ديارهم لا لشي‏ء إلا لأنهم قالوا ربنا اللّه، و قد جاء في كتب الصحاح ان هذه الآيات نزلت حين هاجر النبي من مكة الى المدينة.

ثانيا: ان المحق المخلص لا يخلو من ناصر ينصره بيده أو ماله أو لسانه، و لا نعرف مجتمعا اتفق جميع أفراده ضد من نطق بكلمة الحق و العدل .. أجل، ان كثيرا من المحقين قتلوا و أسروا و شردوا، و لكن اللّه عز و جل قد أتاح لهم أنصارا يعلنون ظلامتهم، و يشيدون بعظمتهم، و يدينون أعداءهم بحجج دامغة، و أدلة قاطعة، و هذا مظهر من مظاهر النصر، و قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) تعليل لقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) و يشعر هذا التعليل بأن على من آمن باللّه ان يناصر المؤمن بما يملك من أسباب النصر، و أدناها ان يدافع عنه إذا ذكر أمامه بسوء، و الا فهو خوان كفور .. و في الحديث الصحيح: الساكت عن الحق شيطان أخرس.

ثالثا: لو كان مجرد الايمان باللّه يدفع العدوان و النكبات عن المؤمن- ان صح التعبير- لآمن كل الناس ايمانا تجاريا تماما كمن يبيع دينه و ضميره لكل من يدفع الثمن.

صفحه بعد