کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير الكاشف

الجزء الأول

سورة البقرة

[سورة البقرة(2): آية 34]

الجزء الثاني

سورة آل عمران

[سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): آية 104]

سورة النساء

الجزء الثالث

سورة المائدة

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

[سورة الأنفال(8): آية 24]

الجزء الرابع

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

سورة الرعد

سورة النحل

الجزء الخامس

سورة الأسراء

سورة الكهف

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة المؤمنون

سورة النور

الجزء السادس

سورة القصص

سورة الأحزاب

الجزء السابع

تفسير الكاشف


صفحه قبل

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 31

الجزيرة العربية- أمر في هذه الآية بقتال أهل الكتاب إذا لم يعطوا الجزية و يخضعوا لحكم الإسلام. و قد وصفهم اللّه بأنهم لا يؤمنون باللّه و اليوم الآخر، و لا يحرمون حرام اللّه، و لا يدينون بالحق.

و تجدر الإشارة الى أن (من) في قوله تعالى: (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) هي لبيان الجنس، تماما كما في قوله: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) .

و قيل: هي للتبعيض مثل منهم كذا، و منهم كذا.

و هنا سؤالان: الأول ان الآية نفت عن أهل الكتاب الإيمان باللّه و اليوم الآخر، مع العلم بأنهم يؤمنون بوجود اللّه، لأن كلمة أهل الكتاب تدل بذاتها على ايمانهم باللّه الذي أنزل التوراة و الإنجيل، و كذلك يؤمنون باليوم الآخر بنص الآية 80 من سورة البقرة: «وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً» .. اجل، انهم لا يدينون دين الحق، فاليهود يعبدون المال، و الكنيسة تبيع صكوك الغفران، و تقول بالحلول و الاتحاد.

و نجد الجواب في الآية التي بعد هذه الآية بلا فاصل، و هي قوله تعالى:

(وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى‏ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) . و وجه الجواب ان اليهود و النصارى جعلوا للّه ولدا، و معنى هذا انهم يؤمنون بإله لا وجود له إلا في أوهامهم، أما الإله الموجود حقا و واقعا فإنهم لا يؤمنون به .. فلقد تصوروا من عندياتهم إلها موصوفا بأنه يلد أولادا، و نظّموا علاقاتهم معه وفقا لهذا التصور الخاطئ، أما الإله الحقيقي، و هو الذي لم يلد و لم يولد، فإنهم لا يؤمنون به، و لا تربطهم به أية رابطة قريبة أو بعيدة. و بكلمة أخصر و أوضح ان الإله الموجود لا يؤمنون به، و الإله الذي يؤمنون به لا وجود له.

و النتيجة الحتمية لذلك انهم لا يؤمنون باللّه، و بديهة ان من لا يؤمن باللّه لا يؤمن بالآخرة إيمانا صحيحا، و لا يدين دين الحق، و ان خيل اليه انه من المؤمنين بالآخرة، و المتدينين بالحق، لأن الإيمان باللّه هو الأصل، و ما عداه فرع، أي انه يؤمن بالآخرة و الدين اللذين لا عين لهما و لا أثر إلا في خيالهم، كقولهم:

لا تمسنا النار إلا أياما معدودة .. و هذا هو الدين الذي يصدق فيه قول من قال:

ان الدين من صنع الوهم و الخيال، و انه يبتعد بصاحبه عن حقيقته و واقعه.

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 32

السؤال الثاني: ان الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه بدليل قوله تعالى:

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) . و قوله: (أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) .

فكيف أمر بقتال أهل الكتاب حتى يؤمنوا أو يدفعوا الجزية عن يد و هم صاغرون؟.

و قد ذكرنا هذا السؤال عند تفسير الآية 2 من هذه السورة التي أمرت بقتال المشركين، و أجبنا عنه بأن الأمر بقتالهم كان حكما خاصا آنذاك لسبب خاص، و هو ان المجتمع الاسلامي كان في بدء تكوينه، و ان المشركين كانوا طابورا خامسا يكيدون للإسلام و أهله، فاقتضت المصلحة إخراجهم من الجزيرة أو قتلهم ..

و الأمر هنا بقتال اهل الكتاب أمر خاص بالذين كانوا في الجزيرة لسبب خاص ايضا، و هو ان اهل الكتاب كانوا يتحالفون مع المشركين على محاربة المسلمين، كما فعل يهود المدينة و ما حولها بعد تأمين النبي لهم، و جعلهم حلفاء له.

و فوق ذلك فإن محور هذه السورة يقوم على غزوة تبوك، كما يأتي في الآية 38 و ما بعدها، و قد بلغ النبيّ (ص) ان الروم، و هم في الشام على أطراف الجزيرة، يجمعون الجيوش للانقضاض على الإسلام و أهله، و كانت كل القرائن و الدلائل تؤكد ان أهل الكتاب في الجزيرة كانوا عينا و عونا للروم النصارى على المسلمين، و انهم يتآمرون معهم على النبي و من اتبعه من المؤمنين. و من أجل هذا كان الحكم فيهم القتل أو إلقاء السلاح و الخضوع لحكم الإسلام، مع إعطاء الجزية التي تعبّر عن مسالمتهم و الوفاء بعهدهم، فان اختاروا الجزية وجب تأمينهم و حمايتهم و الدفاع عنهم و اعطاؤهم الحرية في دينهم و معاملاتهم، و إذا اسلموا كان لهم ما للمسلمين، و عليهم ما عليهم، و إلا فالقتل اتقاء لشرهم.

و أطال المفسرون و الفقهاء الكلام عن محل الجزية و تقديرها و شروطها، و كان حديثهم عنها فيما مضى مجديا حيث كان للإسلام دولته و قوته، أما اليوم فالحديث عن الجزية تكثير كلام.

(وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى‏ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) .. أما قول النصارى بأن المسيح ابن اللّه فمعروف، و تكلمنا عنه عند تفسير الآية 17 من سورة المائدة، أما قول اليهود عزير ابن اللّه فقد نقل صاحب تفسير المنار ان اسم عزير جاء في اسفار اليهود المقدسة، و أيضا نقل عن دائرة المعارف اليهودية

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 33

ان عصر عزرا هو ربيع التاريخ الملي لليهودية. و في تفسير الطبري و الرازي و الطبرسي ان جماعة من اليهود قالوا للنبي (ص): كيف نتبعك و قد تركت قبلتنا، و أنت لا تزعم ان عزيرا ابن اللّه. فنزلت الآية.

و على أية حال، فان النبي (ص) قد جابه يهود عصره بهذه الآية، و ما نقل أحد انهم كذبوا و أنكروا مع شدة حرصهم على تكذيب النبي، فدل ذلك على انهم كانوا يؤمنون بذلك آنذاك.

(ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) . يضاهئون يشابهون، و قاتلهم اللّه انّى يؤفكون اي لعنهم اللّه كيف يصرفون عن الصدق إلى الافك، و المعنى ان قول اليهود و النصارى يشبه قول المشركين العرب الذين قالوا: الملائكة بنات اللّه و قول الوثنيين من قدامى الرومان و اليونان و البوذيين و غيرهم.

(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) . هذا دليل آخر بأنهم لا يؤمنون باللّه، بل بما يقول رجال دينهم و عقيدتهم. قال الإمام جعفر الصادق (ع): انهم ما صاموا و لا صلوا لهم، و لكنهم أحلوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فاتبعوهم، و عبدوهم من حيث لا يشعرون. و هذا عين ما جاء في الحديث من ان عدي بن حاتم قال لرسول اللّه (ص): لسنا نعبدهم.

فقال له النبي: أليس يحرمون ما أحل اللّه فتحرمونه، و يحلون ما حرم فتستحلونه؟

قال عدي: بلى. قال النبي فتلك عبادتهم. و قال «فولتر»: لا يعلم قسيسونا شيئا سوى اننا سريعو التصديق لما يقولون.

(وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) قال الرازي في تفسيره: المعنى ظاهر. و لكن مفسرا آخر أبى إلا ان يقول:

اي يعبدون إلها عظيم الشأن.

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ) المراد بنور اللّه هنا الإسلام، و المعنى ان أهل الكتاب حاولوا القضاء على الإسلام بالدسائس و الأكاذيب فكان مثلهم في ذلك مثل من يحاول إطفاء النور الذي عم الكون بنفخة من عنده‏ (وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) هذا وعد من اللّه على لسان نبيه بأن ينصر

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 34

الإسلام، و يظهره في مشارق الأرض و مغاربها، و صدق اللّه و رسوله، و تحقق الوعد الذي دل على نبوة محمد (ص) و صدقه في كل ما اخبر به.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) . هذه الآية بيان و تفصيل للآية التي قبلها، و قد أظهر اللّه المسلمين على المشركين في البلاد العربية، و على اليهود حيث أخرجهم المسلمون منها، و على النصارى في الشام و المغرب، و على المجوس في فارس. قال الإمام علي (ع):

ان هذا الإسلام أذل الأديان بعزته، و وضع الملل برفعته، و أهان أعداءه بكرامته.

[سورة التوبة (9): الآيات 34 الى 35]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)

الإعراب:

و الذين يكنزون مبتدأ، و الخبر فبشرهم، و الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، و يوم ظرف و العامل فيه أليم، و عليها قائم مقام نائب الفاعل، و ضمير عليها و بها عائد إلى المكنوزات. و هذا اشارة الى الكيّ، و هو مصدر مفهوم من فتكوى، و محله الرفع بالابتداء، و ما كنزتم خبر، و الجملة مفعول لقول محذوف أي فيقال لهم: هذا ما كنزتم الخ.

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 35

المعنى:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . في الآية السابقة وصف سبحانه اليهود و النصارى بأنهم يتخذون رؤساءهم الدينيين أربابا من دون اللّه، و في هذه الآية وصف أولئك الرؤساء بأكل المال بالباطل، و الصد عن سبيل اللّه، و المراد بأكل المال بالباطل أخذه بغير وجه شرعي، كالرشوة على الحكم بغير الحق، و الربا الذي فشا بين اليهود، و بيع صكوك الغفران عند الكاثوليك، و ما إلى ذلك. قال المؤرخون:

مر على رجال الكنيسة عهد كانوا فيه من أغنى الفئات.

و المراد بصدهم عن سبيل اللّه تحجيرهم على العقول، و منع الناس من اعتناق الإسلام، بل و حملهم على الطعن فيه و في نبيه .. لقد ثار فولتر على الكنيسة، و نعى على رجالها تكالبهم على المال، و طعن في التوراة لما فيها من التناقض و الاحالة و القحة على حد تعبيره، فحرمته الكنيسة، و طالب بعض رجالها بسجنه مدى الحياة «1» فانهارت أعصاب الأديب الفرنسي من الخوف، و لم يجد وسيلة للخلاص إلا أن يستشفع لدى البابا بنوا الرابع عشر بكتاب يؤلفه في سب محمد (ص)، ففعل و عفت عنه الكنيسة، و باركت الكتاب و الكاتب.

أبو ذر و الاشتراكية:

(وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) . لقد كثر الكلام حول هذه الآية، حتى ان بعضهم استدل بها على ثبوت الاشتراكية في الإسلام، و شطح آخرون في زعمهم ان أبا ذر كان اشتراكيا، لأنه كان يهدد بهذه الآية الذين استأثروا بمال اللّه دون عياله .. و فيما يلي نعرض معنى الآية، و كل ما يتصل به من قريب أو بعيد، و في ضوئه نحاكم قول من استدل بالآية على اشتراكية أبي ذر.

(1). كتاب فولتر لجوستاف لانسون ترجمة محمد غنيمي هلال.

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 36

1- قال معاوية بن أبي سفيان: هذه الآية نزلت في اهل الكتاب، و لا تشمل المسلمين، اي ان للمسلمين في نظره ان يكنزوا من المال ما يشاءون و لا ينفقوا منه شيئا في سبيل اللّه، و نقل هذا القول عن عثمان بن عفان .. فعن «الدرّ المنثور» للسيوطي ان عثمان لما كتب المصاحف أرادوا ان يحذفوا الواو من قوله تعالى:

(وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ) ليكون الكانزون صفة للأحبار و الرهبان، فعارض بعض الصحابة، و قال: لتلحقن الواو، او لأضعن سيفي على عاتقي فألحقوها.

و الصحيح ان الآية تشمل كل من يكنز المال و لا ينفقه في سبيل اللّه مسلما كان او غير مسلم عملا بعموم اللفظ، فقد روي عن زيد بن وهب انه مر بالربذة، فرأى أبا ذر، قال له: ما أنزلك هنا؟ قال: كنت بالشام، فقرأت و الذين يكنزون الذهب و الفضة، فقال معاوية: ليست هذه الآية فينا، انها في اهل الكتاب، فقلت: انها فينا و فيهم، فشكاني إلى عثمان، فأبعدني إلى حيث ترى.

2- الكنز في اللغة الجمع، يقال: كنز المال إذا جمعه، و لفظ الذهب و الفضة خاص، و لكن الحكم عام يشمل المال بشتى اصنافه، حتى الأرض و المعادن و الشجر و البناء و الماشية و المعامل و المراكب، لأن الذين هددهم اللّه بعذاب أليم هم الأثرياء الأشحاء، و ليس خصوص مالكي الذهب و الفضة المضروبين نقدا .. و الا كان ملوك النفط و من اليهم اسعد الناس و أكرمهم عند اللّه دنيا و آخرة، و الذي يدلنا على ارادة العموم انه لما نزلت هذه الآية كبر ذلك على المسلمين، لأنهم فهموا منها جميع الأموال، و لما سألوا النبي (ص) أقرهم على فهمهم، و قال لهم: ان اللّه لم يفرض الزكاة إلا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم، و إنما فرض المواريث عن أموال تبقى بعدكم.

3- الإنفاق في سبيل اللّه يشمل الجهاد للدفاع عن الدين و الوطن، و بناء المدارس و المصحات و دور الأيتام، و الصدقات على الفقراء، و الإنفاق على الأهل و العيال، و أفضل موارد الإنفاق ما فيه إعزاز الحق و اهله.

4- أجمعت المذاهب الأربعة على انه ليس في المال حق غير الزكاة.

تفسير الكاشف، ج‏4، ص: 37

(احكام القرآن لأبي بكر المعافري الأندلسي). و قال اكثر فقهاء الشيعة الإمامية:

ليس في المال حق غير الخمس و الزكاة. و قال الشيخ الطوسي: ان فيه حقا آخر، و هو ما أشار اليه الإمام جعفر الصادق بقوله: ان اللّه فرض في اموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، لأنه قال: «وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ‏ - 19 الذاريات». و الحق المعلوم هو شي‏ء يفرضه الرجل على نفسه بقدر طاقته وسعته، فيؤدي الذي فرض، ان شاء في كل يوم، أو في كل جمعة، او في كل شهر، قلّ او كثر غير انه يداوم عليه .. و لكن قول الإمام:

(يفرضه الرجل على نفسه) يشعر بالاستحباب، لا بالوجوب لأن الواجب فرض من اللّه لا من سواه.

و الذي نراه- بعد ان تتبعنا آي الذكر الحكيم- ان على الأغنياء وجوبا لا استحبابا ان يبذلوا من أموالهم- غير الخمس و الزكاة- للدفاع عن الدين و الوطن عند الاقتضاء، و على ولي المسلمين ان يجبرهم على ذلك، بل و على الجهاد بالنفس إذا اقتضت الحال. و آيات هذا الباب تعد بالعشرات.

5- (يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) . هذا كناية عن شدة العذاب و هوله، و هو نظير الآية 180 من سورة آل عمران: «سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ» .

6- تبين مما قدمنا ان الآية تدل نصا و فحوى على ان الأغنياء يجب عليهم أن ينفقوا جزءا من أموالهم في سبيل اللّه، و ان من أمسك يده عن الإنفاق عاقبه اللّه بالعذاب الأليم، أما مقدار هذا الجزء، و هل هو الخمس أو العشر، أر أقل أو اكثر، أو هو من الزكاة او من غيرها، اما هذا فلا تدل عليه الآية بالعبارة و لا بالاشارة، فأين- إذن- مكان الدلالة فيها على الاشتراكية؟. ان الاشتراكية نظام اقتصادي ينظر قبل كل شي‏ء إلى وسائل الانتاج كالأرض و ما اليها، و يحدد مالكها، ثم ينظر إلى الانتاج نفسه و طرق نموه و زيادته و كيفية توزيعه .. و هذا شي‏ء. و حث الأغنياء على البذل شي‏ء آخر.

صفحه بعد