کتابخانه روایات شیعه
مجال لذكرها، و شعارهم في ذلك قوله تعالى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .
و لا أريد في هذه العجالة الدخول في معمعة المفاضلة بين الآراء، بقدر ما أؤكد على أن الاستخارة- بالنظر إلى الأمر الواقع- تمثل ظاهرة اجتماعية عميقة الجذور، تحمل في طياتها من الايجابيات و السلبيات ما يستحق الدراسة و البحث، من أجل بناء مجتمع إسلامي رصين، يحمل معتقداته الفكرية على أساس من الإيمان باللّه و الدليل العلمي.
و كتاب «فتح الأبواب بين ذوي الألباب و بين ربّ الأرباب» من أهم و أقدم الآثار التي تناولت موضوع الاستخارة، أنواعها ... كيفياتها، و كلّ ما يرتبط بها، استهدفنا باحيائه و تحقيقه إثراء المكتبة الإسلامية في جانب قلّ ما كتب فيه، بالإضافة إلى أهميته المصدرية الحديثية، و ما امتاز به من خصوصيات تأتيك في القسم الثاني من المقدّمة، و نكون بذلك قد هيّأنا جزء من المادة الأولية لأيّ دراسة أو بحث يتناول هذه الظاهرة الاجتماعية.
و نأمل أن نكون قد وفّقنا لإخراج هذا الأثر القيم و تحقيقه بالصورة اللائقة و المناسبة لقيمته العلمية، متضرّعين إلى اللّه سبحانه و تعالى أن يتقبل هذا العمل المتواضع بقبول حسن، إنّه نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ* .
حامد الخفاف 10 ذي الحجة 1408 ه
مقدّمة الكتاب
القسم الأوّل «ترجمة المؤلّف»
1- موجز عن حياته.
2- أسرته
أ- والده
ب- والدته
ج- أخوته
د- زوجته
ه- أولاده
3- أقوال العلماء فيه.
4- مشايخه.
5- الرواة عنه.
6- مكتبته.
7- تصانيفه.
8- شعره.
9- وفاته و مدفنه.
1- موجز عن حياته
هو السيّد علي 1 بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد- هو الطاوس 2 - بن إسحاق بن الحسن بن محمّد بن سليمان بن داود 3 بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ابن مولانا أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) 4 .
ولد رضوان اللّه عليه قبل ظهر يوم الخميس منتصف محرم سنة 589 ه في مدينة الحلّة 5 ، التي شهدت في تلك الفترة بداية ازدهار حركتها العلمية، التي شكلت في ما بعد مدرسة فقهية خاصّة عرفت باسمها، تمثّل نتاجها الثقافي بتخريج عدد كبير من أساطين العلماء و كبار الفقهاء، الذين أخذوا بزمام الزعامة العلمية مدة ثلاثة قرون تقريبا.
و من الطبيعي أن يترك الجو العلمي الذي تربّى في أحضانه السيّد ابن طاوس أثرا إيجابيا طيبا في حياته، كان بمثابة الحجر الأساس فيما وصل إليه من مراتب سامية في دنيا المعارف الإسلامية، فضلا عما كانت تتمتع به أسرته من رصيد علمي ضخم، لا تخفى آثاره على الوليد الجديد.
و يحدّثنا السيّد ابن طاوس عن تأريخ نشأته و دراسته، فيقول:
«أول ما نشأت بين جدي ورّام و والدي ... و تعلّمت الخط و العربية، و قرأت علم الشريعة المحمدية ... و قرأت كتبا في أصول الدين ...
و اشتغلت بعلم الفقه، و قد سبقني جماعة إلى التعليم بعدّة سنين، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم و فضلت عليهم ... و ابتدأت بحفظ الجمل و العقود ... و كان الذين سبقوني ما لأحدهم إلّا الكتاب الذي يشتغل فيه، و كان لي عدة كتب في الفقه من كتب جدي ورّام انتقلت إليّ من والدتي (رض) بأسباب شرعية في حياتها ... فصرت أطالع بالليل كلّ شيء يقرأ فيه الجماعة الذي تقدّموني بالسنين، و انظر كلّ ما قاله مصنف عندي و أعرف ما بينهم من الخلاف على عادة المصنفين، و إذا حضرت مع التلامذة بالنهار
أعرف ما لا يعرفون و أناظرهم ... و فرغت من الجمل و العقود، و قرأت النهاية، فلما فرغت من الجزء الأول منها استظهرت على العلم بالفقه حتّى كتب شيخي محمّد بن نما خطّه لي على الجزء الأول و هو عندي الآن ...
فقرأت الجزء الثاني من النهاية أيضا و من كتاب المبسوط، و قد استغنيت عن القراءة بالكلية ... و قرأت بعد ذلك كتبا لجماعة بغير شرح، بل للرواية المرضية ... و سمعت ما يطول ذكر تفصيله» 6 .
ثمّ هاجر رضوان اللّه عليه إلى بغداد، و لم تحدد المصادر التأريخية سنة هجرته، إلّا أنّه يمكن حصر الفترة المذكورة في حدود سنة 625 ه تقريبا، لأنّ المصادر تذكر أنّه أقام في بغداد نحوا من 15 سنة، ثمّ رجع إلى الحلّة في أواخر عهد المستنصر المتوفّى سنة 640 ه 7 .
و في خلال تلك الفترة التي قضاها السيّد في بغداد كان يتمتع بمكانة مرموقة يشار لها بالبنان، سواء على صعيد علاقاته بالمجتمع العلمي المتمثل حينذاك بعلماء النظامية و المستنصرية و مناظراته معهم، أو على مستوى صلاته بالنظام القائم على الرغم من عدم انشغاله بالشأن السياسي في تلك الفترة 8 .
«و كان له مع الخليفة المستنصر من متانة الصلة و قوة العلاقة ما يعتبر في طليعة ما حفل به تأريخه في بغداد، و كان من أول مظاهرها إنعام الخليفة عليه بدار سكناه، ثمّ أصبحت لرضيّ الدين من الدالّة ما يسمح له بالسعي لدى المستنصر في تعيين الرواتب للمحتاجين 9 ، و ما يدفع المستنصر إلى مفاتحته
في تسليم الوزارة له، و لعلّ حبّ المستنصر- كأبيه- للعلويين و عطفه عليهم و اهتمامه بشئونهم هو السبب في هذه العلاقة الأكيدة القوية، و في تدعيمها و استمرارها طوال تلك السنين» 10 .
و يذكر السيّد ابن طاوس في مؤلّفاته محاولات الخليفة المستنصر لإقناعه بقبول منصب الافتاء تارة 11 ، و نقابة الطالبيين تارة أخرى 12 ، حتى وصل الأمر بأن عرض عليه الوزارة، فرفضها، مبررا ذلك بقوله للمستنصر:
«إن كان المراد بوزراتي علي عادة الوزراء يمشّون أمورهم بكل مذهب و كل سبب، سواء كان ذلك موافقا لرضا اللّه جلّ جلاله و رضا سيد الأنبياء و المرسلين أو مخالفا لهما في الآراء، فإنّك من أدخلته في الوزارة بهذه القاعدة قام بما جرت عليه العوائد الفاسدة، و إن أردت العمل في ذلك بكتاب اللّه جلّ جلاله و سنة رسوله (صلّى اللّه عليه و آله) فهذا أمر لا يحتمله من في دارك و لا مماليكك و لا خدمك و لا حشمك و لا ملوك الأطراف، و يقال لك إذا سلكت سبيل العدل و الإنصاف و الزهد: إنّ هذا عليّ بن طاوس علوي حسني ما أراد بهذه الأمور إلّا أن يعرف أهل الدهور أنّ الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه القاعدة من السيرة، و أنّ في ذلك ردا على الخلفاء من سلفك و طعنا عليهم» 13 .