کتابخانه روایات شیعه
يضيعه في تحصيل مدح العباد له و ثنائهم عليه و وزن حركاته و سكناته بحسب رضاهم فيما يقربه إليهم أو يقربهم إليه مع ما كلف العبد من دوام مراقبة مالك الأولين و الآخرين المطلع على أسرار العالمين و مع ما كلف في سائر الحركات و السكنات من العمل بمراسم و آداب سيد المرسلين.
وَ مِمَّا رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادِنَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيَّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ الْكَبِيرِ مِنْ كِتَابِ الْكُلَيْنِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنْ قَدَرْتَ أَلَا تُعْرَفَ فَافْعَلْ وَ مَا عَلَيْكَ أَلَّا يُثْنِيَ عَلَيْكَ النَّاسُ وَ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَذْمُوماً عِنْدَ النَّاسِ إِذَا كُنْتَ مَحْمُوداً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ 791 .
أقول و مثال ذلك أن الإنسان لو كان في حبس سلطان و قد رتب السلطان عليه في الحبس شخصين و هما معه موكلان ينقلان حركاته و سكناته إليه و ما قنع بالشخصين الموكلين به حتى جعل جوارحه شهودا أيضا عليه و ما قنع السلطان أيضا بذلك حتى جعل بينه و بين قلب هذا المحبوس منظرة يطلع منها على ضمائر العبد و أسراره و قيل للمحبوس إنه إن أخفى شيئا أو أبداه في ليله أو نهاره فإن السلطان يحاسبه به و لا يلتفت إلى إعذاره فهل يقبل العقل أن هذا المحبوس إذا علم هذا كله من صعوبة حاله يترك الاشتغال بنفسه و صواب أعماله و يهتم تحصيل مدح أهل الحبس له و إقبالهم عليه أو يفكر في ذمهم و قلة ميلهم إليه. فهكذا حال العبد المكلف بل أصعب في الحياة الدنيوية فإنه المسكين في الحبس لأن الدنيا سجن أهل الإيمان و معه الملكان الحافظان الموكلان و مع ذلك له فلم يقنع له بهذه الحال حتى جعل الله جل جلاله
جوارحه شهودا عليه يوم الحساب و السؤال و ما قنع له أيضا بهذا الاستظهار عليه حتى كان الله جل جلاله عالما بسره خيره و شره و مطلعا عليه و قال له مع ذلك قولا لو فهمه و صدقه و عمل به صعب عليه الحياة فقال تعالى إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ 792 فهل ينبغي للعبد مع هذا أن يكون له اشتغال بغير مراد الله جل جلاله و غير مراد رسوله سيد المرسلين و نائبه ص دون الخلائق أجمعين
فصل
و هب أن الإنسان يقول إنه ما تميل نفسه إلى شرف هذا المقام فإن طبعه ما يميل إلا إلى مدح الأنام و الاجتهاد في السلامة من ذمهم و يهتم بذلك غاية الاهتمام و يقدم الاجتهاد في ذلك على الاجتهاد في مدح الله جل جلاله له 793 و مدح رسوله و نائبه عليهما أفضل الصلاة و السلام و لا يحزنه استحقاق ذم الله جل جلاله و ذم رسوله و خاصته كما يحزنه ذم غيرهما من أهل صداقة هذا العبد أو ذم أهل معرفته فهل يتهيأ لهذا العبد إذا خالف ما قلناه و لم يشغل بمولاه أن يحصل له رضا العباد عنه و مدحهم له و ترك مذمتهم أ ما يعلم أن هذا أمر مأيوس منه فلأي حال يضيع عمره و هو رأس مال بضاعة الدنيا و الآخرة فيما لا يصح و لا يملك أ ما سمع قول الحق و الصدق رضا العباد غاية لا تدرك 794
فصل
و سوف نذكر حكايات نعرضها على عقله و فضله و هي و إن كانت مشهورة إلا أن الإنسان يحتاج إلى أن يذكر نفسه كل وقت بما يقربها إلى صلاح فعله. قال بعض العلماء حادثوا هذه النفوس فإنها سريعة الدثور 795 و إنكم إلا تحادثوها تنزع بكم إلى شر غاية. فمن الحكايات في تعذر رضا العباد حكاية عن لقمان و ولده نذكر معناها فهو كاف في المراد
قَدْ رُوِيَ أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ قَالَ لِوَلَدِهِ فِي وَصِيَّتِهِ لَا تُعَلِّقْ قَلْبَكَ بِرِضَا النَّاسِ وَ مَدْحِهِمْ وَ ذَمِّهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ وَ لَوْ بَالَغَ الْإِنْسَانُ فِي تَحْصِيلِهِ بِغَايَةِ قُدْرَتِهِ فَقَالَ لَهُ وَلَدُهُ مَا مَعْنَاهُ أُحِبُّ أَنْ أَرَى لِذَلِكَ مَثَلًا أَوْ فِعَالًا أَوْ مَقَالًا فَقَالَ لَهُ أَخْرُجُ أَنَا وَ أَنْتَ فَخَرَجَا وَ مَعَهُمَا بَهِيمٌ فَرَكِبَهُ لُقْمَانُ وَ تَرَكَ وَلَدَهُ يَمْشِي خَلْفَهُ 796 فَاجْتَازَا 797 عَلَى قَوْمٍ فَقَالُوا هَذَا شَيْخٌ قَاسِي الْقَلْبِ قَلِيلُ الرَّحْمَةِ يَرْكَبُ هُوَ الدَّابَّةَ وَ هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذَا الصَّبِيِّ وَ يَتْرُكُ هَذَا الصَّبِيَّ يَمْشِي وَرَاءَهُ إِنَّ هَذَا بِئْسَ التَّدْبِيرُ فَقَالَ لِوَلَدِهِ سَمِعْتَ قَوْلَهُمْ وَ إِنْكَارَهُمْ لِرُكُوبِي وَ مَشْيِكَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ ارْكَبْ أَنْتَ يَا وَلَدِي حَتَّى أَمْشِيَ أَنَا فَرَكِبَ وَلَدُهُ وَ مَشَى لُقْمَانُ فَاجْتَازَا 798
عَلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا هَذَا بِئْسَ الْوَالِدُ وَ هَذَا بِئْسَ الْوَلَدُ أَمَّا أَبُوهُ فَإِنَّهُ مَا أَدَّبَ هَذَا الصَّبِيَّ حَتَّى رَكِبَ الدَّابَّةَ وَ تَرَكَ وَالِدَهُ يَمْشِي وَرَاءَهُ وَ الْوَالِدُ أَحَقُّ بِالاحْتِرَامِ وَ الرُّكُوبِ وَ أَمَّا الْوَلَدُ فَإِنَّهُ قَدْ عَقَّ وَالِدَهُ بِهَذِهِ الْحَالِ فَكِلَاهُمَا أَسَاءَ فِي الْفِعَالِ فَقَالَ لُقْمَانُ لِوَلَدِهِ سَمِعْتَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ نَرْكَبُ مَعاً الدَّابَّةَ فَرَكِبَا مَعاً فَاجْتَازَا 799 عَلَى جَمَاعَةٍ فَقَالُوا مَا فِي قَلْبِ هَذَيْنِ الرَّاكِبَيْنِ 800 رَحْمَةٌ وَ لَا عِنْدَهُمْ مِنَ اللَّهِ خَيْرٌ يَرْكَبَانِ مَعاً الدَّابَّةَ يَقْطَعَانِ ظَهْرَهَا وَ يَحْمِلَانِهَا مَا لَا تُطِيقُ لَوْ كَانَ قَدْ رَكِبَ وَاحِدٌ وَ مَشَى وَاحِدٌ كَانَ أَصْلَحَ وَ أَجْوَدَ فَقَالَ سَمِعْتَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ هَاتِ حَتَّى نَتْرُكَ الدَّابَّةَ تَمْشِي خَالِيَةً مِنْ رُكُوبِنَا فَسَاقَا الدَّابَّةَ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا وَ هُمَا يَمْشِيَانِ فَاجْتَازَا عَلَى جَمَاعَةٍ فَقَالُوا هَذَا عَجِيبٌ مِنْ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ يَتْرُكَانِ دَابَّةً فَارِغَةً تَمْشِي بِغَيْرِ رَاكِبٍ وَ يَمْشِيَانِ وَ ذَمُّوهُمَا عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَمُّوهُمَا عَلَى كُلِّ مَا كَانَ فَقَالَ لِوَلَدِهِ تَرَى فِي تَحْصِيلِ رِضَاهُمْ حِيلَةً لِمُحْتَالٍ فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ وَ اشْتَغِلْ بِرِضَا اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَفِيهِ شُغُلٌ شَاغِلٌ وَ سَعَادَةٌ وَ إِقْبَالٌ فِي الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْحِسَابِ وَ السُّؤَالِ 801 .
فصل
وَ مِنَ الْحِكَايَاتِ مَا رَأَيْنَاهُ وَ رَوَيْنَاهُ أَنَّ مُوسَى ع قَالَ يَا رَبِّ احْبِسْ عَنِّي أَلْسِنَةَ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُمْ يَذُمُّونِي وَ قَدْ آذَوْنِي 802 كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَنْهُمْ- لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى 803 قِيلَ فَأَوْحَى اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى هَذَا شَيْءٌ مَا فَعَلْتُهُ مَعَ نَفْسِي أَ فَتُرِيدُ أَنْ أَعْمَلَهُ مَعَكَ فَقَالَ قَدْ رَضِيتُ أَنْ يَكُونَ لِي أُسْوَةٌ بِكَ 804 .
فصل
وَ مِنَ الْحِكَايَاتِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مَا وَجَدْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ لِسَلْمَانَ يَا سَلْمَانُ النَّاسُ إِنْ قَارَضْتَهُمْ قَارَضُوكَ 805 وَ إِنْ تَرَكْتَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوكَ وَ إِنْ هَرَبْتَ مِنْهُمْ أَدْرَكُوكَ قَالَ فَأَصْنَعُ مَا ذَا قَالَ أَقْرِضْهُمْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ 806 807 .
فصل 808
فالسعيد من إذا ظفر بالحق عمل عليه و إن كثر المختلفون فيه و الطاعنون عليه و اشتغل بشكر الله جل جلاله على ما هداه 809 إليه فإن الله جل جلاله قد مدح قوما على هذا المقام اللازم فقال عز و جل لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ 810 و نحن قد عرفنا 811 حقيقة هذه الاستخارة على اليقين الذي لا شك فيه بسبب من الأسباب و كشف الله جل جلاله لنا بها وجوه ما يستقبل من
الصواب و ما نقدر على القيام بشكر الله جل جلاله على الإنعام بفتح هذا الباب و إنما نسأله العفو عن التقصير في حق جلاله و إفضاله اللذين لا يحصر 812 حقهما بخطاب و لا جواب و لا كتاب فمن كان شاكا فيما قلناه فلينظر بقلبه و عقله و إنصافه ما قد اشتمل كتابنا هذا عليه و يذكر أن الله تعالى مطلع عليه و يقبل ما يهديه الله جل جلاله لرسوله فيما نطق به الكتاب فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ 813 فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ 814 و هذا آخر ما أردنا ذكره في هذا الباب و الله أعلم بالصواب 815 و فرغ من كتابته يوم الأحد خامس شهر جمادى الأولى سنة ثمان و أربعين و ستمائة و صلى الله على سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين تمت
* الفهارس العامّة
1- فهرس الآيات القرآنية.
2- فهرس الأحاديث القدسية.
3- فهرس الأحاديث الشريفة.
4- فهرس الآثار.
5- فهرس الأعلام.
6- فهرس الكتب الواردة في المتن.
7- فهرس الأماكن و البقاع.
8- فهرس الفرق و الطوائف و الأمم.
9- فهرس الأبيات الشعرية.
10- فهرس الأبواب و الفصول.
11- مصادر التحقيق. 816