کتابخانه روایات شیعه
أعرف ما لا يعرفون و أناظرهم ... و فرغت من الجمل و العقود، و قرأت النهاية، فلما فرغت من الجزء الأول منها استظهرت على العلم بالفقه حتّى كتب شيخي محمّد بن نما خطّه لي على الجزء الأول و هو عندي الآن ...
فقرأت الجزء الثاني من النهاية أيضا و من كتاب المبسوط، و قد استغنيت عن القراءة بالكلية ... و قرأت بعد ذلك كتبا لجماعة بغير شرح، بل للرواية المرضية ... و سمعت ما يطول ذكر تفصيله» 6 .
ثمّ هاجر رضوان اللّه عليه إلى بغداد، و لم تحدد المصادر التأريخية سنة هجرته، إلّا أنّه يمكن حصر الفترة المذكورة في حدود سنة 625 ه تقريبا، لأنّ المصادر تذكر أنّه أقام في بغداد نحوا من 15 سنة، ثمّ رجع إلى الحلّة في أواخر عهد المستنصر المتوفّى سنة 640 ه 7 .
و في خلال تلك الفترة التي قضاها السيّد في بغداد كان يتمتع بمكانة مرموقة يشار لها بالبنان، سواء على صعيد علاقاته بالمجتمع العلمي المتمثل حينذاك بعلماء النظامية و المستنصرية و مناظراته معهم، أو على مستوى صلاته بالنظام القائم على الرغم من عدم انشغاله بالشأن السياسي في تلك الفترة 8 .
«و كان له مع الخليفة المستنصر من متانة الصلة و قوة العلاقة ما يعتبر في طليعة ما حفل به تأريخه في بغداد، و كان من أول مظاهرها إنعام الخليفة عليه بدار سكناه، ثمّ أصبحت لرضيّ الدين من الدالّة ما يسمح له بالسعي لدى المستنصر في تعيين الرواتب للمحتاجين 9 ، و ما يدفع المستنصر إلى مفاتحته
في تسليم الوزارة له، و لعلّ حبّ المستنصر- كأبيه- للعلويين و عطفه عليهم و اهتمامه بشئونهم هو السبب في هذه العلاقة الأكيدة القوية، و في تدعيمها و استمرارها طوال تلك السنين» 10 .
و يذكر السيّد ابن طاوس في مؤلّفاته محاولات الخليفة المستنصر لإقناعه بقبول منصب الافتاء تارة 11 ، و نقابة الطالبيين تارة أخرى 12 ، حتى وصل الأمر بأن عرض عليه الوزارة، فرفضها، مبررا ذلك بقوله للمستنصر:
«إن كان المراد بوزراتي علي عادة الوزراء يمشّون أمورهم بكل مذهب و كل سبب، سواء كان ذلك موافقا لرضا اللّه جلّ جلاله و رضا سيد الأنبياء و المرسلين أو مخالفا لهما في الآراء، فإنّك من أدخلته في الوزارة بهذه القاعدة قام بما جرت عليه العوائد الفاسدة، و إن أردت العمل في ذلك بكتاب اللّه جلّ جلاله و سنة رسوله (صلّى اللّه عليه و آله) فهذا أمر لا يحتمله من في دارك و لا مماليكك و لا خدمك و لا حشمك و لا ملوك الأطراف، و يقال لك إذا سلكت سبيل العدل و الإنصاف و الزهد: إنّ هذا عليّ بن طاوس علوي حسني ما أراد بهذه الأمور إلّا أن يعرف أهل الدهور أنّ الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه القاعدة من السيرة، و أنّ في ذلك ردا على الخلفاء من سلفك و طعنا عليهم» 13 .
و عاد بعد ذلك إلى الحلّة، و الظاهر أنّ عودته كانت في أواخر عهد المستنصر، فبقي هناك مدة من الزمن، ثمّ انتقل إلى النجف فبقي فيها ثلاث سنين، ثمّ انتقل إلى كربلاء، و كان ينوي الإقامة فيها ثلاث سنين، ثمّ عاد
إلى بغداد سنة 652 ه، و بقي فيها إلى حين احتلال المغول بغداد، فشارك في أهوالها، و شملته آلامها، و في ذلك يقول: «تم احتلال بغداد من قبل التتر في يوم الاثنين 18 محرم سنة 656 ه، و بتنا ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية، فسلمنا اللّه جلّ جلاله من تلك الأهوال» 14 .
و في سنة 661 ه ولي السيّد ابن طاوس نقابة الطالبيين، و جلس على مرتبة خضراء، و في ذلك يقول الشاعر عليّ بن حمزة مهنّأ:
فهذا عليّ نجل موسى بن جعفر
شبيه عليّ نجل موسى بن جعفر
فذاك بدست للإمامة أخضر
و هذا بدست للنقابة أخضر
لأنّ المأمون العباسيّ لما عهد إلى الإمام الرضا (عليه السلام) ألبسه لباس الخضرة، و أجلسه على وسادتين عظيمتين في الخضرة، و أمر الناس بلبس الخضرة 15 .
و استمرت ولاية النقابة إلى حين وفاته، و كانت مدّتها ثلاث سنين و أحد عشر شهرا 16 .
2- أسرته
آل طاوس أسرة جليلة عريقة، جمعت من الشرف و العلياء ما لا يخفى على أحد نسبا و حسبا، و قدمت للمجتمع الإسلامي الكثير من رجالات الفكر و العقيدة، و إذا ما حاولنا أن نذكر كلّ أفراد هذه الأسرة فذلك ممّا يضيق به هذا المقام، لذا عزمنا على أن نقتصر في ذكر أسرته على عائلته الشخصية المتكونة من والديه و أخوته و زوجته و أولاده.
أ- أبوه:
هو السيّد الشريف أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن الطاوس، كان من الرواة المحدثين، كتب رواياته في أوراق و أدراج، و لم يرتبها في كتاب إلى أن توفي، فجمعها ولده رضيّ الدين في أربع مجلدات، و سماه «فرحة الناظر و بهجة الخاطر ممّا رواه والدي موسى بن جعفر».
روى عنه ولده السيّد علي، و روى عن جماعة منهم: عليّ بن محمّد المدائني و الحسين بن رطبة، توفي في المائة السابعة، و دفن في الغري 17 .
ب- أمه:
أجمعت المصادر أنّ أمّ المصنّف هي بنت الشيخ ورّام بن
أبي فراس المالكي الأشتري المتوفّى سنة 605 ه، أمّا ما ذكره الشيخ يوسف البحرانيّ في لؤلؤة البحرين و تبعه في ذلك السيّد الخونساري في روضات الجنّات من أن أم أم السيّد ابن طاوس هي بنت الشيخ الطوسيّ 18 ، فباطل من وجوه، كما ذكر المحدث النوريّ 19 :
1- إن انتساب السيّد ابن طاوس إلى الشيخ الطوسيّ من جهة أبيه، كما ذكر في الإقبال، قال: فمن ذلك ما رويته عن والدي قدس اللّه روحه و نور ضريحه، فيما قرأته عليه من كتاب المقنعة بروايته عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة، عن خال والدي السعيد أبي عليّ الحسن بن محمّد عن والده محمّد بن الحسن الطوسيّ جد والدي من قبل أمه، عن الشيخ المفيد 20 .
2- إنّ وفاة الشيخ ورّام في سنة 605 ه و وفاة الشيخ الطوسيّ في سنة 460 ه، فبين الوفاتين 145 سنة، فكيف يتصور كونه صهرا للشيخ على بنته، و إن فرضت ولادة هذه البنت بعد وفاة الشيخ، مع أنّهم ذكروا أنّ الشيخ أجازها.
3- لم يذكر السيّد ابن طاوس هذا الأمر في أيّ من مؤلّفاته، مع شدة حرصه على التفصيل في مثل هذه الأمور.
4- لم يتعرض أحد من أصحاب التراجم و الإجازات لهذا الأمر، مع العلم أنّ مصاهرة الشيخ من المفاخر التي يشيرون إليها.
ج- إخوته:
1- السيّد عزّ الدين الحسن بن موسى بن طاوس، توفي في سنة 654 ه 21 .
2- السيّد شرف الدين أبو الفضائل محمّد بن موسى بن طاوس، استشهد عند احتلال التتار بغداد في سنة 656 ه 22 .
3- السيّد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن طاوس، من مشايخ العلّامة الحلّي، و ابن داود صاحب الرجال، كان عالما فاضلا، له تصانيف عديدة في علوم الرجال و الدراية و التفسير منها: «حل الإشكال» و «بشرى المحققين» و «شواهد القرآن» و «بناء المقالة الفاطمية» و غيرها من الآثار المهمة، قال عنه ابن داود في كتابه الرجال: «رباني و علمني و أحسن إليّ»، توفي بعد أخيه السيّد رضيّ الدين علي بتسع سنين أي في سنة 673 ه 23 .
د- زوجته:
هي زهراء خاتون بنت الوزير ناصر بن مهدي، تزوجها بعد هجرته إلى مشهد الإمام الكاظم (عليه السلام)، و الذي أوجب فيما بعد طول استيطانه في بغداد 24 .
ه- أولاده:
1- النقيب جلال الدين محمّد بن عليّ بن طاوس، ولد في يوم الثلاثاء المصادف 9 محرم سنة 643 ه في مدينة الحلّة، و قد كتب والده
«كشف المحجة» وصية إليه و هو صغير في سنة 649 ه، و قد تولى النقابة بعد وفاة والده سنة 664 ه، و بقي نقيبا إلى أن توفي في سنة 680 ه 25 .
2- النقيب رضيّ الدين عليّ بن علي بن طاوس، سمي والده، ولد في يوم الجمعة 8 محرم سنة 647 ه في النجف الأشرف، يروي عن والده، و له كتاب «زوائد الفوائد»، و الظاهر أنّه كان نسابة مشهورا، ولي النقابة بعد وفاة أخيه محمّد في سنة 680 ه، و توفي بعد سنة 704 ه.
و من الجدير بالذكر أنّ سيدنا المذكور كان مورد شبهة لكثير من الباحثين و المحققين لتشابه اسمه و اسم والده.
فمن ذلك ما وقع فيه الدكتور مصطفى جواد في تحقيقه لكتاب «تلخيص مجمع الآداب» لابن الفوطي، حيث ورد في ترجمة عفيف الدين أبي علي فرج بن حزقيل بن الفرج الاسرائيلي اليعقوبي الشاعر «أنه كان يتردد إلى حضرة النقيب الطاهر رضيّ الدين أبي القاسم عليّ بن علي بن طاوس الحسني و يسأله عن أشياء تتعلق بالأصول ...» 26 فخلط الدكتور مصطفى جواد بينه و بين أبيه إذ راح يترجم لوالده على أنّه المقصود في المتن، قائلا:
«المعروف في تسميته أنّه رضيّ الدين عليّ بن سعد الدين أبي إبراهيم موسى النقيب العلّامة الحلي المتوفّى سنة 664 ه ...» 27 و ساق ترجمة مفصلة.