کتابخانه روایات شیعه
عليه فلا يكون الله جل جلاله دون عبده من ملوك الدنيا المشار إليه. و من آداب المستخير أنه إذا خرجت الاستخارة مخالفة لمراد المستخير و لهواه فإنه لا يقابل مشورة الله جل جلاله بالكراهة و مخالفة رضاه بل يقابل ذلك بالشكر لله جل جلاله كيف جعله أهلا أن يستشيره و جعله أهلا أن يجيبه في الحال بمصلحة دنياه و أخراه ما كان العبد يحسن أن يتمناه. و للاستخارة آداب غير ما ذكرناه و قد رأينا الاقتصار على ما أوضحناه فربما ترك العبد شيئا من هذه الآداب أو غيرها مما يكون شرطا في مراقبة مالك الأسباب فما يؤمنه من إعراض الله جل جلاله عنه و يكون الذنب للعبد حيث أغضب الله جل جلاله عليه بما وقع من سوء الأدب منه.
الفريق العاشر ممن يتوقف عن الاستخارة أو ينكرها قوم من عوام العباد ما في قلوبهم يقين و لا قوة معرفة و لا وثوق بسلطان المعاد
لأنهم ما تسكن نفوسهم إلا إلى مشاورة من يشاهدونه و يأنسون به و يعرفونه من الأنام و الله جل جلاله ما تصح عليه المشاهدة و ليس لهم أنس 783 قوة المعرفة له و لا لذة الوثوق به و لا يعرفون للمشاورة له فائدة عندهم من قصور الأفهام.
و من يك ذا فم مر مريض
يجد مرا به الماء الزلالا .
و هؤلاء من قبيل الذين ذكرهم
مَوْلَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي بَعْضِ خُطَبِهِ الرَّائِقَةِ هَمَجٌ رَعَاعٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ وَ نَاعِقَةٍ 784 .
الفريق الحادي عشر قوم يسمعون أن بعض أهل الاستخارات يستخير في قصد مشاهد لزيارات
أو في بعض المندوبات أو بعض المواصلة 785 بالصدقات فيسبق إلى خواطرهم أن المستخير في هذه الأسباب يستخير الله جل جلاله ليستعلم منه سبحانه هل هذه مندوبات و آداب أم لا فيقولون هذه قد وردت في الأخبار بأنها مندوبات و أنها قربات و طاعات فكيف يحتاج الإنسان أن يستخير الله جل جلاله و يستعلم منه ما قد ورد في الروايات و لو كانوا قد عرفوا أن المستخير في هذه الأحوال أعرف منهم بما ورد في تلك القربات من الأخبار و الحث على حث صواب الأعمال و أنه ما يستخير فيما سبقت خواطرهم إليه كانوا عسى قد عرفوا بعض أنعام الله جل جلاله بالاستخارة عليهم و عليه. إنما على العبد الذي يستخير في ذلك خدمة الله جل جلاله و طاعات إن أقام عند العيال و مهمات و عليه خدمة بالسفر إلى الزيارات و لا يمكن الجمع بين ما هو مكلف به في الحضر و السفر في وقت واحد فيحتاج أن يعرف مشاورة الله أيهما يقدم الآن و أيهما يترك و هذا واضح للأعيان و لأن العبد ما يدري هل 786 إذا توجه إلى السفر يكون متمكنا من التفرغ بالعافية و إخلاص النيات و زوال الحوائل و الحادثات و إذا أقام عند عياله يكون 787 أبلغ في التفرغ و السلامة من المكروهات كما قدمناه و لا يعلم أيضا ما يلقاه في طريق الأسفار من الأكدار و لا ما يلقاه إن أقام في الدار من الأخطار فيحتاج أن يستعلم بالاستخارة عاقبة ما يستقبله من الأوقات و هذا لا يعلمه إلا من عالم الخفيات و قد قدمنا ما أردنا ذكره فيما مضى من
الأبواب من صواب الاستخارة في المندوبات و الآداب مما فيه بلاغ لذوي الألباب
الباب الرابع و العشرون فيما أذكره من أن الاعتبار في صواب العبد في الأعمال و الأقوال على ما وهب الله جل جلاله من العقل في المعقول و على ما نبه ص في المنقول 788 دون من خالف في ذلك على كل حال
اعلم أنني وجدت التكاليف المرادة من العباد جملتها إما عقلية و إما نقلية فأما العقلية فإنني ما وجدت العقلاء كلهم اتفقوا أبدا لا على البديهية و لا على الضرورية فكيف ما دونها من الأمور العقلية بل خالف في ذلك قوم يقال لهم السوفسطائية و اللاأدرية و غيرهم من المذاهب الردية بل وجدت الذين سلموا من جحود تلك المعقولات قد أطبق منهم الخلق الكثير و الجم الغفير على أنهم لا يعرفون أن الفعل الصادر عنهم أنه واقع منهم و قالوا هو من الله جل جلاله و زعموا أن هذا معلوم عندهم على اليقين و أن من قال غير ذلك فهو من المكابرين.
ثم رأيت و عرفت خلقا كثيرا و جما غفيرا زعموا أن أعقل العباد و أفضل أهل الإصدار و الإيراد و هو محمد رسول سلطان المعاد ص كان أعظم الناس على أمته شفقة و عرفهم 789 أنهم يفترقون بعده ثلاثا و سبعين فرقة متمزقة 790 و يهلك منهم اثنتان و سبعون فرقة و لا ينجو منهم إلا فرقة واحدة محقة و مع هذا فذكروا أن عقولهم قد قبلت أنه ما عين لهم عليا وصيا يرجعون إليه بعد وفاته و عند اختلافهم و افتراقهم الذي قد علم به في حياته و لا قال لهم اختاروا أنتم من تريدون و أنه تركهم يختلفون و يقتل بعضهم بعضا على شبهات الاختلاف و التأويلات و كلهم يقولون إنه لو عين لهم عليا وصيا بعده أو قال لهم اختاروا ما كانوا خالفوا قوله و لا افترقوا و لا حصلوا في الهلكات فلا مثل قولهم و هو الحق إنه أعظم الأنبياء عليهم شفقة صلوات الله عليه و عليهم أجمعين و لا مثل قولهم إنه لو أوصى إلى وصي أو قال اختاروا أنتم ما كانوا مختلفين و لا مثل قولهم الذي ما تقبله العقول إنه أهملهم و لم يعين لهم على من يقوم مقامه و تركهم هالكين فهل بقي للعاقل عيارا و اعتبارا بعقول هذا القبيل و هم أكثر الخلائق أو أن يقال له فلان أو فلان مخالف لك في المعقول أو موافق و إنما بقي الاعتبار و العيار في المعقولات على ما وهب الله جل جلاله للعبد المكلف من العقل فهو الحجة عليه و له فيما طريقة العقل و لو خالفه في ذلك من عدا المعصومين من أهل المقالات. و أما التكاليف النقلية فوجدت العقل قد دل على أن المرجع فيها إلى الرسول ص و إلى من يجري مجراه في عصمته و كماله و إن خالف في ذلك من عداهما من كل عبد موجود أو مفقود فهل ترى للكثرة أثرا من المادحين أو اللائمين إذا كانوا غير محقين و هل للعبد تفرغ وقت
يضيعه في تحصيل مدح العباد له و ثنائهم عليه و وزن حركاته و سكناته بحسب رضاهم فيما يقربه إليهم أو يقربهم إليه مع ما كلف العبد من دوام مراقبة مالك الأولين و الآخرين المطلع على أسرار العالمين و مع ما كلف في سائر الحركات و السكنات من العمل بمراسم و آداب سيد المرسلين.
وَ مِمَّا رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادِنَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيَّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ الْكَبِيرِ مِنْ كِتَابِ الْكُلَيْنِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنْ قَدَرْتَ أَلَا تُعْرَفَ فَافْعَلْ وَ مَا عَلَيْكَ أَلَّا يُثْنِيَ عَلَيْكَ النَّاسُ وَ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَذْمُوماً عِنْدَ النَّاسِ إِذَا كُنْتَ مَحْمُوداً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ 791 .
أقول و مثال ذلك أن الإنسان لو كان في حبس سلطان و قد رتب السلطان عليه في الحبس شخصين و هما معه موكلان ينقلان حركاته و سكناته إليه و ما قنع بالشخصين الموكلين به حتى جعل جوارحه شهودا أيضا عليه و ما قنع السلطان أيضا بذلك حتى جعل بينه و بين قلب هذا المحبوس منظرة يطلع منها على ضمائر العبد و أسراره و قيل للمحبوس إنه إن أخفى شيئا أو أبداه في ليله أو نهاره فإن السلطان يحاسبه به و لا يلتفت إلى إعذاره فهل يقبل العقل أن هذا المحبوس إذا علم هذا كله من صعوبة حاله يترك الاشتغال بنفسه و صواب أعماله و يهتم تحصيل مدح أهل الحبس له و إقبالهم عليه أو يفكر في ذمهم و قلة ميلهم إليه. فهكذا حال العبد المكلف بل أصعب في الحياة الدنيوية فإنه المسكين في الحبس لأن الدنيا سجن أهل الإيمان و معه الملكان الحافظان الموكلان و مع ذلك له فلم يقنع له بهذه الحال حتى جعل الله جل جلاله
جوارحه شهودا عليه يوم الحساب و السؤال و ما قنع له أيضا بهذا الاستظهار عليه حتى كان الله جل جلاله عالما بسره خيره و شره و مطلعا عليه و قال له مع ذلك قولا لو فهمه و صدقه و عمل به صعب عليه الحياة فقال تعالى إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ 792 فهل ينبغي للعبد مع هذا أن يكون له اشتغال بغير مراد الله جل جلاله و غير مراد رسوله سيد المرسلين و نائبه ص دون الخلائق أجمعين
فصل