کتابخانه روایات شیعه
التجارة و لا السفر أنه يتقرب بذلك إلى الله جل جلاله و لا لامتثال أمره سبحانه بل لمجرد ميل الطباع إلى الغنى و لأجل أنه يأنف 764 أن يراه الناس فقيرا أو يرى أحد عياله محتاجين أو ليكون معظما محترما بكثرة المال و أمثال هذه الخواطر و الأحوال التي تقع من المستخيرين و هم غافلون عن الخدمة بهذه الحركات لسلطان العالمين فالعقل و النقل يقتضيان أن هذا لا يستخار الله جل جلاله فيه و أن المستخير في ذلك على هذه الوجوه بعيد من الله جل جلاله و من مراضيه و لعلك تجد أكثر الاستخارات المعكوسة من هذا القبيل و قد عرفك الله جل جلاله هذه الجملة و هو جل جلاله أهل أن يهديك إلى التفصيل.
الفريق السادس من الذين أنكروا الاستخارة قوم زادوا على ما قدمناه من الاستخارة فيما يشغل عن الله جل جلاله
و فيما لا يتقربون به إلى الله جل جلاله و استخاروا في معصية الله تعالى و هم يعتقدون أنها ليست معاصي و مثال هؤلاء أن يستخيروا في معونة ظالم بوكالة عنه و تكون تلك الوكالة معونة له على ظلمه أو تجارة لظالم و تكون تلك التجارة معونة له على ظلمه أو في خدمة للظالم و تكون تلك الخدمة معونة له على ظلمه أو دخول على الظالم و هو يعلم من نفسه أنه ما يقوم لله جل جلاله و لرسوله ص بما يقدر عليه من إنكار ما يجده عند ذلك الظالم من منكر أو لا يوافق الله جل جلاله و رسوله ص في كراهة تلك المنكرات بقلبه إذا أقبل الظالم عليه و أدنى مجلسه و قضى حاجته. و مثال ذلك أن يستخير الله جل جلاله في أن يتوكل لغير الظالم أو يخدمه بنية أنه يغشه أو يخونه أو يمكر به أو يغش أحدا لا يجوز غشه أو
يخونه أو يمكر به لموكله أو لمن يخدمه. و مثال آخر أن يستخير كما قدمته في زرع يعلم من نفسه أنه يؤثر فيه بقلبه ظلم الوالي الأكرة 765 في حفر نهر أو بيته يبق عن زرعه 766 بغير وجه مشروع أو يوكل على الأكرة غلاما يعلم أنه يظلمهم و هو يستخير في الزرع على هذه الوجوه و أمثالها التي لا يحل معها الزرع فكيف يجد الاستخارة فيه. فلعلك تجد من يستخير في مثل هذه المعاصي 767 و يغفل عن كونها معصية و إذا انعكس عليه أمره في الاستخارة في ذلك نسب العكس إلى الاستخارة و إنما العكس كان منه بطريقة 768 و سوء توفيقه.
الفريق السابع من الذين ينكرون الاستخارة لأجل ما رأوا فيها من إكدار و انعكاس
و لعل سبب إكدارها و انعكاسها عليهم أنهم ما عملوا شروط إجابة دعاء الاستخارات و لا تركوا الشروط المانعة من إجابة الدعوات كما رويناه بإسنادنا في كتابنا التتمات من تقدم المدحة لله جل جلاله في الدعاء. و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا إِلَى مَوْلَانَا عَلِيٍّ ع أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْمَسِيحِ ع قُلْ لِلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَدْخُلُوا بَيْتاً مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ وَ أَبْصَارٍ خَاشِعَةٍ وَ أَكُفٍّ نَقِيَّةٍ وَ قُلْ
لَهُمْ إِنِّي غَيْرُ مُسْتَجِيبٍ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ دَعْوَةً وَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي قِبَلَهُ مَظْلِمَةٌ 769 .
و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا هُنَاكَ إِلَى الصَّادِقِ ع قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ ع قُلْ لِلْجَبَّارِينَ لَا يَذْكُرُونِي فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُنِي عَبْدٌ إِلَّا ذَكَرْتُهُ وَ إِنْ ذَكَرُونِي ذَكَرْتُهُمْ فَلَعَنْتُهُمْ 770 .
و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا هُنَاكَ أَيْضاً عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ غُلَاماً يَدْعُو ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمَّا رَأَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُجِيبُهُ قَالَ يَا رَبِّ أَ بَعِيدٌ أَنَا مِنْكَ فَلَا تَسْمَعُنِي أَمْ قَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي فَلَا تُجِيبُنِي قَالَ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ تَدْعُو مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ بِلِسَانٍ بَذِيٍ 771 وَ قَلْبٍ عَاتٍ غَيْرِ نَقِيٍّ وَ نِيَّةٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ فَاقْلَعْ عَنْ ذَلِكَ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ قَلْبُكَ وَ لْتَحْسُنْ نِيَّتُكَ قَالَ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ 772 .
و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا إِلَى الصَّادِقِ ع قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَا أُجِيبُ دَعْوَةَ مَظْلُومٍ فِي مَظْلِمَةٍ ظُلِمَهَا وَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْمَظْلِمَةِ 773 .
وَ كَمَا رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلصَّادِقِ ع إِنَّنَا
نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا فَقَالَ إِنَّكُمْ تَدْعُونَ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ 774 .
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَعْنَاهُ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ الْعَبْدَ يَدْعُو وَ هُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَاللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ يُطَالِبُهُ بِالتَّوْبَةِ وَ الْعَبْدُ يُطَالِبُهُ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ فَإِذَا رَدَّهُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عَنِ الْإِجَابَةِ فِي جَوَابِ رَدِّهِ عَنِ الْإِجَابَةِ إِلَى التَّوْبَةِ فَقَدْ رَحِمَهُ وَ عَفَا عَنْهُ.
أقول فإذا استخار العبد الله جل جلاله و هو على صفات أو صفة تمنع من إجابة الدعاء فإذا لم تنعكس استخارته يكون ذلك من باب الفضل الذي لا يستحقه العبد و لله جل جلاله أن يفعله و أن لا يفعله فإذا انعكست الاستخارة كان ذلك من باب العدل الذي لله جل جلاله أن يفعله و أن لا يفعله 775 مع عبده فربما تنعكس في مثل هذه الأسباب استخارات و يكون عكسها من باب العدل فيعتقد العبد أن ذلك لضعف الروايات.
الفريق الثامن من الذين تركوا الاستخارة و توقفوا عنها حيث لم يظفروا بالمراد منها
و هم قوم كانوا يستخيرون الله جل جلاله مثلا استخارة صحيحة و لكن ما كانوا يتحفظون بعد الاستخارة من المعاصي الظاهرة و الباطنة إما جهلا بالمعاصي مما لا يعذرون 776 بجهله أو عمدا لاعتقادهم أن ذلك ما يبطل 777 الاستخارات و لا يحول بينهم و بين ما استخاروا فيه فيقع منهم بعد الاستخارة من المعاصي لله جل جلاله ما يقتضي عكس الاستخارة بعد أن كان الله جل جلاله قد أذن في قضاء حاجتهم.
كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا فِي كِتَابِ التَّتِمَّاتِ 778 عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الْحَاجَةَ مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ قَضَاؤُهَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ وَ وَقْتٍ بَطِيءٍ قَالَ فَيُذْنِبُ الْعَبْدُ عِنْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ ذَنْباً فَيَقُولُ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِحَاجَتِهِ لَا تُنْجِزْ لَهُ حَاجَتَهُ وَ احْرِمْهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَ اسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ مِنِّي 779 .
الفريق التاسع من الذين توقفوا عن الاستخارة و أنكروا العمل بها
و هم قوم ما كانوا يعرفون كيف يستخيرون زيادة على ما قدمناه فوجدوا الاستخارات كما لا يريدون فاعتقدوا أن ذلك لبطلان الرواية بالاستخارة الربانية و إنما كان لعدم معرفتهم بشروطها المرضية و ذلك أن أقل مراتب المستخير أن يسلم إلى الله تعالى طرفي التدبير نعم و لا و هو ربما يستخير و أحد الطرفين في يد هواه لا يتركه و لا يسلمه إلى مولاه. و من آداب المستخير أن تكون صلاته للاستخارة صلاة مضطر إلى معرفة مصلحته التي لا يعلمها إلا 780 علام الغيوب فيتأدب في صلاته كما يتأدب السائل المسكين المضطر إلى نجاح المطلوب. و من آداب المستخير أن يكون عند سجوده للاستخارة و قوله أستخير الله برحمته خيرة في عافية بقلب مقبل على الله جل جلاله و نية حاضرة صافية فإنه يعلم أنه ما كان يبلغ أمله إلى 781 أن يشاور الله في كل ما
يمكن مشاورته فيه و لعله في وقت مشاورته فيه على خلاف مراضيه فلا أقل من أن يكون قلبه مقبلا عليه كما لو شاور و استشار بعض ملوك الدنيا إذا احتاج إليه و قدر أن يقف بين يديه. و من آداب المستخير أنه إذا عرف من نفسه وقت سجوده للاستخارات أنها قد غفلت عن ذكر أنها بين يدي عالم الخفيات أن يستغفر و يتوب في الحال من ذلك الإهمال لأنه إذا غفل عن الله جل جلاله و هو يستشيره في أمره كان كمن حضر بين يدي مولاه ثم جعل يحدثه و يشاوره و قد جعل سيده وراء ظهره. و من آداب المستخير أنه إذا رفع رأسه من سجدة الاستخارات أنه يقبل بقلبه على الله جل جلاله بصدق النيات و يتذكر أنه يأخذ رقاع الاستخارة من لسان حال الجلالة الإلهية و أبواب الإشارة الربانية فإن الرقاع تضمنت أنها خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان افعل أ فلا ترى أن رقاع الاستخارة مكتوبات من الله جل جلاله أعظم مالك و أحقه بالمراقبات إلى عبده المضطر إليه في سائر الأوقات فلا أقل أن يكون امتداد يده لأخذ رقاع الاستخارات بتأدب و ذل و إقبال السرائر كما لو أخذها من سلطان في الدنيا قاهر فما يعلم أنه يأخذها ممن كتبها إليه و هو مالك الأوائل و الأواخر. و من آداب المستخير أنه لا يتكلم بين أخذ رقاع الاستخارة مع غير الله جل جلاله كما تقدم روايتنا له عن مولانا الجواد ص 782 فإن العبد لو كان يشاور ملكا من ملوك الدنيا ما قطع مشاورته له و حادث غيره ممن هو دونه بل كان يقبل بقلبه و قالبه و جنانه و لسانه مدة وقت المشاورة
عليه فلا يكون الله جل جلاله دون عبده من ملوك الدنيا المشار إليه. و من آداب المستخير أنه إذا خرجت الاستخارة مخالفة لمراد المستخير و لهواه فإنه لا يقابل مشورة الله جل جلاله بالكراهة و مخالفة رضاه بل يقابل ذلك بالشكر لله جل جلاله كيف جعله أهلا أن يستشيره و جعله أهلا أن يجيبه في الحال بمصلحة دنياه و أخراه ما كان العبد يحسن أن يتمناه. و للاستخارة آداب غير ما ذكرناه و قد رأينا الاقتصار على ما أوضحناه فربما ترك العبد شيئا من هذه الآداب أو غيرها مما يكون شرطا في مراقبة مالك الأسباب فما يؤمنه من إعراض الله جل جلاله عنه و يكون الذنب للعبد حيث أغضب الله جل جلاله عليه بما وقع من سوء الأدب منه.
الفريق العاشر ممن يتوقف عن الاستخارة أو ينكرها قوم من عوام العباد ما في قلوبهم يقين و لا قوة معرفة و لا وثوق بسلطان المعاد
لأنهم ما تسكن نفوسهم إلا إلى مشاورة من يشاهدونه و يأنسون به و يعرفونه من الأنام و الله جل جلاله ما تصح عليه المشاهدة و ليس لهم أنس 783 قوة المعرفة له و لا لذة الوثوق به و لا يعرفون للمشاورة له فائدة عندهم من قصور الأفهام.
و من يك ذا فم مر مريض
يجد مرا به الماء الزلالا .
و هؤلاء من قبيل الذين ذكرهم