کتابخانه روایات شیعه
الباب الأول في بعض ما هداني الله جل جلاله إليه من المعقول المقوي لما رويته في الاستخارة من المنقول
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس أيده الله تعالى اعلم أنني وجدت تدبير الله جل جلاله لمصالح عباده ما ليس هو على مرادهم بل هو على مراده و ما ليس هو على الأسباب الظاهرة لهم في المكروه و المأمول بل هو لما يعلمه الله 192 جل جلاله من مصالحهم التي لا يعلمونها أو أكثرها إلا من جانبه جل جلاله و من جانب الرسول ص و لو كان العقل كافيا في الاهتداء إلى تفضيل مصالحهم لما 193 وجبت بعثة الأنبياء حتى أن في تدبير الله جل جلاله في مصالح الأنام ما يكاد ينفر منه كثير من أهل الإسلام. فلما رأيت تدبيري ما هو على مرادي و لا على الأسباب الظاهرة في معرفتي و اجتهادي و عرفت أنني لا أعرف جميع مصلحتي بعقلي و فطنتي-
فاحتجت لتحصيل 194 سعادتي في دنياي و آخرتي إلى معرفة ذلك ممن يعلمه جل جلاله و هو علام الغيوب و تيقنت أن تدبيره لي خير من تدبيري لنفسي و هذا واضح عند أهل العقول و القلوب و رأيت مشاورته جل جلاله بالاستخارة بابا من أبواب إشاراته الشريفة و من جملة تدابيره لي بألطافه اللطيفة فاعتمدت عليها و التجأت إليها. شعر
لو أن لي بدلا لم أبتدل بهم
فكيف ذاك و ما لي عنهم بدل
و كم تعرض لي الأقوام غيرهم
يستأذنون على قلبي فما وصلوا
الباب الثاني في بعض ما عرفته من صريح القرآن هاديا إلى مشاورة الله جل جلاله و حجة على الإنسان
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاوس أيده الله تعالى اعلم أنني وجدت الله جل جلاله يقول عن الملائكة الذين اختياراتهم و تدبيراتهم من أفضل الاختيارات و التدبيرات لأنهم في مقام المكاشفة بالآيات و الهدايات إنهم عارضوه جل جلاله لما قال لهم- إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ 195 فقال جل جلاله لهم إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ 196 فعرفهم بذلك أن علومهم و أفهامهم قاصرة عن أسراره في التدبير المستقيم حتى اعترفوا في موضع آخر ف قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 197 . فلما رأيت الملائكة عاجزين و قاصرين عن معرفة تدبيره علمت أنني
أعظم عجزا و قصورا فالتجأت إليه جل جلاله في معرفة ما لا أعرفه إلا من مشاورته جل جلاله في قليل أمري و كثيره
فصل
ثم وجدت الأنبياء الذين هم أكمل بني آدم ع قد استدرك الله عليهم في تدبيراتهم عند مقامات فجرى لآدم ع في تدبيره في أكل ثمرة الشجرة ما قد تضمنه صريح الآيات و جرى لنوح ع في قوله- إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ 198 مما لا يخفى عمن عرفه من أهل الصدق و جرى لداود ع في بعض المحاكمات ما قد تضمنه الكتاب حتى قال الله جل جلاله وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ 199 و جرى لموسى ع لما اختار سبعين رجلا من قومه للميقات ما قد تضمنه صريح الآيات 200 . فلما رأيت الأنبياء الذين هم أكمل العباد في الإصدار و الإيراد قد احتاجوا إلى استدراك عليهم في بعض المراد علمت أنني أشد حاجة و ضرورة إلى معرفة إرشادي فيما لا أعرفه من مرادي إلا بمشاورته سبحانه و إشارته فالتجأت إلى تعريف ذلك بالاستخارة من أبواب رحمته
فصل
ثم وجدت صريح القرآن قد تضمن عموما عن بني آدم بواضح البيان-
فقال وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ 201 و قال جل جلاله لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ 202 و قال جل جلاله وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ 203 و هذا تصريح عظيم بالشهادة من الله جل جلاله بقصور بني آدم الذين تضمنهم محكم هذا القرآن و عزلهم عن الخيرة و أن له جل جلاله الأمر من قبل و من بعد و أن الحق لو اتبع أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن و أن أهواءهم كانت تبلغ بهم 204 من الفساد إلى هذا الحد. فلما علمت ذلك و صدقت قائله جل جلاله على اليقين هربت من اختياري لنفسي إلى اختياره لي باتباع مشورته و رأيته قد عزلني عن الأمر 205 فعدلت عن أمري لنفسي و عولت على أمره جل جلاله و شريف إشارته و صدقته جل جلاله في أنه لو اتبع الحق هواي فسد حالي و رأيي فاعتمدت على مشورة الحق و عدلت عن اتباع أهوائي و هذا واضح عند من أنصف من نفسه و عرف إشراق شمسه 206
الباب الثالث في بعض ما وجدته من طريق الاعتبار كاشفا لقوة العمل في الاستخارة بما ورد في الأخبار
اعلم أنني وجدت الموصوفين بالعقل و الكمال يوكل أحدهم وكيلا يكون عنده أمينا في ظاهر الحال و لا يطلع على سريرته فيسكن إلى وكيله في تدبيره و مشورته و يشكره من عرف صلاح ذلك الوكيل و يحمدونه على التفويض إلى وكيله فيما يعرفه من كثير و قليل و ما رأيت أن مسلما يجوز أن يعتقد أن الله جل جلاله في التفويض إليه و التوكل عليه بالاستخارات و المشورات و العمل بأمره المقدس دون وكيل غير معصوم في الحركات و السكنات
فصل