کتابخانه روایات شیعه
فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته و لا يعرج عليه. ثم قال ما معناه فإن لفظه فيه طول لا حاجة إلى إيراده أن أصحابنا يذكرون في كتب الفقه ما اختاره هو رحمه الله من الاستخارة و لا يذكرون البنادق و الرقاع و القرعة إلا في كتب العبادات 755 . يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاوس قوله رحمه الله و الأولى ما ذكرناه كاشف عن أنه ما أنكر العمل في الاستخارة بالرقاع و إنما ذكر أن الأولى ما اختاره هو رحمه الله و ارتضاه و قد ذكرنا في باب ترجيح العمل بالرقاع الست 756 ما فيه بلاغ لمن عرف معناه فانظر في المواضع الذي ذكرناه و أما قوله رحمه الله فأما الرقاع و البنادق و القرعة فمن أضعف أخبار الآحاد و شواذ الأخبار لأن رواتها فطحية ملعونون مثل زرعة و سماعة و غيرهما فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته و لا يعرج عليه فإذا كان إنما كانت أخبار الاستخارة بالرقاع عنده رحمه الله شاذة لأجل أن 757 رواتها فطحية مثل زرعة و سماعة فما روينا فيما ذكرناه عن زرعة و سماعة شيئا أبدا بل ما ذكرنا رواية مسندة إلا عن من يصح العمل بما رواه فقد زالت العلة التي لأجلها كانت عنده الأخبار شاذة و ضعيفة و ما روينا أخبار استخارة الرقاع إلا عن من اعتمد عليهم ثقات أصحابنا العارفين بالأخبار و قد أوضحنا
ذلك لأهل 758 الاعتبار و ليس كل أخبار الفطحية و فرق الشيعة باطلة بالكلية بل فيهم من يعرف منه الثقة في الروايات و قد اعتمد شيوخ أصحابنا على رواية جماعة منهم في كثير من الأحكام الواجبات و المندوبات و هذا واضح بين أهل المعارف فلا يحتاج إلى زيادة قول كاشف. و أما قوله رحمه الله إن أصحابنا ما ذكروا الاستخارة بالرقاع و البنادق و القرعة في كتب الفقه بل في كتب العبادات فلعل هذا يكون سهوا من الناسخين لكتابه أو يكون له عذر لا أعرفه و إلا فكتب الفقه متضمنة للقرعة و أنها في كل أمر مشكل و الاستخارة بها إنما كانت لأن المستخير بها كان وجه الصواب عنده مشكلا مجهولا و ما احتاج مع أهل العلم إلى ذكر القرعة في كتب الفقه إلى أن أحكي هاهنا ما وجدته مسطورا أو منقولا. و أما الاستخارة بالرقاع فيكفي ذكرها في كتاب الكليني و كتاب تهذيب الأحكام و هما من أعظم كتب الفقه كما قدمناه و قد ذكرنا ذلك و أوضحناه فيما ذكرناه و رويناه. و أما قوله بل في كتب العبادات فهذا لعله يكون له فيه عذر غير ظاهر لأن الفقه إنما كان له حكم في الشرائع و الديانات لأنه من جملة العبادات و لو لا ذلك كان عبثا أو ساقط الروايات 759 فالفقه من جملة العبادات و لعله أراد أن العرف يقتضي أن الفقه عبارة عن ذكر مسائل الفقه خالية من الأسانيد و من العمل بالعبادات أو لعله أراد بذكر كتب العبادات أي في كتب العمل فتكون الثانية قد ذكر عوض لفظ العمل العبادات. و على كل حال سواء كان ذكرها في كتب العبادات أو كتب
العمل و الطاعات فإن المصنف إذا كانت كتبه على سبيل الرواية احتمل أن يقال عنه إنه ما قصد بذلك الفتوى و لا الدراية 760 و أما إذا كان تصنيفه في العبادات و العمل و للطاعات فقد ضمن على نفسه أن الذي يذكره في ذلك من جملة الأحكام الشرعية و إلا كان قد دعا الناس إلى العمل بالبدع و مخالفة المراسم الإلهية و الشرائع النبوية فصار على هذا كتب العبادات و كتب العمل و الطاعات أظهر في الاحتجاج بما تتضمنه من كتب الفقه أو كتب الروايات. و قد انكشف بذلك أن الشيخ محمد بن إدريس ما خالف مخالفة لا تحتمل التأويل فيما أشرنا إليه و إنما طعن على ما يختص بروايته الفطحية و أمثالها من ذوي العقائد الردية و هذا واضح فيما أوردناه 761 من هذا الباب و كاف لذوي الألباب.
الفريق الخامس قوم يستخيرون الله جل جلاله فيما يشغل عنه و يعتقدون أن ذلك مما يستخار الله فيه
و من المعلوم عند العارفين أن الله جل جلاله لا يستخار فيما يشغل عنه و أن الاستخارة في ذلك خلاف عليه سبحانه و على سيد المرسلين فإذا لم يجدوا استخارتهم في مثل هذا الحال موافقة لما استخاروا فيه من السلامة و الظفر بالآمال يعتقدون أن هذا لضعف الاستخارة أو للطعن في روايتها 762 و إنما هو لضعف بصائرهم و قلة فائدتها 763 . و مثال استخارة هذا الفريق أن أحدهم يكون له مال يريد أن يزرع منه زرعا أو يعمل منه تجارة أو يسافر لأجله سفرا و ما يقصد بالزرع و لا
التجارة و لا السفر أنه يتقرب بذلك إلى الله جل جلاله و لا لامتثال أمره سبحانه بل لمجرد ميل الطباع إلى الغنى و لأجل أنه يأنف 764 أن يراه الناس فقيرا أو يرى أحد عياله محتاجين أو ليكون معظما محترما بكثرة المال و أمثال هذه الخواطر و الأحوال التي تقع من المستخيرين و هم غافلون عن الخدمة بهذه الحركات لسلطان العالمين فالعقل و النقل يقتضيان أن هذا لا يستخار الله جل جلاله فيه و أن المستخير في ذلك على هذه الوجوه بعيد من الله جل جلاله و من مراضيه و لعلك تجد أكثر الاستخارات المعكوسة من هذا القبيل و قد عرفك الله جل جلاله هذه الجملة و هو جل جلاله أهل أن يهديك إلى التفصيل.
الفريق السادس من الذين أنكروا الاستخارة قوم زادوا على ما قدمناه من الاستخارة فيما يشغل عن الله جل جلاله
و فيما لا يتقربون به إلى الله جل جلاله و استخاروا في معصية الله تعالى و هم يعتقدون أنها ليست معاصي و مثال هؤلاء أن يستخيروا في معونة ظالم بوكالة عنه و تكون تلك الوكالة معونة له على ظلمه أو تجارة لظالم و تكون تلك التجارة معونة له على ظلمه أو في خدمة للظالم و تكون تلك الخدمة معونة له على ظلمه أو دخول على الظالم و هو يعلم من نفسه أنه ما يقوم لله جل جلاله و لرسوله ص بما يقدر عليه من إنكار ما يجده عند ذلك الظالم من منكر أو لا يوافق الله جل جلاله و رسوله ص في كراهة تلك المنكرات بقلبه إذا أقبل الظالم عليه و أدنى مجلسه و قضى حاجته. و مثال ذلك أن يستخير الله جل جلاله في أن يتوكل لغير الظالم أو يخدمه بنية أنه يغشه أو يخونه أو يمكر به أو يغش أحدا لا يجوز غشه أو
يخونه أو يمكر به لموكله أو لمن يخدمه. و مثال آخر أن يستخير كما قدمته في زرع يعلم من نفسه أنه يؤثر فيه بقلبه ظلم الوالي الأكرة 765 في حفر نهر أو بيته يبق عن زرعه 766 بغير وجه مشروع أو يوكل على الأكرة غلاما يعلم أنه يظلمهم و هو يستخير في الزرع على هذه الوجوه و أمثالها التي لا يحل معها الزرع فكيف يجد الاستخارة فيه. فلعلك تجد من يستخير في مثل هذه المعاصي 767 و يغفل عن كونها معصية و إذا انعكس عليه أمره في الاستخارة في ذلك نسب العكس إلى الاستخارة و إنما العكس كان منه بطريقة 768 و سوء توفيقه.
الفريق السابع من الذين ينكرون الاستخارة لأجل ما رأوا فيها من إكدار و انعكاس
و لعل سبب إكدارها و انعكاسها عليهم أنهم ما عملوا شروط إجابة دعاء الاستخارات و لا تركوا الشروط المانعة من إجابة الدعوات كما رويناه بإسنادنا في كتابنا التتمات من تقدم المدحة لله جل جلاله في الدعاء. و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا إِلَى مَوْلَانَا عَلِيٍّ ع أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْمَسِيحِ ع قُلْ لِلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَدْخُلُوا بَيْتاً مِنْ بُيُوتِي إِلَّا بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ وَ أَبْصَارٍ خَاشِعَةٍ وَ أَكُفٍّ نَقِيَّةٍ وَ قُلْ
لَهُمْ إِنِّي غَيْرُ مُسْتَجِيبٍ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ دَعْوَةً وَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِي قِبَلَهُ مَظْلِمَةٌ 769 .
و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا هُنَاكَ إِلَى الصَّادِقِ ع قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ ع قُلْ لِلْجَبَّارِينَ لَا يَذْكُرُونِي فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُنِي عَبْدٌ إِلَّا ذَكَرْتُهُ وَ إِنْ ذَكَرُونِي ذَكَرْتُهُمْ فَلَعَنْتُهُمْ 770 .
و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا هُنَاكَ أَيْضاً عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ غُلَاماً يَدْعُو ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمَّا رَأَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُجِيبُهُ قَالَ يَا رَبِّ أَ بَعِيدٌ أَنَا مِنْكَ فَلَا تَسْمَعُنِي أَمْ قَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي فَلَا تُجِيبُنِي قَالَ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ تَدْعُو مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ بِلِسَانٍ بَذِيٍ 771 وَ قَلْبٍ عَاتٍ غَيْرِ نَقِيٍّ وَ نِيَّةٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ فَاقْلَعْ عَنْ ذَلِكَ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ قَلْبُكَ وَ لْتَحْسُنْ نِيَّتُكَ قَالَ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ 772 .
و كما رويناه
بِإِسْنَادِنَا إِلَى الصَّادِقِ ع قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَا أُجِيبُ دَعْوَةَ مَظْلُومٍ فِي مَظْلِمَةٍ ظُلِمَهَا وَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْمَظْلِمَةِ 773 .
وَ كَمَا رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلصَّادِقِ ع إِنَّنَا
نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا فَقَالَ إِنَّكُمْ تَدْعُونَ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ 774 .
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَعْنَاهُ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ الْعَبْدَ يَدْعُو وَ هُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَاللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ يُطَالِبُهُ بِالتَّوْبَةِ وَ الْعَبْدُ يُطَالِبُهُ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ فَإِذَا رَدَّهُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عَنِ الْإِجَابَةِ فِي جَوَابِ رَدِّهِ عَنِ الْإِجَابَةِ إِلَى التَّوْبَةِ فَقَدْ رَحِمَهُ وَ عَفَا عَنْهُ.
أقول فإذا استخار العبد الله جل جلاله و هو على صفات أو صفة تمنع من إجابة الدعاء فإذا لم تنعكس استخارته يكون ذلك من باب الفضل الذي لا يستحقه العبد و لله جل جلاله أن يفعله و أن لا يفعله فإذا انعكست الاستخارة كان ذلك من باب العدل الذي لله جل جلاله أن يفعله و أن لا يفعله 775 مع عبده فربما تنعكس في مثل هذه الأسباب استخارات و يكون عكسها من باب العدل فيعتقد العبد أن ذلك لضعف الروايات.
الفريق الثامن من الذين تركوا الاستخارة و توقفوا عنها حيث لم يظفروا بالمراد منها