کتابخانه روایات شیعه
الجزء الأول
تقديم بقلم الشيخ محمد مهدي الآصفي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
التفسير: تبيين و إيضاح المقصود من الكلام، فإن من الكلام ما هو واضح و بين، و لا يحتاج إلى توضيح، و يتلقاه السامع و القارئ و يفهمه، من دون شرح و إيضاح. و من الكلام ما لا يفقهه السامع و القارئ إلا بعد شرح و إيضاح و بيان.
و القرآن الكريم من القسم الثاني من الكلام، و لذلك تمس الحاجة إلى تقديم شرح و تفسير لكلام الله تعالى ليفهمه الناس حق الفهم.
و هذه الحاجة هي أساس (علم التفسير) الذي هو من أكثر العلوم الإسلامية عراقة و تقدما.
و ليس من شك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يلقي هذا الكلام على الناس من دون شرح و تفسير فيفهمونه و يتفاعلون معه، و تجذبهم جاذبية الكلام، و تقهرهم قوته و سلطانه.
و ليس من شك أن الناس يقرءون هذا القرآن عبر القرون فيفهمونه و يتفاعلون معه، دون أن يقرء و اله شرحا و توضيحا، فليس القرآن كتاب ألغاز و رموز، و إنما هو بيان و نور للناس هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ 1 .
ثلاثة آراء في التفسير
تعرض التفسير لضربين من الرأي في طرفي الإفراط و التفريط:
فقد تصور بعض العلماء أن النص القرآني لما كان نازلا بلغة العرب و «بلسان عربي مبين»، و كان الصحابة في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و المسلمون بعده يتلقونه و يتلونه و يفهمونه بيسر، و من دون تعقيد، فلا يحتاج النص القرآني للذين يتكلمون بلغة القرآن إلى تفسير و إيضاح.
و الرأي الآخر هو الذي تتبناه بعض الطوائف الإسلامية في إباء النص القرآني للتفسير و عدم حجية ظواهر القرآن، و احتجوا على ذلك بجملة من الروايات و الأحاديث، لا تنهض بهذه الدعوى، و انتهوا إلى أن النص القرآني لا يمكن فهمه بشكل دقيق، إلا إذا اقترن هذا النص بتفسير دقيق من جانب المعصوم.
و هذا الاتجاه كالاتجاه الأول لم يقاوم الحركة العلمية التي قام بها علماء المسلمين من بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى الوقت الحاضر من تفسير القرآن.
و ساد بين هذا التصور و ذاك تصور ثالث وسط، كان هو التصور الحاكم على الأوساط العلمية الإسلامية و هو الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني أولا، و قبول النص القرآني للتفسير، و إمكان التدبر و التأمل في آيات كتاب الله لعامة العلماء ثانيا.
الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني
لقد شاع بين المسلمين تفسير القرآن و تدريسه منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى اليوم، و لو لا الحاجة إلى التفسير لفهم النص القرآني، و تيسيره إلى الأذهان لم يشع بين المسلمين أمر التفسير منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى الوقت الحاضر إلى هذه الدرجة.
و قد كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) أول من فسر القرآن، و إلى هذه الحقيقة تشير النصوص التالية:
1- سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن السبيل في قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال (صلى الله عليه و آله): «الزاد و الراحلة». 2
2- و سألت عائشة رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الكسوة الواجبة في كفارة الأيمان في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ 3 فقال (صلى الله عليه و آله): «عباءة لكل مسكين». 4
3- و سأله رجل من هذيل عن قوله تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ . 5 قال: يا رسول الله، من تركه فقد كفر؟
فقال (صلى الله عليه و آله): «من تركه لا يخاف عقوبته، و لا يرجو ثوابه». 6
و هو بمعنى الإنكار و الجحود لهذه الفريضة الإسلامية التي هي من ضروريات الإسلام.
4- و سئل عن قوله تعالى: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ* الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ 7 ما عضين؟
فقال (صلى الله عليه و آله): «آمنوا ببعض و كفروا ببعض». 8
5- و سئل عن قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ 9 كيف يشرح صدره؟
فقال (صلى الله عليه و آله): «نور يقذف به، فينشرح له و ينفسح».
قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟
قال (صلى الله عليه و آله): «الإنابة إلى دار الخلود، و التجافي عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل لقاء الموت». 10
6- و روى البخاري عن عدي بن حاتم، قال: حين نزل قوله تعالى: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ 11 قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أ هما الخيطان؟ فقال (صلى الله عليه و آله): «هو سواد الليل و بياض النهار». 12
و قد تضمنت جملة من الموسوعات الحديثية أبوابا خاصة بما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في تفسير القرآن.
و اشتهر نفر من الصحابة بتفسير القرآن، مثل: عبدالله بن عباس، و ابن مسعود، و كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام المفسرين بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله). و إليه يرجع عبدالله بن عباس في التفسير و جملة واسعة من الصحابة و التابعين لهم بإحسان.
حجية ظواهر القرآن
نزل القرآن بلسان عربي مبين ليفهمه الناس و يعملوا به، و القرآن يصرح بهذه الحقيقة وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ . 13 و القرآن نور و برهان و موعظة من عند الله إلى عباده، و كيف يكون القرآن نورا و برهانا دون أن يتلقى الناس ظواهر القرآن بالتأمل و التدبر و الفهم، و دون أن تكون ظواهره حجة على الناس؟!
يقول الله تعالى: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . 14 و يقول تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً . 15 و يقول تعالى: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ . 16 و يقول تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً . 17 و كيف يكون القرآن للناس نورا، و برهانا، و بيانا، و بلاغا، و نذيرا، و مبشرا، و هاديا، ثم لا يتمكن الناس أن يتلقوا هذا القرآن بأنفسهم و يتأملوا فيه، و قد حثنا الله تعالى على التدبر و التأمل في آياته؟! 18 يقول تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً .
الأسباب و الوجوه التي تحوجنا إلى التفسير
الأسباب التي تحوجنا إلى تفسير النص القرآني عديدة، نذكر أهمها في ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن القرآن أجمل الكثير من الأحكام و التصورات و المفاهيم، و لا بد لهذا الإجمال من تفصيل و شرح و تبيان كي يمكن الاستفادة الكاملة من النص القرآني، و استيعاب الصورة الكاملة للمفهوم أو التصور أو الحكم الذي يقدمه النص لنا.
و من هذا القبيل آيات الأحكام، و هي تستغرق مساحة واسعة من القرآن الكريم، و قد أجمل القرآن هذه الأحكام، بينما فصلتها السنة، و لا يمكن فهم هذه الآيات فهما تفصيليا و كاملا من دون الشرح و التفسير.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنزلت عليه الصلاة و لم يسم الله تعالى لهم ثلاثا، و لا أربعا، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) هو الذي فسر ذلك لهم». 19