کتابخانه روایات شیعه
العلمي، و اعتمد على كتاب (جامع الأخبار) و لا نعرف مؤلفه فضلا عن أسانيد رواياته.
و كذلك اعتمد كتاب (مصباح الشريعة) المنسوب إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، و هو كتاب جليل، و لكنه لم تثبت نسبته إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، و مؤلفه مجهول، و قد نسبه بعض العلماء إلى هشام بن الحكم، إلا أن شيئا من ذلك لم يثبت بطريق علمي.
كما اعتمد المؤلف (رحمه الله) في كتابه هذا طائفة من الروايات الضعيفة من حيث السند، و المضطربة من حيث المتن، و هو بالتأكيد مما يؤثر أثرا سلبيا على القيمة العلمية لهذا الكتاب الجليل، إلا أن نقول: إن الكتاب هو جهد علمي لجمع الروايات المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن، و هو جهد مفيد و نافع يمهد الطريق للمحققين الذين يعملون في تحقيق النصوص و استخراج الصحيح منها، و فرزها عن الروايات الضعيفة و المضطربة ..
و قد قام شيخ الإسلام العلامة المجلسي في عصره بتدوين الموسوعة الروائية الكبرى (بحار الأنوار) بهذا الأسلوب، و لهذه الغاية.
و ليس من شك أن في هذه الموسوعة الجليلة (بحار الأنوار) الكثير من الأحاديث الضعيفة و المضطربة، و ليس من شك كذلك أن هذه الموسوعة خدمت المكتبة الإسلامية، و المحققين خدمة جليلة، حيث جمعت لهم النصوص و الروايات المتفرقة في موضع واحد و ضمن نهج علمي منظم واحد، يسهل لهم الرجوع إليها و استخراج ما يريدون منها من النصوص و الروايات.
و هو وجه معقول من الكلام. و عندئذ لا يكون وجود أمثال هذه الروايات في الكتاب سببا لانتقاص قيمة الكتاب العلمية، إلا أننا نجد أنفسنا بحاجة إلى مرحلة أخرى من الجهد العلمي لاستخلاص الصحاح من حديث أهل البيت (عليهم السلام) (في التفسير و الأصول) عن الأحاديث الضعيفة و فرزها عنها.
الدس و الوضع في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام):
لقد دس الغلاة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، و لا سيما في التفسير، من الأحاديث الموضوعة و المنتحلة ما لا يعلم حجمه و مقداره إلا الله عز و جل. و بذلك فقد أضروا بحديث أهل البيت (عليهم السلام) و معارفهم ضررا بليغا.
روى الشيخ الصدوق باسناده عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا و جعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو، و ثانيها التقصير في أمرنا، و ثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا و نسبوهم إلى القول بربوبيتنا، و إذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، و إذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا. 201
و من شأن هذه الأحاديث الموضوعة و المدسوسة أن تشوش فهم طريقة أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير، ان كان الشخص الذي يتتبع روايات أهل البيت (عليهم السلام) غير ملم بطريقتهم (عليهم السلام)، و غير عارف بالأسانيد و الرجال و الرواة.
و مع الأسف لم تجر عملية تصفية كافية في حقل الأصول و التفسير، في روايات أهل البيت (عليهم السلام) كما جرى في حقل الفقه. فقد قام الفقهاء (رحمهم الله) بتنقيح و تصفية روايات أهل البيت (عليهم السلام) بنسبة معقولة في الفقه، إلا أن أحاديث (الأصول) و (التفسير) و (الفضائل) و (الكون و السماء و العالم) و (السير) بقيت على حالها، كما في المصادر الروائية الأولى، لم يتصد لها أحد بجهد علمي مناسب للتصفية و التنقيح، و بعد هذا الجهد فقط نتمكن من جمع و تنظيم ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير و استخراج الخطوط و الأصول العامة عندهم (عليهم السلام) في تفسير القرآن.
و قد جمع سيدنا الجليل المحدث المتتبع السيد هاشم البحراني (رحمه الله) في تفسيره القيم (البرهان) و شيخنا المحدث الشيخ الحويزي (رحمه الله) في تفسيره الكبير (نور الثقلين) طائفة واسعة من هذه الأحاديث من المصادر المختلفة.
إلا أن هذا الجهد العلمي هو المرحلة الأولى فقط من العمل، و قد قام به هذان العلمان (رحمهما الله) و جزاهما عن رسوله (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته خير الجزاء.
و المرحلة الثانية من هذا الجهد العلمي هو ما تحدثنا عنه قبل قليل من ضرورة تنقيح و تصفية الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن، و فرز الصحيح منها عن غير الصحيح.
و المرحلة الثالثة من هذا الجهد هو استخراج الأصول و الخطوط العامة لأهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن.
و عند ما تتم هذه المراحل الثلاثة فإن بإمكاننا أن نقف على ثروة كبيرة و كنز من أصول تفسير القرآن و خطوطه عند أهل البيت (عليهم السلام).
و من دون هذا الجهد لا نتمكن أن نأخذ بحظ وافر من حديث أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن، و من الصعب جدا أن يتمكن أحد من غير ذوي الاختصاص أن يفتح أحد هذين التفسيرين الجليلين فيقطع برأي محدد عن نظر أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن و تفسيره، و الحمد لله رب العالمين.
محمد مهدي الآصفي قم المشرفة- في 10 شعبان 1412 ه
مقدمة التحقيق
أولا: ترجمة المؤلف
نسبه الشريف
هو السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد بن علي بن سليمان بن السيد ناصر الحسيني البحراني التوبلي الكتكاني. 202 قال الميرزا عبدالله أفندي: و كان (رحمه الله) من أولاد السيد المرتضى، و باقي نسبه إلى السيد المرتضى مذكور على ظهر بعض كتبه. 203
نسبته
الكتكاني: نسبة إلى كتكان- بفتح الكافين و التاء المثناة الفوقانية- قرية من قرى توبلي.
التوبلي: نسبة إلى توبلي- بالتاء المثناة الفوقانية ثم الواو الساكنة ثم الباء الموحدة ثم اللام و الياء أخيرا- أحد أعمال البحرين.
حياته و سيرته
لقد أحجمت المصادر التي ترجمت للسيد هاشم البحراني (رحمه الله) عن ذكر تفاصيل حياته و سيرته، و كل ما استطعنا أن نقف عليه منها أنه ولد في كتكان، إحدى قرى البحرين، في النصف الأول من القرن الحادي عشر
الهجري، و مما ذكره الأفندي في (رياض العلماء) 204 يتضح أن السيد (رحمه الله) رحل إلى النجف الأشرف، و أقام بها فترة من الزمن، روى خلالها عن الشيخ فخر الدين الطريحي ابن محمد علي بن أحمد النجفي، المتوفى سنة 1085 ه، و يبدو مما ذكره السيد هاشم البحراني في خاتمة هذا التفسير أنه سافر إلى إيران، و زار المشهد الرضوي المقدس، و روى هناك عن السيد عبد العظيم بن السيد عباس الأسترآبادي، و ذكر ذلك صاحب الرياض أيضا. 205 و كان السيد (رحمه الله) يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة في بلاده، و له دور كبير في إدارة البلد و تنظيم الأمور الاجتماعية، و كان يحظى باحترام سائر الطبقات، و كانوا ينفذون أوامره و نواهيه، يقول الشيخ يوسف البحراني:
و انتهت رئاسة البلد بعد الشيخ محمد بن ماجد 206 إلى السيد، فقام بالقضاء في البلاد، و تولى الأمور الحسبية أحسن قيام، و قمع أيدي الظلمة و الحكام، و نشر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و بالغ في ذلك و أكثر، و لم تأخذه لومة لائم في الدين، و كان من الأتقياء المتورعين، شديدا على الملوك و السلاطين. 207 و كان (رحمه الله) مثالا للزهد و الورع و التقى، و لا يتوانى عن قول الحق و الإرشاد إلى التعاليم الدينية، و مهابا من قبل الحكام و ذوي السلطة و السيطرة.
و فوق كل هذا، لقد بلغ البحراني (رحمه الله) غاية قصوى في المنزلة العلمية، حيث ذاع صيته في بلده و في بعض البلدان الأخرى، و كان يرجع إليه المؤمنون في التقليد و المسائل الدينية، و يستجيزه العلماء الذين يريدون اتصال أسانيدهم في الرواية إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
مشايخه
1- السيد عبد العظيم بن السيد عباس الأسترآبادي، قال صاحب الرياض في ترجمته: كان من أجلة تلاميذ الشيخ البهائي، و يروي عنه السيد هاشم بن سليمان البحراني، المعروف بالعلامة، إجازة بالمشهد المقدس الرضوي، كما نص عليه في آخر كتاب تفسيره الموسوم ب (الهادي و مصباح النادي) و قال في وصفه: السيد الفاضل التقي و السند الزكي. 208 و قال السيد هاشم البحراني في خاتمة هذا التفسير عند ذكره الطريق إلى المشايخ: أخبرني بالإجازة عدة من أصحابنا منهم السيد الفاضل التقي الزكي السيد عبد العظيم بن السيد عباس بالمشهد الشريف الرضوي.
2- الشيخ فخر الدين الطريحي بن محمد علي بن أحمد النجفي، المحدث الفقيه اللغوي، المتوفى سنة 1085 ه، قال صاحب الرياض: و يروي السيد هاشم هذا عن الشيخ الرماحي الساكن في النجف، قال في (مدينة
المعاجز): أدركته بالنجف و لي منه إجازة. 209
تلامذته
1- الشيخ أبو الحسن شمس الدين سليمان الماحوزي، المعروف بالمحقق البحراني، المتوفي سنة 1121 ه.
2- الشيخ علي بن عبدالله بن راشد المقابي البحراني، المستنسخ لكتب استاذه، منها: (حلية النظر) و (حلية الأبرار)، استنسخهما سنة 1099 ه، و النسختان بخطه موجودتان في الرضوية. 210 3- الشيخ محمد بن الحسن بن علي، المشهور بالحر العاملي، المحدث الفقيه الجليل، صاحب (تفصيل وسائل الشيعة)، المتوفى سنة 1104 ه.
قال في (أمل الآمل) في ترجمة السيد هاشم البحراني: رأيته و رويت عنه. 211 4- السيد محمد العطار بن السيد علي البغدادي، الأديب الشاعر، المتوفى سنة 1171 ه، قال الشيخ محمد حرز الدين: قرأ على علماء عصره، منهم السيد هاشم بن السيد سليمان البحراني. 212 5- الشيخ محمود بن عبد السلام المعني البحراني، كان حيا في سنة 1128 ه، و أجاز في تلك السنة الشيخ عبدالله السماهيجي المتوفي سنة 1135 ه.
6- الشيخ هيكل الجزائري بن عبد علي الأسدي، أجازه السيد البحراني على نسخة من كتاب (الاستبصار) في تاسع ربيع الأول سنة 1100 ه، و عبر عنه بالشيخ الفاضل العالم الكامل البهي الوفي.
اهتمامه بالحديث
وظف السيد البحراني كل الامكانات المتاحة لديه إلى إحياء الأحاديث المروية عن الأئمة الهداة (عليهم السلام)، و كان الحديث هو الصفة الغالبة لكافة الأغراض العلمية التي طرقها، كالتفسير و الفقه و العقائد و الأخلاق و غيرها، بل تكاد مؤلفاته لا تخرج عن نطاق الحديث و الرواية.
و شدة اهتمام السيد هاشم البحراني بالحديث و الرواية لفتت أنظار البعض من العلماء فراحوا يبينون الأسباب، يقول الشيخ يوسف البحراني: و قد صنف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه و اطلاعه، إلا أني لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية، و لو في مسألة جزئية، و إن ما كتبه مجرد جمع و تأليف، لم يتكلم في شيء منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال، أو بحث أو اختيار مذهب و قول في ذلك المجال، و لا أدري أن ذلك لقصور درجته عن مرتبة النظر و الاستدلال أم تورعا عن ذلك، كما نقل عن السيد الزاهد العابد
رضي الدين بن طاوس. 213 و انتهت رئاسة البلد بعد الشيخ محمد بن ماجد إلى السيد، فقام بالقضاء في البلاد، و تولى الأمور الحسبية أحسن قيام. 214 و ربما يفهم من هذا القول قدح في مقامه العلمي، و لهذا قال السيد محسن الأمين العاملي في رده على هذا القول: مع أنه قال كما سمعت: انتهت رئاسة البلد إليه فقام بالقضاء في البلاد أحسن قيام. و كيف يقوم بالقضاء أحسن قيام من كانت درجته قاصرة عن مرتبة النظر، و ستعرف أن له كتاب (التبيان) 215 في جميع الفقه الاستدلالي، فكأن صاحب اللؤلؤة لم يطلع عليه. 216 فالأرجح أن السيد البحراني (رحمه الله) إنما انصرف عن الإشتغال بالعلوم المتداولة تورعا، فكرس كل حياته لخدمة تراث أهل البيت (عليهم السلام) و إحياء أمرهم، و وقف عند حدود النصوص المأثورة عنهم، و لا يعدم ذلك وجود بعض النظر و الاستدلال في مؤلفاته، مثل: (تنبيه الأريب في إيضاح رجال التهذيب) و (التنبيهات في تمام الفقه من الطهارة إلى الديات) على ما سيأتي.
آثاره
ترك السيد هاشم البحراني (رحمه الله) مؤلفات كثيرة في شتى العلوم و الفنون، قال الأفندي: له (قدس سره) من المؤلفات ما يساوي خمسا و سبعين مؤلفا، ما بين كبير و وسيط و صغير، و أكثرها في العلوم الدينية، و سمعت ممن أثق به من أولاده (رضوان الله عليه) أن بعض مؤلفاته حيث كان يأخذه من كان ألفه له لم يشتهر بل لم يوجد في البحرين. 217 و فيما يلي ثبت بمؤلفاته المذكورة في مصادر ترجمته: