کتابخانه روایات شیعه
فقال: «قول الله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ 154 إلى أن قال:- فأما الإثم فإنها الخمر بعينها، و قد قال الله تعالى في موضع آخر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما 155 فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمر و الميسر، و إثمهما أكبر من نفعهما، كما قال الله تعالى».
فقال المهدي: يا علي بن يقطين، هذه فتوى هاشمية.
فقلت له: صدقت- يا أمير المؤمنين- الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت.
قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي. 156
14- و عن محمد بن صالح الأرمني، قال: قلت لأبي محمد العسكري (عليه السلام): عرفني عن قول الله: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ 157 ، فقال: «لله الأمر من قبل أن يأمر، و من بعد أن يأمر بما يشاء».
فقلت في نفسي: هذا تأويل قول الله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ 158 ، فأقبل علي و قال: «و هو كما أسررت في نفسك: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ». 159
15- و في كتاب (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: «قد خطر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه و أوليائه، يقول لإبراهيم (عليه السلام): لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 160 أي المشركين، لأنه سمى الشرك ظلما بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ». 161
16- روي عن زرارة و محمد بن مسلم: أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي، و كم هي؟
فقال: «إن الله عز و جل يقول: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ، 162 فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر».
قالا: قلنا: إنما قال الله عز و جل: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ، و لم يقل: افعلوا، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟
فقال: «أ و ليس قد قال الله عز و جل في الصفا و المروة:
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما 163 ؟ ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض؟ لأن الله عز و جل ذكره في كتابه و صنعه نبيه، و كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي (صلى الله عليه و آله) و ذكره الله تعالى في كتابه». 164
17- و عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . 165 قال: «نزلت هذه الآية في اليهود و النصارى، يقول الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ 166 يعني رسول الله (صلى الله عليه و آله) كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ 167 لأن الله عز و جل قد أنزل عليهم في التوراة و الإنجيل و الزبور صفة محمد (صلى الله عليه و آله) و صفة أصحابه و مبعثه و مهاجره، و هو قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ 168 فهذه صفة رسول الله في التوراة و الإنجيل و صفة أصحابه، فلما بعثه الله عز و جل عرفه أهل الكتاب، كما قال جل جلاله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ». 169
18- و عن عبد الرحمن قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوله: يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ . 170 قال: « الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً 171 نزلت هذه بعد هذه». 172
19- و في (روضة الكافي) كلام لعلي بن الحسين (عليه السلام) في الوعظ و الزهد في الدنيا، يقول فيه: «و لقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث يقول: وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ 173 و قال عز و جل: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ». 174
20- و عن أبي الحسن (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ . 175 قال: «المؤذن أمير المؤمنين (عليه السلام)، يؤذن أذانا يسمع الخلائق كلها، و الدليل على ذلك قول
الله عز و جل في سورة التوبة: وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ .. 176 فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): كنت أنا الأذان في الناس». 177
21- و في كتاب (معاني الأخبار) عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: «الإمام منا لا يكون إلا معصوما، و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، و لذلك لا يكون إلا منصوصا».
فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم؟
فقال: «هو معتصم بحبل الله، و حبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة، و الإمام يهدي إلى القرآن، و القرآن يهدي إلى الإمام، و ذلك قول الله عز و جل: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ .. ». 178
22- و عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)- في حديث- قال: «و سورة النور أنزلت بعد سورة النساء، و تصديق ذلك أن الله عز و جل أنزل عليه من سورة النساء: وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا 179 ، و السبيل الذي قال الله عز و جل: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ». 180
23- و روى الكليني باسناده، عن الفضيل و زرارة و محمد بن مسلم، عن حمران أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ . 181 قال: «نعم، ليلة القدر، و هي في كل سنة من شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر؛ قال الله عز و جل: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ». 182
و بعد، فهذه طائفة من الخطوط و الاتجاهات العامة للتفسير عند أهل البيت (عليهم السلام)، كتبناها على عجل، و لو أن الباحثين تتبعوا روايات أهل البيت (عليهم السلام) في التفسير لاكتشفوا حقولا واسعة من العلم، و فتح الله عليهم أبوابا من المعرفة بطريقة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن.
و إذا يسر الله تعالى جمع هذه الخطوط و تنظيمها من خلال الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام)، و هي كثيرة و مبثوثة في كتب الحديث و التفسير، من نحو: (أصول الكافي) و كتب الشيخ الصدوق، و (تفسير علي بن إبراهيم)،
و (تفسير فرات الكوفي)، و (تفسير العياشي)، و (تفسير البرهان) للسيد هاشم البحراني، و (تفسير نور الثقلين) للشيخ الحويزي، و غير ذلك من كتب الحديث و التفسير .. أقول إذا يسر الله جمع و تنظيم هذه الخطوط من خلال ما صحت روايته عن أهل البيت (عليهم السلام) أمكننا ذلك أن نضع أيدينا على الخطوط و الاتجاهات و الأصول التي كان يتمسك بها أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن. و عسى أن يقيض الله تعالى لهذه المهمة من يحب من عباده من العلماء الصالحين.
مناهج التفسير
1- التفسير بالرأي: كان الأوائل من المسلمين في عصر الصحابة و التابعين يتحرجون من تفسير القرآن بالرأي، و نقصد بالرأي، الرأي الممدوح لا الرأي المذموم، كما يصطلح على ذلك علماء القرآن و
يروون عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في شجب تفسير القرآن بالرأي: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار». 183
و
عن جندب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». 184
و كان الصحابة يتحرجون أبلغ الحرج أن يقولوا في القرآن شيئا غير ما رووه عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فكان عبيد الله بن عمر يقول: «لقد أدركت فقهاء المدينة و إنهم ليعظمون القول في التفسير». 185 و كذلك التابعون لهم، كانوا يتحرجون من الكلام في التفسير بالرأي، فكان أبو وائل شقيق بن سلمة إذا سئل عن شيء من القرآن قال: «قد أصاب الله الذي به أراد». و يمتنع عن الإجابة برأيه في القرآن.
و سئل سعيد بن جبير أن يفسر شيئا من القرآن، فقال: «لئن تقع جوانبي خير من ذلك».
و عن الوليد بن مسلم قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبدالله فسأله عن آية من القرآن. فقال: «احرج عليك إن كنت مسلما لما قمت عني». 186 و كان سعيد بن المسيب إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: «إنا لا نقول في القرآن شيئا». 187 و عن عمرو بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: «لا تسألني عن القرآن، و سل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء!! يعني عكرمة». 188 و عن يزيد بن أبي يزيد، قال: «كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال و الحرام و كان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأنه لم يسمع». 189 و عن هشام بن عروة، قال: «ما سمعت أبي يؤول آية من كتاب الله قط». 190 و عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «كان أصحابنا يتقون التفسير و يهابونه». 191
و كان ابن عباس أول من تكلم في القرآن من خلال اللغة، فكان يفسر آي القرآن الكريم من خلال معرفته باللغة و الشعر، و كان يقول: «إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب». 192 و أسئلة نافع بن الأزرق عن ابن عباس في غريب القرآن و أجوبة ابن عباس له من خلال شعر العرب معروفة يرويها السيوطي في (الإتقان). 193 و مما ورد في هذه الأسئلة أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قول الله عز و جل: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ 194 ما السنة؟
قال ابن عباس: «النعاس» و استشهد بقول زهير:
لا سنة في طوال الليل تأخذه
و لا ينام و لا في أمره فند 195
لكن عبدالله بن عباس رغم ذلك لم يتجاوز هذا الحد من التفسير من خلال اللغة و شعر العرب، و بقي الصحابة و من بعدهم التابعون و من بعدهم علماء القرآن إلى أواسط القرن الرابع الهجري يلتزمون بمنهج التفسير بالمأثور، و قل من خرج على هذا النهج خلال هذه الفترة، و بقي المنهج السائد في تفسير القرآن هو التفسير بالمأثور.
و في وقت متأخر، في أواخر القرن الرابع الهجري يبدأ العلماء باستخدام الرأي في التفسير، و تبرز تفاسير حافلة بالرأي، و يستمر هذا الرأي في النضج و التكامل إلى الوقت الحاضر.
و يذهب هؤلاء العلماء إلى أن الذي يشجبه الإسلام من التفسير بالرأي هو الرأي المذموم، و هو القول في القرآن بغير علم و لا هدى، و أما الكلام في القرآن بعلم و دليل و برهان، فليس من الرأي المذموم، و إنما هو من الرأي الممدوح الذي لا ضير فيه.
يقول ابن كثير في أول تفسيره بعد أن يذكر طائفة من الروايات عمن كان يتهيب و يتحرج من التفسير بالرأي:
«فهذه الآثار الصحيحة و ما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه، فأما من تكلم بما يعلم ذلك من لغة و شرع فلا حرج عليه، و لهذا روي عن هؤلاء و غيرهم أقوال في التفسير، و لا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه و سكتوا عما جهلوه». 196 و قال البيهقي في (شعب الإيمان): «هذا إن صح فإنما أراد- و الله أعلم- الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل، و كذلك لا يجوز تفسير القرآن به. و أما الرأي الذي يسنده
برهان فالحكم به في النوازل جائز». 197 و مهما يكن من أمر فقد نشط التفسير بالرأي بالمعنى السليم للرأي في العالم الإسلامي منذ هذا التاريخ، من دون إنكار تقريبا من قبل جمهور علماء المسلمين، و اتسعت حركة التفسير بالرأي، و ساهم في هذه الحركة كل المذاهب الفكرية الإسلامية تقريبا، و أبرز هذه المذاهب: الإمامية، و الأشاعرة، و المعتزلة.
و قد ألف الشيخ الطوسي، من أبرز فقهاء الإمامية، (تفسير التبيان) بهذا الاتجاه، و ألف فخر الدين الرازي من الأشاعرة (التفسير الكبير) بهذا الاتجاه أيضا، كما ألف جار الله الزمخشري من المعتزلة (تفسير الكشاف) في نفس الاتجاه.
و أصبح التفسير بالرأي مقبولا من قبل الجميع، و لكن الرأي الذي يسنده الدليل و البرهان القطعي، أما الرأي الذي لا يسنده دليل و برهان، و يعتمد الظن فلا يغني عن الحق شيئا.
على أن التفسير بالرأي يجب ألا يتجاوز حدود محكمات القرآن، أما متشابه القرآن فلا يعلمه إلا الله و الراسخون في العلم، و لا يصح أن يعتمد المفسر رأيه في تفسير متشابهات القرآن، و لسنا الآن بصدد تفصيل و شرح هذه النقطة.
2- التفسير بالمأثور: ذكرنا أن التفسير بالمأثور كمنهج علمي و مدرسة في تفسير القرآن، في مقابل التفسير بالرأي، لم يعد له وجود فعلي و مؤثر في الوقت الحاضر. فقد أصبح تفسير القرآن بالرأي هو المنهج السائد.
و لكن يبقى «الحديث» هو المصدر الأول- بعد القرآن- في تفسير القرآن، و لا يستغني المفسر عن «الحديث» في تفسير القرآن، فلا رأي في مقابل «الحديث»، و لا رأي في عرض الحديث، و إنما يصح الرأي إذا كان لا يعارض الحديث، و لا بد إذن أن يتأكد المفسر من الروايات الواردة في تفسير الآية، قبل أن يمارس هو فيها الرأي و النظر و الاجتهاد.
و لذلك فإن الاهتمام بالروايات الواردة في تفسير القرآن يعتبر من مقومات الجهد العلمي في تفسير القرآن، و من هنا اهتم نفر من العلماء المتخصصين في القرآن بتجميع و تنظيم الروايات الواردة في تفسير القرآن لتيسير مهمة مفسري القرآن.
فمن تفاسير أهل السنة في هذا الحقل:
1- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي.
2- تفسير ابن كثير.
3- تفسير البغوي.
و من تفاسير الشيعة:
1- تفسير العياشي.
2- تفسير نور الثقلين.
3- تفسير البرهان، و سنعرض له بشيء من البيان.
تفسير البرهان
و من خير ما ألفه علماء الشيعة في هذا المجال (البرهان في تفسير القرآن) لشيخنا الجليل المحقق العالم الثقة المتتبع السيد هاشم بن السيد سليمان البحراني الكتكاني، المتوفى سنة 1107 أو 1109 ه.
يقول عنه الشيخ يوسف صاحب الحدائق الناضرة (رحمه الله) في كتابه القيم (لؤلؤة البحرين): إنه كان فاضلا محدثا جامعا متتبعا للأخبار بما لم يسبق له سابق سوى شيخنا المجلسي، و قد صنف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه و اطلاعه. 198 و هذا الكتاب يجمع ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) من أحاديث في تفسير القرآن الكريم. و قد بذل المؤلف (رحمه الله) جهدا كبيرا في جمع و تنظيم هذه الأحاديث من طائفة واسعة من المصادر الروائية، و هو يدل على درجة عالية من القدرة العلمية عند المؤلف في تتبع الأحاديث من مصادرها الكثيرة و المتنوعة، و في تنظيم الأحاديث بموجب الآيات.
و هو جهد علمي كبير ليس له نظير في بابه إلا تفسير (نور الثقلين) الذي ألفه شيخنا العلامة الجليل المتتبع المحدث الفقيه الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي المتوفى سنة 1112 المعاصر لصاحب البرهان (رحمهما الله).
و من الحق أن هذين العلمين المتعاصرين (رحمهما الله) قاما في وقت واحد بعمل جليل في حقل الدراسات القرآنية، و أغنيا المكتبة القرآنية بموسوعتين جليلتين في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن، و هما حافلتان بما ورد عنهم (عليهم السلام) في التفسير.
و ليس من شك أن حديث أهل البيت (عليهم السلام) من أهم مفاتيح فهم كتاب الله، و لا يتيسر للمفسر أن يفهم كتاب الله إذا لم يضع أمامه الخطوط الأساسية التي رسمها أهل البيت (عليهم السلام) لفهم كتاب الله، و إذا لم يستعن بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في فهم دقائق القرآن و رقائق معانيه.