کتابخانه روایات شیعه
الْجُزْءُ الْأَوَّلُ
مقدّمة الناشر
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على سيد النبيين محمّد و آله الطاهرين نقدم اليوم إلى القراء أثرا نفيسا و كنزا ثمينا كان حتّى اليوم لم يخرج بحلته المناسبة و كما ينبغي و بالرغم من كثرة الحواشي على الطبعة القديمة لكنها لم تخل من تشويه و اغلاط مضافا إلى ذلك اللون من الطباعة و الاخراج ممّا يوجب ملل القارئ و سأم المراجع و نظرا لمكانة الكتاب بين الصحاح و مصادر التشريع الإسلامي التي يرجع إليها الشيعة و يعتمدها الاعلام فقد رغبت ان أقوم بخدمة دينية متوخيا خدمة الملأ العلمي و تقديرا لجهود شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسيّ قدس اللّه روحه و اكمالا لما سبق من خدمات- نرجو من اللّه تعالى قبولها- اسديناها و هي إعادة طبع اثنين من مصادر التشريع و هما- الاستبصار و من لا يحضره الفقيه- و اثنين من الجوامع الفقهيّة- و هما الحدائق الناظرة و جواهر الكلام- فأقدمت على إعادة طبع هذا الكتاب- تهذيب الأحكام- و اخراجه و ما يتناسب معه من حسن الاخراج و التبويب و التنسيق و التعليق كما سبق و على عادتنا في مطبوعاتنا، فتقدمت الى سماحة حجّة الإسلام سيدنا السيّد حسن الموسوي الخراسان دام ظله طالبا منه الاشراف على تحقيقه و مراجعة أصوله و تخريج أحاديثه فتلطف و أجاب كما سبق و أن تفضل بمثل ذلك في الاستبصار و من لا يحضره الفقيه، و قد اعتمد سماحته في مراجعة أصوله على النسخ التالية:
1- نسخة فريدة مخطوطة بخط جيد جدا مجدولة مذهبة كتبت على ورق جيد معلمة أبوابها بالحمرة و كذا متن المقنعة فانه معلم بخطوط افقية بالحمرة مزدانة بتعاليق و تقييدات ايضاحية و هي مقروءة على أحد الاعلام و في أكثر صفحاتها بلاغ بالسماع
و المقابلة و التصحيح بخط لطف اللّه بن محمّد مؤمن و ذلك في سنة 1078 كما انها مقابلة بنسخة العلامة الشيخ عليّ بن نصر اللّه الليثي الجزائريّ و تلك النسخة مقابلة بنسخة الشيخ البهائي ره و هي بخط والده الشيخ حسين بن عبد الصمد ره و هي منقولة عن نسخة قديمة مصحّحة عليها خطّ الشيخ جمال الدين بن مطهر ره و تلك القديمة نسخت عن نسخة المؤلّف التي هي بخطه «ره» و في آخر كتاب الطهارة من هذه النسخة صورة خطّ الشيخ حسين ابن عبد الصمد كما توجد صورة خطّ الشيخ زين الدين بن عليّ بن أحمد الشاميّ- الشهيد الثاني ره- بسماعه الكتاب و قراءة الناسخ الشيخ حسين بن عبد الصمد عليه. و هي مخطوطة سنة 1077 هج بقلم اشرف بن محمّد قاسم الشيرازي و مع تمام الاسف انها غير تامّة فانها تنتهى بكتاب الحجّ و النسخة من ممتلكات سماحة العلامة السيّد محمّد صادق الصدر سلمه اللّه طولها 27 سم عرضها 17 سم سمكها 4 سم طول الكتابة فيها 19 سم عرضها 11 سم عدد سطور كل صفحة 30 سطرا و يرمز إليها أحيانا بحرف «أ»
2- نسخة جيدة الخط جدا مجدولة مذهبة منمقة خالية عن الحواشي سوى بعض التقييدات البسيطة في أول كتاب الطهارة، و هي في مجلدين بخط شكر اللّه بن محمّد الحسيني بتاريخ سنة 1078 انهى كتابتها في أواخر شهر محرم الحرام، و الذي يظهر منها ان الناسخ أعجمي طولها 30 سم عرضها 19 سم سمك الأول 3 سم و الثاني 2 سم طول الكتابة فيها 12 سم عرضها 11 سم عدد سطور؟؟؟ صفحة 27 سم و يرمز إليها أحيانا بحرف «ب»
3- نسخة متوسطة الخط ورقها عشري عليها بلاغ بالسماع في آخر كتاب الطهارة ناقصة تنتهي بكتاب الحجّ و هو ناقص فيها طولها 39 سم عرضها 25 سم سمكها 4 سم طول الكتابة فيها 27 سم عرضها 15 سم عدد سطور كل صفحة 29 سطرا، و النسخة موقوفة وقفا عاما أوقفها آخوند حسين الحسيني حسب وصية المرحوم الحاجّ ملا حسين القراجهداغي و اليوم هي عند حجّة الإسلام الشيخ عبد الرسول الجواهري
سلمه اللّه و يرمز إليها أحيانا بحرف «ج»
4- نسخة جيدة الخط عليها حواشي كثيرة و عليها بلاغات بالسماع و القراءة و التحقيق من ناسخ الكتاب قاسم عليّ بن حسين علي البرارقي السبزواري على المولى أحمد بن حاج محمّد الشهير بالتوني في مجالس آخرها وسط شهر ربيع الأوّل سنة 1074 و هي مقابلة بنسخة الشيخ حسين بن عبد الصمد عارضها معها ناسخها في المشهد الرضوي على ساكنه الف سلام كما صرّح بذلك في آخر كتاب الطهارة و نقل الناسخ صورة خطّ الشيخ حسين بن عبد الصمد ره بالمقابلة و صورة خطّ الشيخ زين الدين الشهيد ره بالسماع طولها 31 سم عرضها 19 سم سمكها 5 سم طول الكتابة فيها 21 سم عرضها 11 سم عدد سطور كل صفحة 26 سطرا و النسخة من ممتلكات سيدنا آية اللّه السيّد محمّد البغداديّ دام ظله و يرمز إليها أحيانا بحرف «د»
5- نسخة مطبوعة بايران في طهران سنة 1317 في مجلدين و هي لا تخلو من تشويه و أغلاط و هي التي جرى عليها التصحيح و التعليق و قد اعتمد سماحته في تخريج أحاديث الكتاب على بقية الأصول الأربعة الكافي أصوله ط سنة 1375 بطهران و فروعه طبعة طهران 1312- 1315 و من لا يحضره الفقيه و الاستبصار من مطبوعاتنا و في الختام نسجل لسماحة سيدنا هذه العناية و نقدر له تلك الجهود التي عاناها في تحقيق الكتاب و تصحيحه فله من اللّه تعالى جزيل الأجر و جميل الذخر و له منا الدعاء و الشكر.
النجف الأشرف 8 ج 2 سنة 1378 ه الحاجّ شيخ علي الآخوندي صاحب دار الكتب الإسلامية
مقدّمة الكتاب [للمحقق]
بقلم سيدنا الحجة السيّد حسن الموسوي الخرسان
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة على سيد النبيين محمّد و آله الطيبين الطاهرين و بعد فهذه صفحات جمعت فيها ما تيسر بهذه العجالة جمعه ضمنتها حياة شيخنا أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد رحمه اللّه و أتبعتها بسطور لخصت فيها حياة شيخنا أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ، كما اني قد عرّفت هذا السفر الثمين- تهذيب الأحكام- و ما يحتله بين روائع الاسفار من التراث الإسلامي الخالد من مكانة سامية و أهمية بالغة و لم أتوخ في كل ذلك تنسيق اللفظ أو زخرف القول.
و جل همي أن أقف بالقارئ الكريم على شيء من حياة ذينك العلمين و مكانة الكتاب و ما امتاز به بين باقي الأصول الحديثية التي هي مدار أدلة الاستنباط للأحكام الشرعية من الآثار المروية عن أهل البيت عليهم السلام.
1- تمهيد
العلماء المؤمنون صنف من الناس يفضل الباقين مهما كانوا، و في أي زمن كانوا، و مهما عظمت أقدارهم، و تعالى شأنهم سوقة كانوا أو ملوكا، و ساسة
كانوا أو عبيدا، بفضل العلم و الايمان.
ففي حياة أولئك الأعلام المؤمنين دروس حيّة لمن وعاها و أحسن الأخذ بها إذ هم الذين جاهدوا فأحسنوا الجهاد و جنوا ثمر جهادهم مباركا جنيا مرضيا، فحازوا الخير كله في حياتهم، و خلدوا أنفسهم بعد مماتهم، و الفوز و الرضوان من وراء ذلك يتلقاهم و ما عند اللّه خير و أبقى ..
و إنا إذ نكتب هذه السطور لنؤرخ علما فردا من اعلام القرنين الرابع و الخامس و بطلا إسلاميا ناضل دون مبدئه أحسن نضال، و كافح عن عقيدته حتّى أحرز النصر و كسب الظفر كما كتب له الخلود، فزخرت المعاجم بالتحدث عن فضله، و أثبتت آثاره له المقام السامي بين صفوف أعيان الأمة الإسلامية ..
إنّما نكتبها لنتخذ من سيرته نهجا و من جهاده محفزا و باعثا، و من علمه نبراسا، و من أيامه و خلوده عظة و عبرة. و دراستنا له إنّما هي عرض موجز لحياته بين أساتذته و أقرانه و تلامذته و بين آثاره و اعماله، ثمّ بين مؤرخيه من مواليه و خصومه، و حين نجمع آراءهم على صعيد واحد يتمخض لنا الزبد و يتمحض الحق و ندرك مدى أثر هذه الشخصية الكريمة في دعم الإسلام و خدمة التشيع خاصّة، و ما كان لها من الفضل في نشر المبدأ و تركيزه، و لنبدأ الآن حديثنا عن ...
[حول الشيخ المفيد (رحمه الله) صاحب المقنعة]
2- اسمه و نسبه
هو محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهب بن هلال بن اوس بن سعيد بن سنان بن عبد الدار (المدان- خ ل) ابن الديان بن قطن (فطر- خ ل) بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحرث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن ملك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب
ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان 1
3- كنيته و لقبه
يكنى بأبي عبد اللّه و بابن المعلّم نسبة الى والده محمّد بن النعمان المعروف بالمعلّم، و اشتهر بها في كتب العامّة حتّى صارت عدلا للقبه في الشهرة.
يلقب بالمفيد و اختلف فيمن لقبه بذلك فقال ابن شهرآشوب في المعالم ص 101 إنّه الامام الحجة صاحب الامر عجل اللّه فرجه، قال و قد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب، أقول و لم نجد ذلك في المناقب، و قال غيره إنّه عليّ بن عيسى الرماني لقصة جرت له معه- سنذكرها عند الحديث عن نشأته و دراساته- و قيل إنّه القاضي عبد الجبار المعتزلي لحكاية بينهما سنذكرها ايضا.
4- ولادته
كان والده من أهل واسط و كان بها معلما ثمّ انتقل الى عكبراء- بالمد و تقصر موضع على عشرة فراسخ من بغداد في ناحية الدجيل- و أقام بموضع يقال له سويقة ابن البصري، و هناك ولد الشيخ المفيد قدّس سرّه، و كانت ولادته في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة 336 أو سنة 338.
5- خلقه، خلقه
كان «ره» «ربعة نحيفا أسمر، خشن اللباس كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة و الصوم» 2 «دقيق الفطنة ماضي الخاطر» 3 «حسن اللسان و الجدل، صبور على الخصم ... جميل العلانية» 4 «ما كان ينام من الليل الاهجعة ثمّ
يقوم يصلي، أو يطالع، أو يدرس، أو يتلو القرآن» 5
و كان قدّس سرّه لا يخلو من ظرف مع اصدقائه و معاشريه بما لا يخرج عن حدود الحشمة و مقاييس الأدب فمن ذلك انه جرت بينه و بين القاضي أبي بكر ابن الباقلاني مناظرة فافحمه الشيخ فقال له أبو بكر لك أيها الشيخ في كل قدر مغرفة فقال «ره» مداعبا له «نعم ما تمثلت به من أداة أبيك» فضحك الحاضرون و خجل القاضي» 6 و له مناظرات لطيفة و حكايات ظريفة أفرد لها علم الهدى كتابا 7
6- نشأته و دراسته