کتابخانه روایات شیعه
الفتنة المبطلة و محنتها المظلمة المضلة و من بخل منهم بما أعاده اللّه من نعمته على من أمره بصلته فانه يكون خاسرا بذلك لأولاه و آخرته و لو أن أشياعنا وفقهم اللّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا و لتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة و صدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم الا ما يتصل بنا مما نكرهه و لا نؤثره منهم و اللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل و صلواته على سيدنا البشير النذير محمّد و آله الطاهرين و سلّم و كتب في غرة شوال من سنة اثني عشرة و اربعمائة.
نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه على صاحبها: (هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي باملائنا و خطّ ثقتنا فاخفه عن كل أحد و اطوه و اجعل له نسخة يطّلع عليهما من تسكن الى أمانته من أوليائنا شملهم اللّه ببركتنا و دعائنا ان شاء اللّه و الحمد للّه و الصلاة على سيدنا محمّد و آله الطاهرين).
و الذي يظهر من تأريخ التوقيع الثاني انه وصل الى الشيخ قبل وفاته بثمانية أشهر تقريبا.
14- وفاته و مدفنه
توفي رحمه اللّه ليلة الجمعة- و ما أحسن الصدف فلليلة الجمعة و يومها فضل لا يخفى كما أن فضيلة الموت إذا وقع فيهما دلت عليه الروايات عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمة أهل البيت عليهم السلام ففى الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة رفع اللّه عنه عذاب القبر) و الأحاديث في ذلك كثيرة- و كانت وفاته لثلاث خلون من شهر رمضان المبارك سنة 413 و عمره الشريف 75 سنة أو 77 سنة، و كان يوم وفاته مشهودا لم ير أعظم منه كما وصفه شاهد العيان شيخ الطائفة فقد قال (و كان يوم وفاته يوما لم ير أعظم منه من كثرة
الناس للصلاة عليه و كثرة البكاء من المخالف و الموافق) و وصفه الشاهد الآخر الشاعر الفحل مهيار الديلميّ رحمه اللّه بقوله:
يوم أطل بغلة لا يشتفي
منها الهدى و بغمة لا تنجلي
فكأنّه يوم «الوصي» مدافعا
عن حتفه بعد «النبيّ المرسل »
ما إن رأت عيناي أكثر باكيا
منه و أوجع رنة من معول
حشدوا على جنبات نعشك وقعا
حشد العطاش على شفير المنهل
و تنازفوا الدمع الغريب كأنّما ال
إسلام قبلك أمه لم تثكل
يمشون خلفك و الثرى بك روضة
كحل العيون بها تراب الأرجل
و قد أجمع المؤرخون أن مشيعوه ثمانون الفا من الشيعة فما بالك بغيرهم من سائر الفرق، و وضعت جنازته بميدان [الأشنان] للصلاة عليها و تقدم السيّد الشريف المرتضى علم الهدى [ره] تلميذه الوفي فصلى عليه و صلى الناس خلفه و لكثرتهم ضاق الميدان على سعته بهم ثمّ حمل إلى داره و دفن بها و بقي سنين ثمّ نقل جثمانه الشريف إلى مقابر قريش فدفن الى جانب قبر شيخه أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه [ره] عند رجلي الامامين الكاظمين عليهما السلام و قبره اليوم في الرواق الكاظمي مزار معروف يتبرك به.
و تبارى فحولة الشعراء في رثائه و في مقدّمتهم السيّد الشريف علم الهدى المرتضى [ره] فقد رثاه بقصيدة أولها.
من على هذه الديار أقاما
و ضفا ملبس عليه فداما؟
عج بنا نندب الذين تولوا
باقتياد المنون عاما فعاما
إلى أن يقول:
من لفضل اخرجت منه خبيئا
و معان فضضت عنها ختاما؟
من ينير العقول من بعد ما
كنّ همودا و يفتح الأفهاما؟
من يعير الصديق رأيا إذا ما
سله في الخطوب كان حساما؟
و القصيدة طويلة مثبتة في ديوانه، و رثاه أيضا الشاعر المبدع عبد المحسن الصوري رحمه اللّه بمقطوعة جاء فيها.
تبارك من عم الأنام بفضله
و بالموت بين الخلق ساوى بعدله
مضى مستقلا بالعلوم [محمد ]
و هيهات يأتينا الزمان بمثله
و رثاه الشاعر الفحل مهيار الديلميّ رحمه اللّه بقصيدة طويلة تزيد على تسعين بيتا قال في مطلعها:
ما بعد يومك سلوة لمعلّل
مني و لا ظفرت بسمع معذل
سوى المصاب بك القلوب على الجوى
فيد الجليد على حشا المتململ
و تشابه الباكون فيك فلم يبن
دمع المحقّ لنا من المتعمل
و القصيدة طويلة من أرادها فليراجعها في ديوانه ج 4 ص 103 الى ص 109 ط مصر سنة 1349.
و ذكر القاضي نور اللّه ره في المجالس و غيره انه وجد مكتوب على قبره الأبيات التالية و هي منسوبة الى الحجة صاحب الامر عجل اللّه فرجه.
لا صوّت الناعي بفقدك انه
يوم على آل الرسول عظيم
ان كنت قد غيبت في جدث الثرى
فالعدل و التوحيد فيه مقيم
و القائم المهديّ يفرح كلما
تليت عليك من الدروس علوم
و خلّف شيخنا المترجم له رحمه اللّه ولدا اسمه علي ترجمه الصلاح الصفدي في الوافي بالوفيات و الميرزا عبد اللّه افندي في الرياض و قال الأخير في ترجمته (الشيخ أبو القاسم عليّ بن الشيخ أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان [قدّس سرّه] كان من اجلاء أصحابنا و هو ولد شيخنا المفيد و بروي عنه الشيخ الأجل حسين بن محمّد بن
الحسن صاحب كتاب نزهة الناظر و تنبيه الخواطر في كلمات النبيّ و الأئمّة عليهم السلام كما يظهر من بعض مواضع ذلك الكتاب و لكن لم يذكره أصحابنا في كتب الرجال فلاحظ).
و ان من اعجب العجب ما نقله جمع من المؤرخين من شماتة بعض من لا حريجة له في الدين بموت الشيخ مستجيبا لهوى نفسه ممعنا في غيه كانه لم يسمع قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء) و قول الإمام الصّادق عليه السلام [ما من أحد يموت أحبّ إلى إبليس من موت فقيه]
فقد ذكر ابن كثير عن بعض أئمته انه فرح بموت الشيخ و لم يسعه كتمه في قرارة نفسه حتّى أظهر علائم ذلك عيانا و هو أبو القاسم ابن النقيب فانه حين بلغه موت الشيخ سجد للّه شكرا و جلس للتهنئة و قال ما أبالي أي وقت مت بعد ان شاهدت موت ابن المعلم 23 و اعطف عليه اضرابه ممن اسفوا ان لا يكونوا نالوه بأذى في حياته فتناولوه شتما بعد وفاته كالخطيب البغداديّ و ابن حجر و اليافعي و العماد الحنبلى و اضرابهم فانهم حملوا عليه عند ذكره في كتبهم و أهون ما قالوه في موته (اراح اللّه منه) فبعين اللّه ما قاساه هذا الشيخ العظيم من عناء في جهاده و ما ناله من أذى في حياته و بعد وفاته و سلام عليه يوم ولد و يوم مات و يوم يبعث حيا.
15- شيخ الطائفة في سطور
1- هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسيّ نسبة الى طوس من مدن خراسان.
2- يكنى بابي جعفر و يلقب بشيخ الطائفة و بالشيخ على الإطلاق.
3- ولد في شهر رمضان سنة 385.
4- قدم بغداد من خراسان سنة [408] و هو ابن ثلاثة و عشرين عاما.
5- حضر عند الشيخ المفيد نحوا من خمس سنين و لازمه الى ان توفي [ره] لثلاث ليال خلون من شهر رمضان سنة 413.
6- اختص بعد وفاة شيخه المفيد بالسيّد المرتضى طيلة ثلاثة عشر عاما الى أن توفي السيّد [ره] لخمس بقين من شهر ربيع الأوّل سنة 436.
7- أجرى له السيّد المرتضى في كل شهر اثني عشر دينارا منها كان تدبير معاشه.
8- بلغت عدة مشايخه أكثر من خمسين شخصا من اعلام الفريقين.
9- استقل بالظهور و لزعامة الدينية بعد وفاة استاذه المرتضى قدّس سرّه.
10- بلغت عدة تلامذته الى ثلاثمائة مجتهد من الخاصّة و من العامّة ما لا يحصى عددهم.
11- جعل له الخليفة العباسيّ [القائم بأمر اللّه عبد اللّه بن القادر باللّه أحمد] كرسي الكلام و الإفادة، و هو الذي ما كانوا يسمحون به يومئذ الا لوحيد العصر.
12- ثقل وجوده على خصومه من الناس فكانوا يحرّضون عليه حتّى وشي به الى الخليفة العباسيّ [القادر باللّه أحمد] و لما أحضره و سأله عن وشايتهم و ما رموه به أجابه الشيخ بما قبل منه فرفع مكانته و انتقم من الساعي و أهانه.
13- لم يفتأ خصوم الشيخ تماديا في طغيانهم فكانوا يستغلون السواد في التحريض عليه حتّى أحرقوا داره و كتبه و ما كان له من كرسي الكلام و التدريس.
14- بقي في بغداد بعد وفاة استاذه السيّد اثني عشر سنة مستقلا بالزعامة
ثم غادرها بعد ذلك.
15- هبط الى النجف الأشرف سنة [448] و هو أول من أسس الحوزة العلمية بها و إليه يرجع الفضل في تأسيسها صانها اللّه من الشرور و الآفات.
16- كان قدّس سرّه [شيخ الإماميّة و وجههم و رئيس الطائفة جليل القدر عظيم المنزلة ثقة عين صدوق عارف بالاخبار و الرجال و الفقه و الأصول و الكلام و الأدب و جميع الفضائل تنسب إليه صنّف في كل فنون الإسلام و هو المهذب للعقائد في الأصول و الفروع الجامع لكمالات النفس في العلم و العمل] 24
17- بلغت عدة ما وقفنا على اسمه من تآليفه أكثر من خمسين كتابا في شتّى فنون الإسلام.
18- توفي ليلة الاثنين 22 محرم الحرام سنة 460 هج عن خمسة و سبعين عاما.
19- دفن في داره التي حوّلت بعده مسجدا حسب وصيته و قبره اليوم مزار مشيد يتبرك به في النجف الأشرف.
20- خلف ولدا اسمه الحسن و يكنى بابي علي و يلقب بالمفيد الثاني من مشاهير العلماء خلف اباه في التدريس و الفتيا توفّي سنة 515 و له آثار جليلة.
16- تهذيب الأحكام
هو هذا الكتاب الذي نقدمه اليوم الى القراء و للتعريف به نشير الى بعض ما يتعلق به و روما للاختصار نكتفي بشذرة من يراع سيدنا بحر العلوم [قدّس سرّه] قال [ره] فى الثناء على المؤلّف و المؤلّف [و أمّا الحديث فاليه تشد الرحال و به تبلغ رجاله