کتابخانه تفاسیر
تيسير الكريم الرحمن، ص: 5
مقدمة التحقيق
كلمة دار إحياء التراث العربي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد للّه، نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، من يهد اللّه فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد، فيسرّ دار إحياء التراث أن تقدّم للعالم الإسلامي واحدا من أعظم التفاسير المعاصرة في القرن العشرين هو تفسير الإمام السّعدي المسمى «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» أكمله عام 1344 ه/ 1924 م «1» .
و قد انتفع المؤلّف كثيرا بكتب شيخ الإسلام الداعية ابن تيمية الحراني الدمشقي أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (ت 728 ه) و تلميذه ابن القيم شمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن أبي بكر الزّرعي الدمشقي (ت 751 ه) و حصل له خير كثير بسببهما في علم الأصول و التوحيد و التفسير و الفقه، فألّف تفسيره بما فتح اللّه عليه من علوم، و خرج من مذهبه الحنبلي إلى ما يترجح عنده بالدليل الشرعي، فكانت له اليد الطولى في التفسير و برع فيه، إذ قرأ عدة تفاسير. فأجاد و أفاد و أخذ يبينّ من معاني القرآن و فوائده ما تعظم درره، مع استنباط الفوائد البديعة و المعاني الجليلة، كل ذلك مع فصاحة و جزالة في الألفاظ و توسع في سياق الأدلة.
و هذا ما دعى مؤسسة دار إحياء التراث العربي لنشر هذا الكتاب الجليل بهذه الحلة القشيبة
(1) كما كتب في آخر تفسير سورة الفتح: «بقلم الفقير إلى ربّه سليمان بن حمد العبد اللّه البسّام» نقلته من خط المفسّر ... في (13) ذي الحجة عام (1354 ه).
و كتب في آخر التفسير: «تمّ كتاب تفسير اللّه بعونه و حسن توفيقه على يد جامعه و كاتبه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد اللّه المعروف بابن السعدي. وقع النقل في (7) شعبان سنة (1354 ه).
تيسير الكريم الرحمن، ص: 6
بعد ما عمدت إلى ضبط ألفاظه و تصحيح آياته القرآنية الكريمة على برنامج الحاسوب و مراجعتها حرفيا على المصحف الشريف، و استدراك أخطاء طبعاته السابقة و ما نقص منها- و هي ليست بالقليلة-، و الاعتناء به بما قدّر اللّه به و أعان، و جعلته حاشية للمصحف الشريف بالرسم العثماني.
و قد بذل المؤلّف رحمه اللّه من الجهود المباركة ما يحمد عليه خصوصا عند تعرّضه لمسألة العقيدة و التوحيد و آيات الصفات حيث لا تحريف و لا تأويل يخالف مراد اللّه، كل ذلك مع سهولة العبارة و وضوحها و بساطتها و تجنّب الحشو و التطويل و ذكر مواضع الخلاف إلا ما دعت إليه حاجة، مع دقّة في الاستنباط، و وعظ و إرشاد في التربية.
و صدّر المفسّر كتابه بمقّدمة بيّن فيها الأسباب التي دعته إلى كتابة هذا التفسير، ثمّ تحدّث عن أصول و كليات من أصول التفسير لا يستغني عنها المفسّر، و فصل في شرح أسماء اللّه الحسنى.
كما خلا هذا التفسير من الإسرائيليات و القصص و اهتم بإبراز العقيدة السّلفيّة و التوجه الصادق إلى اللّه مع استنباط الأحكام الشرعية و القواعد الأصولية و الفوائد الفقهية.
و ربّما ذكر المفسّر بعض الأحاديث النبوية الشريفة كما في سورة التغابن الآية [16] لكن دون ذكر من خرّج الحديث و من رواه من الأئمّة.
كما خلا التفسير من القراءات القرآنية، و الإعراب إلّا نادرا، و تبيان المكّي و المدني من الآيات، لكن المفسّر رحمه اللّه يستأنس أحيانا ببعض الشواهد القرآنية في مواضع ليست بالقليلة، و بأسباب النزول عند الضرورة. مع التركيز بالمقابل على المقصود من الآية بعبارات سهلة واضحة توضح المعنى المقصود و المفيد.
و الغالب العام هو البساطة في التفسير و التوجه الصادق مع اللّه و عرض آراء المفسّرين السابقين الذين استفاد الإمام السعدي من كتبهم و نقل عنهم، حتى غدا هذا التفسير درّة من درر ما يعرف ب «التفسير بالرأي».
أمّا خطّة إخراج الكتاب الفنيّة فكانت كالتالي:
1- وضع أمام كل آية رقمها من القرآن الكريم و من ثم التفسير الموافق لها هكذا [1]، [2] ...
2- إسقاط اللفظ القرآني أحيانا في بداية السورة، و ربما في وسطها، أو في آخرها منعا للتطويل، و يجد القارئ ذلك في المصحف الشريف حيث جعل التفسير حاشية له. و ذلك مثلا كما في سورة الرعد الآية [6] حيث بدأ المفسّر تفسيره بقوله: «يخبر تعالى عن جهل المكذّبين لرسوله المشركين به، الذين وعظوا فلم يتّعظوا ...» مسقطا اللفظ القرآني لبداية السورة و هو وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ .
و كذا الآية [21] من سورة الحجر، و هذا كثير في الكتاب.
تيسير الكريم الرحمن، ص: 7
و ربما أسقط اللفظ القرآني بتمامه و اكتفى بتفسير الآية كما في سورة الحجر مثلا الآية [2] و الآية [80].
هذا و يجد القارئ ترجمة للمؤلّف وراء هذه الكلمة.
نسأل اللّه العظيم ربّ العرش العظيم أن ينفع بهذا التفسير المبارك و أن يرحم مؤلّفه رحمة واسعة و يجزيه خير الجزاء.
و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الخلق و المرسلين سيدنا محمد، و على آله و أصحابه الطيبين الطاهرين، و على من والاهم بإحسان إلى يوم الدين.