کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 937

[17] وَ آتَيْناهُمْ‏ ، أي: آتينا بني إسرائيل‏ بَيِّناتٍ‏ ، أي: دلالات تبين الحق من الباطل‏ مِنَ الْأَمْرِ القدري، الذي أوصله اللّه إليهم. و تلك الآيات هي المعجزات التي رأوها على يد موسى عليه السّلام. فهذه النعم التي أنعم اللّه بها على بني إسرائيل، تقتضي الحال أن يقوموا بها على أكمل الوجوه، و أن يجتمعوا على الحق، الذي بينه اللّه لهم، و لكن انعكس الأمر، فعاملوها بعكس ما يجب. و افترقوا فيما أمروا بالاجتماع به، و لهذا قال: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ‏ ، أي: الموجب لعدم الاختلاف، و إنما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض، و الظلم. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ فيميز المحق من المبطل، و الذي حمله على الاختلاف، الهوى و غيره.

[18] أي: ثمّ شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير، و تنهى عن كل شر، من أمرنا الشرعي‏ فَاتَّبِعْها ، فإن في اتباعها السعادة الأبدية، و الصلاة و الفلاح. وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ ، أي: الّذين تكون أهويتهم، غير تابعة للعلم، و لا ماشية خلفه، و هم كل من خالف شريعة الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم هواه و إرادته، فإنه من أهواء الّذين لا يعلمون.

[19] إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ، أي:

لا ينفعونك عند اللّه، فيحصلوا لك الخير، و يدفعوا عنك الشر، إن اتبعتهم على أهوائهم، و لا يصلح أن توافقهم و تواليهم، فإنك و إياهم متباينون. وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ‏ يخرجهم من الظلمات إلى النور بسبب تقواهم و عملهم بطاعته.

[20] أي‏ هذا القرآن الكريم و الذكر الحكيم‏ بَصائِرُ لِلنَّاسِ‏ ، أي: تحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس، فيحصل به الانتفاع للمؤمنين. وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏ فيهتدون به إلى الصراط المستقيم، في أصول الدين و فروعه، و يحصل به الخير و السرور، و السعادة في الدنيا و الآخرة، و هي الرحمة، فتزكو به نفوسهم، و تزداد به عقولهم، و يزيد به إيمانهم و يقينهم، و تقوم به الحجة على من أصر و عاند.

[21] أي: أم حسب المسيئون، المكثرون من الذنوب، المقصرون في حقوق ربهم. أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ بأن قاموا بحقوق ربهم، و اجتنبوا مساخطه، و لم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى أنفسهم؟ أي:

أحسبوا أن يكونوا سَواءً في الدنيا و الآخرة؟ ساء ما ظنوا و حسبوا، و ساء ما حكموا به فإنه حكم يخالف حكمة أحكم الحاكمين، و خير العادلين، و يناقض العقول السليمة، و الفطر المستقيمة، و يضاد ما نزلت به الكتب، و أخبرت به الرسل. بل الحكم الواقع القطعي، أن المؤمنين العاملين الصالحات، لهم النصر و الفلاح و السعادة و الثواب، في العاجل و الآجل، كل على قدر إحسانه، و أن المسيئين لهم الغضب و الإهانة، و العذاب و الشقاء في الدنيا و الآخرة.

[22] أي: خلق اللّه السماوات و الأرض بالحكمة، و ليعبد وحده لا شريك له. ثمّ يحاسب بعد ذلك من أمرهم بعبادته، و أنعم عليهم بالنعم الظاهرة و الباطنة هل شكروا اللّه تعالى، و قاموا بالمأمور؟ أم كفروا، فاستحقوا جزاء الكفور؟

تيسير الكريم الرحمن، ص: 938

[23] يقول تعالى: أَ فَرَأَيْتَ‏ الرجل الضال الذي‏ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ‏ فما هواه سلكه، سواء كان يرضي اللّه، أم يسخطه. وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ‏ من اللّه، أنه لا تليق به الهداية، و لا يزكو عليها. وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ‏ فلا يسمع ما ينفعه‏ وَ قَلْبِهِ‏ فلا يعي الخير وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً تمنعه من نظر الحقّ‏ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ‏ ، أي: لا أحد يهديه و قد سد اللّه عليه أبواب الهداية، و فتح له أبواب الغواية. و ما ظلمه اللّه، و لكن هو الذي ظلم نفسه، و تسبب لمنع رحمة اللّه عليه‏ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ ما ينفعكم فتسلكوه، و ما يضركم فتجتنبوه.

[24] وَ قالُوا ، أي: منكرو البعث‏ ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ إن هي إلا عادات، و جري على رسوم الليل و النهار، يموت أناس، و يحيا أناس، و من مات فليس براجع إلى اللّه، و لا مجازى بعمله. و قولهم هذا صادر عن غير علم‏ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ‏ فأنكروا المعاد و كذبوا الرسل الصادقين، من غير دليل دلهم، و لا برهان.

[25] إن هي إلا ظنون، و استبعادات خالية عن الحقيقة، و لهذا قال تعالى: وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (25)، و هذا جراءة منهم على اللّه، حيث اقترحوا هذا الاقتراح، و زعموا أن صدق رسل اللّه، متوقف على الإتيان بآبائهم، و أنهم لو جاؤوهم بكل آية لم يؤمنوا، إلا إن اتبعتهم الرسل على ما قالوا.

[26] و هم كذبة فيما قالوا، و إنّما قصدهم دفع دعوة الرسل، لا بيان الحقّ، قال تعالى: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ (26) و إلا فلو وصل العلم باليوم الآخر إلى قلوبهم، لعملوا له أعمالا و تهيؤوا له.

[27] يخبر تعالى عن سعة ملكه، و انفراده بالتصرف و التدبير، في جميع الأوقات، و أنه‏ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ و يجمع الخلائق لموقف القيامة، يحصل الخسار على المبطلين، الّذين أتوا بالباطل، ليدحضوا به الحقّ، و كانت أعمالهم باطلة، لأنها متعلقة بالباطل، فبطلت في يوم القيامة، اليوم الذي تستبين فيه الحقائق و اضمحلت عنهم، و فاتهم الثواب، و حصلوا على أليم العقاب.

[28] ثمّ وصف تعالى شدة يوم القيامة و هو له ليحذره الناس، و يستعد له العباد، فقال: وَ تَرى‏ أيها الرائي لذلك اليوم‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً على ركبها خوفا و ذعرا، و انتظارا لحكم الملك الرحمن. كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا ، أي: إلى شريعة نبيهم، الذي جاءهم من عند اللّه، و هل قاموا بها فيحصل الثواب و النجاة؟ أم ضيعوها، فيحصل لهم الخسران. الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فأمة موسى يدعون إلى شريعة موسى، و أمة عيسى كذلك، و أمة محمد كذلك، و هكذا غيرهم كل أمة تدعى إلى شرعها الذي كلفت به. هذا أحد الاحتمالات في الآية، و هو معنى صحيح في نفسه، غير مشكوك فيه، و يحتمل أن المراد بقوله: كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا ، أي:

إلى كتاب أعمالها، و ما سطر عليها، من خير و شر، و أن كل أحد يجازى بما عمله بنفسه، كقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها* .

[29] و يحتمل أن المعنيين كليهما، مراد من الآية، و يدل على هذا قوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ‏ ، أي: هذا كتابنا الذي أنزلنا عليكم، يفصل بالحق الذي هو العدل‏ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فهذا كتاب الأعمال.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 939

[30] و لهذا فصل ما يفعل اللّه بالفريقين فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ إيمانا صحيحا، و صدقوا إيمانهم بالأعمال الصالحة، من واجبات و مستحبات‏ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ‏ الّتي محلها الجنة، و ما فيها من النعيم المقيم، و العيش السليم. ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ‏ ، أي: المفاز و النجاة و الربح، و الفلاح الواضح البيّن الذي إذا حصل للعبد، حصل له كل خير، و اندفع عنه كل شر.

[31] وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا باللّه، فيقال لهم توبيخا و تقريعا:

أَ فَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ‏ و قد دلتكم على ما فيه صلاحكم، و نهتكم عما فيه ضرركم، و هي أكبر نعمة وصلت إليكم، لو وفقتم لها. فَاسْتَكْبَرْتُمْ‏ عنها، و أعرضتم، و كفرتم بها، فجنيتم أكبر جناية، و أجرمتم أشد الجرم، فاليوم تجزون ما كنتم تعملون.

[32] و يوبخون أيضا بقوله: وَ إِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ السَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ‏ منكرين لذلك: ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ‏ .

[33] فهذه حالهم في الدنيا، و حال البعث الإنكار له، وردوا قول من جاء به، قال تعالى: وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ، أي: و ظهر لهم يوم القيامة عقوبات أعمالهم. وَ حاقَ بِهِمْ‏ ، أي: نزل‏ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ ، أي: نزل بهم العذاب، الذي كانوا في الدنيا، يستهزئون بوقوعه، و بمن جاء به.

[34] وَ قِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ‏ ، أي: نترككم في العذاب‏ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ، فإن الجزاء من جنس العمل‏ وَ مَأْواكُمُ النَّارُ ، أي: هي مقركم و مصيركم. وَ ما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ‏ ينصرونكم من عذاب اللّه، و يدفعون عنكم عقابه.

[35] ذلِكُمْ‏ الذي حصل لكم من العذاب (ب) سبب أنكم‏ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً مع أنها موجبة للجد و الاجتهاد، و تلقيها بالسرور و الاستبشار و الفرح. وَ غَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بزخارفها و لذاتها و شهواتها، فاطمأننتم إليها، و عملتم لها، و تركتم العمل للدار الباقية. فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ ، أي: و لا يمهلون، و لا يردون إلى الدنيا ليعملوا صالحا.

[36] فَلِلَّهِ الْحَمْدُ كما ينبغي لجلال وجهه و عظيم سلطانه‏ رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ، أي: له الحمد على ربوبيته لسائر الخلق، حيث خلقهم و رباهم، و أنعم عليهم بالنعم الظاهرة و الباطنة.

[37] وَ لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ، أي: له الجلال و العظمة و المجد. فالحمد فيه الثناء على اللّه بصفات الكمال، و محبته تعالى و إكرامه، و الكبرياء فيها عظمته و جلاله، و العبادة مبنية على ركنين، محبة اللّه، و الذل له، و هما ناشئان عن العلم بمحامد اللّه و جلاله و كبريائه. وَ هُوَ الْعَزِيزُ القاهر لكل شي‏ء، الْحَكِيمُ‏ الذي يضع الأشياء مواضعها، فلا يشرع ما يشرعه إلا لحكمة و مصلحة، و لا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة و منفعة.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 940

سورة الأحقاف‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[2] هذا ثناء منه تعالى على كتابه العزيز و تعظيم له، و في ضمن ذلك إرشاد العباد إلى الاهتداء بنوره، و الإقبال على تدبر آياته، و استخراج كنوزه. و لما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر و النهي، ذكر خلقه السماوات و الأرض، فجمع بين الخلق و الأمر أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ‏ ، و كما قال تعالى: * يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ‏ . فاللّه تعالى، هو الذي خلق المكلفين، و خلق مساكنهم، و سخر لهم ما في السماوات و ما في الأرض، ثمّ أرسل إليهم رسله، و أنزل عليهم كتبه، و أمرهم و نهاهم، و أخبرهم أن هذه الدار دار أعمال و ممر للعمال، لا دار إقامة، لا يرحل عنها أهلها. و هم سينتقلون منها إلى دار الإقامة و القرار، و موطن الخلود و الدوام، و إنّما أعمالهم الّتي عملوها في هذه الدار، سيجدون ثوابها في تلك الدار كاملا موفورا.

[3] و أقام تعالى الأدلة على تلك الدار و أذاق العباد نموذجا من الثواب و العقاب العاجل، ليكون أدعى لهم إلى طلب المحبوب، و الهرب من المرهوب، و لهذا قال هنا: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ‏ ، أي: لا عبثا، و لا سدى، بل ليعرف العباد عظمة خالقها، و يستدلوا على كماله، و يعلموا أن الذي خلقهما، قادر على أن يعيد العباد بعد موتهم للجزاء، و أن خلقهما و بقاءهما، مقدر إلى ساعة معينة وَ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ .

فلما أخبر بذلك- و هو أصدق القائلين- و أقام الدليل، و أنار السبيل، أخبر- مع ذلك- أن طائفة من الخلق قد أبوا إلا إعراضا عن الحقّ، و صدوفا عن دعوة الرسل، فقال: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ‏ . و أما الّذين آمنوا، فلما علموا حقيقة الحال قبلوا وصايا ربهم، و تلقوها بالقبول و التسليم، و قابلوها بالانقياد و التعظيم، ففازوا بكل خير، و اندفع عنهم كل شر.

[4] أي: قُلْ‏ لهؤلاء الّذين أشركوا باللّه، أوثانا و أندادا، لا تملك نفعا و لا ضرا، و لا موتا و لا حياة، و لا نشورا. قل لهم- مبينا عجز أوثانهم، و أنها لا تستحق شيئا من العبادة-: أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ‏ . هل خلقوا من أجرام السماوات شيئا؟ هل خلقوا جبالا؟ هل أجروا أنهارا؟ هل نشروا حيوانا؟ هل أنبتوا أشجارا؟ هل كان منهم معاونة على خلق شي‏ء من ذلك؟ لا شي‏ء من ذلك، بإقرارهم على أنفسهم، فضلا عن غيرهم، فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى اللّه، فعبادته باطلة. ثمّ ذكر انتفاء الدليل النقلي، فقال: ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا الكتاب يدعو إلى الشرك، أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ‏ موروث عن الرسل يأمر بذلك. من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك، بل نجزم و نتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم، و نهوا عن الشرك به. و هي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم، قال تعالى: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 941

اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ‏ . و كل رسول قال لقومه:

اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* . فعلم أن جدال المشركين في شركهم، غير مستندين إلى برهان و لا دليل، و إنّما اعتمدوا على ظنون كاذبة، و آراء كاسدة، و عقول فاسدة.

يدلّك على فسادها استقراء أحوالهم، و تتبع علومهم و أعمالهم، و النظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته، هل أفادهم شيئا في الدنيا أو في الآخرة؟

[5] و لهذا قال تعالى: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، أي: مدة مقامه في الدنيا، لا ينتفع به مثقال ذرة، وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ‏ . لا يسمعون منهم دعاء، و لا يجيبون لهم نداء، هذا حالهم في الدنيا. و يوم القيامة يكفرون بشرككم.

[6] وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً يلعن بعضهم بعضا، و يتبرأ بعضهم من بعض‏ وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ‏ .

[7] وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏ ، أي: على المكذبين‏ آياتُنا بَيِّناتٍ‏ بحيث تكون على وجه، لا يمترى بها، و لا يشك في وقوعها و حقها، لم تفدهم خيرا، بل قامت عليهم بذلك الحجة. و يقولون من إفكهم و افترائهم‏ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ ، أي: ظاهر لا شك فيه، و هذا من باب قلب الحقائق، الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول، و إلا فبين الحقّ الذي جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و بين السحر من المنافاة و المخالفة، أعظم مما بين السماء و الأرض. و كيف يقاس الحقّ الذي علا و ارتفع ارتفاعا على الأفلاك، و فاق بضوئه و نوره نور الشمس، و قامت الأدلة الأفقية و النفسية عليه، و أقرت به و أذعنت، أولو البصائر و العقول الرزينة، كيف يقاس الحقّ الذي هذا شأنه بالباطل الذي هو السحر، الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس، خبيث العمل؟ فهو مناسب له و موافق لحاله، و هل هذا إلا من البهرجة؟

[8] أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ‏ ، أي: افترى محمد هذا القرآن من عند نفسه، فليس هو من عند اللّه. قُلْ‏ لهم: إِنِ افْتَرَيْتُهُ‏ فاللّه عليّ قادر و بما تفيضون فيه عالم، فكيف لم يعاقبني على افترائي، الذي زعمتم؟ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إن أرادني اللّه بضر، أو أرادني برحمة هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى‏ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ‏ فلو كنت متقولا عليه، لأخذ مني باليمين، و لعاقبني عقابا يراه كل أحد، لأن هذا أعظم أنواع الافتراء لو كنت متقولا. ثمّ دعاهم إلى التوبة مع ما صدر منهم من معاندة الحقّ و مخاصمته، فقال: وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏ ، أي: فتوبوا إليه، و أقلعوا عما أنتم فيه، يغفر لكم ذنوبكم، و يرحمكم، فيوفقكم للخير، و يثيبكم جزيل الأجر.

[9] قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ‏ ، أي: لست بأول رسول جاءكم، حتى تستغربوا رسالتي و تستنكروا دعوتي، فقد تقدم من الرسل و الأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم، فلأي شي‏ء تنكرون رسالتي؟ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ‏ ، أي: لست إلا بشرا، ليس بيدي من الأمر شي‏ء، و اللّه تعالى المتصرف بي و بكم، الحاكم عليّ و عليكم. إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَ‏ و لست آتي بالشي‏ء من عندي، وَ ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ‏ ، فإن قبلتم رسالتي، و أجبتم دعوتي، فهو حظكم و نصيبكم في الدنيا و الآخرة، و إن رددتم ذلك عليّ، فحسابكم على اللّه، و قد أنذرتكم، و من أنذر فقد

تيسير الكريم الرحمن، ص: 942

أعذر.

[10] قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى‏ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ‏ ، أي:

أخبروني، لو كان هذا القرآن من عند اللّه، و شهد على صحته الموفقون من أهل الكتاب، الّذين عندهم من الحقّ ما يعرفون أنه الحقّ، فآمنوا به و اهتدوا، فتطابقت أنباء الأنبياء و أتباعهم النبلاء، و استكبرتم، أيها الجهلاء الأغبياء، فهل هذا إلا أعظم الظلم و أشد الكفر؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* ، و من الظلم الاستكبار عن الحقّ بعد التمكن منه.

[11] أي: قال الكفار بالحق معاندين له، و رادّين لدعوته: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ‏ ، أي: ما سبقنا إليه المؤمنون، و كنا أول مبادر به، و سابق إليه، و هذا من البهرجة في مكان. فأيّ دليل يدل على أن علامة الحقّ سبق المكذبين به للمؤمنين؟ هل هم أزكى نفوسا؟ أم أكمل عقولا؟ أم الهدى بأيديهم؟ و لكن هذا الكلام الذي صدر منهم، يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشي‏ء، ثمّ طفق يذمه، و لهذا قال: وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ‏ ، أي: هذا السبب الذي دعاهم إليه، أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن، و فاتهم أعظم المواهب، و أجل الرغائب، قدحوا فيه، بأنه كذب، و هو الحقّ الذي لا شك فيه، و لا امتراء يعتريه.

[12] وَ قد وافق الكتب السماوية مِنْ قَبْلِهِ‏ خصوصا، أكملها و أفضلها بعد القرآن، و هي التوراة كِتابُ مُوسى‏ إِماماً وَ رَحْمَةً ، أي: يقتدي بها بنو إسرائيل، و يهتدون بها، و يحصل لهم خير الدنيا و الآخرة.

وَ هذا القرآن‏ كِتابٌ مُصَدِّقٌ‏ للكتب السابقة، شهد بصدقها، و صدّقها، بموافقته لها، و جعله اللّه‏ لِساناً عَرَبِيًّا ليسهل تناوله، و يتيسر تذكّره. لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر و الفسوق و العصيان، إن استمروا على ظلمهم بالعذاب الوبيل. وَ بُشْرى‏ لِلْمُحْسِنِينَ‏ في عبادة الخالق، و في نفع المخلوقين، بالثواب الجزيل، و في الدنيا و الآخرة، و يذكر الأعمال الّتي ينذر عنها، و الأعمال الّتي يبشر بها.

[13] أي: إن الّذين أقروا بربهم، و شهدوا له بالوحدانية، و التزموا طاعته و داموا على ذلك‏ ثُمَّ اسْتَقامُوا مدة حياتهم‏ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‏ من كل شر أمامهم‏ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏ على ما خلّفوا وراءهم.

[14] أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أي: أهلها الملازمون لها، الّذين لا يبغون عنها حولا، و لا يريدون بها بدلا. خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ من الإيمان باللّه، المقتضي للأعمال الصالحة الّتي استقاموا عليها.

[15] هذا من لطفه تعالى بعباده، و شكره للوالدين أن وصّى الأولاد و عهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف، و الكلام اللين، و بذل المال و النفقة، و غير ذلك، من وجوه الإحسان. ثمّ نبّه على ذكر السبب الموجب لذلك، فذكر ما تحملته الأم من ولدها و ما قاسته من المكاره وقت حملها، ثمّ مشقة ولادتها، المشقة الكبيرة، ثمّ مشقة الرضاع و خدمة الحضانة. و ليست المذكورات مدة يسيرة، ساعة أو ساعتين، و إنّما ذلك، أي: حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ‏ مدة طويلة قدرها ثَلاثُونَ شَهْراً : الحمل تسعة أشهر و نحوها، و الباقي للرضاع، هذا هو الغالب. و يستدل بهذه الآية مع قوله: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ‏ أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع- و هي سنتان- إذا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 943

سقطت من الثلاثين شهرا، بقي ستة أشهر، مدة للحمل.

حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ‏ ، أي: نهاية قوته و شبابه، و كمال عقله، وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي‏ ، أي: ألهمني و وفقني‏ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى‏ والِدَيَ‏ ، أي:

نعم الدين، و نعم الدنيا. و شكره، بصرف النعم في طاعة مسديها و موليها، و مقابلته على منّته، بالاعتراف و العجز عن الشكر، و الاجتهاد في الثناء بها على اللّه، و النعم على الوالدين، نعم على أولادهم و ذريتهم، أنهم لا بد أن ينالهم منها و من أسبابها و آثارها، خصوصا نعم الدين، فإن صلاح الوالدين بالعلم و العمل، من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم. وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ‏ بأن يكون جامعا لما يصلحه، سالما مما يفسده، فهذا العمل الذي يرضاه اللّه و يقبله، و يثيب عليه. وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي‏ لما دعا لنفسه بالصلاح، دعا لذريته أن يصلح اللّه أحوالهم، و ذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم، لقوله: وَ أَصْلِحْ لِي‏ .

إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ‏ من الذنوب و المعاصي، و رجعت إلى طاعتك‏ وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ .

[16] أُولئِكَ‏ الّذين ذكرت أوصافهم‏ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا و هو الطاعات، لأنهم يعملون أيضا غيرها. وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي‏ في جملة أَصْحابِ الْجَنَّةِ ، فحصل لهم الخير و المحبوب، و زال عنهم الشر و المكروه. وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ‏ ، أي: هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد من أصدق القائلين، الذي لا يخلف الميعاد.

[17] لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه، ذكر حال العاق، و أنها شر الحالات، فقال: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ‏ إذ دعواه إلى الإيمان باللّه و اليوم الآخر، و خوفاه الجزاء. و هذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما، أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية، و فلاحه السرمدي، فقابلهما بأقبح مقابلة، فقال: أُفٍّ لَكُما ، أي: تبّا لكما و لما جئتما به. ثمّ ذكر استبعاده و إنكاره لذلك فقال: أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ‏ من قبري إلى يوم القيامة وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي‏ على التكذيب، و سلفوا على الكفر، و هم الأئمة المقتدى بهم لكل كفور، و جهول، و معاند؟ وَ هُما ، أي: والده‏ يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ‏ عليه و يقولان له: وَيْلَكَ آمِنْ‏ ، أي: يبذلان غاية جهدهما، و يسعيان في هدايته، أشد السعي، حتى إنهما- من حرصهما عليه- يستغيثان اللّه له، استغاثة الغريق و يسألانه، سؤال الشريق، و يعذلان ولدهما، و يتوجعان له، و يبينان له الحقّ، فيقولان: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ ، ثمّ يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما.

و ولدهما لا يزداد إلا عتوا و نفورا، و استكبارا عن الحقّ، و قدحا فيه، فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ ، أي: إلا منقول من كتب المتقدمين، ليس من عند اللّه، و لا أوحاه اللّه إلى رسوله. و كل أحد يعلم أن محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم أمّيّ لا يكتب و لا يقرأ، و لم يتعلم من أحد. فمن أين يتعلّمه؟ و أنّى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟

صفحه بعد