کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1046

و حقها في النفقة و نحوها. فإذا ضبطت عدتها، علمت حالها على بصيرة، و علم ما يترتب عليها، من الحقوق، و ما لها منها. و هذا الأمر بإحصاء العدة، يتوجه للزوج، و للمرأة، إن كانت مكلفة، و إلا فلوليّها. و قوله: وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ‏ ، أي: في جميع أموركم، و خافوه في حق الزوجات المطلقات. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ‏ مدة العدة، بل تلزم بيتها الذي طلقها زوجها و هي فيه. وَ لا يَخْرُجْنَ‏ ، أي: لا يجوز لهن الخروج منها. أما النهي عن إخراجها، فلأن المسكن، يجب على الزوج للزوجة، لتكمل فيه عدتها الّتي هي حق من حقوقه. و أما النهي عن خروجها، فلما في خروجها، من إضاعة حق الزوج، و عدم صونه. و يستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت، و الإخراج إلى تمام العدة. إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، أي: بأمر قبيح واضح، موجب لإخراجها، بحيث يدخل على أهل البيت الضرر، من عدم إخراجها، كالأذى بالأقوال، و الأفعال الفاحشة، ففي هذه الحال يجوز لهم إخراجها، لأنها هي الّتي تسببت لإخراج نفسها، و الإسكان فيه جبر لخاطرها، و رفق بها، فهي الّتي أدخلت الضرر عليها، و هذا في المعتدة الرجعية. و أما البائن، فليس لها سكنى واجبة، لأن السكن تبع للنفقة، و النفقة تجب للرجعية دون البائن. وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ‏ ، أي: الّتي حدها لعباده و شرعها لهم، و أمرهم بلزومها، و الوقوف معها. وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ‏ بأن لم يقف معها، بل تجاوزها، أو قصر عنها. فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏ ، أي: بخسها حقها، و أضاع نصيبه من اتباع حدود اللّه الّتي هي الصلاح في الدنيا و الآخرة. لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ، أي: شرع اللّه العدة، و حدد الطلاق بها، لحكم عظيمة. فمنها: أنه لعل اللّه يحدث في قلب المطلق الرحمة و المودة، فيراجع من طلقها، و يستأنف عشرتها، فيتمكن من ذلك «من معرفة» مدة العدة، و لعله يطلقها لسبب منها، فيزول ذلك السبب، في مدة العدة، فيراجعها، لانتفاء سبب الطلاق. و من الحكم: أنها مدة التربص، يعلم براءة رحمها من زوجها.

[2] و قوله: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ‏ ، أي: قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرا بين الإمساك و الفراق. فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏ ، أي؛ على وجه المعاشرة الحسنة، و الصحبة الجميلة، لا على وجه الضرر، و إرادة الشر و الحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه لا يجوز. أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏ ، أي: فراقا لا محذور فيه، من غير تشاتم و لا تخاصم، و لا قهر لها، على أخذ شي‏ء من مالها. وَ أَشْهِدُوا على طلاقها و رجعتها ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏ ، أي: رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدا لباب المخاصمة، و كتمان كلّ منهما، ما يلزم بيانه. وَ أَقِيمُوا أيها الشهداء الشَّهادَةَ لِلَّهِ‏ ، أي: ائتوا بها على وجهها، من غير زيادة و لا نقص. و اقصدوا بإقامتها، وجه اللّه تعالى، و لا تراعوا بها قريبا لقرابته، و لا صاحبا لمحبته. ذلِكُمْ‏ الذي ذكرنا لكم من الأحكام و الحدود يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فإن الإيمان باللّه، و اليوم الآخر، يوجب لصاحبه أن يتعظ بمواعظ اللّه، و أن يقدم لآخرته من الأعمال الصالحة، ما يتمكن منها. بخلاف من ترحل الإيمان من قلبه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من الشر، و لا يعظم مواعظ اللّه، لعدم الموجب لذلك. و لما كان الطلاق، قد يوقع في‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1047

الضيق و الكرب و الغم، أمر تعالى بتقواه و وعد من اتقاه في الطلاق و غيره بأن يجعل له فرجا و مخرجا. فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه الشرعي، بأن أوقعه طلقة واحدة، في غير حيض و لا طهر أصابها فيه، فإنه لا يضيق عليه الأمر، بل جعل اللّه له فرجا و سعة، يتمكن بها من الرجوع إلى النكاح، إذا ندم على الطلاق. و الآية، و إن كانت في سياق الطلاق و الرجعة، فإن العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى اللّه، و لازم مرضاته في جميع أحواله، فإن اللّه يثيبه في الدنيا و الآخرة. و من جملة ثوابه أن يجعل له فرجا و مخرجا من كلّ شدة و مشقة. و كما أن من اتقى اللّه، جعل له فرجا و مخرجا، فمن لم يتق اللّه، يقع في الآصار و الأغلال، الّتي لا يقدرون على التخلص منها، و الخروج من تبعتها. و اعتبر ذلك في الطلاق، فإن العبد إذا لم يتق اللّه فيه، بل أوقعه، على الوجه المحرم، كالثلاث و نحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة، لا يتمكن من استدراكها، و الخروج منها.

[3] و قوله: وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ‏ ، أي: يسوق اللّه الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه، و لا يشعر به. وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏ في أمر دينه و دنياه، بأن يعتمد على اللّه في جلب ما ينفعه، و دفع ما يضره، و يثق به في تسهيل ذلك‏ فَهُوَ حَسْبُهُ‏ ، أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه فيه. و إذا كان الأمر في كفالة الغني القوي، العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كلّ شي‏ء. و لكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له، فلهذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ‏ ، أي: لا بد من نفوذ قضائه و قدره. و لكن‏ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ، أي: وقتا و مقدارا، لا يتعداه، و لا يقصر عنه.

[4] لما ذكر تعالى، أن الطلاق المأمور به، يكون لعدة النساء، ذكر العدة، فقال: وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ‏ بأن كن يحضن، ثمّ ارتفع حيضهن، لكبر أو غيره، و لم يرج رجوعه‏ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ جعل كلّ شهر، مقابله حيضة. وَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏ ، أي: الصغار اللائي لم يأتهن الحيض بعد، أو البالغات، اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية، فإنهن كالآيسات، عدتهن ثلاثة أشهر. و أما اللائي يحضن، فذكر اللّه عدتهن في قوله:

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ . و قوله: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ‏ ، أي: عدتهن‏ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ‏ ، أي: جميع ما في بطونهن، من واحد، و متعدد، و لا عبرة حينئذ بالأشهر و لا غيرها. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً أي: من اتقى، يسّر له الأمور، و سهّل عليه كلّ عسير.

[5] ذلِكَ‏ ، أي: الحكم الذي بينه اللّه لكم‏ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ‏ لتمشوا عليه، و تأتموا به، و تعظموه. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ، أي: يندفع عنه المحذور، و يحصل له المطلوب.

[6] تقدم أن اللّه نهى عن إخراج المطلقات من البيوت، و هنا أمر بإسكانهن و قدر إسكانهن بالمعروف، و هو البيت الذي يسكنه مثله و مثلها، بحسب وجد الزوج و عسره. وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ‏ ، أي: لا تضاروهن، عند سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت، قبل تمام العدة، فتكونوا أنتم المخرجين لهن. و حاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، و نهاهن عن الخروج، و أمر بسكناهن، على وجه لا يحصل به عليهن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1048

ضرر و لا مشقة، و ذلك راجع إلى العرف. وَ إِنْ كُنَ‏ ، أي: المطلقات‏ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ‏ و ذلك لأجل الحمل الذي في بطنها، إن كانت بائنا. و لها و لحملها، إن كانت رجعية و منتهى النفقة، إلى وضع الحمل، فإذا وضعن حملهن، فإما أن يرضعن أولادهن، أو لا. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ‏ المسماة لهن، إن كان مسمى، و إلا فأجر المثل. وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ‏ ، أي: و ليأمر كل واحد من الزوجين و غيرهما، الآخر بالمعروف، و هو كلّ ما فيه منفعة و مصلحة في الدنيا و الآخرة، فإن الغفلة عن الائتمار بالمعروف، يحصل فيها من الضرر و الشر، ما لا يعلمه إلا اللّه، و في الائتمار به تعاون على البر و التقوى. و مما يناسب هذا المقام، أن الزوجين عند الفراق وقت العدة، خصوصا إذا ولد بينهما ولد، في الغالب يحصل من التنازع و التشاجر لأجل النفقة عليها و على الولد مع الفراق، الذي لا يحصل في الغالب إلا مقرونا بالبغض، فيتأثر من ذلك شي‏ء كثير. فكل منهما يؤمر بالمعروف، و المعاشرة الحسنة، و عدم المشاقة و المنازعة، و ينصح على ذلك. وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ‏ بأن لم يتفق الزوجان على رضاعها لولدها. فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى‏ غيرها فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏ . و هذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير أمه، فإن لم يقبل إلا ثدي أمه، تعينت لإرضاعه، و وجب عليها، و أجبرت إن امتنعت، و كان لها أجرة المثل، إن لم يتفقا على مسمى. و هذا مأخوذ من الآية الكريمة من حيث المعنى، فإن الولد، لما كان في بطن أمه مدة الحمل، لا خروج له منه، عينّ تعالى على وليه النفقة. فلما ولد، و كان يتمكن أن يتقوت من أمه، و من غيرها، أباح تعالى الأمرين، فإذا كان بحالة، لا يمكن أن يتقوت إلا من أمه، كان بمنزلة الحمل، و تعينت أمه طريقا لقوته. ثمّ قدر تعالى النفقة، بحسب حال الزوج، فقال:

[7] لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ‏ ، أي: لينفق الغني من غناه، فلا ينفق نفقة الفقراء. وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏ ، أي: ضيق عليه‏ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ‏ من الرزق. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها و هذا مناسب للحكمة و الرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه، و خفف عن المعسر، و أنه لا يكلفه إلا ما آتاه، فلا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها، في باب النفقة و غيرها. سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ، و هذه بشارة للمعسرين، أن اللّه تعالى سيزيل عنهم الشدة، و يرفع عنهم المشقة، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5).

[8] يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية، و القرون المكذبة للرسل، و أن كثرتهم و قوتهم، لم تغن عنهم شيئا، حين جاءهم الحساب الشديد، و العذاب الأليم، و أن اللّه أذاقهم من العذاب ما هو موجب أعمالهم السيئة. و مع عذاب الدنيا، فإن اللّه أعد لهم في الآخرة عذابا شديدا.

[10] فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ‏ ، أي: يا ذوي العقول، الّتي تفهم عن اللّه آياته و عبره، و أن الذي أهلك القرون الماضية بتكذيبهم، أن من بعدهم مثلهم، لا فرق بين الطائفتين. ثمّ ذكر عباده المؤمنين، بما أنزل عليهم من كتابه، الذي أنزله على رسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، ليخرج الخلق من ظلمات الجهل و الكفر و المعصية، إلى نور العلم و الإيمان و الطاعة. فمن الناس من آمن به، و منهم من لم يؤمن به.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1049

وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً من الواجبات و المستحبات.

[11] وَ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فيها من النعيم المقيم، ما لا عين رأيت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر. خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً ، أي:

و من لم يؤمن باللّه و رسوله، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

[12] ثمّ أخبر تعالى أنه خلق السماوات و الأرض، و من فيهن، و الأرضين السبع و من فيهن، و ما بينهن، و أنزل الأمر و هو: الشرائع و الأحكام الدينية، الّتي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد و وعظهم، و كذلك الأوامر الكونية و القدرية، الّتي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد و يعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، و إحاطة علمه بجميع الأشياء. فإذا عرفوه بأسمائه الحسنى و أوصافه المقدسة، عبدوه، و أحبوه، و قاموا بحقه، فهذه هي الغاية المقصودة من الخلق و الأمر: معرفة اللّه و عبادته. فقام بذلك الموفقون من عباد اللّه الصالحين، و أعرض عن ذلك، الظالمون المعرضون. تم تفسير سورة الطلاق- و الحمد للّه.

تفسير سورة التحريم‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذا عتاب من اللّه لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، حين حرم على نفسه سريته «مارية» أو شرب العسل، مراعاة لخاطر بعض زوجاته، في قصة معروفة. فأنزل اللّه هذه الآيات‏ يا أَيُّهَا النَّبِيُ‏ ، أي: يا أيها الذي أنعم اللّه عليه بالنبوة و الرسالة و الوحي‏ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏ من الطيبات الّتي أنعم اللّه بها عليك و على أمتك. تَبْتَغِي‏ بذلك التحريم‏ مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ . هذا تصريح بأن اللّه قد غفر لرسوله، و رفع عنه اللوم، و رحمه، و صار ذلك التحريم الصادر منه سببا لشرع حكم عام لجميع الأمة، فقال تعالى:

[2] قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ‏ ، و هذا عام في جميع أيمان المؤمنين، أي: قد شرع لكم، و قدر ما به تنحل أيمانكم قبل الحنث، و ما به تتكفر بعد الحنث. و ذلك كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏ (87) إلى أن قال:

فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ‏ . فكل من حرم حلالا عليه، من طعام أو شراب، أو سرية، أو حلف يمينا باللّه، على فعل أو ترك، ثمّ حنث، و أراد الحنث، فعليه هذه الكفارة المذكورة. و قوله: وَ اللَّهُ مَوْلاكُمْ‏ ، أي: متولي أموركم، و مربيكم أحسن تربية، في أمر دينكم و دنياكم، و ما به يندفع عنكم الشر، فلذلك فرض لكم تحلة أيمانكم، لتبرأ ذممكم. وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏ الذي أحاط علمه بظواهركم و بواطنكم، و هو الحكيم في جميع ما خلقه و حكم به.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1050

فلذلك شرع لكم من الأحكام، ما يعلم أنه موافق لمصالحكم، و مناسب لأحوالكم.

[3] و قوله: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قال كثير من المفسرين: هي حفصة، أم المؤمنين رضي اللّه عنها، أسرّ لها النبي صلّى اللّه عليه و سلّم حديثا، و أمر أن لا تخبر به أحدا، فحدثت به عائشة رضي اللّه عنهما. و أخبره اللّه بذلك الخبر، الذي أذاعته، فعرّفها صلّى اللّه عليه و سلّم، ببعض ما قالت، و أعرض عن بعضه، كرما منه صلّى اللّه عليه و سلّم، و حلما. قالَتْ‏ له: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا الخبر الذي لم يخرج منا؟ قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ الذي لا تخفى عليه خافية، يعلم السر و أخفى.

[4] و قوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما الخطاب للزوجتين الكريمتين حفصة و عائشة رضي اللّه عنهما، كانتا سببا لتحريم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم على نفسه ما يحبه. فعرض اللّه عليهما التوبة، و عاتبهما على ذلك، و أخبرهما أن قلوبكما قد صغت، أي: مالت و انحرفت عما ينبغي لهن، من الورع و الأدب، مع الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و احترامه، و أن لا يشققن عليه. وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ‏ ، أي: تعاونا على ما يشق عليه، و يستمر هذا الأمر منكن. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ، أي: الجميع أعوان للرسول، مظاهرون له، و من كان هؤلاء أنصاره، فهو المنصور، و غيره إن يناوئه فهو مخذول. و في هذا أكبر فضيلة و شرف لسيد المرسلين، حيث جعل الباري نفسه الكريمة، و خواص خلقه، أعوانا لهذا الرسول الكريم. و فيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى.

[5] ثمّ خوفهما أيضا، بحالة تشق على النساء غاية المشقة، و هو الطلاق، الذي هو أكبر شي‏ء عليهن، فقال:

عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ‏ ، أي: فلا تترفعن عليه، فإنه لو طلقكن، لا يضيق عليه الأمر، و لم يكن مضطرا إليكن، فإنه سيجد، و يبدله اللّه أزواجا خيرا منكن، دينا و جمالا، و هذا من باب التعليق الذي لم يوجد، و لا يلزم وجوده. فإنه ما طلقهن، و لو طلقهن، لكان ما ذكره اللّه من هذه الأزواج الفاضلات. مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ‏ جامعات بين الإسلام، و هو القيام بالشرائع الظاهرة، و الإيمان، و هو: القيام بالشرائع الباطنة، من العقائد و أعمال القلوب. قانِتاتٍ‏ و القنوت هو: دوام الطاعة و استمرارها، تائِباتٍ‏ عما يكرهه اللّه، فوصفهن بالقيام بما يحبه اللّه، و التوبة عما يكرهه اللّه. ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً ، أي: بعضهن ثيب، و بعضهن أبكار، ليتنوع صلّى اللّه عليه و سلّم فيما يحب. فلما سمعن- رضي اللّه عنهن- هذا التخويف و التأديب، بادرن إلى رضا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فكان هذا الوصف منطبقا عليهن، فصرن أفضل نساء المؤمنين.

[6] أي: يا من منّ اللّه عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه و شروطه. ف قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، و وقاية الأنفس بإلزامها أمر اللّه، امتثالا، و نهيه اجتنابا، و التوبة عما يسخط اللّه، و يوجب العذاب. و وقاية الأهل و الأولاد، بتأديبهم و تعليمهم، و إجبارهم على أمر اللّه. فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر اللّه به في نفسه، و فيمن تحت ولايته و تصرفه. و وصف اللّه النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره، فقال:

وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ ، كما قال تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1051

وارِدُونَ‏ (98). عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ ، أي: غليظة أخلاقهم، شديد انتصارهم يفزعون بأصواتهم و يزعجون بمرآهم، و يهينون أصحاب النار بقوتهم، و ينفذون فيهم أمر اللّه، الذي حتّم عليهم بالعذاب، و أوجب عليهم شدة العقاب. لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ‏ و هذا فيه أيضا مدح للملائكة الكرام، و انقيادهم لأمر اللّه، و طاعتهم له في كلّ ما أمرهم به.

[7] أي: يوبخ أهل النار يوم القيامة بهذا التوبيخ، فيقال لهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ‏ ، أي: فإنه ذهب وقت الاعتذار، و زال نفعه، فلم يبق الآن إلا الجزاء على الأعمال. و أنتم لم تقدموا إلا الكفر باللّه، و التكذيب بآياته و محاربة رسله و أوليائه.

[8] قد أمر اللّه بالتوبة النصوح في هذه الآية، و وعد عليها بتكفير السيئات، و دخول الجنات، و الفوز و الفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة، بنور إيمانهم، و يمشون بضيائه، و يتمتعون بروحه و راحته، و يشفقون إذا طفئت الأنوار، الّتي تعطى المنافقين، و يسألون اللّه، أن يتم لهم نورهم فيستجيب اللّه دعوتهم، و يوصلهم بما معهم من النور و اليقين، إلى جنات النعيم، و جوار الرب الكريم، و كلّ هذا، من آثار التوبة النصوح. و المراد بها: التوبة العامة الشاملة لجميع الذنوب، الّتي عقدها العبد للّه، لا يريد بها إلا وجه اللّه، و القرب منه، و يستمر عليها في جميع أحواله.

[9] يأمر اللّه تعالى نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم بجهاد الكفار و المنافقين، و الإغلاظ عليهم في ذلك، و هذا شامل لجهادهم بإقامة الحجة عليهم، و دعوتهم بالموعظة الحسنة، و إبطال ما هم عليه من أنواع الضلال، و جهادهم بالسلاح و القتال، لمن أبى أن يجيب دعوة اللّه، و ينقاد لحكمه، فإن هذا، يجاهد و يغلظ عليه. و أما المرتبة الأولى، فتكون بالتي هي أحسن.

فالكفار و المنافقون، لهم عذاب في الدنيا، بتسليط اللّه لرسوله، و حزبه عليهم، و على جهادهم، و عذاب النار في الآخرة و بئس المصير، الذي يصير إليه كلّ شقي خاسر.

[10] هذان المثلان، اللذان ضربهما اللّه للمؤمنين و الكافرين، ليبين لهم أن اتصال الكافر بالمؤمن، و قربه منه، لا يفيده شيئا، و أن اتصال المؤمن بالكافر، لا يضره شيئا، مع قيامه بالواجب عليه. فكأن في ذلك، إشارة و تحذيرا لزوجات النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، عن المعصية، و أن اتصالهن به صلّى اللّه عليه و سلّم لا ينفعهن شيئا مع الإساءة، فقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا ، أي: المرأتان‏ تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ‏ و هما نوح، و لوط، عليهما السّلام. فَخانَتاهُما في الدين، بأن كانتا على غير دين زوجيهما، و هذا هو المراد بالخيانة، لا خيانة النسب و الفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، و ما كان اللّه، ليجعل امرأة أحد من أنبيائه بغيا. فَلَمْ يُغْنِيا ، أي: نوح و لوط عَنْهُما ، أي: عن امرأتيهما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ‏ .

[11] وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ‏ و هي آسية بنت مزاحم رضي اللّه عنها، إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏ . فوصفها اللّه بالإيمان و التضرع لربها، و؟؟؟ أجل المطالب، و هو دخول‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1052

الجنة، و مجاورة الرب الكريم، و سؤالها أن ينجيها من فتنة فرعون و أعماله الخبيثة، و من فتنه كل ظالم. فاستجاب اللّه لها، فعاشت في إيمان كامل، و ثبات تام، و نجاة من الفتن، و لهذا قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «كمل من الرجال كثير، و لم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، و آسية بنت مزاحم، و خديجة بنت خويلد، و فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام».

[12] و قوله: وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها ، أي: حفظته و صانته عن الفاحشة، لكمال ديانتها، و عفتها، و نزاهتها. فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا ، بأن نفخ جبريل عليه السّلام في جيب درعها، فوصلت نفخته إلى مريم، فجاء منها عيسى عليه السّلام، الرسول الكريم و السيد العظيم.

وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَ كُتُبِهِ‏ ، و هذا وصف لها بالعلم و المعرفة، فإن التصديق بكلمات اللّه، يشمل كلماته الدينية و القدرية. و التصديق بكتبه، يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق، و لا يكون ذلك إلا بالعلم و العمل، و لهذا قال:

وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ‏ ، أي: المداومين على طاعة اللّه، بخشية و خشوع. و هذا وصف لها بكمال العمل، فإنها- رضي اللّه عنها- صديقة، و الصديقية هي: كمال العلم و العمل. تم تفسير سورة التحريم- بعون اللّه و تيسيره.

تفسير سورة الملك‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ‏ ، أي: تعاظم و تعالى، و كثر خيره، و عم إحسانه. من عظمته أن بيده ملك العالم العلوي و السفلي، فهو الذي خلقه، و يتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، و الأحكام الدينية، التابعة لحكمته. وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ، أي: و من عظمته، كمال قدرته، الّتي يقدر بها على كلّ شي‏ء، و بها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسموات و الأرض.

[2] الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ أي: قدر لعباده أن يحييهم ثمّ يميتهم. لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، أي: أخلصه و أصوبه، و ذلك أن اللّه خلق عباده، و أخرجهم لهذه الدار، و أخبرهم أنهم سينتقلون منها، و أمرهم و نهاهم، و ابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر اللّه، أحسن اللّه له الجزاء في الدارين، و من مال مع شهوات النفس، و نبذ أمر اللّه، فله شر الجزاء. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الذي له العزة كلها، الّتي قهر بها جميع الأشياء، و انقادت له المخلوقات. الْغَفُورُ عن المسيئين، و المقصرين، و المذنبين، خصوصا إذا تابوا و أنابوا. فإنه يغفر ذنوبهم، و لو بلغت عنان السماء، و يستر عيوبهم، و لو كانت مل‏ء الدنيا.

صفحه بعد