کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 850

ظلمه، بكفره و شركه. قال: وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى‏ إِسْحاقَ‏ اقتضى ذلك البركة في ذريتهما، و أن من تمام البركة، أن تكون الذرية كلهم محسنين. فأخبر اللّه تعالى أن منهم محسنا، و ظالما. و اللّه أعلم.

[114- 118] يذكر تعالى منّته على عبديه، و رسوليه، موسى، و هارون ابني عمران، بالنبوة و الرسالة، و الدعوة إلى اللّه تعالى، و نجاتهما و قومهما من عدوهما فرعون، و نصرهما عليه، حتى أغرقه اللّه و هم ينظرون، و إنزال اللّه عليهما الكتاب المستبين، و هو التوراة التي فيها الأحكام، و المواعظ، و تفصيل كل شي‏ء، و أن اللّه هداهما الصراط المستقيم، بأن شرع لهما دينا، ذا أحكام و شرائع مستقيمة، موصلة إلى اللّه. و منّ عليهما بسلوكه.

[119- 122] وَ تَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى‏ مُوسى‏ وَ هارُونَ‏ (120) أي: أبقى عليهما، ثناء حسنا، و تحية في الآخرين، و من باب أولى و أحرى في الأولين‏ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ‏ (122).

[123- 126] يمدح تعالى، عبده و رسوله، إلياس عليه الصلاة و السلام، بالنبوة و الرسالة، و الدعوة إلى اللّه. و أنه أمر قومه بالتقوى، و عبادة اللّه وحده، و نهاهم عن عبادتهم صنما لهم يقال له «بعل» و تركهم عبادة اللّه، الذي خلق الخلق، و أحسن خلقهم، و رباهم فأحسن تربيتهم، و أدرّ عليهم النّعم الظاهرة و الباطنة. و أنكم كيف تركتم عبادة من هذا شأنه، إلى عبادة صنم، لا يضر، و لا ينفع، و لا يخلق، و لا يرزق، بل لا يأكل و لا يتكلم؟ و هل هذا إلا من أعظم الضلال، و السفه، و الغي؟

[127] فَكَذَّبُوهُ‏ فيما دعاهم إليه فلم ينقادوا له، قال اللّه متوعدا له‏ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏ أي: يوم القيامة في العذاب و لم يذكر لهم عقوبة دنيوية.

[128] إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏ أي: الذين أخلصهم اللّه، و منّ عليهم باتباع نبيهم، فإنهم غير محضرين في العذاب، و إنما لهم من اللّه جزيل الثواب.

[129] وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ‏ أي: على إلياس‏ فِي الْآخِرِينَ‏ ثناء حسنا.

[130] سَلامٌ عَلى‏ إِلْ‏ياسِينَ‏ (130) أي: تحية من اللّه، و من عباده عليه.

[131- 132] إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ‏ (132) فأثنى اللّه عليه كما أثنى على إخوانه صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.

[133- 134] و هذا ثناء منه تعالى على عبده و رسوله لوط، بالنبوة و الرسالة، و دعوته إلى اللّه قومه، و نهيهم عن الشرك، و فعل الفاحشة. فلما لم ينتهوا، نجاه اللّه و أهله أجمعين، فسروا ليلا فنجوا.

[135] إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ‏ (135) أي: الباقين المعذبين، و هي زوجة لوط لم تكن على دينه.

[136] ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ‏ (136) بأن قلبنا عليهم ديارهم ف جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) حتى همدوا و خمدوا.

[137- 138] وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ‏ أي: على ديار قوم لوط مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ‏ أي: في هذه الأوقات، يكثر ترددكم إليها و مروركم بها، فلم تقبل الشك و المرية أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ الآيات و العبر، و تنزجرون عمّا يوجب الهلاك؟

[139] و هذا ثناء منه تعالى، على عبده و رسوله، يونس بن متى، كما أثنى على إخوانه المرسلين، بالنبوة و الرسالة، و الدعوة إلى اللّه.

[140] و ذكر تعالى عنه، أنه عاقبه عقوبة دنيوية، أنجاه منها، بسبب إيمانه و أعماله‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 851

الصالحة، فقال: إِذْ أَبَقَ‏ أي: من ربه مغاضبا له ظانا أنه لا يقدر عليه، و يحبسه في بطن الحوت. و لم يذكر اللّه ما غاضب عليه، و لا ذنبه الذي ارتكبه، لعدم فائدتنا بذكره.

و إنما فائدتنا بما ذكر لنا عنه، أنه أذنب، و عاقبه اللّه مع كونه من الرسل الكرام، و أنه نجاه بعد ذلك، و أزال عنه الملام، و قيّض له ما هو سبب صلاحه. فلما أبق لجأ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏ بالركاب و الأمتعة، فلما ركب مع غيره، و الفلك شاحن، ثقلت السفينة فاحتاجوا إلى إلقاء بعض الركاب، و أنهم لم يجدوا لأحد مزية في ذلك، فاقترعوا على أن من قرع و غلب، ألقي في البحر عدلا من أهل السفينة، و إذا أراد اللّه أمرا هيأ أسبابه.

[141- 142] فلما اقترعوا أصابت القرعة يونس‏ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏ أي: المغلوبين، فألقي في البحر فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ وقت التقامه‏ مُلِيمٌ‏ أي: فاعل ما يلام عليه، و هو مغاضبته لربه.

[143] فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏ (143) أي: في وقته السابق بكثرة عبادته لربه، و تسبيحه، و تحميده، و في بطن الحوت حيث قال: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ‏ .

[144] لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏ (144) أي: لكانت مقبرته، و لكن بسبب تسبيحه و عبادته للّه، نجّاه اللّه تعالى. و كذلك ينجي اللّه المؤمنين، عند وقوعهم في الشدائد.

[145] فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ بأن: قذفه الحوت من بطنه بالعراء، و هي الأرض الخالية العارية من كل أحد، بل ربما كانت عارية من الأشجار و الظلال‏ وَ هُوَ سَقِيمٌ‏ أي: قد سقم و مرض، بسبب حبسه في بطن الحوت، حتى صار مثل الفرخ الممعوط من البيضة.

[146] وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏ (146) تظله بظلها الظليل، لأنها باردة الظلال، و لا يسقط عليها ذباب، و هذا من لطفه به و بره.

[147] ثم لطف به لطفا آخر، و امتنّ عليه منّة عظمى، و هو أنه أرسله‏ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ‏ من الناس‏ أَوْ يَزِيدُونَ‏ عنها.

و المعنى أنهم إن لم يزيدوا عنها، لم ينقصوا، فدعاهم إلى اللّه تعالى:

[148] فَآمَنُوا فصاروا في موازينه، لأنه الداعي لهم. فَمَتَّعْناهُمْ إِلى‏ حِينٍ‏ بأن صرف اللّه عنهم العذاب، بعد ما انعقدت أسبابه. قال تعالى: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى‏ حِينٍ‏ (98).

[149] يقول تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه و سلم: فَاسْتَفْتِهِمْ‏ أي: اسأل المشركين باللّه غيره، الذين عبدوا الملائكة، و زعموا أنها بنات اللّه، فجمعوا بين الشرك باللّه، و وصفه بما لا يليق بجلاله. أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ‏ أي:

هذه قسمة ضيزى، و قول جائر، من جهة جعلهم الولد للّه تعالى، و من جهة جعلهم أردأ القسمين و أخسهما له و هو البنات اللاتي لا يرضونهن لأنفسهم، كما قال في الآية الأخرى‏ وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ‏ (57) و من جهة جعلهم الملائكة بنات اللّه، و حكمهم بذلك.

قال تعالى في بيان كذبهم: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ‏ (150) خلقهم؟ أي: ليس الأمر كذلك، فإنهم ما شهدوا خلقهم. فدلّ على أنهم قالوا هذا القول، بلا علم، بل افتراء على اللّه، و لهذا قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ‏ أي: كذبهم الواضح‏ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ‏ (152) «في قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه». أَصْطَفَى‏ أي: اختار الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 852

تَحْكُمُونَ‏ (154) هذا الحكم الجائر أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ (155) و تميزون هذا القول الباطل الجائر. فإنكم لو تذكرتم، لم تقولوا هذا القول. أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ‏ (156) أي: حجة ظاهرة على قولكم، من كتاب، أو رسول. و كل هذا غير واقع و لهذا قال: فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (157). فإن من يقول قولا، لا يقيم عليه حجة شرعية، فإنه كاذب متعمد، أو قائل على اللّه، بلا علم.

[158- 160] أي: جعل هؤلاء المشركون باللّه، بين اللّه و بين الجنة نسبا، حيث زعموا أن الملائكة بنات اللّه، و أن أمهاتهم سروات الجن. و الحال أن الجنة، قد علمت أنهم محضرون بين يدي اللّه، ليجازيهم، فهم عباد أذلاء فلو كان بينهم و بينه نسب لم يكونوا كذلك.

[159] سُبْحانَ اللَّهِ‏ الملك العظيم، و الكامل الحليم‏ عَمَّا يَصِفُونَ‏ به ربهم من كل وصف أوجبه كفرهم و شركهم.

[160] إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏ فإنه لم ينزه نفسه عمّا وصفوه به، لأنهم لم يصفوه إلا بما يليق بجلاله، و بذلك كانوا مخلصين.

[161- 163] أي: إنكم أيها المشركون، و من عبدتموه مع اللّه، لا تقدرون أن تفتنوا و تضلوا أحدا إلا من قضى اللّه أنه من أهل الجحيم، فنفذ فيه القضاء الإلهي. المقصود من هذا، بيان عجزهم و عجز آلهتهم، عن إضلال أحد، و بيان كمال قدرة اللّه تعالى. أي: فلا تطمعوا بإضلال عباد اللّه المخلصين و حزبه المفلحين.

[164] هذا فيه بيان براءة الملائكة عليهم السلام؛ عمّا قاله فيهم المشركون. و أنهم عباد اللّه، لا يعصونه طرفة عين. فما منهم من أحد إلا و له مقام و تدبير، قد أمر اللّه به لا يتعداه و لا يتجاوزه، و ليس لهم من الأمر شي‏ء.

[165- 166] وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏ (165) في طاعة اللّه و خدمته‏ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏ (166) «أي: و المقدسون للّه سبحانه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه». فكيف- مع هذا- يصلحون أن يكونوا شركاء؟ «تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا».

[167- 174] يخبر تعالى أن هؤلاء المشركين، يظهرون التمني، و يقولون: لو جاءنا من الذكر و الكتب ما جاء الأولين، لأخلصنا للّه العبادة، بل لكنا المخلصين على الحقيقة. و هم كذبة في ذلك، فقد جاءهم أفضل الكتب، فكفروا به، فعلم أنهم متمردون على الحق‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ العذاب، حين يقع بهم. و لا يحسبوا أيضا أنهم في الدنيا غالبون، بل قد سبقت كلمة اللّه، التي لا مرد لها و لا مخالف لها، لعباده المرسلين، و جنده المفلحين، أنهم الغالبون لغيرهم، المنصورون من ربهم، نصرا عزيزا، يتمكنون فيه من إقامة دينهم. و هذه بشارة عظيمة لمن اتصف بأنه من جند اللّه، بأن كانت أحواله مستقيمة، و قاتل من أمر بقتالهم، أنه غالب منصور.

[175- 179] ثم أمر رسوله بالإعراض عمن عاندوا، و لم يقبلوا الحق، و أنه ما بقي إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، و لهذا قال: وَ أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏ (175) من يحل به النكال، فإنه سيحل بهم. فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ‏ أي: نزل عليهم، و قريبا منهم‏ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ‏ . لأنه صباح الشر، و العقوبة، و الاستئصال. ثم كرّر الأمر بالتّوليّ عنهم، و تهديدهم بوقوع العذاب.

[180] و لما ذكر في هذه السورة، كثيرا من أقوالهم الشنيعة، التي وصفوه بها، نزه نفسه عنها فقال: سُبْحانَ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 853

رَبِّكَ‏ أي: تنزه و تعالى‏ رَبِّ الْعِزَّةِ أي: الذي عز، فقهر كل شي‏ء، و اعتز عن كل سوء يصفونه به.

[181] وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ‏ (181) لسلامتهم من الذنوب و الآفات، و سلامة ما وصفوا به فاطر الأرض و السموات.

[182] وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (182) الألف و اللام للاستغراق، فجميع أنواع الحمد، من الصفات الكاملة العظيمة، و الأفعال التي ربى بها العالمين، و أدرّ عليهم فيها النّعم، و صرف عنهم بها النقم، و دبرهم تعالى في حركاتهم و سكونهم، و في جميع أحوالهم، كلها للّه تعالى. فهو المقدس عن النقص، المحمود بكل كمال، المحبوب المعظم. و رسله سالمون مسلم عليهم، و من اتبعهم في ذلك، له السلامة في الدنيا و الآخرة. و أعداؤه لهم الهلاك و العطب، في الدنيا و الآخرة. تم تفسير سورة الصافات.

تفسير سورة ص‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذا بيان من اللّه تعالى لحال القرآن، و حال المكذبين به معه، و مع من جاء به فقال: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) أي: ذي القدر العظيم، و الشرف، المذكّر للعباد، كل ما يحتاجون إليه من العلم، بأسماء اللّه و أفعاله، و من العلم، بأحكام اللّه الشرعية، و من العلم بأحكام المعاد و الجزاء. فهو مذكّر لهم، في أصول دينهم و فروعه.

و هنا لا يحتاج إلى ذكر المقسم عليه، فإن حقيقة الأمر، أن المقسم به و عليه شي‏ء واحد، و هو: هذا القرآن، الموصوف بهذا الوصف الجليل. فإذا كان القرآن بهذا الوصف، علم أن ضرورة العباد إليه، فوق كل ضرورة. و كان الواجب عليهم، تلقّيه بالإيمان، و التصديق، و الإقبال على استخراج ما يتذكر به منه.

[2] فهدى اللّه من هدى لهذا، و أبى الكافرون التصديق به، و بمن أنزله، و صار معهم‏ فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ‏ عزة و امتناع عن الإيمان به، و استكبار و شقاق له، أي: مشاقة و مخاصمة في رده و إبطاله، و في القدح بمن جاء به.

[3] فتوعدهم بإهلاك القرون الماضية، المكذبة بالرسل، و أنهم حين جاءهم الهلاك، نادوا، و استغاثوا في صرف العذاب عنهم. و لكن‏ لاتَ حِينَ مَناصٍ‏ أي: و ليس الوقت، وقت خلاص، مما وقعوا فيه، و لا فرج لما أصابهم. فليحذر هؤلاء أن يدوموا على عزتهم و شقاقهم، فيصيبهم ما أصابهم.

[4] وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ‏ أي: عجب هؤلاء المكذبون في أمر ليس محل عجب، أن جاءهم منذر منهم، ليتمكنوا من التلقي عنه، و ليعرفوه حق المعرفة. و لأنه من قومهم، فلا تأخذهم النخوة القومية عن اتباعه. فهذا، مما يوجب الشكر عليهم، و تمام الانقياد له. و لكنهم عكسوا القضية، فتعجبوا تعجب إنكار وَ قالَ الْكافِرُونَ‏ من كفرهم و ظلمهم: هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ‏ . و ذنبه- عندهم- أنه:

[5] أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً أي: كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء و الأنداد، و يأمر بإخلاص العبادة للّه وحده. إِنَّ هذا الذي جاء به‏ لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ‏ أي: يقضي منه العجب، لبطلانه و فساده عندهم.

[6] وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ‏ المقبول قولهم، محرضين قومهم على التمسك، بما هم عليه من الشرك. أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلى‏ آلِهَتِكُمْ‏ أي: استمروا عليها، و جاهدوا نفوسكم في الصبر عليها، و على عبادتها، و لا يردكم عنها راد، و لا يصدنكم عن عبادتها صاد. إِنَّ هذا الذي جاء به محمد، من النهي عن عبادتها لَشَيْ‏ءٌ يُرادُ أي: يقصد، له قصد، و نية غير صالحة في ذلك، و هذه شبهة لا تروج إلا على السفهاء. فإن من دعا إلى قول حق أو غير حق، لا

تيسير الكريم الرحمن، ص: 854

يرد قوله بالقدح في نيته، فنيته و عمله له؛ و إنّما يرد بمقابلته بما يبطله و يفسده، من الحجج و البراهين. و هم قصدهم، أن محمدا، ما دعاكم إلى ما دعاكم، إلا ليرأس فيكم، و يكون معظّما عندكم، و متبوعا.

[7] ما سَمِعْنا بِهذا القول الذي قاله، و الدين الذي دعا إليه‏ فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ أي: في الوقت الأخير، فلا أدركنا عليه آباءنا، و لا آباؤنا أدركوا آباءهم عليه. فامضوا على الذي مضى عليه آباؤكم، فإنه الحقّ. و ما هذا الذي دعا إليه محمد، إلا اختلاق اختلقه، و كذب افتراه. و هذه أيضا شبهة، من جنس شبهتهم الأولى، حيث ردوا الحقّ بما ليس بحجة لرد أدنى قول، و هو أنه قول مخالف لما عليه آباؤهم الضالون. فأين في هذا، ما يدل على بطلانه؟

[8] أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا أي: ما الذي فضّله علينا، حتى ينزّل الذّكر عليه من دوننا، و يخصه اللّه به؟ و هذه أيضا شبهة، أين البرهان فيها على رد ما قاله؟ و هل جميع الرسل إلا بهذا الوصف يمنّ اللّه عليهم برسالته، و يأمرهم بدعوة الخلق إلى اللّه. و لهذا، لما كانت هذه الأقوال الصادرة منهم، لا يصلح شي‏ء منها لرد ما جاء به الرسول، أخبر تعالى من أين صدرت، و أنهم‏ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي‏ ليس عندهم، علم و لا بينة. فلما وقعوا في الشك، و ارتضوا به، و جاءهم الحقّ الواضح، و كانوا جازمين بإقامتهم على شكهم، قالوا ما قالوا، من تلك الأقوال، لدفع الحقّ لا عن بينة من أمرهم، و إنّما ذلك، من باب الائتفاك منهم. و من المعلوم، أن من هو بهذه الصفة، يتكلم عن شك و عناد؛ فإن قوله، غير مقبول، و لا قادح أدنى قدح في الحقّ، و أنه يتوجه عليه الذم و اللوم، بمجرد كلامه، و لهذا توعدهم بالعذاب فقال: بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ‏ أي: قالوا هذه الأقوال، و تجرؤوا عليها، حيث كانوا ممتعين في الدنيا، لم يصبهم من عذاب اللّه شي‏ء، فلو ذاقوا عذابه لم يتجرؤوا.

[9] أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ‏ (9) فيعطون منها من شاؤوا، و يمنعون منها من شاؤوا حيث قالوا: أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا أي: هذا فضله تعالى و رحمته، و ليس ذلك بأيديهم، حتى يتجرؤوا على اللّه.

[10] أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما بحيث يكونون قادرين على ما يريدون. فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ‏ الموصلة لهم إلى السماء، فيقطعوا الرحمة عن رسول اللّه. فكيف يتكلمون، و هم أعجز خلق اللّه و أضعفهم، بما تكلموا به؟ أم قصدهم التحزب، و التجند، و التعاون على نصر الباطل، و خذلان الحقّ؟ و هو الواقع.

[11] فإن هذا المقصود، لا يتم لهم، بل سعيهم خائب، و جندهم مهزوم و لهذا قال:

جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ‏ (11) أي: كالأجناد من جنس الأحزاب المتحزبين على الأنبياء قبلك، و أولئك قد قهروا، و أهلكوا، فكذلك نهلك هؤلاء.

[12] يحذرهم تعالى أن يفعل بهم، ما فعل بالأمم من قبلهم، الّذين كانوا أعظم قوة منهم، و تحزبا على الباطل‏ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ قوم هود وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ أي: الجنود العظيمة، و القوة الهائلة.

[13] وَ ثَمُودُ قوم صالح.

وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي الأشجار و البساتين الملتفة، و هم قوم شعيب‏ أُولئِكَ الْأَحْزابُ‏ الّذين اجتمعوا بقوتهم، و عددهم و عددهم على رد الحقّ، فلم تغن عهم شيئا.

[14] إِنْ كُلٌ‏ من هؤلاء إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 855

عِقابِ‏ اللّه. و هؤلاء ما الذي يطهرهم و يزكيهم، أن لا يصيبهم ما أصاب أولئك.

[15] فلينتظروا وَ ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ‏ (15) أي: من رجوع ورد، تهلكهم و تستأصلهم، إن أقاموا على ما هم عليه.

[16] أي: قال هؤلاء المكذبون، من جهلهم، و معاندتهم الحقّ، مستعجلين للعذاب. رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا أي: قسطنا، و ما قسم لنا من العذاب عاجلا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ‏ و لّجوا في هذا القول، و زعموا أنك يا محمد، إن كنت صادقا فعلامة صدقك، أن تأتيهم بالعذاب. فقال اللّه لرسوله:

[17] اصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ‏ كما صبر من قبلك من الرسل، فإن قولهم لا يضر الحقّ شيئا، و لا يضرونك في شي‏ء، و إنّما يضرون أنفسهم. لما أمر اللّه رسوله بالصبر على قومه، أمره أن يستعين على الصبر بالعبادة للّه وحده، و يتذكر حال العابدين، كما قال في الآية الأخرى: فَاصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها . و من أعظم العابدين، نبي اللّه داود عليه الصلاة و السّلام‏ ذَا الْأَيْدِ أي: القوة العظيمة على عبادة اللّه تعالى، في بدنه و قلبه. إِنَّهُ أَوَّابٌ‏ أي: رجّاع إلى اللّه في جميع الأمور بالإنابة إليه، بالحب و التأله، و الخوف، و الرجاء، و كثرة التضرع، و الدعاء. رجّاع إليه، عند ما يقع منه بعض الخلل، بالإقلاع و التوبة النصوح.

[18] و من شدة إنابته لربه و عبادته، أن سخّر اللّه الجبال معه، تسبّح معه بحمد ربها بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ‏ أول النهار و آخره.

[19] وَ سخر الطَّيْرَ مَحْشُورَةً معه مجموعة كُلٌ‏ من الجبال و الطير لَهُ‏ تعالى‏ أَوَّابٌ‏ امتثالا لقوله تعالى: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ فهذه منّة اللّه عليه بالعبادة.

[20] ثمّ ذكر منته عليه بالملك العظيم فقال: وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ‏ أي: قويناه بما أعطيناه من الأسباب، و كثرة العدد و العدد الّتي بها قوّى اللّه ملكه. ثمّ ذكر منته عليه بالعلم فقال: وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ أي: النبوة و العلم العظيم‏ وَ فَصْلَ الْخِطابِ‏ أي: الخصومات بين الناس.

[21] لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس، و كان معروفا بذلك، و مقصودا، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده، في قضية جعلها اللّه فتنة لداود، و موعظة لخلل ارتكبه، فتاب اللّه عليه، و غفر له، و قيّض له هذه القضية، فقال لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلم: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ‏ فإنه نبأ عجيب‏ إِذْ تَسَوَّرُوا على داود الْمِحْرابَ‏ أي: محل عبادته من غير إذن و لا استئذان، و لم يدخلوا عليه من باب. فلما دخلوا عليه بهذه الصورة، فزع منهم و خاف فقالوا له:

[22] نحن‏ خَصْمانِ‏ فلا تخف‏ بَغى‏ بَعْضُنا عَلى‏ بَعْضٍ‏ بالظلم‏ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ‏ أي: بالعدل، و لا تمل مع أحدنا وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى‏ سَواءِ الصِّراطِ . و المقصود من هذا، أن الخصمين قد عرف أن قصدهما الحقّ الواضح الصرف و إذا كان ذلك كذلك، فسيقصان عليه نبأهما بالحق، فلم يشمئز نبي اللّه داود من و عظهما له، و لم يؤنبهما.

[23] فقال أحدهما: إِنَّ هذا أَخِي‏ نص على الأخوة في الدين أو النسب، أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، و أن بغيه الصادر منه، أعظم من غيره. لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً أي: زوجة، و ذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما آتاه اللّه. وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فطمع فيها فَقالَ أَكْفِلْنِيها أي: دعها لي، و خلها في كفالتي.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 856

وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ‏ أي: غلبني في القول، فلم يزل بي، حتى أدركها أو كاد.

[24] فقال داود- لما سمع كلامه- و من المعلوم من السياق السابق من كلامهما أن هذا هو الواقع، فلهذا لم يحتج أن يتكلم الآخر، فلا وجه للاعتراض بقوله القائل: «لم حكم داود، قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر»؟ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى‏ نِعاجِهِ‏ و هذه عادة الخلطاء و القرناء الكثير منهم. فقال: وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ لأن الظلم من صفة النفوس. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ فإن ما معهم من الإيمان و العلم الصالح، يمنعهم من الظلم. وَ قَلِيلٌ ما هُمْ‏ كما قال تعالى: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ . وَ ظَنَّ داوُدُ حين حكم بينهما أَنَّما فَتَنَّاهُ‏ أي: اختبرناه و دبرنا عليه هذه القضية ليتنبه. فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ‏ لما صدر منه‏ وَ خَرَّ راكِعاً أي: ساجدا وَ أَنابَ‏ للّه تعالى بالتوبة النصوح و العبادة.

[25] فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ‏ الذي صدر منه، و أكرمه اللّه بأنواع الكرامات فقال: وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى‏ أي: منزلة عالية، و قربة منا وَ حُسْنَ مَآبٍ‏ أي: مرجع. و هذا الذنب الذي صدر من داود عليه السّلام، لم يذكره اللّه لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلف. و إنّما الفائدة، ما قصه اللّه علينا، من لطفه به، و توبته، و إنابته، و أنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها.

[26] يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ‏ تنفذ فيها القضايا الدينية و الدنيوية. فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ‏ أي:

العدل. و هذا لا يتمكن منه، إلا بعلم بالواجب، و علم بالواقع، و قدرة على تنفيذ الحقّ. وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فتميل مع أحد، لقرابة، أو صداقة، أو محبة، أو بغض للآخر فَيُضِلَّكَ‏ الهوى‏ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ و يخرجك عن الصراط المستقيم. إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ خصوصا المتعمدين منهم. لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ‏ «أي:

بغفلتهم عن يوم الجزاء». فلو ذكروه، و وقع خوفه في قلوبهم، لم يميلوا مع الهوى الفاتن.

[27] يخبر تعالى عن تمام حكمته، في خلقه السموات و الأرض، و أنه لم يخلقهما باطلا، أي: عبثا و لعبا، من غير فائدة و لا مصلحة. ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ فإنها الّتي تأخذ الحقّ منهم، و تبلغ منهم كلّ مبلغ. و إنّما خلق اللّه السموات و الأرض بالحق و للحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه و قدرته، و سعة سلطانه، و أنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات و الأرض، و أن البعث حق، و سيفصل اللّه بين أهل الخير و الشر.

[28] و لا يظن الجاهل بحكمة اللّه، أن يسوي اللّه بينهما في حكمه، و لهذا قال: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) هذا غير لائق بحكمتنا و حكمنا.

صفحه بعد