کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1115

[15] وَ لا يَخافُ عُقْباها (15)، أي: تبعتها. و كيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره و تصرفه مخلوق، حكيم في كل ما قضاه و شرعه؟ تم تفسير سورة الشمس بحمد اللّه و عونه.

سورة الليل‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذا قسم من اللّه، بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد، على تفاوت أحوالهم، فقال: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ (1)، أي: يعم الخلق بظلامه، فيسكن إلى مأواه و مسكنه، و يستريح العباد من الكد و التعب.

[2] وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى‏ (2) للخلق، فاستضاءوا بنوره و انتشروا في مصالحهم.

[3] وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ (3) إن كانت «ما» موصولة، كانت إقساما بنفسه الكريمة الموصوفة، بكونه خالق الذكور و الإناث، و إن كانت مصدرية، كان قسما بخلقه للذكر و الأنثى. و كمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات، التي يريد إبقاءها ذكرا و أنثى ليبقى النوع و لا يضمحل، و قاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة. و جعل كل منهما مناسبا للآخر، فتبارك اللّه أحسن الخالقين.

[4] و قوله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى‏ (4) هذا هو المقسم عليه، أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتا كثيرا، و ذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال و مقدارها، و النشاط فيها، و بحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه اللّه الأعلى الباقي؟ فيبقى العمل له ببقائه، و ينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها و يضمحل باضمحلالها؟ و هذا كل عمل يقصد به غير وجه اللّه، بهذا الوصف.

[5] و لهذا فضّل اللّه العاملين، و وصف أعمالهم، فقال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ ، أي: ما أمر به من العبادات المالية: كالزكوات، و النفقات، و الكفارات، و الصدقات، و الإنفاق في وجوه الخير. و العبادات البدنية: كالصلاة، و الصوم غيرهما. و المركّبة من ذلك: كالحج و العمرة و نحوهما. وَ اتَّقى‏ ما نهي عنه، من المحرمات و المعاصي، على اختلاف أجناسها.

[6] وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ (6)، أي: صدّق ب «لا إله إلا اللّه» و ما دلت عليه، من العقائد الدينية، و ما ترتب عليها من الجزاء.

[7] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ (7)، أي: نيسر له أمره، و نجعله مسهلا عليه كل خير، ميسرا له ترك كل شر، لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر اللّه له ذلك.

[8] وَ أَمَّا مَنْ بَخِلَ‏ بما أمر به، فترك الإنفاق الواجب و المستحب، و لم تسمح نفسه بأداء ما وجب للّه. وَ اسْتَغْنى‏ عن اللّه، فترك عبوديته جانبا، و لم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها، الذي لا نجاة لها، و لا فوز، و لا فلاح، إلا بأن يكون هو محبوبها و معبودها، الذي تقصده و تتوجه إليه.

[9] وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ (9)، أي:

بما أوجب اللّه على العباد التصديق به من العقائد الحسنة.

[10] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏ (10)، أي: للحالة العسرة، و الخصال الذميمة، بأن يكون ميسرا للشر، أينما كان، و مقيضا له أفعال المعاصي، نسأل اللّه العافية.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1116

[11] وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ‏ الذي أطغاه، و استغنى به، و بخل به. إِذا تَرَدَّى‏ ، أي: هلك و مات، فإنه لا يصحب الإنسان إلا عمله الصالح. و أما ماله الذي لم يخرج منه الواجب، فإنه يكون و بالا عليه، إذ لم يقدم منه لآخرته شيئا.

[12] إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى‏ (12)، أي: إن الهدى المستقيم طريقه يوصل إلى اللّه، و يدني من رضاه. و أما الضلال، فطرقه مسدودة عن اللّه، لا توصل صاحبها إلا للعذاب الشديد.

[13] وَ إِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَ الْأُولى‏ (13) ملكا و تصرفا، ليس له فيهما مشارك، فليرغب الراغبون إليه في الطلب، و لينقطع رجاؤهم عن المخلوقين.

[14] فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى‏ (14)، أي: تستعر و تتوقد.

[15- 16] لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ‏ بالخبر وَ تَوَلَّى‏ عن الأمر.

[17- 18] وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى‏ (18) بأن يكون قصده به تزكية نفسه، و تطهيرها من الذنوب و الأدناس، قاصدا به وجه اللّه تعالى. فدل هذا على أنه إذا تضمن الإنفاق المستحب، ترك واجب كدين و نفقة و نحوهما، فإنه غير مشروع، بل تكون عطيته مردودة عند كثير من العلماء، لأنه يتزكى بفعل مستحب يفوت عليه الواجب.

[19] وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏ (19)، أي: ليس لأحد من الخلق على هذا الأتقى نعمة تجزى، إلا و قد كافأه عليها، و ربما بقي له الفضل و المنة على الناس، فتمحض عبدا للّه، لأنه رقيق إحسانه وحده. و أما من بقيت عليه نعمة الناس، فلم يجزها و يكافئها، فإنه لا بد أن يترك الناس، و يفعل لهم ما ينقص إخلاصه. و هذه الآية و إن كانت متناولة لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، بل قد قيل: إنها نزلت بسببه، فإنه- رضي اللّه عنه- ما لأحد عنده من نعمة تجزى، حتى و لا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، إلا نعمة الرسول التي لا يمكن جزاؤها، و هي نعمة الدعوة إلى الإسلام، و تعليم الهدى و دين الحق، فإن للّه و رسوله المنة على كل أحد. منة لا يمكن لها جزاء و لا مقابلة، فإنها متناولة لكل من اتصف بهذا الوصف الفاضل. فلم يبق لأحد عليه من الخلق نعمة تجزى، فبقيت أعماله خالصة لوجه اللّه تعالى.

[20- 21] و لهذا قال: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ (20) وَ لَسَوْفَ يَرْضى‏ (21) هذا الأتقى بما يعطيه اللّه من أنواع الكرامات و المثوبات. تم تفسير سورة الليل و الحمد للّه رب العالمين.

تفسير سورة الضحى‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 2] أقسم تعالى، بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، و بالليل إذا سجى، و ادلهمّت ظلمته، على اعتناء اللّه‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1117

برسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال:

[3] ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ‏ ، أي: ما تركك منذ اعتنى بك، و لا أهملك منذ رباك و رعاك، بل لم يزل يربيك أكمل تربية، و يعليك درجة بعد درجة. وَ ما قَلى‏ ك اللّه، أي: ما أبغضك، منذ أحبك، فإن نفي الضد، دليل على ثبوت ضده، و النفي المحض، لا يكون مدحا، إلا إذا تضمن ثبوت كمال. فهذه حال الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم الماضية و الحاضرة، أكمل حال و أتمها، محبة اللّه له، و استمرارها و ترقيته في درجات الكمال، و دوام اعتناء اللّه به.

[4] و أما حاله المستقبلة، فقال: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى‏ (4)، أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة. فلم يزل صلّى اللّه عليه و سلّم يصعد في درجات المعالي، و يمكن اللّه له دينه، و ينصره على أعدائه، و يسدده في أحواله، حتى مات، و قد وصل إلى حال ما وصل إليها الأولون و الآخرون من الفضائل و النعم، و قرة العين، و سرور القلب.

[5] ثم بعد هذا، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، و أنواع الإنعام. و لهذا قال: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ (5) و هذا أمر لا يمكن التعبير عنه إلا بهذه العبارة الجامعة الشاملة.

[6] ثم امتن عليه بما يعلمه من أحواله الخاصة، فقال: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ (6)، أي: وجدك لا أم لك، و لا أب، بل قد مات أبوه، و هو لا يدبر نفسه، فآواه اللّه، و كفله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده، كفّله اللّه عمه أبا طالب، حتى أيده بنصره و بالمؤمنين.

[7] وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ (7)، أي: وجدك لا تدري ما الكتاب، و لا الإيمان، فعلّمك ما لم تكن تعلم، و وفّقك لأحسن الأعمال و الأخلاق.

[8] وَ وَجَدَكَ عائِلًا ، أي: فقيرا فَأَغْنى‏ ك اللّه، بما فتح عليك من البلدان، التي جبيت لك أموالها و خراجها.

[9] فالذي أزال عنك هذه النقائص، سيزيل عنك كل نقص، و الذي أوصلك إلى الغنى، و آواك و نصرك، و هداك، قابل نعمته بالشكران. و لهذا قال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)، أي: لا تسي‏ء معاملة اليتيم، و لا يضق صدرك عليه، و لا تنهره، بل أكرمه، و أعطه ما تيسر، و اصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك.

[10] وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)، أي: لا يصدر منك كلام للسائل، يقتضي رده عن مطلوبه، بنهر و شراسة خلق، بل أعطه ما تيسر عندك أو ردّه بمعروف و إحسان. و يدخل في هذا: السائل للمال، و السائل للعلم، و لهذا كان المعلم مأمورا بحسن الخلق مع المتعلم، و مباشرته بالإكرام، و التحنن عليه، فإنه في ذلك معونة له على مقصده، و إكراما لمن كان يسعى في نفع العباد و البلاد.

[11] وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ‏ (11) و هذا يشمل النعم الدينية و الدنيوية، أي: أثن على اللّه بها، و خصها بالذكر، إن كان هناك مصلحة. و إلا فحدث بنعم اللّه على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة اللّه، داع لشكرها، و موجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن. تم تفسير سورة الضحى- بحمد اللّه و عونه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1118

سورة الشرح‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى- ممتنا على رسوله-: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏ (1)، أي: نوسعه لشرائع الدين و الدعوة إلى اللّه، و الاتصاف بمكارم الأخلاق، و الإقبال على الآخرة، و تسهيل الخيرات. فلم يكن ضيقا حرجا، حتى لا يكاد ينقاد لخير، و لا تكاد تجده منبسطا.

[2- 3] وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ‏ (2)، أي: ذنبك‏ الَّذِي أَنْقَضَ‏ ، أي: أثقل‏ ظَهْرَكَ‏ كما قال تعالى:

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ .

[4] وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ‏ (4)، أي: أعلينا قدرك، و جعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق. فلا يذكر اللّه إلا ذكر معه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، كما في الدخول في الإسلام، و في الأذان، و الإقامة، و الخطب، و غير ذلك من الأمور التي أعلى اللّه بها، ذكر رسوله محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. و له في قلوب أمته، من المحبة، و الإجلال، و التعظيم، ما ليس لأحد غيره، بعد اللّه تعالى. فجزاه اللّه عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته.

[5- 6] و قوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر و صعوبة، فإن اليسر يقارنه و يصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب، لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً . و كما قال النبي صلى اللّه عليه و سلّم: «و إن الفرج مع الكرب، و إن مع العسر يسرا». و تعريف «العسر» في الآيتين، يدل على أنه واحد، و تنكير «اليسر» يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين. و في تعريفه بالألف و اللام، الدال على الاستغراق و العموم دلالة على أن كل عسر، و إن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإنه في آخره التيسير، ملازم له. ثم أمر رسوله أصلا، و المؤمنين تبعا، بشكره و القيام بواجب نعمه، فقال:

[7] فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ‏ (7)، أي:

إذا تفرغت من أشغالك، و لم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة و الدعاء.

[8] وَ إِلى‏ رَبِّكَ‏ وحده‏ فَارْغَبْ‏ ، أي: أعظم الرغبة في إجابة دعائك، و قبول دعواتك. و لا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا و أعرضوا عن ربهم، و عن ذكره، فتكون من الخاسرين. و قد قيل: إن معنى هذا: فإذا فرغت من الصلاة و أكملتها، فانصب في الدعاء. و إلى ربك فارغب في سؤال مطالبك. و استدل من قال هذا القول، على مشروعية الدعاء و الذكر، عقب الصلوات المكتوبات، و اللّه أعلم. تم تفسير سورة الشرح و «الإنشراح».

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1119

سورة التين‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] وَ التِّينِ‏ هو التين المعروف، و كذلك‏ وَ الزَّيْتُونِ‏ أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما و ثمرهما، و لأن سلطانهما في أرض الشام، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام.

[2] وَ طُورِ سِينِينَ‏ (2)، أي: طور سيناء، محل نبوة موسى عليه السلام.

[3] وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏ (3) و هو مكة المكرمة، محل نبوة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها و ابتعث منها أفضل الأنبياء و أشرفهم. و المقسم عليه قوله:

[4] لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏ (4)، أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرا و باطنا شيئا.

[5] و مع هذه النعم العظيمة، التي ينبغي له القيام بشكرها، فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم، مشتغلون باللهو و اللعب، قد رضوا لأنفسهم، بأسافل الأمر، و سفساف الأخلاق. فردهم اللّه في أسفل سافلين، أي: أسفل النار، موضع العصاة المتمردين على ربهم، إلا من منّ اللّه عليه بالإيمان، و العمل الصالح، و الأخلاق الفاضلة العالية.

[6] فَلَهُمْ‏ بذلك المنازل العالية، و أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏ ، أي: غير مقطوع، بل لذات متوافرة، و أفراح متواترة، و نعم متكاثرة، في أبد لا يزول، و نعيم لا يحول، أكلها دائم و ظلها.

[7] فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ‏ (7)، أي: أي شي‏ء يكذبك أيها الإنسان، بيوم الجزاء على الأعمال، و قد رأيت من آيات اللّه الكثيرة ما يحصل لك به اليقين، و من نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشي‏ء منها؟

[8] أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ‏ (8)، فهل تقتضي حكمته أن يترك الخلق سدى لا يؤمرون و لا ينهون، و لا يثابون و لا يعاقبون؟ أم الذي خلق بني الإنسان أطوارا بعد أطوار، و أوصل إليهم من النعم و الخير و البر ما لا يحصونه، و رباهم التربية الحسنة، لا بد أن يعيدهم إلى دار هي مستقرهم، و غايتهم التي إليها يقصدون، و نحوها يؤمون. تم تفسير سورة التين- و الحمد.

تفسير سورة العلق‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذه السورة أول السور القرآنية نزولا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. فإنها نزلت في مبادئ النبوة، إذ كان لا يدري ما

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1120

الكتاب و لا الإيمان. فجاءه جبريل عليه السلام بالرسالة، و أمره أن يقرأ، فاعتذر، و قال: «ما أنا بقارئ» فلم يزل به حتى قرأ. فأنزل اللّه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏ (1) عموم الخلق. ثم خص الإنسان، و ذكر ابتداء خلقه‏ مِنْ عَلَقٍ‏ .

فالذي خلق الإنسان، و اعتنى بتدبيره، لا بد أن يدبر بالأمر و النهي، و ذلك بإرسال الرسل، و إنزال الكتب. و لهذا أتى بعد الأمر بالقراءة، بخلقه للإنسان.

[3] ثم قال: اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ‏ (3)، أي: كثير الصفات واسعها، كثير الكرم و الإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم أنواع العلوم.

[4- 5] و الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ‏ (5) فإنه تعالى أخرجه من بطن أمه، لا يعلم شيئا، و جعل له السمع و البصر و الفؤاد، و يسر له أسباب العلم.

فعلمه القرآن، و علمه الحكمة، و علمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، و تضبط الحقوق، و تكون رسلا للناس، تنوب مناب خطابهم. فلله الحمد و المنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها، على جزاء و لا شكور. ثم منّ عليهم بالغنى و سعة الرزق.

[11] و لكن الإنسان- لجهله و ظلمه- إذا رأى نفسه غنيا، طغى و بغى، و تجبر عن الهدى، و نسي أن لربه الرجعى، و لم يخف الجزاء، بل ربما وصلت به الحال إلى أنه يترك الهدى بنفسه، و يدعو غيره إلى تركه، فينهى عن الصلاة التي هي أفضل أعمال الإيمان، يقول اللّه لهذا المتمرد العاتي: أَ رَأَيْتَ‏ أيها الناهي للعبد إذا صلى‏ إِنْ كانَ‏ العبد المصلي‏ عَلَى الْهُدى‏ العلم بالحق، و العمل به.

[12] أَوْ أَمَرَ غيره‏ بِالتَّقْوى‏ . فهل يحسن أن ينهى، من هذا وصفه؟ أ ليس نهيه من أعظم المحادّة للّه، و المحاربة للحق؟ فإن النهي لا يتوجه إلا ممن هو في نفسه على غير الهدى، أو كان يأمر غيره بخلاف التقوى.

[13] أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ‏ الناهي بالحق‏ وَ تَوَلَّى‏ عن الأمر، أما يخاف اللّه، و يخشى عقابه؟ أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى‏ (14) ما يعمل و يفعل؟

[15- 16] ثم توعده إن استمر على حاله فقال: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ‏ عما يقول و يفعل‏ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ، أي: لنأخذن بناصيته أخذا عنيفا، و هي حقيقة بذلك، فإنها ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16)، أي: كاذبة في قولها، خاطئة في فعلها.

[17] فَلْيَدْعُ‏ هذا الذي حق عليه العذاب‏ نادِيَهُ‏ ، أي: أهل مجلسه و أصحابه، و من حوله، ليعينوه على ما نزل به.

[18] سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18)، أي: خزنة جهنم، لأخذه و عقوبته. فلينظر أي الفريقين أقوى و أقدر؟ فهذه حالة الناهي، و ما توعد به من العقوبة. و أما حالة المنهي، فأمره اللّه أن لا يصغي إلى هذا الناهي، و لا ينقاد لنهيه، فقال:

[19] كَلَّا لا تُطِعْهُ‏ ، أي: فإنه لا يأمر إلا بما فيه الخسار. وَ اسْجُدْ لربك‏ وَ اقْتَرِبْ‏ منه في السجود و غيره من أنواع الطاعات و القربات، فإنها كلها تدني من رضاه، و تقرب منه. و هذا عام لكل ناه عن الخير، و لكل منهي عنه. و إن كانت نازلة في شأن أبي جهل، حين نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الصلاة، و عذبه و آذاه. تم تفسير سورة العلق- و الحمد للّه رب العالمين.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1121

سورة القدر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى مبينا لفضل القرآن و علو قدره: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) و ذلك أن اللّه تعالى، ابتدأ بإنزال القرآن في رمضان في ليلة القدر، و رحم اللّه بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرا. و سميت ليلة القدر، لعظم قدرها، و فضلها عند اللّه، و لأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل و الأرزاق، و المقادير القدرية.

[2] ثم فخّم شأنها، و عظّم مقدارها، فقال: وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)، أي: فإن شأنها جليل، و خطرها عظيم.

[3] لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)، أي: تعادل في فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر، خالية منها. و هذا مما تتحير فيه الألباب، و تندهش له العقول، حيث منّ تعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة و القوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل و يزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرا طويلا، نيفا و ثمانين سنة.

[4- 5] تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها ، أي: يكثر نزولهم فيها مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (5) سَلامٌ هِيَ‏ ، أي: سالمة من كل آفة و شر، و ذلك لكثرة خيرها. حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ، أي: مبتداها من غروب الشمس، و منتهاها طلوع الفجر. و قد تواترت الأحاديث في فضلها، و أنها في رمضان، و في العشر الأواخر منه، خصوصا في أوتاره، و هي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة. و لهذا كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم يعتكف، و يكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر، و اللّه أعلم. تم تفسير سورة القدر- بعون اللّه تعالى.

تفسير سورة البينة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ‏ ، أي: من اليهود و النصارى‏ وَ الْمُشْرِكِينَ‏ من سائر أصناف الأمم. مُنْفَكِّينَ‏ عن كفرهم و ضلالهم، الذي هم عليه، أي: لا يزالون في غيهم و ضلالهم، لا يزيدهم مرور الأوقات إلا كفرا. حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ الواضحة، و البرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال:

صفحه بعد