کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 737

فيها قصور، و لا خفاء. قالُوا على وجه الظلم، و العلو، و العناد ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً‏ كما قال فرعون: في تلك الحال، التي ظهر فيها الحق، و استعلى على الباطل، و اضمحل الباطل، و خضع له الرؤساء العارفون حقائق الأمور إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ هذا، و هو الذكي غير الزكي الذي بلغ من المكر و الخداع و الكيد، ما قصه اللّه علينا و قد علم «ما أنزل هؤلاء إلّا رب السموات و الأرض» و لكن الشقاء غالب. وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ‏ و قد كذبوا في ذلك، فإن اللّه أرسل يوسف، قبل موسى كما قال تعالى: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ‏ .

[37] وَ قالَ مُوسى‏ حين زعموا أن الذي جاءهم به سحر و ضلال، و أن ما هم عليه هو الهدى: رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى‏ مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ أي: إذا لم تفد المقابلة معكم، و تبيين الآيات البينات، و أبيتم إلا التمادي في غيكم، و اللجاج على كفركم، فاللّه تعالى العالم بالمهتدي و غيره، و من تكون له عاقبة الدار، نحن أم أنتم‏ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ‏ . فصار عاقبة الدار لموسى و أتباعه، الفلاح، و الفوز. و صار لأولئك، الخسار، و سوء العاقبة و الهلاك.

[38] وَ قالَ فِرْعَوْنُ‏ متجرئا على ربه، و مموها على قومه السفهاء، و ضعفاء العقول: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي‏ أي: أنا وحدي، إلهكم و معبودكم، و لو كان ثمّ إله غيري لعلمته. فانظر إلى هذا الورع التام من فرعون، حيث لم يقل «ما لكم من إله غيري». و هذا، لأنه عندهم العالم الفاضل، الذي مهما قال: فهو الحقّ، و مهما أمر أطاعوه. فلما قال هذه المقالة، الّتي تحتمل أن ثمّ إلها غيره، أراد أن يحقق النفي، الذي جعل فيه ذلك الاحتمال، فقال ل «هامان». فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ‏ ليجعل له لبنا من فخار. فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً أي:

بناء عاليا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى‏ إِلهِ مُوسى‏ وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ‏ . و لكن سنحقق هذا الظن، و نريكم كذب موسى.

فانظر هذه الجراءة العظيمة، على اللّه، الّتي ما بلغها آدمي. كذّب موسى، و ادّعى أنه اللّه، و نفى أن يكون له علم بالإله الحقّ، و فعل الأسباب، ليتوصل إلى إله موسى، و كلّ هذا ترويج. و لكن العجب من هؤلاء الملأ، الّذين يزعمون أنهم كبار المملكة، المدبرون لشؤونها، كيف لعب هذا الرجل بعقولهم، و استخف أحلامهم، و هذا لفسقهم، الذي صار صفة راسخة فيهم. فسد دينهم، ثمّ تبع ذلك فساد عقولهم، فنسألك اللهم الثبات على الإيمان، و أن لا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، و أن تهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

[39] قال تعالى: وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ استكبروا على عباد اللّه، و ساموهم سوء العذاب، و استكبروا على رسل اللّه، و ما جاءوهم به من الآيات. فكذبوها، و زعموا أن ما هم عليه، أعلى منها و أفضل. وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ‏ فلذلك تجرّؤوا. و إلا فلو علموا، و ظنّوا أنهم يرجعون إلى اللّه، لما كان منهم ما كان.

[40] فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ‏ عند ما استمر عنادهم و بغيهم‏ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ

تيسير الكريم الرحمن، ص: 738

الظَّالِمِينَ‏ كانت شر العواقب و أخسرها عاقبة أعقبتها العقوبة الدنيوية المستمرة، المتصلة بالعقوبة الأخروية.

[41] وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي:

جعلنا فرعون و ملأه، من الأئمة، الّذين يقتدى بهم، و يمشى خلفهم إلى دار الخزي و الشقاء. وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ‏ من عذاب اللّه، فهم أضعف شي‏ء، عن دفعه عن أنفسهم، و ليس لهم من دون اللّه، من ولي و لا نصير.

[42] وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً أي:

و أتبعناهم، زيادة في عقوبتهم و خزيهم، في الدنيا لعنة، يلعنون، و لهم عند الخلق، الثناء القبيح، و المقت و الذم.

و هذا أمر مشاهد، فهم أئمة الملعونين في الدنيا، و مقدمتهم.

وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ‏ المبعدين، المستقذرة أفعالهم. الّذين اجتمع عليهم مقت اللّه، و مقت خلقه، و مقت أنفسهم.

[43] وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ‏ و هو التوراة مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى‏ الّذين خاتمتهم، في الإهلاك العام، فرعون و جنوده. و هذا دليل على أنه بعد نزول التوراة، انقطع الهلاك العام، و شرع جهاد الكفار بالسيف.

بَصائِرَ لِلنَّاسِ‏ أي: كتاب اللّه الذي أنزله على موسى، فيه بصائر للناس، أي: أمور يبصرون بها، ما ينفعهم، و ما يضرهم، فتقوم الحجة على العاصي، و ينتفع بها المؤمن، فتكون رحمة في حقه، و هداية إلى الصراط المستقيم، و لهذا قال: وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏ . و لما قص اللّه على رسوله، ما قص من هذه الأخبار الغيبية، نبه العباد، على أن هذا خبر إلهي محض، ليس للرسول، طريق إلى علمه، إلا من جهة الوحي، و لهذا قال:

[44] وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ‏ أي: بجانب الطور الغربي‏ إِذْ قَضَيْنا إِلى‏ مُوسَى الْأَمْرَ وَ ما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ‏ على ذلك، حتى يقال: إنه وصل إليك من هذا الطريق.

[45] وَ لكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فاندرس العلم، و نسيت آياته. فبعثناك في وقت اشتدت الحاجة إليك، و إلى ما علمناك، و أوحينا إليك. وَ ما كُنْتَ ثاوِياً أي: مقيما فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا أي: تعلمهم، و تتعلم منهم، حتى أخبرت، من شأن موسى في مدين. وَ لكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ‏ أي:

و لكن ذلك الخبر، الذي جئت به عن موسى، أثر من آثار إرسالنا إياك، و وحي لا سبيل لك إلى علمه، بدون إرسالنا.

[46] وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا موسى، و أمرناه أن يأتي القوم الظالمين، و يبلغهم رسالتنا، و يريهم من آياتنا و عجائبنا، ما قصصنا عليك. و المقصود، أن المجريات، الّتي جرت لموسى، عليه الصلاة و السّلام، في هذه الأماكن، فقصصتها كما هي، من غير زيادة و لا نقص، لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون حضرتها و شاهدتها، ذهبت إلى محالها، فتعلمتها من أهلها. فحينئذ قد لا يدل ذلك، على أنك رسول اللّه، إذ الأمور الّتي يخبر بها عن شهادة و دراسة، من الأمور المشتركة، غير المختصة بالأنبياء. و لكن هذا قد علم و تيقّن أنه ما كان و ما صار.

فأولياؤك و أعداؤك يعلمون عدم ذلك. فتعين الأمر الثاني، و هو: أن هذا جاءك من قبل اللّه و وحيه و إرساله. فثبت بالدليل القطعي، صحة رسالتك، و رحمة اللّه بك للعباد، و لهذا قال: وَ لكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 739

مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ‏ أي: العرب، و قريش، فإن الرسالة عندهم، لا تعرف وقت إرسال الرسول و قبله بأزمان متطاولة. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏ تفصيل الخير، فيفعلونه، و الشر فيتركونه. فإذا كنت بهذه المنزلة، كان الواجب عليهم، المبادرة إلى الإيمان بك، و شكر هذه النعمة، الّتي لا يقادر قدرها، و لا يدرك شكرها. و إنذاره للعرب لا ينفي، أن يكون مرسلا لغيرهم، فإنه عربي، و القرآن الذي نزل عليه، عربي، و أول من باشر بدعوته، العرب. فكانت رسالته لهم أصلا، و لغيرهم تبعا، كما قال تعالى: أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ‏ ... قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً .

[47- 48] وَ لَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏ من الكفر و المعاصي‏ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي: فأرسلناك يا محمد، لدفع حجتهم، و قطع مقالتهم. فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ‏ الذي لا شك فيه‏ مِنْ عِنْدِنا و هو القرآن، الذي أوحيناه إليك‏ قالُوا مكذبين له و معترضين بما ليس يعترض به: لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى‏ أي: أنزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة. أي: فأما ما دام ينزل متفرقا، فإنه ليس من عند اللّه. و أي دليل في هذا؟ و أي شبهة أنه ليس من عند اللّه، حين نزل مفرقا؟ بل من كمال هذا القرآن، و اعتناء اللّه بمن أنزل عليه، أن نزل متفرقا، ليثبت اللّه به فؤاد رسوله، و يحصل زيادة الإيمان للمؤمنين. وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً (33).

و أيضا، فإن قياسهم على كتاب موسى، قياس قد نقضوه، فكيف يقيسونه على كتاب كفروا به، و لم يؤمنوا؟ و لهذا قال: أَ وَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى‏ مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا أي: القرآن و التوراة، تعاونا في سحرهما، و إضلال الناس‏ وَ قالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ‏ . فثبت بهذا، أن القوم يريدون إبطال الحقّ، بما ليس ببرهان، و ينقضونه بما لا ينقض، و يقولون الأقوال المتناقضة المختلفة، و هذا شأن كلّ كافر. و لهذا صرّح أنهم كفروا بالكتابين و الرسولين‏ وَ قالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ‏ .

[49] و لكن هل كفرهم بهما، كان طلبا للحق، و اتباعا لأمر عندهم، خير منهما، أم مجرد هوى؟. قال تعالى ملزما لهم بذلك: قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى‏ مِنْهُما أي: من التوراة و القرآن‏ أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ و لا سبيل لهم، و لا لغيرهم، أن يأتوا بمثلها، فإنه ما طرق العالم، منذ خلقه اللّه، مثل هذين الكتابين، علما، و هدى، و بيانا، و رحمة للخلق. و هذا من كمال الإنصاف من الداعي أن قال: مقصودي، الحقّ و الهدى و الرشد، و قد جئتكم بهذا الكتاب، المشتمل على ذلك، الموافق لكتاب موسى. فيجب علينا جميعا الإذعان لهما، و اتباعهما، من حيث كونهما هدى و حقا. فإن جئتموني بكتاب من عند اللّه، هو أهدى منهما، اتبعته. و إلا، فلا أترك هدى و حقا قد علمته لغير هدى و حق.

[50] فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ‏ فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ‏ أي: فاعلم أن تركهم اتباعك، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه، و لا إلى هدى، و إنّما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم. وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 740

هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ‏ فهذا من أضل الناس، حيث عرض عليه الهدى، و الصراط المستقيم، الموصل إلى اللّه و إلى دار كرامته، فلم يلتفت إليه، و لم يقبل عليه. و دعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك و الشقاء، فاتبعه، و ترك الهدى. فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟ و لكن ظلمه و عدوانه، و عدم محبته للحق، هو الذي أوجب له: أن يبقى على ضلاله و لا يهديه اللّه، فلهذا قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ أي: الّذين صار الظلم لهم وصفا و العناد لهم نعتا، جاءهم الهدى فرفضوه، و عرض لهم الهوى، فتبعوه. سدوا على أنفسهم أبواب الهداية و طرقها، و فتحوا عليهم أبواب الغواية و سبلها. فهم في غيهم و ظلمهم يعمهون، و في شقائهم و هلاكهم، يترددون. و في قوله: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ‏ دليل على أن كلّ من لم يستجب للرسول، و ذهب إلى قول مخالف لقول الرسول، فإنه لم يذهب إلى هدى، و إنّما ذهب إلى هوى.

[51] وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ‏ أي: تابعناه و واصلناه، و أنزلناه شيئا فشيئا، رحمة بهم و لطفا لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏ حين تتكرر عليهم آياته، و تنزل عليهم بيناته وقت الحاجة إليها. فصار نزوله متفرقا، رحمة بهم، فلم اعترضوا على ما هو من مصالحهم؟

فصل في ذكر بعض الفوائد و العبر في هذه القصة العجيبة

فمنها: أن آيات اللّه و عبره، و أيامه في الأمم السابقة، إنّما يستفيد بها و يستنير، المؤمنون، فعلى حسب إيمان العبد، تكون عبرته. و إن اللّه تعالى إنّما يسوق القصص لأجلهم، و أما غيرهم، فلا يعبأ اللّه بهم، و ليس لهم منها نور و هدى. و منها: أن اللّه تعالى، إذا أراد أمرا، هيّأ أسبابه، و أتى بها شيئا فشيئا بالتدريج، لا دفعة واحدة. و منها: أن الأمة المستضعفة، و لو بلغت في الضعف ما بلغت، لا ينبغي لها أن يستولي عليها الكسل، عن طلب حقها، و لا الإياس من ارتقائها إلى أعلى الأمور، خصوصا إذا كانوا مظلومين، كما استنقذ اللّه أمّة بني إسرائيل، الأمة الضعيفة، من أسر فرعون و ملئه، و مكّنهم في الأرض، و ملّكهم بلادهم. و منها: أن الأمة ما دامت ذليلة مقهورة، لا تأخذ حقها، و لا تتكلم به، لا يقوم لها أمر دينها و لا دنياها، و لا يكون لها إمامة فيه.

[ثمّ توعّد تعالى المخذلين المعوقين، و تهددهم فقال: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ‏ عن الخروج، لمن لم يخرجوا وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ‏ الّذين خرجوا هَلُمَّ إِلَيْنا أي: ارجعوا، كما تقدم من قولهم: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا . و هم مع تعويقهم و تخذيلهم‏ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ‏ أي: القتال و الجهاد، بأنفسهم‏ إِلَّا قَلِيلًا فهم أشد الناس حرصا على التخلف، لعدم الداعي لذلك، من الإيمان و الصبر. و لوجود المقتضي للجبن، من النفاق، و عدم الإيمان. أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏ بأبدانهم عن القتال، و بأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم و أنفسهم. فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى‏ عَلَيْهِ‏ أي: نظر المغشي عليه‏ مِنَ الْمَوْتِ‏ من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، و القلق الذي أذهلهم، و خوفا من إجبارهم على ما يكرهون من القتال. فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ‏ و صاروا في حال الأمن و الطمأنينة. سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي: خاطبوكم، و تكلموا معكم، بكلام حديد، و دعاوى غير صحيحة. و حين تسمعهم، تظنهم أهل الشجاعة و الإقدام، أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ الذي يراد منهم.

و هذا شر ما في الإنسان، أن يكون شحيحا بما أمر به، شحيحا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحا في بدنه أن يجاهد أعداء اللّه، أو يدعو إلى سبيل اللّه، شحيحا بجاهه، شحيحا بعلمه، و نصيحته، و رأيه. أُولئِكَ‏ الّذين بتلك الحالة لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ‏ بسبب عدم إيمانهم، وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً . و أما المؤمنون، فقد وقاهم اللّه، شح أنفسهم، و وفقهم لبذل ما أمروا به، من بذل أبدانهم في القتال في سبيله، و إعلاء كلمته، و أموالهم، للنفقة في طرق الخير، و جاههم و علمهم. يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أي: يظنون أن هؤلاء الأحزاب، الّذين‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 741

تحزبوا على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و أصحابه، لم يذهبوا حتى يستأصلوهم، فخاب ظنهم، و بطل حسبانهم. وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ‏ مرة أخرى‏ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ‏ أي: لو أتى الأحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة، ودّ هؤلاء المنافقون، أنهم ليسوا في المدينة، و لا في القرب منها، و أنهم مع الأعراب في البادية، يستخبرون عن أخباركم، و يسألون عن أنبائكم، ماذا حصل عليكم؟ فتبا لهم، و بعدا، فليسوا ممن يغالى بحضورهم‏ وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا فلا تبالوهم، و لا تأسوا عليهم. لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة، و باشر موقف الحرب، و هو الشريف الكامل، و البطل الباسل. فكيف تشحون بأنفسكم، عن أمر جاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، بنفسه فيه؟ فتأسوا به في هذا الأمر و غيره. و استدل الأصوليون في هذه الآية، على الاحتجاج بأفعال الرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و أن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دلّ الدليل الشرعي على الاختصاص به. فالأسوة نوعان: أسوة حسنة، و أسوة سيئة. فالأسوة الحسنة، في الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم. فإن المتأسّي به، سالك الطريق الموصل إلى كرامة اللّه، و هو الصراط المستقيم. و أما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، كقول المشركين حين دعتهم الرسل للتأسّي بهم‏] «1» .

و منها: لطف اللّه بأم موسى، و تهوينه عليها المصيبة بالبشارة، بأن اللّه سيرد إليها ابنها، و يجعله من المرسلين.

و منها: أن اللّه يقدّر على عبده بعض المشاق، لينيله سرورا أعظم من ذلك، أو يدفع عنه شرا أكثر منه. كما قدّر على أم موسى، ذلك الحزن الشديد، و الهم البليغ، الذي هو وسيلة إلى أن يصل إليها ابنها، على وجه تطمئن به نفسها، و تقر به عينها، و تزداد به غبطة و سرورا.

و منها: أن الخوف الطبيعي من الخلق، لا ينافي الإيمان و لا يزيله، كما جرى لأم موسى، و لموسى من تلك المخاوف.

و منها: أن الإيمان يزيد و ينقص. و أن من أعظم ما يزيد به الإيمان، و يتم به اليقين، الصبر عند المزعجات، و التثبيت من اللّه، عند المقلقات، كما قال تعالى: لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى‏ قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي: ليزداد إيمانها بذلك، و يطمئن قلبها.

و منها أن من أعظم نعم اللّه على عبده و أعظم معونة للعبد على أموره، تثبيت اللّه إياه، و ربط جأشه و قلبه عند المخاوف، و عند الأمور المذهلة، فإنه بذلك، يتمكن من القول الصواب، و الفعل الصواب. بخلاف من استمر قلقه و روعه، و انزعاجه، فإنه يضيع فكره، و يذهل عقله، فلا ينتفع بنفسه في تلك الحال.

و منها: أن العبد- و لو عرف أن القضاء و القدر و وعد اللّه نافذ لا بد منه فإنه لا يهمل فعل الأسباب، الّتي أمر بها، و لا يكون ذلك منافيا لإيمانه بخبر اللّه. فإن اللّه قد وعد أم موسى أن يرده عليها، و مع ذلك، اجتهدت في رده، و أرسلت أخته لتقصه و تطلبه.

و منها: جواز خروج المرأة في حوائجها، و تكليمها للرجال، من غير محذور، كما جرى لأخت موسى، و ابنتي صاحب مدين.

و منها: جواز أخذ الأجرة على الكفالة و الرضاع، و الدلالة على من يفعل ذلك.

و منها: أن اللّه من رحمته بعبده الضعيف، الذي يريد إكرامه، أن يريه من آياته، و يشهده من بيناته، ما يزيد به إيمانه، كما رد اللّه موسى إلى أمه، لتعلم أن وعد اللّه حق.

و منها: أن قتل الكافر، الذي له عهد بعقد أو عرف، لا يجوز. فإن موسى عليه السّلام عدّ قتله القبطي الكافر،

(1) ما بين المعكوفتين ساقط من المطبوعة الّتي بين أيدينا، و النص موافق للسياق و اللّه أعلم.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 742

ذنبا، و استغفر اللّه منه.

و منها: أن الذي يقتل النفوس بغير حق، يعد من الجبارين، الذين يفسدون في الأرض.

و منها: أن من قتل النفوس بغير حق، و زعم أنه يريد الإصلاح في الأرض، و تهييب أهل المعاصي، فإنه كاذب في ذلك، و هو مفسد كما حكى اللّه قول القبطي: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ‏ على وجه التقرير له، لا الإنكار.

و منها: أن إخبار الرجل غيره بما قيل فيه، على وجه التحذير له من شر يقع فيه، لا يكون ذلك نميمة- بل قد يكون واجبا- كما أخبر ذلك الرجل موسى، ناصحا له و محذرا.

و منها: أنه إذا خاف القتل و التلف في الإقامة، فإنه لا يلقي بيده إلى التهلكة، و لا يستسلم لذلك، بل يذهب عنه، كما فعل موسى.

و منها: أنه عند تزاحم المفسدتين، إذا كان لا بد من ارتكاب إحداهما فإنه يرتكب الأخف منهما و الأسلم. كما أن موسى، لما دار الأمر بين بقائه في مصر، و لكنه يقتل، أو يذهب إلى بعض البلدان البعيدة، الّتي لا يعرف الطريق إليها، و ليس معه دليل يدله غير ربه، و لكن هذه الحالة أرجى للسلامة من الأولى، فتبعها موسى.

و منها: أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه، إذا لم يترجح عنده أحد القولين، فإنه يستهدي ربه، و يسأله أن يهديه الصواب من القولين، بعد أن يقصد بقلبه الحق، و يبحث عنه، فإن اللّه لا يخيب من هذه حاله. كما خرج موسى تلقاء مدين فقال: عَسى‏ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ‏ . و منها: أن الرحمة بالخلق، و الإحسان على من يعرف و من لا يعرف، من أخلاق الأنبياء، و أن من الإحسان سقي الماشية الماء، و إعانة العاجز.

و منها: استحباب الدعاء بتبيين الحال و شرحها، و لو كان اللّه عالما لها؛ لأنه تعالى، يحب تضرع عبده و إظهار ذله و مسكنته، كما قال موسى: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ . و منها أن الحياء- خصوصا من الكرام- من الأخلاق الممدوحة. و منها: أن المكافأة على الإحسان، لم يزل دأب الأمم السابقين. و منها: أن العبد إذا عمل العمل للّه تعالى، ثمّ حصل له مكافأة عليه، من غير قصد بالقصد الأول، فإنه لا يلام على ذلك، كما قبل موسى مجازاة صاحب مدين، عن معروفه الذي لم يبتغ له، و لم يستشرف بقلبه على عوض. و منها: مشروعية الإجارة، و أنها تجوز على رعاية الغنم و نحوها، مما لا يقدر به العمل، و إنّما مرده، العرف.

و منها: أن خطبة الرجل لابنته الذي يتخيره، لا يلام عليه. و منها: أن خير أجير و عامل يعمل للإنسان، أن يكون قويا أمينا. و منها: أن من مكارم الأخلاق، أن يحسن خلقه لأجيره و خادمه، و لا يشق عليه بالعمل لقوله:

وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ .

و منها: جواز عقد الإجارة و غيرها من العقود، من دون إشهاد لقوله: وَ اللَّهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيلٌ‏ . و منها: ما أجرى اللّه على يد موسى من الآيات البينات، و المعجزات الظاهرة، من الحية، و انقلاب يده بيضاء من غير سوء، و من عصمة اللّه لموسى و هارون، من فرعون، و من الغرق.

و منها: أن من أعظم العقوبات أن يكون الإنسان إماما في الشر، و ذلك بحسب معارضته لآيات اللّه و بيناته.

كما أن أعظم نعمة أنعم اللّه بها على عبده، أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا. و منها: ما فيها من الدلالة على رسالة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، حيث أخبر بذلك تفصيلا، و تأصيلا موافقا، قصه قصا، صدّق به المرسلين؛ و أيّد به الحقّ المبين، من غير حضور شي‏ء من تلك الوقائع؛ و لا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع؛ و لا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الأمور؛ و لا مجالسة أحد من أهل العلم؛ إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم؛ و وحي أنزله عليه الكريم المنان؛ لينذر به قوما جاهلين؛ و عن النذر و الرسل غافلين. فصلوات اللّه و سلامه؛ على من مجرد خبره ينبى‏ء أنه رسول اللّه؛ و مجرد

تيسير الكريم الرحمن، ص: 743

أمره و نهيه ينبه العقول النيرة؛ أنه من عند اللّه. كيف و قد تطابق على صحة ما جاء به و صدّقه خبر الأولين و الآخرين.

و الشرع الذي جاء به من رب العالمين، و ما جبل عليه من الأخلاق الفاضلة؛ الّتي لا تناسب؛ و لا تصلح إلا لأعلى الخلق درجة؛ و النصر المبين لدينه و أمته. حتى بلغ دينه؛ مبلغ الليل و النهار؛ و فتحت أمته معظم بلدان الأمصار؛ بالسيف و السنان، و قلوبهم بالعلم و الإيمان. و لم تزل الأمم المعاندة؛ و الملوك الكفرة؛ ترميه بقوس واحدة؛ و تكيد له المكايد؛ و تمكر لإطفائه؛ و إخفائه؛ و إخماده من الأرض و هو قد بهرها و علاها، لا يزداد إلا نموا، و لا آياته و براهينه إلّا ظهورا. و كلّ وقت من الأوقات، يظهر من آياته، ما هو عبرة للعالمين، و هداية للعالمين، و نور و بصيرة للمتوسمين.

و الحمد للّه وحده.

[52] يذكر تعالى، عظمة القرآن، و صدقه، و حقه، و أن أهل العلم بالحقيقة يعرفونه، و يؤمنون به، و يقرون بأنه الحقّ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ‏ و هم أهل التوراة، و الإنجيل، الّذين لم يغيروا و لم يبدلوا هُمْ بِهِ‏ أي: بهذا القرآن، و من جاء به‏ يُؤْمِنُونَ‏ .

[53] وَ إِذا يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏ استمعوا له، و أذعنوا و قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا لموافقته ما جاءت به الرسل، و مطابقته لما ذكر في الكتب، و اشتماله على الأخبار الصادقة، و الأوامر و النواهي الموافقة لغاية الحكمة. و هؤلاء الّذين تفيد شهادتهم، و ينفع قولهم، لأنهم لا يقولون ما يقولون إلا عن علم و بصيرة، لأنهم أهل الخبرة، و أهل الكتب. و غيرهم لا يدل ردهم و معارضتهم للحق، على شبهة، فضلا عن الحجة، لأنهم ما بين جاهل فيه أو متجاهل معاند للحق. قال تعالى: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) الآيات. و قوله: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ‏ فلذلك ثبتنا على ما منّ اللّه به علينا من الإيمان و الإسلام، فصدقنا بهذا القرآن، آمنا بالكتاب الأول، و الكتاب الآخر. و غيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب، إيمانه بالكتاب الأول.

[54] أُولئِكَ‏ الّذين آمنوا بالكتابين‏ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ‏ أجرا على الإيمان الأول، و أجرا على الإيمان الثاني. بِما صَبَرُوا على الإيمان، و ثبتوا على العمل، فلم تزعزعهم عن ذلك، شبهة، و لا ثناهم عن الإيمان، رياسة و لا شهوة. وَ من خصالهم الفاضلة، الّتي هي من آثار إيمانهم الصحيح، أنهم‏ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي: دأبهم و طريقتهم الإحسان لكل أحد، حتى للمسي‏ء إليهم، بالقول و الفعل، يقابلونه بالقول الحميد و الفعل الجميل، لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم، و أنه لا يوفق له ذو حظ عظيم.

[55] وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ من جاهل خاطبهم به، أعرضوا عنه، و قالُوا مقالة عباد الرحمن أولي الألباب:

صفحه بعد