کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 270

و منها: جواز سفر المسلم مع الكافر، إذا لم يكن محذورا.

و منها: جواز السفر للتجارة. و منها: أن الشاهدين- إذا ارتيب فيهما، و لم تبد قرينة تدل على خيانتهما، و أراد الأولياء- أن يؤكدوا عليهما اليمين، يحبسونهما من بعد الصلاة، فيقسمان بصفة ما ذكر اللّه تعالى. و منها: أنه إذا لم تحصل تهمة و لا ريب لم يكن حاجة إلى حبسهما، و تأكيد اليمين عليهما.

و منها: تعظيم أمر الشهادة، حيث أضافها تعالى، إلى نفسه، و أنه يجب الاعتناء بها، و القيام بها، بالقسط. و منها: أنه يجوز امتحان الشاهدين، عند الريبة فيهما، و تفريقهما، لينظر في قيمة شهادتهما صدقا أو كذبا. و منها: أنه إذا وجدت القرائن الدالة على كذب الوصيين في هذه المسألة- قام اثنان من أولياء الميت، فأقسما باللّه: أن أيماننا أصدق من أيمانهما، و لقد خانا و كذّبا. ثمّ يدفع إليهما ما ادعياه، و تكون القرينة- مع أيمانهما- قائمة مقام البينة.

[109] يخبر تعالى، عن يوم القيامة، و ما فيه من الأهوال العظام، و أن اللّه يجمع به جميع الرسل فيسألهم:

ما ذا أُجِبْتُمْ‏ أي: ماذا أجابتكم به أممكم؟ قالُوا لا عِلْمَ لَنا و إنّما العلم لك- يا ربنا، فأنت أعلم منا. إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏ أي: تعلم الأمور الغائبة و الحاضرة.

[110] إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى‏ والِدَتِكَ‏ أي: اذكرها بقلبك و لسانك، و قم بواجبها شكرا لربك، حيث أنعم عليك نعما، ما أنعم بها على غيرك. إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏ أي: إذ قويتك بالروح و الوحي، الذي طهرك و زكاك، و صار لك قوة على القيام بأمر اللّه و الدعوة إلى سبيله. و قيل: إن المراد «بروح القدس» جبريل عليه السّلام، و أن اللّه أعانه به، و بملازمته له، و تثبيته، في المواطن المشقة. تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا المراد بالتكليم هنا، غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام. و إنّما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم و المخاطب، و هو الدعوة إلى اللّه. و لعيسى عليه السّلام من ذلك، ما لإخوانه، من أولي العزم من المرسلين، من التكليم في حال الكهولة، بالرسالة و الدعوة إلى الخير، و النهي عن الشر. و امتاز عنهم، بأنه كلّم الناس في المهد فقال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) الآية.

وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ فالكتاب يشمل الكتب السابقة، و خصوصا التوراة، فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل- بعد موسى- بها. و يشمل الإنجيل الذي أنزله اللّه عليه. و الحكمة هي: معرفة أسرار الشرع، و فوائده، و حكمه، و حسن الدعوة و التعليم، و مراعاة ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي. وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ أي: طيرا مصورا، لا روح فيه. وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ‏ الذي: لا بصر له و لا عين. وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى‏ بِإِذْنِي‏ . فهذه آيات بيّنات، و معجزات باهرات، يعجز عنها الأطباء و غيرهم، أيد اللّه بها عيسى، و قوّى بها دعوته. وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ‏ لما جاءهم الحقّ مؤيدا بالبينات الموجبة للإيمان به. إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ . و همّوا بعيسى أن يقتلوه، و سعوا في ذلك. فكفّ اللّه أيديهم عنه، و حفظه منهم، و عصمه. فهذه منن، امتنّ اللّه بها على عبده و رسوله، عيسى ابن مريم، و دعاه إلى‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 271

شكرها، و القيام بها. فقام بها عليه السّلام، أتم القيام، و صبر كما صبر إخوانه، من أولي العزم.

[111] أي: و اذكر نعمتي عليك، إذ يسرت لك أتباعا و أعوانا. فأوحيت إلى الحواريين أي: ألهمتهم، و أوزعت قلوبهم الإيمان بي و برسولي، و أوحيت إليهم على لسانك، أي: أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند اللّه.

فأجابوا لذلك و انقادوا، و قالوا: آمنا، و اشهد بأننا مسلمون. فجمعوا بين الإسلام الظاهر، و الانقياد بالأعمال الصالحة و الإيمان الباطن، المخرج لصاحبه من النفاق، و من ضعف الإيمان. و الحواريون هم: الأنصار، كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ* .

[112] إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ أي: مائدة فيها طعام. و هذا ليس منهم عن شك في قدرة اللّه، و استطاعته على ذلك. و إنّما ذلك، من باب العرض و الأدب منهم.

و لما كان سؤال آيات الاقتراح، منافيا للانقياد للحق، و كان هذا الكلام الصادر من الحواريين، ربما أوهم ذلك، و عظهم عيسى عليه السّلام فقال: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ فإن المؤمن، يحمله ما معه من الإيمان على ملازمة التقوى، و أن ينقاد لأمر اللّه، و لا يطلب من آيات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها.

[113] فأخبر الحواريون، أنهم ليس مقصودهم هذا المعنى، و إنّما لهم مقاصد صالحة. لأجل الحاجة إلى ذلك‏ قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها و هذا دليل على أنهم محتاجون لها. وَ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا بالإيمان، حين نرى الآيات العيانية، حتى يكون الإيمان عين اليقين. كما سأل الخليل، عليه الصلاة و السّلام ربه، أن يريه كيف يحيي الموتى‏ قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي‏ . فالعبد محتاج إلى زيادة العلم، و اليقين، و الإيمان كل وقت، و لهذا قال:

وَ نَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا أي: نعلم صدق ما جئت به، أنه حق و صدق. وَ نَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ‏ فتكون مصلحة لمن بعدنا. نشهدها لك، فتقوم الحجة، و يحصل زيادة البرهان بذلك.

[114] فلما سمع عيسى عليه الصلاة و السّلام ذلك، و علم مقصودهم، أجابهم إلى طلبهم في ذلك. فقال:

اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ‏ أي: يكون وقت نزولها، عيدا و موسما، يتذكر به هذه الآية العظمة، فتحفظ و لا تنسى على مرور الأوقات، و تكرر السنين. كما جعل اللّه تعالى أعياد المسلمين و مناسكهم، مذكرة لآياته، و منبها على سنن المرسلين و طرقهم القويمة، و فضله و إحسانه عليهم.

وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ‏ أي: اجعلها لنا رزقا. فسأل عيسى عليه السّلام نزولها أن تكون لهاتين المصلحتين، مصلحة الدين، بأن تكون آية باقية، و مصلحة الدنيا، و هي: أن تكون رزقا.

[115] قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ‏ لأنه شاهد الآية الباهرة و كفر، عنادا و ظلما، فاستحق العذاب الأليم، و العقاب الشديد. و اعلم أن اللّه تعالى وعد أنه سينزلها، و توعدهم- إن كفروا- بهذا الوعيد. و لم يذكر أنه أنزلها. فيحتمل أنه لم ينزلها، بسبب أنهم لم يختاروا ذلك. و يدل على ذلك، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى، و لا له وجود. و يحتمل أنها نزلت، كما وعد اللّه، و أنه لا يخلف الميعاد. و يكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم، من الحظ الذي ذكروا به فنسوه. أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلا، و إنّما ذلك كان متوارثا بينهم، ينقله الخلف عن السلف، فاكتفى اللّه بذلك، عن ذكره في الإنجيل.

و يدل على هذا المعنى قوله: وَ نَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ‏ و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

[116] وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ . و هذا توبيخ للنصارى، الّذين قالوا: إن اللّه ثالث ثلاثة فيقول اللّه هذا الكلام لعيسى. فيتبرأ منه عيسى و يقول: سُبْحانَكَ‏ عن هذا الكلام القبيح، و عمّا لا يليق بك. وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ أي:

ما ينبغي لي، و لا يليق أن أقول شيئا، ليس من أوصافي، و لا من حقوقي. فإنه ليس أحد من المخلوقين، لا الملائكة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 272

المقربون، و لا الأنبياء المرسلون و لا غيرهم، له حق و لا استحقاق لمقام الإلهية. و إنّما الجميع عباد، مدبرون، و خلق مسخرون، و فقراء عاجزون. إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ‏ فأنت أعلم بما صدر مني.

إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏ و هذا من كمال أدب المسيح عليه الصلاة و السّلام، في خطابه لربه. فلم يقل عليه السّلام: «لم أقل شيئا من ذلك». و إنّما أخبر بكلام ينفي عن نفسه، أن يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف، و أن هذا من الأمور المحالة. و نزه ربه عن ذلك أتم تنزيه، ورد العلم إلى عالم الغيب و الشهادة.

[117] ثمّ صرّح بذكر ما أمر به بني إسرائيل فقال:

ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ‏ فأنا عبد متبع لأمرك، لا متجرى‏ء على عظمتك. أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ‏ أي: ما أمرتهم إلا بعبادة اللّه وحده، و إخلاص الدين له، المتضمن للنهي، عن اتخاذي و أمي إلهين، من دون اللّه، و بيان أني عبد مربوب، فكما أنه ربكم فهو ربي. وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ‏ أشهد على من قام بهذا الأمر، ممن لم يقم به. فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ‏ أي: المطلع على سرائرهم و ضمائرهم. وَ أَنْتَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ علما و سمعا و بصرا. فعلمك قد أحاط بالمعلومات، و سمعك بالمسموعات، و بصرك بالمبصرات، فأنت الذي تجازي عبادك، بما تعلمه فيهم من خير و شر.

[118] إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ‏ و أنت أرحم بهم من أنفسهم، و أعلم بأحوالهم، فلو لا أنهم عباد متمردون، لم تعذبهم. وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ أي: فمغفرتك صادرة عن تمام عزة و قدرة، لا كمن يغفر و يعوف، عن عجز و عدم قدرة. الحكيم حيث كان من مقتضى حكمتك، أن تغفر لمن أتى بأسباب المغفرة.

[119] قالَ اللَّهُ‏ مبينا لحال عباده يوم القيامة، و من الفائز منهم، و من الهالك، من الشقي، و من السعيد.

هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ‏ و الصادقون هم الّذين استقامت أعمالهم و أقوالهم، و نياتهم، على الصراط المستقيم، و الهدى القويم. فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق، إذا أحلهم اللّه في مقعد صدق، عن مليك مقتدر. و لهذا قال: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ . و الكاذبون بضدهم، سيجدون ضرر كذبهم و افترائهم، و ثمرة أعمالهم الفاسدة.

[120] لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما فِيهِنَ‏ لأنه الخالق لهما و المدبر لذلك بحكمه القدري، و حكمه الشرعي، و حكمه الجزائي، و لهذا قال: وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فلا يعجزه شي‏ء، بل جميع الأشياء منقادة لمشيئته، و مسخرة بأمره.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 273

سورة الأنعام‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذا إخبار عن حمده و الثناء عليه، بصفات الكمال، و نعوت العظمة و الجلال عموما، و على هذه المذكورات خصوصا. فحمد نفسه على خلقه السموات و الأرض، الدالة على كمال قدرته، و سعة علمه و رحمته، و عموم حكمته، و انفراده بالخلق و التدبير، و على جعله الظلمات و النور. و ذلك شامل للحسي من ذلك، كالليل و النهار، و الشمس و القمر. و المعنوي، كظلمات الجهل، و الشك، و الشرك، و المعصية، و الغفلة، و نور العلم و الإيمان، و اليقين، و الطاعة. و هذا كه، يدل دلالة قاطعة أنه تعالى، هو المستحق للعبادة، و إخلاص الدين له. و مع هذا الدليل و وضوح البرهان‏ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏ به سواه. يسوونهم به في العبادة و التعظيم، مع أنهم لم يساووا اللّه في شي‏ء من الكمال، و هم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه.

[2] هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ‏ و ذلك بخلق مادتكم و أبيكم آدم عليه السّلام. ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا أي: ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا، فتمتعون به و تمتحنون، و تبتلون بما يرسل إليك به رسله. لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا* و يعمركم ما يتذكر فيه من تذكر. وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ‏ و هي: الدار الآخرة، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار، فيجازيهم بأعمالهم من خير و شر. ثُمَ‏ مع هذا البيان التام و قطع الحجة أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ‏ أي: تشكّون في وعد اللّه و وعيده، و وقوع الجزاء يوم القيامة. و ذكر اللّه الظلمات بالجمع، لكثرة موادها، و تنوع طرقها. و وحّد النور، لكون الصراط الموصلة إلى اللّه واحدة، لا تعدد فيها، و هي: الصراط المتضمنة للعلم بالحق، و العمل به كما قال تعالى: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏ .

[3] أي: و هو المألوه المعبود، في السموات و في الأرض، فأهل السماء و الأرض، متعبدون لربهم، خاضعون لعظمته، مستكينون لعزه و جلاله، الملائكة المقربون، و الأنبياء، و المرسلون، و الصديقون، و الشهداء، و الصالحون.

و هو تعالى، يعلم سركم و جهركم و يعلم ما تكسبون، فاحذروا معاصيه و ارغبوا في الأعمال، التي تقربكم منه، و تدنيكم من رحمته، و احذروا من كل عمل يبعدكم عنه، و من رحمته.

[4] هذا إخبار منه تعالى، عن إعراض المشركين، و شدة تكذيبهم و عداوتهم، و أنهم لا تنفع فيهم الآيات، حتى تحل بهم المثلاث فقال: وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ‏ الدالة على الحقّ دلالة قاطعة، الداعية لهم إلى اتباعه و قبوله. إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ‏ لا يلقون له بالا، و لا يصغون لها سمعا، قد انصرفت قلوبهم إلى غيرها، و ولوها أدبارهم.

[5] فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ‏ و الحقّ حقه، أن يتبع، و يشكر اللّه على تيسيره لهم، و إتيانهم به. فقابلوه بضد

تيسير الكريم الرحمن، ص: 274

ما يجب مقابلته به فاستحقوا العقاب الشديد. فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ أي: فسوف يرون ما استهزؤوا به، أنه الحق و الصدق، و يبين اللّه للمكذبين كذبهم و افتراءهم و كانوا يستهزئون بالبعث و الجنة و النار. فإذا كان يوم القيامة قيل للمكذبين: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ (14). و قال تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى‏ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ‏ (39).

[6] ثمّ أمرهم أن يعتبروا بالأمم السابقة فقال: أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ‏ أي: كم تتابع إهلاكنا للأمم المكذبين، و أمهلناهم قبل ذلك الإهلاك، بأن‏ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ‏ من الأموال و البنين و الرفاهية.

وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَ جَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ‏ تنبت لهم بذلك ما شاء اللّه، من زروع و ثمار، يتمتعون بها، و يتناولون منها ما يشتهون. فلم يشكروا اللّه على نعمه، بل أقبلوا على الشهوات، و ألهتهم اللذات. فجاءتهم رسلهم بالبينات، فلم يصدقوها، بل ردوها و كذبوها فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ‏ أي: فأهلكهم اللّه بذنوبهم، و أنشأ من بعدهم قرنا آخرين. فهذه سنّة اللّه و دؤبه، في الأمم السابقين و اللاحقين. فاعتبروا بمن قص اللّه عليكم نبأهم.

[7] هذا إخبار من اللّه لرسوله عن شدة عناد الكافرين، و أنه ليس تكذيبهم لقصور فيما جئتهم به، و لا لجهل منهم بذلك، و إنّما ذلك ظلم و بغي، لا حيلة لكم فيه. فقال: وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ‏ و تيقنوه‏ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظلما و عدوانا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏ . فأي بينة أعظم من هذه البينة، و هذا قولهم الشنيع فيها، حيث كابروا المحسوس، الذي لا يمكن من له أدنى مسكة من عقل دفعه؟

[8] وَ قالُوا أيضا- تعنتا مبنيا على الجهل، و عدم العلم بالمعقول. لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ‏ أي: هلا أنزل مع محمد ملك، يعاونه و يساعده على ما هو عليه بزعمهم أنه بشر، و أن رسالة اللّه، لا تكون إلا على أيدي الملائكة. قال اللّه- في بيان رحمته و لطفه بعباده، حيث أرسل إليهم بشرا منهم يكون الإيمان بما جاء به، عن علم، و بصيرة، و غيب. وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً برسالتنا، لكان الإيمان لا يصدر عن معرفة بالحق و لكان إيمانا بالشهادة، الذي لا ينفع شيئا وحده. و هذا إن آمنوا، و الغالب أنهم لا يؤمنون بهذه الحالة. فلو لم يمنوا لَقُضِيَ الْأَمْرُ بتعجيل الهلاك عليهم، و عدم إنظارهم، لأن هذه سنّة اللّه، فيمن طلب الآيات المقترحة، فلم يؤمن بها. فإرسال الرسول البشري إليهم، بالآيات البينات، التي يعلم اللّه أنها أصلح للعباد، و أرفق بهم، مع إمهال اللّه للكافرين و المكذبين- خير لهم و أنفع. فطلبهم لإنزال الملك، شر لهم، لو كانوا يعلمون. و مع ذلك، فالملك لو أنزل عليهم، و أرسل، لم يطيقوا التلقي عنه، و لا احتملوا ذلك، و لا أطاقته قواهم الفانية.

[9] وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا لأن الحكمة لا تقتضي سوى ذلك. وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ‏ أي: و لكان الأمر، مختلطا عليهم، و ملبوسا. و ذلك بسبب ما لبسوه على أنفسهم، فإنهم بنوا أمرهم على هذه القاعدة

تيسير الكريم الرحمن، ص: 275

التي فيها اللبس، و عدم بيان الحقّ. فلما جاءهم الحقّ، بطرقه الصحيحة، و قواعده التي هي قواعده، لم يكن ذلك هداية لهم، إذا اهتدى بذلك غيرهم. و الذنب ذنبهم، حيث أغلقوا على أنفسهم باب الهدى، و فتحوا أبواب الضلال.

[10] يقول تعالى- مسليا لرسوله، و مصبرا و متهددا أعداءه، و متوعدا. وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ‏ لما جاؤوا أممهم بالبينات، كذبوهم و استهزؤوا بهم، و بما جاؤوا به.

فأهلكهم اللّه بذلك الكفر و التكذيب، و وفر لهم من العذاب أكمل نصيب. فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ فاحذروا- أيها المكذبون- أن تستمروا على تكذيبكم، فيصيبكم ما أصابكم.

[11] قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ أي: فإن شككتم في ذلك، أو ارتبتم، فسيروا في الأرض، ثمّ انظروا، كيف كان عاقبة المكذبين، فلن تجدوا إلا قوما مهلكين، و أمما في المثلاث تالفين. قد أوحشت منهم المنازل، و عدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل. أبادهم الملك الجبار، و كان نبأهم عبرة لأولي الأبصار. و هذا السير المأمور به، سير القلوب و الأبدان، الذي يتولد منه الاعتبار. و أما مجرد النظر من غير اعتبار، فإن ذلك لا يفيد شيئا.

[12] يقول تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و سلم: قُلْ‏ لهؤلاء المشركين، مقررا لهم و ملزما بالتوحيد: لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ أي: من الخالق لذلك، المالك له، المتصرف فيه؟ قُلْ‏ لهم: لِلَّهِ‏ و هم مقرون بذلك لا ينكرونه، أفلا حين اعترفوا بانفراد اللّه، بالملك و التدبير أن يعترفوا له بالإخلاص و التوحيد؟ و قوله: كَتَبَ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي: العالم العلوي و السفلي، تحت ملكه و تدبيره، و هو تعالى، قد بسط عليهم رحمته و إحسانه، و تغمدهم برحمته و امتنانه، و كتب على نفه كتابا «أن رحمته تغلب غضبه» و «أن العطاء أحب إليه من المنع» و «أن اللّه قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة، إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم، و دعاهم إليها، إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم و عيوبهم».

و قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ‏ و هذا قسم منه، و هو أصدق المخبرين. و قد أقام على ذلك، من الحجج و البراهين. ما يجعله حق اليقين. و لكن أبى الظالمون إلا جحودا، و أنكروا قدرة اللّه على بعث الخلائق، فأوضعوا في معاصيه، و تجرأوا على الكفر به، فخسروا دنياهم و أخراهم. و لهذا قال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ .

[13] اعلم أن هذه السورة الكريمة، قد اشتملت على تقرير التوحيد، بكل دليل عقلي، و نقلي. بل كادت أن تكون كلها، في شأن التوحيد، و مجادلة المشركين باللّه، المكذبين لرسوله. فهذه الآيات، ذكر اللّه فيها، ما يتبين به الهدى، و ينقمع به الشرك. فذكر أن‏ لَهُ‏ تعالى‏ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ . و ذلك هو المخلوقات كلها، من آدميها، و جنّها، و ملائكتها، و حيواناتها و جماداتها. فالكل خلق مدبرون، و عبيد مسخرون لربهم العظيم، القاهر المالك.

فهل يصح في عقل و نقل، أن يعبد من هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده و لا ضر؟ و يترك الإخلاص للخالق، المدبر المالك، الضار النافع؟ أم العقول السليمة، و الفطر المستقيمة، تدعو إلى إخلاص العبادة، و الحب، و الخوف،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 276

و الرجاء للّه رب العالمين؟ السَّمِيعُ‏ لجميع الأصوات، على اختلاف اللغات، بتفنن الحاجات. الْعَلِيمُ‏ بما كان، و ما يكون، و ما لم يكن، لو كان كيف كان يكون، المطلع على الظواهر و البواطن.

[14] قُلْ‏ لهؤلاء المشركين باللّه: أَ غَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا من هؤلاء المخلوقات العاجزة، يتولاني، و ينصرني؟ فلا أتّخذ من دونه تعالى وليا لأنه، فاطر السموات و الأرض، أي:

خالقهما و مدبرهما. وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ‏ أي: و هو الرازق لجميع الخلق، عن غير حاجة منه تعالى إليهم. فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرازق، الغني، الحميد؟ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ‏ للّه بالتوحيد، و انقاد له بالطاعة. لأني أولى من غيري، بامتثال أوامر ربي. وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ أي: و نهيت أيضا، عن أن أكون من المشركين، لا في اعتقادهم، و لا في مجالستهم، و لا في الاجتماع بهم، فهذا أفرض الفروض عليّ، و أوجب الواجبات.

[15- 16] قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏ فإن المعصية في الشرك، توجب الخلود في النار، و سخط الجبار. و ذلك اليوم، هو اليوم الذي يخاف عذابه، و يحذر عقابه؛ لأنه من صرف عنه العذاب يومئذ، فهو المرحوم، و من نجا فيه، فهو الفائز حقا. كما أن من لم ينج منه، فهو الهالك الشقي.

[17] و من أدلة توحيده، أنه تعالى، المنفرد بكشف الضراء، و جلب الخير و السراء. و لهذا قال: وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أو هم أو نحوه. فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ . فإذا كان وحده النافع الضار، فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية و الإلهية.

[18] وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ‏ فلا يتصرف منهم متصرف، و لا يتحرك متحرك، و لا يسكن ساكن، إلا بمشيئته. و ليس للملوك و غيرهم، الخروج عن ملكه و سلطانه، بل هم مدبرون مقهورون. فإذا كان هو القاهر، و غيره مقهور، كان هو المستحق للعبادة. وَ هُوَ الْحَكِيمُ‏ فيما أمر به و نهى، و أثاب، و عاقب، و فيما خلق و قدّر.

الْخَبِيرُ المطّلع على السرائر و الضمائر، و خفايا الأمور، و هذا كله من أدلة التوحيد.

[19] قُلْ‏ لهم- لما بينا لهم الهدى، و أوضحنا لهم المسالك-: أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً على هذا الأصل العظيم. قُلِ اللَّهُ‏ أكبر شهادة، فهو شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ‏ فلا أعظم منه شهادة، و لا أكبر، و هو يشهد لي بإقراره و فعله، فيقرني على ما قلت لكم. كما قال تعالى: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ‏ (45). فاللّه حكيم قدير، فلا يليق بحكمته و قدرته، أن يقر كاذبا عليه، زاعما أن اللّه أرسله و لم يرسله، و أن اللّه أمره بدعوة الخلق، و لم يأمره، و أن اللّه أباح له دماء من خالفه، و أموالهم و نساءهم، و هو مع ذلك، يصدقه بإقراره و بفعله، فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة، و الآيات الظاهرة، و ينصره، و يخذل من خالفه و عاداه، فأي شهادة أكبر من هذه الشهادة؟

صفحه بعد