کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1086

إثما و معصية أَوْ كَفُوراً ، فإن طاعة الكفار و الفجار و الفساق، لا بد أن تكون معصية للّه، فإنهم لا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم.

[25] و لما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة اللّه، و الإكثار من ذكره، أمر اللّه بذلك، فقال:

وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا (25)، أي: أول النهار و آخره، فدخل في ذلك الصلوات المكتوبات و ما يتبعها من النوافل، و الذكر، و التسبيح، و التهليل، و التكبير في هذه الأوقات.

[26] وَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ‏ ، أي: أكثر له من السجود، و ذلك متضمن لكثرة الصلاة. وَ سَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ، و قد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ‏ .

[27] و قوله: إِنَّ هؤُلاءِ ، أي: المكذبين لك أيها الرسول، بعد ما بينت لهم الآيات، و رغبوا و رهبوا، و مع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئا بل لا يزالون‏ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ و يطمئنون إليها. وَ يَذَرُونَ‏ ، أي: يتركون العمل، و يهملون‏ وَراءَهُمْ‏ أي: أمامهم‏ يَوْماً ثَقِيلًا و هو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون. و قال تعالى: يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ . فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا، و الإقامة فيها.

[28] ثم استدل عليهم و على بعثهم بدليل عقلي، و هو دليل الابتداء، فقال: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ‏ ، أي: أوجدناهم من العدم‏ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ‏ ، أي:

أحكمنا خلقتهم بالأعصاب، و العروق، و الأوتار، و القوى الظاهرة و الباطنة، حتى تم الجسم و استكمل، و تمكن من كل ما يريده. فالذي أوجدهم على هذه الحالة، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم، لجزائهم، و الذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار، لا يليق به أن يتركهم سدى، لا يؤمرون، و لا ينهون، و لا يثابون، و لا يعاقبون، و لهذا قال: وَ إِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا ، أي: أنشأناهم للبعث نشأة أخرى، و أعدناهم بأعيانهم، و هم بأنفسهم أمثالهم.

[29] إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ، أي: يتذكر بها المؤمن، فينتفع بما فيها، من التخويف و الترغيب. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ سَبِيلًا ، أي: طريقا موصلا إليه. فاللّه، يبين الحق و الهدى، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها، و النفور عنها، إقامة للحجة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ

[30] وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏ فإن مشيئة اللّه نافذة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً فله الحكمة في هداية المهتدي، و إضلال الضال.

[31] يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ‏ فيختصه بعنايته، و يوفقه لأسباب السعادة و يهديه لطرقها. وَ الظَّالِمِينَ‏ الذين اختاروا الشقاء على الهدى‏ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً بظلمهم و عدوانهم. تم تفسير سورة الإنسان- و للّه الحمد.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1087

سورة المرسلات‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] أقسم تعالى على البعث و الجزاء على الأعمال، بالمرسلات عرفا، و هي: الملائكة التي يرسلها اللّه بشؤونه القدرية، و تدبير العالم و بشؤونه الشرعية، و وحيه إلى رسله.

و عُرْفاً حال من المرسلات، أي: أرسلت بالعرف، و الحكمة، و المصلحة، لا بالنكر و العبث.

[2] فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) و هي أيضا الملائكة التي يرسلها اللّه تعالى، وصفها بالمبادرة لأمره، و سرعة تنفيذ أوامره، كالريح العاصف. أو: أن العاصفات، الرياح الشديدة، التي يسرع هبوبها.

[3] وَ النَّاشِراتِ نَشْراً (3) يحتمل أن المراد بها الملائكة، تنشر ما دبرت على نشره، أو أنها: السحاب التي ينشر بها اللّه الأرض، فيحييها بعد موتها.

[5] فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) هي الملائكة، تلقي أشرف الأوامر، و هي الذكر الذي يرحم اللّه به عباده، و يذكرهم فيه منافعهم و مصالحهم، تلقيه إلى الرسل.

[6] عُذْراً أَوْ نُذْراً (6)، أي: إعذارا، أو إنذارا للناس، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف، و تقطع أعذارهم، فلا يكون لهم حجة على اللّه.

[7] إِنَّما تُوعَدُونَ‏ من البعث و الجزاء على الأعمال‏ لَواقِعٌ‏ ، أي: متحتم وقوعه، من غير شك و لا ارتياب. فإذا وقع حصل من التغير و الأهوال الشديدة للعالم، ما يزعج القلوب و تشتد له الكروب، فتنطمس النجوم، أي: تتناثر و تزول عن أماكنها و تنسف الجبال، فتكون كالهباء المنثور، و تكون هي و الأرض قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا و لا أمتا. و ذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل، و أجلت للحكم بينها و بين أممها و لهذا قال:

[12] لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ‏ (12) استفهام للتعظيم و التفخيم، و التهويل.

[13] ثم أجاب بقوله: لِيَوْمِ الْفَصْلِ‏ (13)، أي: بين الخلائق، بعضهم من بعض، و حساب كل منهم منفردا. ثم توعد المكذب بهذا اليوم، فقال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (15)، أي: يا حسرتهم و شدة عذابهم، و سوء منقلبهم، أخبرهم اللّه، و أقسم لهم، فلم يصدقوه، فلذلك استحقوا العقوبة البليغة.

[16] أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين، و هذه سنته السابقة و اللاحقة، في كل مجرم لا بد من عقابه، فلم لا تعتبرون بما ترون و تسمعون؟.

[19] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (19) بعد ما شاهدوا من الآيات البينات، و العقوبات و المثلات.

[20- 21] أي: أما خلقناكم أيها الآدميون‏ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ‏ ، أي: في غاية الحقارة، خرج من بين الصلب و الترائب، حتى جعله اللّه‏ فِي قَرارٍ مَكِينٍ‏ و هو الرحم، به يستقر و ينمو.

[22] إِلى‏ قَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ (22) و وقت مقدر.

[23] فَقَدَرْنا ، أي: قدرنا و دبرنا ذلك الجنين، في تلك الظلمات، و نقلناه من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى أن جعله اللّه جسدا، و نفخ فيه الروح و منهم من يموت قبل ذلك. فَنِعْمَ الْقادِرُونَ‏ يعني بذلك، نفسه المقدسة، لأن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1088

قدره، تابع لحكمته، موافق للحمد.

[24] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (24).

[25] أي: أما مننّا عليكم، و أنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها كِفاتاً لكم.

[26] أَحْياءً في الدور وَ أَمْواتاً في القبور، فكما أن الدور و القصور من نعم اللّه على عباده و منته، فكذلك القبور، رحمة في حقهم، و ستر لهم، عن كون أجسادهم بادية للسباع و غيرها.

[27] وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ‏ ، أي: جبالا ترسي الأرض، لئلا تميد بأهلها، فثبتها اللّه بالجبال الراسيات الشامخات، أي: الطوال العراض. وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً ، أي: عذبا زلالا، قال تعالى: أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ‏ (70).

[28] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (28) مع ما أراهم اللّه من النعم، الّتي انفرد بها، و اختصهم بها، فقابلوها بالتكذيب.

[29] هذا من الويل، الذي أعد للمجرمين المكذبين، أن يقال لهم يوم القيامة: [29] انْطَلِقُوا إِلى‏ ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏ (29) ثمّ فسر ذلك بقوله: [30] انْطَلِقُوا إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ‏ (30)، أي: إلى ظل نار جهنم، الّتي تتمايز في خلاله ثلاث شعب، أي: قطع من النار، تتعاوره و تتناوبه، و تجتمع به. [31] لا ظَلِيلٍ‏ ذلك الظل، أي: لا راحة فيه، و لا طمأنينة. وَ لا يُغْنِي‏ من مكث فيه‏ مِنَ اللَّهَبِ‏ ، بل اللهب قد أحاط به، يمنة و يسرة، و من كلّ جانب، كما قال تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ‏ ، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ‏ (41). ثمّ ذكر عظيم شرر النار، الدال على عظمها و فظاعتها، و سوء منظرها، فقال:

[32] إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) و هي: السود الّتي تضرب إلى لون فيه صفرة، و هذا يدل على أن النار مظلمة، لهبها و جمرها و شررها، و أنها سوداء، كريهة المنظر، شديدة الحرارة، نسأل اللّه العافية منها، و من الأعمال المقربة منها. [34] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (34).

[35] أي: هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين، لا ينطقون فيه من الخوف و الوجل الشديد.

[36] وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ‏ (36)، أي: لا تقبل معذرتهم، و لو اعتذروا: فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ‏ (57).

[38] هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ‏ (38) لنفصل بينكم، و نحكم بين الخلائق.

[39] فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ تقدرون على الخروج به عن ملكي، و تنجون من عذابي، فَكِيدُونِ‏ ، أي: ليس لكم قدرة و لا سلطان، كما قال تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ‏ (33).

ففي ذلك اليوم، تبطل حيل الظالمين، و يضمحل مكرهم و كيدهم، و يستسلمون لعذاب اللّه، و يبين لهم كذبهم في تكذيبهم‏

[40] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (40).

[41] لما ذكر عقوبة المكذبين، ذكر مثوبة المحسنين، فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ‏ ، أي: للتكذيب، المتصفين بالتصديق، في أقوالهم و أفعالهم و أعمالهم. و لا يكونون كذلك، إلا بأدائهم الواجبات، و تركهم المحرمات. فِي ظِلالٍ‏ من كثرة الأشجار المتنوعة، الزاهرة البهية. وَ عُيُونٍ‏ جارية من السلسبيل، و الرحيق و غيرهما.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1089

[42] وَ فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ (42)، أي: من خيار الفواكه و أطيبها،

و يقال لهم: كُلُوا وَ اشْرَبُوا من المآكل الشهية، و الأشربة اللذيذة، هَنِيئاً ، أي: من غير منغص و لا مكدر. و لا يتم هناؤه، حتى يسلم الطعام و الشراب، من كل آفة و نقص، و حتى يجزموا أنه غير منقطع، و لا زائل.

بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فأعمالكم، هي السبب الموصل لكم إلى جنات النعيم المقيم. و هكذا كلّ من أحسن في عبادة اللّه، و أحسن إلى عباد اللّه، و لهذا قال: [44- 45] إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (45)، و لو لم يكن من هذا الويل، إلا فوات هذا النعيم، لكفى به حزنا و حرمانا.

[46] هذا تهديد و وعيد للمكذبين، أنهم و إن أكلوا في الدنيا، و شربوا و تمتعوا باللذات، و غفلوا عن القربات، فإنهم مجرمون، يستحقون ما يستحقه المجرمون، فتنقطع عنهم اللذات، و تبقى عليهم التبعات.

[48] و من إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة، الّتي هي أشرف العبادات، و قِيلَ لَهُمُ: ارْكَعُوا امتنعوا من ذلك. فأي إجرام فوق هذا؟

و أي تكذيب يزيد على هذا؟

[49] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ (49)، و من الويل عليهم أنهم تنسد عنهم أبواب التوفيق، و يحرمون كلّ خير، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن، الذي هو أعلى مراتب الصدق و اليقين على الإطلاق.

[50] فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ‏ (50)، أ بالباطل، الذي هو كاسمه، لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل؟ أم بكلام مشرك كذاب، أفاك مبين؟ فليس بعد النور المبين، إلا دياجي الظلمات، و لا بعد التصديق، الذي قامت عليه الأدلة و البراهين القاطعة، إلا الإفك الصراح، و الكذب المبين الذي لا يليق إلا بمن يناسبه. فتبّا لهم، ما أعماهم و ويحا لهم ما أخسرهم و أشقاهم نسأل اللّه العفو و العافية، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة المرسلات- و للّه الحمد.

تفسير سورة النبأ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1- 3] أي: عن أي شي‏ء يتساءل المكذبون بآيات اللّه؟ ثمّ بيّن ما يتساءلون عنه فقال: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ‏ (3)، أي: عن الخبر العظيم، الذي طال فيه نزاعهم و انتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب و الاستبعاد، و هو النبأ الذي لا يقبل الشك، و لا يدخله الريب، و لكن المكذبين بلقاء ربهم لا يؤمنون، و لو جاءتهم كل آية، حتى يروا العذاب الأليم.

[4- 5] و لهذا قال: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ‏ (5)، أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب، ما كانوا به يكذبون، حين يدعّون إلى نار جهنم دعّا. و يقال لهم: هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ (14).

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1090

[6] ثمّ ذكر تعالى النعم و الأدلة الدالة على ما جاءت به الرسل، فقال: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ‏ ، إلى: أَلْفافاً . أي:

أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم‏ الْأَرْضَ مِهاداً ، أي: ممهدة مذللة لكم و لمصالحكم، من الحروث، و المساكن و السبل.

[7] وَ الْجِبالَ أَوْتاداً (7) تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم و تميد.

[8] وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8)، أي:

ذكورا و إناثا، من جنس واحد، ليسكن كلّ منهما إلى الآخر، فتتكون المودة و الرحمة، و تنشأ عنهما الذرية، و في ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح.

[9] وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9)، أي: راحة لكم، و قطعا لأشغالكم، الّتي متى تمادت بكم، أضرت بأبدانكم، فجعل اللّه الليل و النوم، يغشى الناس، لتسكن حركاتهم الضارة، و تحصل راحتهم النافعة.

[12] وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12)، أي: سبع سموات، في غاية القوة، و الصلابة و الشدة. و قد أمسكها اللّه بقدرته، و جعلها سقفا للأرض، فيها عدة منافع لهم، و لهذا ذكر من منافعها الشمس، فقال:

[13] وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13) نبه بالسراج على النعمة بنورها الذي صار ضرورة للخلق، و بالوهاج، و هي: حرارتها، على ما فيها من الإنضاج و المنافع.

[14] وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ‏ ، أي: السحاب‏ ماءً ثَجَّاجاً ، أي: كثيرا جدا.

[15] لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا من برّ و شعير، و ذرة، و أرز، و غير ذلك مما يأكله الآدميون. وَ نَباتاً يشمل سائر النبات، الذي جعله اللّه قوتا لمواشيهم.

[16] وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً (16)، أي:

بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة. فالذي أنعم بهذه النعم الجليلة، الّتي لا يقدر قدرها، و لا يحصى عددها كيف تكفرون به، و تكذبون ما أخبركم به، من البعث و النشور؟ أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه، و تجحدونها؟

[17] ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون، و يجحده المعاندون، أنه يوم عظيم، و أن اللّه جعله‏ مِيقاتاً للخلق.

[18] يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ، و يجري فيه من الزعازع و القلاقل ما يشيب له المولود، و تنزعج له القلوب. فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، و تنشق السماء حتى تكون أبوابا، و يفصل اللّه بين الخلائق، بحكمه الذي لا يجور، و توقد نار جهنم الّتي أرصدها اللّه، و أعدها للطاغين و جعلها مثوى لهم و مآبا، و أنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة، و «الحقب» على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.

[24] فإذا وردوها لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً ، أي: لا ما يبرد جلودهم، و لا ما يدفع ظمأهم. إِلَّا حَمِيماً ، أي: ماء حارا، يشوي وجوههم، و يقطع أمعاءهم. وَ غَسَّاقاً و هو صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، و كراهة المذاق.

[26] و إنّما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جَزاءً وِفاقاً (26) لهم على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم اللّه، و لكن ظلموا أنفسهم، و لهذا ذكر أعمالهم، الّتي استحقوا بها هذا الجزاء، فقال:

[27] إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27)، أي: لا يؤمنون بالبعث، و لا أن اللّه يجازي الخلق، بالخير و الشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.

[28] وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28)، أي: كذبوا بها، تكذيبا واضحا، صريحا، و جاءتهم البينات فعاندوها.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1091

[29] وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ من قليل أو كثير، و خير و شر أَحْصَيْناهُ كِتاباً ، أي: أثبتناه في اللوح المحفوظ، فلا يحسب المجرمون، أنا عذبناهم بذنوب لم يعملوها، و لا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شي‏ء، أو ينسى منها مثقال ذرة. كما قال تعالى: وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49).

[30] فَذُوقُوا أيها المكذبون هذا العذاب الأليم، و الخزي الدائم‏ فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً ، فكل وقت و حين يزداد عذابهم. و هذه الآية أشد الآيات في شدة عذاب أهل النار، أجارنا اللّه منها.

[31] لما ذكر حال المجرمين، ذكر مآل المتقين، فقال: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31)، أي: الّذين اتقوا سخط ربهم، بالتمسك بطاعته، و الانكفاف عن معصيته فلهم مفاز و منجى، و بعد عن النار.

[32] و في ذلك المفاز لهم‏ حَدائِقَ‏ و هي البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية بالثمار. وَ أَعْناباً تنفجر خلالها الأنهار، و خص العنب لشرفه و كثرته في تلك الحدائق.

[33] و لهم فيها زوجات على مطالب النفوس‏ كَواعِبَ‏ ، و هي النواهد، اللاتي لم ينكسر ثديهن من شبابهن و قوتهن و نضارتهن. أَتْراباً ، أي: على سن واحد متقارب. و من عادة الأتراب أن يكن متآلفات، متعاشرات، و ذلك السن الذي هن فيه ثلاث و ثلاثون سنة، أعدل ما يكون من الشباب.

[34] وَ كَأْساً دِهاقاً (34)، أي: مملوءة من رحيق، لذة للشاربين.

[35] لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ، أي: كلاما لا فائدة فيه‏ وَ لا كِذَّاباً ، أي: إثما. كما قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26)،

[36] و إنّما أعطاهم اللّه هذا الثواب الجزيل من فضله و إحسانه‏ جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36)، أي: بسبب أعمالهم الّتي وفقهم اللّه لها، و جعلها سببا للوصول إلى كرامته.

[37] أي: الذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم‏ رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا الذي خلقها و دبّرها الرَّحْمنِ‏ الذي رحمته وسعت كلّ شي‏ء، فرباهم و رحمهم، و لطف بهم، حتى أدركوا ما أدركوا. ثمّ ذكر عظمته و ملكه العظيم يوم القيامة، و أن جميع الخلق كلهم ساكتون ذلك اليوم لا يتكلمون، و لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ، إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا، فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين: أن يأذن اللّه له في الكلام، و أن يكون ما تكلم به صوابا. لأن‏ ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ‏ الذي لا يروج فيه الباطل، و لا ينفع فيه الكذب.

[38] و ذلك‏ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ‏ و هو جبريل عليه السّلام، الذي هو أفضل الملائكة. وَ الْمَلائِكَةُ أيضا يقوم الجميع‏ صَفًّا خاضعين للّه‏ لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً . فلما رغّب، و رهّب، و بشّر، و أنذر، قال:

[39] ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ مَآباً (39)، أي: عملا، و قدم صدق، يرجع إليه يوم القيامة.

[40] إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً لأنه قد أزف مقبلا، و كلّ ما هو آت قريب. يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ‏ ، أي: هذا الذي يهمه، و يفزع إليه، فلينظر في هذه الدار، ما قدم لدار القرار. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ‏ (18) الآيات. فإن وجد خيرا فليحمد اللّه، و إن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، و لهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة و الندم .. وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ، نسأل اللّه أن يعافينا من الكفر و الشر كلّه، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة النبأ- و للّه الحمد.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1092

سورة النازعات‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] هذه الإقسامات بالملائكة الكرام و أفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر اللّه، و إسراعهم في تنفيذه، يحتمل أن المقسم عليه، الجزاء و البعث بدليل الإتيان بأحوال القيامة بعد ذلك. و يحتمل أن المقسم عليه، و المقسم به متحدان، و أنه أقسم على الملائكة لأن الإيمان بهم، أحد أركان الإيمان الستة. و لأن في ذكر أفعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة، عند الموت و قبله، و بعده، فقال: وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً (1) و هم الملائكة، الّتي تنزع الأرواح بقوة، و تغرق في نزعها، حتى تخرج الروح، فتجازى بعملها.

[2] وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً (2) و هي الملائكة أيضا، تجتذب الأرواح بقوة و نشاط، أو أن النشاط يكون لأرواح المؤمنين، و النزع لأرواح الكفار.

[3] وَ السَّابِحاتِ‏ أي: المترددات في الهواء صعودا و نزولا سَبْحاً .

[4] فَالسَّابِقاتِ‏ لغيرها سَبْقاً فتبادر لأمر اللّه، و تسبق الشياطين في إيصال الوحي إلى رسل اللّه، لئلا تسترقه.

[5] فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) الملائكة، الّذين جعلهم اللّه يدبرون كثيرا من أمور العالم، العلوي و السفلي، من الأمطار، و النبات، و الرياح، و البحار، و الأجنة، و الحيوانات، و الجنة، و النار و غير ذلك.

[6] يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) و هي قيام الساعة.

[7] تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)، أي: الرجفة الأخرى، الّتي تردفها، و تأتي تلوها.

[8] قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8)، أي: منزعجة من شدة ما ترى و تسمع.

[9] أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9)، أي: ذليلة حقيرة، قد ملك قلوبهم الخوف، و أذهل أفئدتهم الفزع، و غلب عليهم التأسف، و استولت عليهم الحسرة.

[10] يَقُولُونَ‏ أي: منكرو البعث في الدنيا- استهزاء و إنكارا للبعث-: أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ، أي: أ نرد بعد الموت إلى الخلقة الأولى؟ استفهام إنكاري مشتمل على غاية التعجب، و نهاية الاستغراب، أنكروا البعث، ثمّ ازدادوا استبعادا فاستمروا.

[11] يقولون، أي: الكفار في الدنيا، على وجه التكذيب: أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11)، أي: بالية فتاتا. و المعنى: «أ نرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاما و هي رميم؟».

[12] قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12)، أي: استبعدوا أن يبعثهم اللّه، و يعيدهم بعد ما كانوا عظاما نخرة، جهلا منهم بقدرة اللّه، و تجرّؤا عليه.

[13] قال اللّه في بيان سهولة هذا الأمر عليه: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13)، ينفخ في الصور.

[14] فَإِذا هُمْ‏ ، أي: الخلائق كلهم‏ بِالسَّاهِرَةِ ، أي: على وجه الأرض، قيام ينظرون، فيجمعهم اللّه، و يقضي بينهم، بحكمه العدل، و يجازيهم.

[15] يقول اللّه تعالى لنبيه محمد صلّى اللّه عليه و سلّم: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى‏ (15)، و هذا الاستفهام عن أمر عظيم متحقق وقوعه.

[16] أي: هل أتاك حديثه‏ إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً‏ (16) و هو المحل الذي كلمه اللّه فيه، و امتنّ عليه بالرسالة، و ابتعثه بالوحي، و اجتباه فقال له:

صفحه بعد