کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 932

القيامة للكفار، حين يطلبون الرجوع إلى الدنيا، فيقال: قد ذهب وقت الرجوع. و قيل: إن المراد بذلك، ما أصاب كفار قريش حين امتنعوا من الإيمان، و استكبروا على الحقّ، فدعا عليهم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال: «اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف»، فأرسل اللّه عليهم الجوع العظيم، حتى أكلوا الميتات و العظام، و صاروا يرون الذي بين السماء و الأرض كهيئة الدخان و ليس به، و ذلك من شدة الجوع. فيكون- على هذا- قوله: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ‏ أن ذلك بالنسبة إلى أبصارهم، و ما يشاهدون، و ليس بدخان حقيقة. و لم يزالوا بهذه الحالة حتى استرحموا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و سألوه أن يدعو اللّه لهم، أن يكشفه اللّه عنهم، فكشفه اللّه عنهم، و على هذا فيكون قوله: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ‏ (15) إخبار بأن اللّه سيصرفه عنهم، و توعّد لهم أن يعودوا إلى الاستكبار و التكذيب، و إخبار بوقوعه فوقع، و أن اللّه سيعاقبهم بالبطشة الكبرى، قالوا: و هي وقعة «بدر» و في هذا القول نظر ظاهر. و قيل: إن المراد بذلك، أن ذلك من أشراط الساعة، و أنه يكون في آخر الزمان، دخان يأخذ بأنفاس الناس، و يصيب المؤمنين معه كهيئة الدخان. و القول هو الأول. و في الآية احتمال أن المراد بقوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى‏ وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ‏ (14) أن هذا كله يوم القيامة.

[15] و أن قوله تعالى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى‏ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ‏ (16) أن هذا ما وقع لقريش كما تقدم. و إذا نزلت هذه الآيات على هذين المعنيين، لم تجد في اللفظ، ما يمنع من ذلك. بل تجدها مطابقة لهما أتم المطابقة، و هذا الذي يظهر عندي، و يترجح، و اللّه أعلم.

[17] لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم ذكر أن لهم سلفا من المكذبين، فذكر قصتهم مع موسى، و ما أحل اللّه بهم ليرتدع هؤلاء المكذبون عن ما هم عليه، فقال: وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ‏ ، أي:

ابتليناهم و اختبرناهم بإرسال رسولنا، موسى بن عمران إليهم، الرسول الكريم، الذي فيه من الكرم و مكارم الأخلاق ما ليس في غيره.

[18] أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ‏ ، أي: قال لفرعون و ملئه: أدوا إليّ عباد اللّه، يعني بهم: بني إسرائيل، أي:

أرسلوهم، و أطلقوهم من عذابكم و سومكم إياهم سوء العذاب، فإنهم عشيرتي، و أفضل العالمين في زمانهم. و أنتم قد ظلمتموهم، و استعبدتموهم بغير حق، فأرسلوهم ليعبدوا ربهم، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ‏ ، أي: رسول من رب العالمين، أمين على ما أرسلني به، لا أكتمكم منه شيئا، و لا أزيد فيه و لا أنقص، و هذا يوجب تمام الانقياد له.

[19] وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ‏ بالاستكبار عن عبادته، و العلو على عباد اللّه، إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ‏ ، أي:

بحجة بينة ظاهرة، و هو ما أتى به من المعجزات الباهرات، و الأدلة القاهرات، فكذبوه و هموا بقتله، فلجأ إلى اللّه من شرهم، فقال:

[20] وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ‏ (20)، أي: تقتلوني شر القتلات، بالرجم بالحجارة.

[21] وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ‏ (21)، أي: لكم ثلاث مراتب: الإيمان بي، و هو مقصودي منكم، فإن لم تحصل منكم هذه المرتبة، فاعتزلوني، لا عليّ و لا لي، فاكفوني شركم.

[22] فلم تحصل منهم المرتبة الأولى و لا الثانية، بل لم يزالوا متمردين عاتين على اللّه، محاربين لنبيه موسى عليه السّلام، غير ممكنين له من قومه بني إسرائيل، فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ‏ (22)، أي: قد أجرموا جرما، يوجب تعجيل العقوبة. فأخبر عليه السّلام بحالهم، و هذا دعاء بالحال، الّتي هي أبلغ من المقال، عن نفسه عليه السّلام‏ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ، فأمره اللّه أن يسري بعباده ليلا، و أخبره أن فرعون و قومه سيتبعونه.

[24] وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً ، و ذلك أنه لما سرى موسى ببني إسرائيل كما أمره اللّه، ثمّ تبعهم فرعون، أمر اللّه موسى أن يضرب البحر، فضربه، فصار اثنى عشر طريقا، و صار الماء من بين تلك الطرق، كالجبال العظيمة، فسلكه موسى و قومه. فلما خرجوا منه، أمره اللّه أن يتركه رهوا، أي: بحاله، ليسلكه فرعون و جنوده‏ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ‏ .

تيسير الكريم الرحمن، ص: 933

[25- 28] فلما تكامل قوم موسى خارجين منه، و قوم فرعون داخلين فيه، أمره اللّه تعالى أن يلتطم عليهم، فغرقوا عن آخرهم، و تركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا، و أورثه اللّه بني إسرائيل، الّذين كانوا مستعبدين لهم، و لهذا قال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (25) وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ (26) وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27) كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها ، أي: هذه النعمة المذكورة قَوْماً آخَرِينَ‏ ، و في الآية الأخرى: كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ‏ (59).

[29] فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ‏ ، أي: لما أتلفهم اللّه و أهلكهم، لم تبك عليهم السماء و الأرض، أي:

لم يحزن عليهم، و لم ييأس على فراقهم، بل كل استبشر بهلاكهم و تلفهم حتى السماء و الأرض، لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم، و يوجب عليهم اللعنة و المقت من العالمين. وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ‏ ، أي: ممهلين عن العقوبة، بل اصطلتهم في الحال.

[30] ثمّ امتنّ تعالى على بني إسرائيل، فقال: وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ‏ (30) الذي كانوا فيه‏ مِنْ فِرْعَوْنَ‏ إذ يذبّح أبناءهم، و يستحيي نساءهم. إِنَّهُ كانَ عالِياً ، أي: مستكبرا في الأرض بغير الحقّ‏ مِنَ الْمُسْرِفِينَ‏ المتجاوزين لحدود اللّه، و المتجرئين على محارمه.

[32] وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ‏ ، أي: اصطفيناهم و انتقيناهم‏ عَلى‏ عِلْمٍ‏ منا بهم، و باستحقاقهم لذلك الفضل‏ عَلَى الْعالَمِينَ‏ ، أي: عالمي زمانهم و من قبلهم و بعدهم حتى أتى اللّه بأمة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، ففضلوا العالمين كلهم، و جعلهم اللّه خير أمة أخرجت للناس، و امتن عليهم، بما لم يمتن به على غيرهم.

[33] وَ آتَيْناهُمْ‏ ، أي: بني إسرائيل‏ مِنَ الْآياتِ‏ الباهرة، و المعجزات الظاهرة. ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ‏ ، أي: إحسان كثير، ظاهر منا عليهم، و حجة عليهم، على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليهم السّلام.

[34] يخبر تعالى‏ إِنَّ هؤُلاءِ المكذبين‏ لَيَقُولُونَ‏ مستبعدين للبعث و النشور: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى‏ وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ‏ (35)، أي: ما هي إلا الحياة الدنيا، فلا بعث، و لا نشور، و لا جنة، و لا نار.

[36] ثمّ قالوا- متجرئين على ربهم، معجزين له-: فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (36)، و هذا من اقتراح الجهلة المعاندين في مكان سحيق، فأي ملازمة بين صدق الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم، و أنه متوقف على الإتيان بآبائهم؟ فإن الآيات، قد قامت على صدق ما جاءهم به، و تواترت تواترا عظيما من كل وجه.

[37] قال تعالى: أَ هُمْ خَيْرٌ ، أي: هؤلاء المخاطبون‏ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ‏ ، فإنهم ليسوا خيرا منهم، و قد اشتركوا في الإجرام، فليتوقعوا من الهلاك ما أصاب إخوانهم المجرمين.

[38- 39] يخبر تعالى، عن كمال قدرته، و تمام حكمته، و أنه ما خلق السماوات و الأرض لعبا، و لا لهوا، و لا سدى من غير فائدة، و أنه ما خلقهما إلا بالحق، أي: نفس خلقهما بالحق، و خلقهما مشتمل على الحقّ، و أنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له، و ليأمر العباد، و ينهاهم و يثيبهم، و يعاقبهم. وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ ، فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات و الأرض.

[40] إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ‏ و هو يوم القيامة الذي يفصل اللّه به بين‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 934

الأولين و الآخرين، و بين كل مختلفين‏ مِيقاتُهُمْ‏ ، أي:

الخلائق‏ أَجْمَعِينَ‏ . كلهم سيجمعهم اللّه فيه، و يحضرهم و يحضر أعمالهم، و يكون الجزاء عليها.

[41] يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً لا قريب عن قريبه، و لا صديق عن صديقه، وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ‏ ، أي: يمنعون عذاب اللّه عز و جل، لأن أحدا من الخلق لا يملك من الأمر شيئا.

[42] إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏ (42)، فإنه هو الذي ينتفع و يرتفع برحمة اللّه تعالى، الّتي تسبب إليها، و سعى لها سعيها في الدنيا.

[43] ثمّ قال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ‏ (43) إلى:

تَمْتَرُونَ‏ . لما ذكر يوم القيامة، و أنه يفصل بين عباده فيه، ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، و فريق في السعير، و هم: الآثمون بعمل الكفر و المعاصي، و أن طعامهم‏ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ‏ شر الأشجار و أفظعها، و أن طعمها كَالْمُهْلِ‏ ، أي: كالصديد المنتن، خبيث الريح و الطعم، شديد الحرارة.

[45- 46] يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ‏ (46)، و يقال للمعذّب:

[49] ذُقْ‏ هذا العذاب الأليم، و العقاب الوخيم‏ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ‏ ، أي بزعمك أنك عزيز، ستمتنع من عذاب اللّه، و أنك كريم على اللّه لا يصيبك بعذاب. فاليوم تبين لك، أنك أنت الذليل المهان الخسيس.

[50] إِنَّ هذا العذاب العظيم، هو ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ‏ ، أي:

تشكون، فالآن صار عندكم، حق اليقين.

[51] هذا جزاء المتقين للّه الّذين اتقوا سخطه و عذابه، بتركهم المعاصي، و فعلهم الطاعات، فلما انتفى السخط عنهم و العذاب، ثبت لهم الرضا من اللّه، و الثواب العظيم، في ظل ظليل، من كثرة الأشجار و الفواكه و العيون، تجري من تحتهم الأنهار، يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم. فأضاف الجنات إلى النعيم، لأن ما اشتملت عليه كله نعيم و سرور، كامل من كل وجه، ما فيه منغص و لا مكدر، بوجه من الوجوه. و لباسهم من الحرير الأخضر من السندس و الإستبرق، أي: غليظ الحرير و رقيقه، مما تشتهيه أنفسهم. مُتَقابِلِينَ‏ في قلوبهم و وجوههم في كمال الراحة، و الطمأنينة، و المحبة و العشرة الحسنة، و الآداب المستحسنة. كَذلِكَ‏ النعيم التام و السرور الكامل‏ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ ، أي: نساء جميلات من جمالهن و حسنهن أنه يحار الطرف في حسنهن، و ينبهر العقل بجمالهن، و ينخلب اللب لكمالهن‏ عِينٍ‏ ، أي: واسعات الأعين، حسانها. يَدْعُونَ فِيها ، أي: الجنة بِكُلِّ فاكِهَةٍ مما له اسم في الدنيا، و مما لا يوجد له اسم، و لا نظير في الدنيا. فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة و أجناسها، أحضر لهم في الحال، من غير تعب و لا كلفة، آمِنِينَ‏ من انقطاع ذلك، و آمنين من مضرته، و آمنين من كل مكدر، و آمنين من الخروج منها و الموت، و لهذا قال: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى‏ ، أي: ليس فيها موت بالكلية. و لو كان فيها موت يستثنى، لم يستثن الموتة الأولى، الّتي هي الموتة في الدنيا، فتم لهم كل محبوب مطلوب، وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ‏ ، أي: حصول النعيم و اندفاع العذاب عنهم، من فضل اللّه عليهم و كرمه، فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة، الّتي بها نالوا خير الآخرة، و أعطاهم أيضا، ما لم تبلغه أعمالهم.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 935

ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ ، و أي فوز أعظم من نيل رضوان اللّه و جنته، و السلامة من عذابه و سخطه؟ فَإِنَّما يَسَّرْناهُ‏ ، أي: القرآن‏ بِلِسانِكَ‏ ، الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق و أجلها، فتيسر به لفظه، و تيسر به معناه. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ‏ ما فيه نفعهم فيفعلونه، و ما فيه ضررهم فيتركونه. فَارْتَقِبْ‏ ، أي انتظر ما وعدك ربك، من الخير و النصر إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ‏ ما يحل بهم من العذاب، و فرق بين الارتقابين: رسول اللّه و أتباعه يرتقبون الخير في الدنيا و الآخرة. و ضدهم، يرتقبون الشر في الدنيا و الآخرة. تم تفسير سورة الدخان- و للّه الحمد و المنة.

سورة الجاثية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[2] يخبر تعالى خبرا، يتضمن الأمر بتعظيم القرآن، و الاعتناء به، و أنه‏ تَنْزِيلُ‏ ، ... مِنَ اللَّهِ‏ المألوه المعبود، لما اتصف به من صفات الكمال، و انفرد به من النعم، الذي له العزة الكاملة و الحكمة التامة.

[3] ثمّ أيد ذلك بما ذكره من الآيات الأفقية و النفسية، من خلق السماوات و الأرض، و ما بث فيهما من الدواب، و ما أودع فيهما من المنافع، و ما أنزل اللّه من الماء، الذي يحيي به اللّه البلاد و العباد. فهذه كلها آيات بينات، و أدلة واضحات، على صدق هذا القرآن العظيم، و صحة ما اشتمل عليه من الحكم و الأحكام، و دالات أيضا على ما للّه تعالى من الكمال، و على البعث و النشور. ثمّ قسم تعالى الناس، بالنسبة إلى الانتفاع بآياته و عدمه، إلى قسمين: قسم يستدلون بها، و يتفكرون بها، و ينتفعون فيرتفعون و هم المؤمنون باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر إيمانا تاما، وصل بهم إلى درجة اليقين، فزكى منهم العقول، و ازدادت به معارفهم و ألبابهم و علومهم. و قسم يسمع آيات اللّه سماعا تقوم به الحجة عليهم، ثمّ يعرض عنها، و يستكبر- كأنه ما سمعها، لأنها لم تزك قلبه، و لا طهّرته، بل- بسبب استكباره عنها، ازداد طغيانه.

[7] و أنه إذا علم من آيات اللّه شيئا، اتخذها هزوا، فتوعده اللّه تعالى بالويل فقال: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ‏ (7)، أي: كذاب في مقاله، أثيم في فعاله.

[10] و أخبر أن له عذابا أليما، و أن‏ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ‏ تكفي في عقوبتهم البليغة. و أنه‏ لا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا من الأمول‏ شَيْئاً وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يستنصرون بهم فخذلوهم، أحوج ما كانوا إليهم لو نفعوا.

[11] فلما بيّن آياته القرآنية و العيانية، و أن الناس فيها على قسمين، أخبر عن القرآن المشتمل على هذه المطالب العالية، أنه هدى، فقال: هذا هُدىً‏ و هو وصف عام لجميع القرآن، فإنه يهدي إلى معرفة اللّه تعالى، بصفاته المقدسة، و أفعاله الحميدة. و يهدي إلى معرفة رسله، و أوليائهم، و أعدائهم، و أوصافهم، و يهدي إلى الأعمال الصالحة و يدعو إليها، و يبين الأعمال السيئة و ينهى عنها، و يهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال، و يبين الجزاء الدنيوي‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 936

و الأخروي، فالمهتدون اهتدوا به، فأفلحوا و سعدوا.

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ‏ الواضحة القاطعة، الّتي لا يكفر بها إلا من اشتد ظلمه، و تضاعف طغيانه‏ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ‏ .

[12- 13] يخبر تعالى عن فضله على عباده و إحسانه إليهم، بتسخير البحر لسير المراكب و السفن بأمره و تيسيره.

لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ‏ بأنواع التجارات و المكاسب. وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ اللّه تعالى، فإنكم إذا شكرتموه، زادكم من نعمه و أثابكم على شكركم أجرا جزيلا. وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ‏ ، أي: من فضله و إحسانه. و هذا شامل لأجرام السماوات و الأرض، و لما أودع اللّه فيهما، من الشمس و القمر، و الكواكب، و الثوابت، و السيارات، و أنواع الحيوانات، و أصناف الأشجار و الثمرات، و أجناس المعادن، و غير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم، و مصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته، و أن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته و حكمه، و لهذا قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏ . و جملة ذلك أن خلقها و تدبيرها و تسخيرها، دالّ على نفوذ مشيئة اللّه، و كمال قدرته. و ما فيها من الإحكام و الإتقان، و بديع الصنعة، و حسن الخلقة، دالّ على كمال حكمته و علمه. و ما فيها من السعة و العظمة و الكثرة، دال على سعة ملكه و سلطانه. و ما فيها من التخصيصات و الأشياء المتضادات، دليل على أنه الفعّال لما يريد. و ما فيها من المنافع، و المصالح الدينية و الدنيوية، دليل على سعة رحمته، و شمول فضله و إحسانه، و بديع لطفه و بره. و كل ذلك دال على أنه وحده، المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة و الذل و المحبة إلا له، و أن رسله صادقون فيما جاؤوا به. فهذه أدلة عقلية واضحة، لا تقبل ريبا و لا شكا.

[14] يأمر تعالى عباده المؤمنين بحسن الخلق، و الصبر على أذية المشركين به، الّذين لا يرجون أيام اللّه، أي: لا يرجون ثوابه، و لا يخافون وقائعه في العاصين، فإنه تعالى سيجزي كل قوم بما يكسبون. فأنتم يا معشر المؤمنين، يجزيكم على إيمانكم، و صفحكم و صبركم، ثوابا جزيلا.

[15] و هم- إن استمروا على تكذيبهم- فلا يحل بكم ما حلّ بهم من العذاب الشديد و الخزي، و لهذا قال: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ‏ (15).

[16] أي: و لقد أنعمنا على بني إسرائيل نعما لم تحصل لغيرهم من الناس، و آتيناهم‏ الْكِتابَ‏ ، أي: التوراة و الإنجيل، وَ الْحُكْمَ‏ بين الناس، وَ النُّبُوَّةَ الّتي امتازوا بها، و صارت النبوة في ذرية إبراهيم عليه السّلام، أكثرهم من بني إسرائيل. وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ من المآكل و المشارب و الملابس، و إنزال المن و السلوى عليهم.

وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ‏ ، أي: على الخلق بهذه النّعم، و يخرج من هذا العموم اللفظي، هذه الأمة، فإنهم خير أمة أخرجت للناس. و السياق يدل على أن المراد غير هذه الأمة، فإن اللّه يقص علينا ما امتن به على بني إسرائيل، و ميزهم على غيرهم. و أيضا فإن الفضائل الّتي فاق بها بنو إسرائيل من الكتاب، و الحكم، و النبوة، و غيرها من النعوت، قد حصلت كلها لهذه الأمة، و زادت عليهم هذه الأمة فضائل كثيرة، فهذه الشريعة، شريعة بني إسرائيل جزء منها، فإن هذا الكتاب مهيمن على سائر الكتب السابقة، و محمد صلّى اللّه عليه و سلّم مصدق لجميع المرسلين.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 937

[17] وَ آتَيْناهُمْ‏ ، أي: آتينا بني إسرائيل‏ بَيِّناتٍ‏ ، أي: دلالات تبين الحق من الباطل‏ مِنَ الْأَمْرِ القدري، الذي أوصله اللّه إليهم. و تلك الآيات هي المعجزات التي رأوها على يد موسى عليه السّلام. فهذه النعم التي أنعم اللّه بها على بني إسرائيل، تقتضي الحال أن يقوموا بها على أكمل الوجوه، و أن يجتمعوا على الحق، الذي بينه اللّه لهم، و لكن انعكس الأمر، فعاملوها بعكس ما يجب. و افترقوا فيما أمروا بالاجتماع به، و لهذا قال: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ‏ ، أي: الموجب لعدم الاختلاف، و إنما حملهم على الاختلاف البغي من بعضهم على بعض، و الظلم. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ فيميز المحق من المبطل، و الذي حمله على الاختلاف، الهوى و غيره.

[18] أي: ثمّ شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير، و تنهى عن كل شر، من أمرنا الشرعي‏ فَاتَّبِعْها ، فإن في اتباعها السعادة الأبدية، و الصلاة و الفلاح. وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ ، أي: الّذين تكون أهويتهم، غير تابعة للعلم، و لا ماشية خلفه، و هم كل من خالف شريعة الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم هواه و إرادته، فإنه من أهواء الّذين لا يعلمون.

[19] إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ، أي:

لا ينفعونك عند اللّه، فيحصلوا لك الخير، و يدفعوا عنك الشر، إن اتبعتهم على أهوائهم، و لا يصلح أن توافقهم و تواليهم، فإنك و إياهم متباينون. وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ‏ يخرجهم من الظلمات إلى النور بسبب تقواهم و عملهم بطاعته.

[20] أي‏ هذا القرآن الكريم و الذكر الحكيم‏ بَصائِرُ لِلنَّاسِ‏ ، أي: تحصل به التبصرة في جميع الأمور للناس، فيحصل به الانتفاع للمؤمنين. وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏ فيهتدون به إلى الصراط المستقيم، في أصول الدين و فروعه، و يحصل به الخير و السرور، و السعادة في الدنيا و الآخرة، و هي الرحمة، فتزكو به نفوسهم، و تزداد به عقولهم، و يزيد به إيمانهم و يقينهم، و تقوم به الحجة على من أصر و عاند.

[21] أي: أم حسب المسيئون، المكثرون من الذنوب، المقصرون في حقوق ربهم. أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ بأن قاموا بحقوق ربهم، و اجتنبوا مساخطه، و لم يزالوا مؤثرين رضاه على هوى أنفسهم؟ أي:

أحسبوا أن يكونوا سَواءً في الدنيا و الآخرة؟ ساء ما ظنوا و حسبوا، و ساء ما حكموا به فإنه حكم يخالف حكمة أحكم الحاكمين، و خير العادلين، و يناقض العقول السليمة، و الفطر المستقيمة، و يضاد ما نزلت به الكتب، و أخبرت به الرسل. بل الحكم الواقع القطعي، أن المؤمنين العاملين الصالحات، لهم النصر و الفلاح و السعادة و الثواب، في العاجل و الآجل، كل على قدر إحسانه، و أن المسيئين لهم الغضب و الإهانة، و العذاب و الشقاء في الدنيا و الآخرة.

[22] أي: خلق اللّه السماوات و الأرض بالحكمة، و ليعبد وحده لا شريك له. ثمّ يحاسب بعد ذلك من أمرهم بعبادته، و أنعم عليهم بالنعم الظاهرة و الباطنة هل شكروا اللّه تعالى، و قاموا بالمأمور؟ أم كفروا، فاستحقوا جزاء الكفور؟

تيسير الكريم الرحمن، ص: 938

[23] يقول تعالى: أَ فَرَأَيْتَ‏ الرجل الضال الذي‏ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ‏ فما هواه سلكه، سواء كان يرضي اللّه، أم يسخطه. وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ‏ من اللّه، أنه لا تليق به الهداية، و لا يزكو عليها. وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ‏ فلا يسمع ما ينفعه‏ وَ قَلْبِهِ‏ فلا يعي الخير وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً تمنعه من نظر الحقّ‏ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ‏ ، أي: لا أحد يهديه و قد سد اللّه عليه أبواب الهداية، و فتح له أبواب الغواية. و ما ظلمه اللّه، و لكن هو الذي ظلم نفسه، و تسبب لمنع رحمة اللّه عليه‏ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ ما ينفعكم فتسلكوه، و ما يضركم فتجتنبوه.

[24] وَ قالُوا ، أي: منكرو البعث‏ ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ إن هي إلا عادات، و جري على رسوم الليل و النهار، يموت أناس، و يحيا أناس، و من مات فليس براجع إلى اللّه، و لا مجازى بعمله. و قولهم هذا صادر عن غير علم‏ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ‏ فأنكروا المعاد و كذبوا الرسل الصادقين، من غير دليل دلهم، و لا برهان.

[25] إن هي إلا ظنون، و استبعادات خالية عن الحقيقة، و لهذا قال تعالى: وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (25)، و هذا جراءة منهم على اللّه، حيث اقترحوا هذا الاقتراح، و زعموا أن صدق رسل اللّه، متوقف على الإتيان بآبائهم، و أنهم لو جاؤوهم بكل آية لم يؤمنوا، إلا إن اتبعتهم الرسل على ما قالوا.

[26] و هم كذبة فيما قالوا، و إنّما قصدهم دفع دعوة الرسل، لا بيان الحقّ، قال تعالى: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ (26) و إلا فلو وصل العلم باليوم الآخر إلى قلوبهم، لعملوا له أعمالا و تهيؤوا له.

[27] يخبر تعالى عن سعة ملكه، و انفراده بالتصرف و التدبير، في جميع الأوقات، و أنه‏ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ و يجمع الخلائق لموقف القيامة، يحصل الخسار على المبطلين، الّذين أتوا بالباطل، ليدحضوا به الحقّ، و كانت أعمالهم باطلة، لأنها متعلقة بالباطل، فبطلت في يوم القيامة، اليوم الذي تستبين فيه الحقائق و اضمحلت عنهم، و فاتهم الثواب، و حصلوا على أليم العقاب.

[28] ثمّ وصف تعالى شدة يوم القيامة و هو له ليحذره الناس، و يستعد له العباد، فقال: وَ تَرى‏ أيها الرائي لذلك اليوم‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً على ركبها خوفا و ذعرا، و انتظارا لحكم الملك الرحمن. كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا ، أي: إلى شريعة نبيهم، الذي جاءهم من عند اللّه، و هل قاموا بها فيحصل الثواب و النجاة؟ أم ضيعوها، فيحصل لهم الخسران. الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ فأمة موسى يدعون إلى شريعة موسى، و أمة عيسى كذلك، و أمة محمد كذلك، و هكذا غيرهم كل أمة تدعى إلى شرعها الذي كلفت به. هذا أحد الاحتمالات في الآية، و هو معنى صحيح في نفسه، غير مشكوك فيه، و يحتمل أن المراد بقوله: كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا ، أي:

إلى كتاب أعمالها، و ما سطر عليها، من خير و شر، و أن كل أحد يجازى بما عمله بنفسه، كقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها* .

صفحه بعد