کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تيسير الكريم الرحمن

سورة الفاتحة سورة آل عمران سورة المائدة سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة الرعد سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف تفسير سورة مريم سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة الزمر تفسير سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف تفسير سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق سورة الطور تفسير سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن تفسير سورة المزمل سورة المدثر تفسير سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات تفسير سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس تفسير سورة التكوير سورة الإنفطار سورة المطففين تفسير سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد سورة الشمس سورة الليل تفسير سورة الضحى سورة الشرح سورة التين تفسير سورة العلق سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر تفسير سورة الهمزة سورة الفيل تفسير سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص سورة الفلق تفسير سورة الناس محتوى تفسير الإمام السعدي

تيسير الكريم الرحمن


صفحه قبل

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1042

ألوهيته سبحانه، و سعة غناه، و افتقار جميع الخلائق إليه، و تسبيح من في السماوات و الأرض بحمد ربها، و أن الملك كله للّه، فلا يخرج عن ملكه مخلوق. و الحمد كله له، حمد على ما له من صفات الكمال، و حمد على ما أوجده من الأشياء، و حمد على ما شرعه من الأحكام، و أسداه من النعم. و قدرته شاملة، لا يخرج عنها موجود، فلا يعجزه شي‏ء يريده.

[2] و ذكر أنه خلق العباد، و جعل منهم المؤمن و الكافر، فإيمانهم و كفرهم كله، بقضاء اللّه و قدره، و هو الذي شاء ذلك منهم، بأن جعل لهم قدرة و إرادة، بها يتمكنون من كلّ ما يريدون، من الأمر و النهي، وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .

[3] فلما ذكر خلق الإنسان المأمور المنهي، ذكر خلق باقي المخلوقات، فقال: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ ، أي:

أجرامهما، و جميع ما فيهما، فأحسن خلقهما. بِالْحَقِ‏ ، أي: بالحكمة، و الغاية المقصودة له تعالى. وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ كما قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏ (4). فالإنسان، أحسن المخلوقات صورة، و أبهاها منظرا. وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، أي: المرجع يوم القيامة، فيجازيكم على إيمانكم و كفركم، و يسألكم عن النعم و النعيم الذي أولاكم، هل قمتم بشكره أم لم تقوموا به؟ ثمّ ذكر عموم علمه، فقال:

[4] يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ، أي: في السرائر و الظواهر، و الغيب و الشهادة. وَ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ، أي: بما فيها من الأسرار الطيبة، و الخبايا الخبيثة، و النيات الصالحة، و المقاصد الفاسدة. فإذا كان عليما بذات الصدور، تعين على العاقل البصير، أن يحرص و يجتهد في حفظ باطنه، من الأخلاق الرذيلة، و اتصافه بالأخلاق الجميلة.

[5] لما ذكر تعالى من أوصافه الكاملة العظيمة، ما به يعرف و يعبد، و يبذل الجهد في مرضاته، و تجتنب مساخطه، أخبر بما فعل بالأمم السابقين، و القرون الماضين، الّذين لم تزل أنباؤهم، يتحدث بها المتأخرون، و يخبر بها الصادقون، و أنهم حين جاءتهم رسلهم بالحق، كذبوهم و عاندوهم. فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ‏ في الدنيا، و أخزاهم اللّه فيها وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ في الدار الآخرة، و لهذا ذكر السبب في هذه العقوبة، فقال:

[6] ذلِكَ‏ النكال و الوبال، الذي أحللناه بهم‏ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ ، أي: بالآيات الواضحات، الدالة على الحقّ و الباطل، فاشمأزوا، و استكبروا على رسلهم، فقالوا: أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا ، أي: ليس لهم فضل علينا، و لأي شي‏ء خصهم اللّه دوننا. كما قال في الآية الأخرى: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ فهم حجروا فضل اللّه و منته على أنبيائه أن يكونوا رسلا للخلق، و استكبروا عن الانقياد لهم. فابتلوا بعبادة الأشجار، و الأحجار و نحوها فَكَفَرُوا باللّه‏ وَ تَوَلَّوْا عن طاعته. وَ اسْتَغْنَى اللَّهُ‏ عنهم، فلا يبالي بهم، و لا يضره ضلالهم شيئا. وَ اللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، أي: هو الغني، الذي له الغني التام المطلق، من جميع الوجوه. الحميد، في أقواله و أفعاله و أوصافه.

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1043

[7] يخبر تعالى عن عناد الكافرين، و زعمهم الباطل، و تكذيبهم بالبعث بغير علم، و لا هدى و لا كتاب منير.

فأمر أشرف خلقه، أن يقسم بربه على بعثهم، و جزائهم بأعمالهم الخبيثة، و تكذيبهم بالحق. وَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فإنه، و إن كان عسيرا بل متعذرا، بالنسبة إلى الخلق، فإن قواهم كلهم، لو اجتمعت على إحياء ميت واحد، ما قدروا على ذلك. و أما اللّه تعالى، فإنه إذا أراد شيئا، قال له كن فيكون. قال تعالى: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى‏ فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ‏ (68).

[8] لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث، و أن ذلك منهم موجب كفرهم باللّه و آياته، أمر بما يعصم من الهلكة و الشقاء، و هو الإيمان به، و برسوله، و بكتابه. و سماه اللّه نورا، لأن النور ضد الظلمة، فما في الكتاب الذي أنزله اللّه من الأحكام و الشرائع و الأخبار، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل المدلهمة، و يمشى بها في حندس الليل البهيم. و ما سوى الاهتداء بكتاب اللّه، فهي علوم، ضررها أكثر من نفعها، و شرها أكثر من خيرها. بل لا خير فيها و لا نفع، إلّا ما وافق ما جاءت به الرسل. و الإيمان باللّه و رسوله و كتابه، يقتضي الجزم التام، و اليقين الصادق بها، و العمل بمقتضى ذلك التصديق، من امتثال الأوامر، و اجتناب النواهي. وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازيكم بأعمالكم، الصالحة و السيئة.

[9] يعني: اذكروا يوم الجمع الذي يجمع اللّه به الأولين و الآخرين، و يقفهم موقفا هائلا عظيما، و ينبئهم بما عملوا. فحينئذ يظهر الفرق و التغابن بين الخلائق، و يرفع أقوام إلى أعلى عليين، في الغرف العاليات، و المنازل المرتفعات، المشتملة على جميع اللذات و الشهوات. و يخفض أقوام إلى أسفل سافلين، محل الهم و الغم، و الحزن و العذاب الشديد، و ذلك نتيجة ما قدموه لأنفسهم، و أسلفوه أيام حياتهم، و لهذا قال: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ‏ . أي:

يظهر فيه التغابن، و التفاوت بين الخلائق، و يغبن المؤمنون الفاسقين، و يعرف المجرمون، أنهم على غير شي‏ء، و أنهم هم الخاسرون، فكأنه قيل: بأي شي‏ء يحصل الفلاح و الشقاء و النعيم و العذاب؟ فذكر أسباب ذلك بقوله: وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ‏ إيمانا تاما، شاملا لجميع ما أمر اللّه بالإيمان به. وَ يَعْمَلْ صالِحاً من الفرائض و النوافل، من أداء حقوق اللّه و حقوق عباده. يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، فيها ما تشتهيه الأنفس، و تلذ الأعين، و تختاره الأرواح، و تحن إليه القلوب، و يكون نهاية كلّ مرغوب. خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ .

[10] وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ، أي: كفروا بها، من غير مستند شرعي و لا عقلي. بل جاءتهم الأدلة و البينات، فكذبوا بها و عاندوا، ما دلت عليه. أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ لأنها جمعت كلّ بؤس و شدة، و شقاء و عذاب.

[11] يقول تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ هذا عام لجميع المصائب، في النفس، و المال، و الولد، و الأحباب، و نحوهم. فجميع ما أصاب العباد، بقضاء اللّه و قدره، قد سبق بذلك، علم اللّه، و جرى به قلمه، و نفذت مشيئته، و اقتضته حكمته، و لكن الشأن كلّ الشأن، هل يقوم العبد بالوظيفة، الّتي عليه في هذا المقام، أم لا يقوم بها؟ فإن قام بها، فله الثواب الجزيل، و الأجر الجميل، في الدنيا و الآخرة. فإذا آمن أنها من عند اللّه، فرضي بذلك، و سلّم لأمره، هدى اللّه قلبه، فاطمأن و لم ينزعج عند المصائب، كما يجري ممن لم يهد اللّه قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها و القيام بموجب الصبر فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر له يوم الجزاء من الأجر العظيم، كما قال تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ . و علم من ذلك، أن من لم يؤمن باللّه عند ورود المصائب، بأن لم يلحظ قضاء اللّه و قدره، بل وقف مع مجرد الأسباب، أنه يخذل، و يكله اللّه إلى نفسه. و إذا و كلّ العبد إلى نفسه، فالنفس ليس عندها إلّا الهلع و الجزع، الذي هو عقوبة عاجلة على العبد، قبل عقوبة الآخرة، على ما فرط في واجب الصبر. هذا ما يتعلق بقوله: وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏ ، في مقام المصائب الخاص. و أما ما يتعلق بها من حيث العموم اللفظي، فإن اللّه أخبر أن كلّ من آمن، أي: الإيمان المأمور به،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1044

و هو الإيمان باللّه و ملائكته، و كتبه، و رسله، و اليوم الآخر، و القدر خيره و شره. و صدق إيمانه، بما يقتضيه الإيمان من لوازمه و واجباته، أن هذا السبب الذي قام به العبد، أكبر سبب لهداية اللّه له في أقواله و أفعاله، و جميع أحواله و في علمه و عمله. و هذا أفضل جزاء، يعطيه اللّه لأهل الإيمان، كما قال تعالى- مخبرا- أنه يثبت المؤمنين في الحياة الدنيا، و في الآخرة. و أصل الثبات: ثبات القلب و صبره، و يقينه عند ورود كلّ فتنة، فقال: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ ، فأهل الإيمان، أهدى الناس قلوبا، و أثبتهم عند المزعجات و المقلقات، و ذلك لما معهم من الإيمان.

[12] و قوله: وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ‏ ، أي: في امتثال أمرهما، و اجتناب نهيهما، فإن طاعة اللّه، و طاعة رسوله، مدار السعادة، و عنوان الفلاح. فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ‏ ، أي: عن طاعة اللّه و طاعة رسوله، فَإِنَّما عَلى‏ رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ ، أي: يبلغكم ما أرسل به إليكم، بلاغا بينا واضحا، فتقوم عليكم به الحجة، و ليس بيده من هدايتكم، و لا من حسابكم شي‏ء. و إنّما يحاسبكم على القيام بطاعة اللّه و طاعة رسوله، أو عدم ذلك، عالم الغيب و الشهادة.

[13] اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، أي: هو المستحق للعبادة و الألوهية، فكل معبود سواه باطل. وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ ، أي: فليعتمدوا عليه في كلّ أمر نابهم، و فيما يريدون القيام به. فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلّا باللّه، و لا سبيل إلى ذلك إلّا بالاعتماد على اللّه، و لا يتم الاعتماد على اللّه، حتى يحسن العبد ظنه بربه، و يثق به في كفايته الأمر، الذي يعتمد عليه به، و بحسب إيمان العبد يكون توكله، قوة و ضعفا.

[14- 15] هذا تحذير من اللّه للمؤمنين، عن الاغترار بالأزواج و الأولاد، فإن بعضهم عدو لكم، و العدو هو الذي يريد لك الشر، فوظيفتك الحذر ممن هذه صفته، و النفس مجبولة على محبة الأزواج و الأولاد. فنصح تعالى عباده، أن توجب لهم هذه المحبة، الانقياد لمطالب الأزواج و الأولاد، الّتي فيها محذور شرعي، و رغبهم في امتثال أوامره، و تقديم مرضاته بما عنده، من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية، و المحاب الغالية، و أن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية. و لما كان النهي عن طاعة الأزواج و الأولاد، فيما هو ضرر على العبد، و التحذير من ذلك، قد يوهم الغلظة عليهم و عقابهم، أمر تعالى بالحذر منهم، و الصفح عنهم و العفو، فإن في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره، فقال: وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ لأن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا، عفا اللّه عنه، و من صفح، صفح عنه، و من عامل اللّه فيما يحب، و عامل عباده بما يحبون، و ينفعهم، نال محبة اللّه، و محبة عباده، و استوثق له أمره.

[16] يأمر تعالى بتقواه، الّتي هي امتثال أوامره، و اجتناب نواهيه، و قيد ذلك بالاستطاعة و القدرة. فهذه الآية تدل على أن كلّ واجب عجز عنه العبد، يسقط عنه، و أنه إذا قدر على بعض الأمور، و عجز عن بعضها، فإنه يأتي بما قدر عليه، و يسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». و يدخل تحت‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1045

هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر. و قوله: وَ اسْمَعُوا ، أي: اسمعوا ما يعظكم اللّه به، و ما يشرعه لكم، من الأحكام و اعلموا ذلك، و انقادوا له‏ وَ أَطِيعُوا اللّه و رسوله في جميع أموركم. وَ أَنْفِقُوا من النفقات الواجبة و المستحبة، يكن ذلك الفعل منكم‏ خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ‏ في الدنيا و الآخرة، فإن الخير كله في امتثال أوامر اللّه، و قبول نصائحه، و الانقياد لشرعه، و الشر كله، في مخالفة ذلك. و لكن ثمّ آفة تمنع كثيرا من الناس، من النفقة المأمور بها، و هو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس، فإنها تشح بالمال، و تحب وجوده، و تكره خروجه من اليد غاية الكراهة. وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ‏ بأن تسمح بالإنفاق النافع لها فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ لأنهم أدركوا المطلوب، و نجوا من المرهوب، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد، و نهى عنه. فإنه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، و لا تخرج ما قبلها، «من النفقات المأمورة بها» لم يفلح، بل خسر الدنيا و الآخرة. و إن كانت نفسه نفسا سمحة، مطمئنة، منشرحة لشرع اللّه، طالبة لمرضاته، فإنها ليس بينها و بين فعل ما كلفت به إلّا العلم به، و وصول معرفته إليها، و البصيرة بأنه مرض للّه، و بذلك تفلح و تنجح و تفوز كلّ الفوز.

[17] ثمّ رغّب تعالى في النفقة، فقال: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً و هو: كل نفقة كانت في الحلال، و إذا قصد بها العبد وجه اللّه تعالى، و وضعها في موضعها يُضاعِفْهُ لَكُمْ‏ ، النفقة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وَ مع المضاعفة أيضا يَغْفِرْ لَكُمْ‏ بسبب الإنفاق و الصدقة، ذنوبكم، فإن الذنوب تكفرها الصدقات و الحسنات: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ‏ . وَ اللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ‏ لا يعاجل من عصاه، بل يمهله و لا يهمله. وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ .

وَ اللَّهُ‏ تعالى‏ شَكُورٌ يقبل من عباده اليسير من العمل، و يجازيهم عليه الكثير من الأجر. و يشكر تعالى لمن تحمل من أجله المشاق و الأثقال، و أنواع التكاليف الثقال، و من ترك شيئا، عوضه اللّه خيرا منه.

[18] عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ ، أي: ما غاب عن العباد من الجنود الّتي لا يعلمها إلّا هو، و ما يشاهدونه من المخلوقات. الْعَزِيزُ الذي لا يغالب، و لا يمانع، الذي قهر جميع الأشياء. الْحَكِيمُ‏ في خلقه و أمره، الذي يضع الأشياء مواضعها. تم تفسير سورة التغابن- و للّه الحمد.

تفسير سورة الطلاق‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

[1] يقول تعالى- مخاطبا لنبيه صلّى اللّه عليه و سلّم و للمؤمنين-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ، أي: أردتم طلاقهن (ف) التمسوا لطلاقهن الأمر المشروع، و لا تبادروا بالطلاق، من حين يوجد سببه، من غير مراعاة لأمر اللّه. بل طلقوهن‏ لِعِدَّتِهِنَ‏ ، أي: لأجل عدتهن، بأن يطلقها زوجها، و هي طاهر، في طهر لم يجامعها فيه، فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة. بخلاف ما لو طلقها و هي حائض، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة، الّتي وقع فيها الطلاق، و تطول عليها العدة بسبب ذلك. و كذلك لو طلقها في طهر و طى‏ء فيه، فإنه لا يؤمن حملها، فلا يتبين، و لا يتضح بأي عدة تعتد. وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ و إحصاء العدة، ضبطها إن كانت تحيض، أو بالأشهر، إن لم تكن تحيض، و ليست حاملا. فإن في إحصائها، أداء لحق اللّه، و حق الزوج المطلق، و حق من سيتزوجها بعد،

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1046

و حقها في النفقة و نحوها. فإذا ضبطت عدتها، علمت حالها على بصيرة، و علم ما يترتب عليها، من الحقوق، و ما لها منها. و هذا الأمر بإحصاء العدة، يتوجه للزوج، و للمرأة، إن كانت مكلفة، و إلا فلوليّها. و قوله: وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ‏ ، أي: في جميع أموركم، و خافوه في حق الزوجات المطلقات. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ‏ مدة العدة، بل تلزم بيتها الذي طلقها زوجها و هي فيه. وَ لا يَخْرُجْنَ‏ ، أي: لا يجوز لهن الخروج منها. أما النهي عن إخراجها، فلأن المسكن، يجب على الزوج للزوجة، لتكمل فيه عدتها الّتي هي حق من حقوقه. و أما النهي عن خروجها، فلما في خروجها، من إضاعة حق الزوج، و عدم صونه. و يستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت، و الإخراج إلى تمام العدة. إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، أي: بأمر قبيح واضح، موجب لإخراجها، بحيث يدخل على أهل البيت الضرر، من عدم إخراجها، كالأذى بالأقوال، و الأفعال الفاحشة، ففي هذه الحال يجوز لهم إخراجها، لأنها هي الّتي تسببت لإخراج نفسها، و الإسكان فيه جبر لخاطرها، و رفق بها، فهي الّتي أدخلت الضرر عليها، و هذا في المعتدة الرجعية. و أما البائن، فليس لها سكنى واجبة، لأن السكن تبع للنفقة، و النفقة تجب للرجعية دون البائن. وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ‏ ، أي: الّتي حدها لعباده و شرعها لهم، و أمرهم بلزومها، و الوقوف معها. وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ‏ بأن لم يقف معها، بل تجاوزها، أو قصر عنها. فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏ ، أي: بخسها حقها، و أضاع نصيبه من اتباع حدود اللّه الّتي هي الصلاح في الدنيا و الآخرة. لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ، أي: شرع اللّه العدة، و حدد الطلاق بها، لحكم عظيمة. فمنها: أنه لعل اللّه يحدث في قلب المطلق الرحمة و المودة، فيراجع من طلقها، و يستأنف عشرتها، فيتمكن من ذلك «من معرفة» مدة العدة، و لعله يطلقها لسبب منها، فيزول ذلك السبب، في مدة العدة، فيراجعها، لانتفاء سبب الطلاق. و من الحكم: أنها مدة التربص، يعلم براءة رحمها من زوجها.

[2] و قوله: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ‏ ، أي: قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرا بين الإمساك و الفراق. فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏ ، أي؛ على وجه المعاشرة الحسنة، و الصحبة الجميلة، لا على وجه الضرر، و إرادة الشر و الحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه لا يجوز. أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏ ، أي: فراقا لا محذور فيه، من غير تشاتم و لا تخاصم، و لا قهر لها، على أخذ شي‏ء من مالها. وَ أَشْهِدُوا على طلاقها و رجعتها ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏ ، أي: رجلين مسلمين عدلين، لأن في الإشهاد المذكور، سدا لباب المخاصمة، و كتمان كلّ منهما، ما يلزم بيانه. وَ أَقِيمُوا أيها الشهداء الشَّهادَةَ لِلَّهِ‏ ، أي: ائتوا بها على وجهها، من غير زيادة و لا نقص. و اقصدوا بإقامتها، وجه اللّه تعالى، و لا تراعوا بها قريبا لقرابته، و لا صاحبا لمحبته. ذلِكُمْ‏ الذي ذكرنا لكم من الأحكام و الحدود يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فإن الإيمان باللّه، و اليوم الآخر، يوجب لصاحبه أن يتعظ بمواعظ اللّه، و أن يقدم لآخرته من الأعمال الصالحة، ما يتمكن منها. بخلاف من ترحل الإيمان من قلبه، فإنه لا يبالي بما أقدم عليه من الشر، و لا يعظم مواعظ اللّه، لعدم الموجب لذلك. و لما كان الطلاق، قد يوقع في‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1047

الضيق و الكرب و الغم، أمر تعالى بتقواه و وعد من اتقاه في الطلاق و غيره بأن يجعل له فرجا و مخرجا. فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه الشرعي، بأن أوقعه طلقة واحدة، في غير حيض و لا طهر أصابها فيه، فإنه لا يضيق عليه الأمر، بل جعل اللّه له فرجا و سعة، يتمكن بها من الرجوع إلى النكاح، إذا ندم على الطلاق. و الآية، و إن كانت في سياق الطلاق و الرجعة، فإن العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى اللّه، و لازم مرضاته في جميع أحواله، فإن اللّه يثيبه في الدنيا و الآخرة. و من جملة ثوابه أن يجعل له فرجا و مخرجا من كلّ شدة و مشقة. و كما أن من اتقى اللّه، جعل له فرجا و مخرجا، فمن لم يتق اللّه، يقع في الآصار و الأغلال، الّتي لا يقدرون على التخلص منها، و الخروج من تبعتها. و اعتبر ذلك في الطلاق، فإن العبد إذا لم يتق اللّه فيه، بل أوقعه، على الوجه المحرم، كالثلاث و نحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة، لا يتمكن من استدراكها، و الخروج منها.

[3] و قوله: وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ‏ ، أي: يسوق اللّه الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه، و لا يشعر به. وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏ في أمر دينه و دنياه، بأن يعتمد على اللّه في جلب ما ينفعه، و دفع ما يضره، و يثق به في تسهيل ذلك‏ فَهُوَ حَسْبُهُ‏ ، أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه فيه. و إذا كان الأمر في كفالة الغني القوي، العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كلّ شي‏ء. و لكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له، فلهذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ‏ ، أي: لا بد من نفوذ قضائه و قدره. و لكن‏ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً ، أي: وقتا و مقدارا، لا يتعداه، و لا يقصر عنه.

[4] لما ذكر تعالى، أن الطلاق المأمور به، يكون لعدة النساء، ذكر العدة، فقال: وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ‏ بأن كن يحضن، ثمّ ارتفع حيضهن، لكبر أو غيره، و لم يرج رجوعه‏ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ جعل كلّ شهر، مقابله حيضة. وَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏ ، أي: الصغار اللائي لم يأتهن الحيض بعد، أو البالغات، اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية، فإنهن كالآيسات، عدتهن ثلاثة أشهر. و أما اللائي يحضن، فذكر اللّه عدتهن في قوله:

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ . و قوله: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ‏ ، أي: عدتهن‏ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ‏ ، أي: جميع ما في بطونهن، من واحد، و متعدد، و لا عبرة حينئذ بالأشهر و لا غيرها. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً أي: من اتقى، يسّر له الأمور، و سهّل عليه كلّ عسير.

[5] ذلِكَ‏ ، أي: الحكم الذي بينه اللّه لكم‏ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ‏ لتمشوا عليه، و تأتموا به، و تعظموه. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ، أي: يندفع عنه المحذور، و يحصل له المطلوب.

[6] تقدم أن اللّه نهى عن إخراج المطلقات من البيوت، و هنا أمر بإسكانهن و قدر إسكانهن بالمعروف، و هو البيت الذي يسكنه مثله و مثلها، بحسب وجد الزوج و عسره. وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ‏ ، أي: لا تضاروهن، عند سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت، قبل تمام العدة، فتكونوا أنتم المخرجين لهن. و حاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، و نهاهن عن الخروج، و أمر بسكناهن، على وجه لا يحصل به عليهن‏

تيسير الكريم الرحمن، ص: 1048

ضرر و لا مشقة، و ذلك راجع إلى العرف. وَ إِنْ كُنَ‏ ، أي: المطلقات‏ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ‏ و ذلك لأجل الحمل الذي في بطنها، إن كانت بائنا. و لها و لحملها، إن كانت رجعية و منتهى النفقة، إلى وضع الحمل، فإذا وضعن حملهن، فإما أن يرضعن أولادهن، أو لا. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ‏ المسماة لهن، إن كان مسمى، و إلا فأجر المثل. وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ‏ ، أي: و ليأمر كل واحد من الزوجين و غيرهما، الآخر بالمعروف، و هو كلّ ما فيه منفعة و مصلحة في الدنيا و الآخرة، فإن الغفلة عن الائتمار بالمعروف، يحصل فيها من الضرر و الشر، ما لا يعلمه إلا اللّه، و في الائتمار به تعاون على البر و التقوى. و مما يناسب هذا المقام، أن الزوجين عند الفراق وقت العدة، خصوصا إذا ولد بينهما ولد، في الغالب يحصل من التنازع و التشاجر لأجل النفقة عليها و على الولد مع الفراق، الذي لا يحصل في الغالب إلا مقرونا بالبغض، فيتأثر من ذلك شي‏ء كثير. فكل منهما يؤمر بالمعروف، و المعاشرة الحسنة، و عدم المشاقة و المنازعة، و ينصح على ذلك. وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ‏ بأن لم يتفق الزوجان على رضاعها لولدها. فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى‏ غيرها فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏ . و هذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير أمه، فإن لم يقبل إلا ثدي أمه، تعينت لإرضاعه، و وجب عليها، و أجبرت إن امتنعت، و كان لها أجرة المثل، إن لم يتفقا على مسمى. و هذا مأخوذ من الآية الكريمة من حيث المعنى، فإن الولد، لما كان في بطن أمه مدة الحمل، لا خروج له منه، عينّ تعالى على وليه النفقة. فلما ولد، و كان يتمكن أن يتقوت من أمه، و من غيرها، أباح تعالى الأمرين، فإذا كان بحالة، لا يمكن أن يتقوت إلا من أمه، كان بمنزلة الحمل، و تعينت أمه طريقا لقوته. ثمّ قدر تعالى النفقة، بحسب حال الزوج، فقال:

[7] لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ‏ ، أي: لينفق الغني من غناه، فلا ينفق نفقة الفقراء. وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏ ، أي: ضيق عليه‏ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ‏ من الرزق. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها و هذا مناسب للحكمة و الرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه، و خفف عن المعسر، و أنه لا يكلفه إلا ما آتاه، فلا يكلف اللّه نفسا إلا وسعها، في باب النفقة و غيرها. سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ، و هذه بشارة للمعسرين، أن اللّه تعالى سيزيل عنهم الشدة، و يرفع عنهم المشقة، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5).

[8] يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية، و القرون المكذبة للرسل، و أن كثرتهم و قوتهم، لم تغن عنهم شيئا، حين جاءهم الحساب الشديد، و العذاب الأليم، و أن اللّه أذاقهم من العذاب ما هو موجب أعمالهم السيئة. و مع عذاب الدنيا، فإن اللّه أعد لهم في الآخرة عذابا شديدا.

صفحه بعد